قد تظن من الوهلة الأولى من تأثير العنوان أن الكتاب سوف يحدثك عن حكايات مؤلمة , أو خواطر من معاناة الحياة , فتجد فيها ذاتك الغامضة , أو تجد فيها على الأقل سلوى وتعزية . لكن دعنى أكون عند سوء ظنك " كعادتى " .. ربما فعلاً تجد شيئاً مما سبق , لكن .. هذه المجموعة من المقالات والقصص التجريدية والحِكَم الحياتية أيضاً .. ليست لليائسين والبائسين وعشّاق دور الضحية .. نعم جاءت من وحى " الألم " .. لكنها أفضل طريق " للعمل " وتدارك الحال قبل فوات الأوان .
ثمة أمر آخر هام لخصته الكاتبة أحلام مستغانمى فى قولها : " لماذا نحب كاتباً بالذات ؟ لا لأنّه يُبهرنا بتفوقه علينا ، بل لأنّه يُدهشنا بتشابهه معنا. لأنه يبوح لنا بمخاوفه وأسراره ، التي ليست سوى أسرارنا .. والتي لا نملك شجاعة الاعتراف بها، حتى لهذا الكاتب نفسه " .
أعتبر نفسى من هذه النوعية .. لا أخجل من انسانيتى ولا أخفيها .. لا أخشى دموعى , ولا أضمر ألمى .. كما لا أحب أن أفرح وحدى .. أوقن أن السعادة هى الشيئ الوحيد الذى يمكن أن تمنحه للآخرين حتى وإن لم تكن تملكه .
إنسان مثل أى إنسان .. أسير للإحسان , يحب من أحبه , ويبغض من يحقّر شأنه , لكن الفارق الوحيد , هو أننى أقول كل شيئ دون قلق , فى وقت يظلم كثيرون أنفسهم بالاختباء وراء أقنعة مزيفة من العلو والسمو الواهمة والألقاب المستحدثة فهذا " مربى " , وهذا " مسؤول " , وهذا " كبير " , وهذا " مدير " , ومسميات أخرى فى كل الميادين بدءاً من الدعوية وانتهاءاً بالمهنية .. فأنستهم أنفسهم .
وتندهش حين تقترب منهم فتجدهم يتألمون مثل ما تألم ويطلبون منك نصحاً لغريق أو حيران فى الدنيا , غير أن اختلاف الأفهام وقصر النظر وضغط الواقع , حال بينهم وبين لحظات الاعتراف الداخلية التى تفيد فى تصحيح المسار .
فهذه إذاً مجموعة من اثنتين بين يديك .. أسميتها " من وحى الألم " , قد آثرت أن تكون بهذه التجزئة على علتها لحاجة فى نفسى .
وتشمل المجموعة الأولى , خمسة أقسام : الأول : مقالات من وحى الألم . الثانى : الحالة السيريالية ( قصتان ) . الثالث : انسانيات ( مواقف وعبر ) . الرابع : من أدب الرحيل ( لوحتان ) . الخامس : تألمت , فتأملت , فتعلمت ( تجربة حياة ) .
والخيوط هنا متشابكة , بحيث أنك لو حاولت فض اشتباكها سوف تضطر لقطع بعضها , فالمعانى فيها كثيرة , والترتيب غير مقصود , والتجربة أولى , والصيغة أدبية , والتوفيق أدعو , والعفو أرجو , والله من وراء القصد .
أخيراً .. فإنه من المناسب للغاية أن أذكّر نفسى وقارئى بما روى عن أحد الحكماء ( والرواية للأصمعى) , قوله " إنى لأعظكم وأنا كثير الذنوب مسرف على نفسى غير حامد لها , ولا حاملها على المكروه فى طاعة الله عزوجل , قد بلوتها فلم أجد لها شكراً فى الرخاء , ولا صبراً على البلاء . ولو ان المرء لا يعظ أخاه حتى يحكم أمر نفسه لترك الأمكر بالخير والنهى عن المنكر ,ولكن محادثة الاخوان حياة للقلوب وجلاء للنفوس وتذكير من النسيان " .
للألم فلسفة معينة لا يدركها إلا حكيم . لا يشقى الإنسان عندما يفقد السعادة فقط ، بل عندما يفقد الحزن و الألم أيضاً !ـ
تكمن روعة الكتاب في استخلاص الحكمة من أشد لحظات الألم حلكة ، تلك اللحظة التي لا يقوى على مقاومتها - مجرد المقاومة - لاستخلاص الحكمة إلا الشجعان . إنها شجاعة عظيمة ، و في المقابل - كنوع من الجزاء - لا تجد تلك الكلمات مستقراً إلا في قلب القاريء
سكن القلم ، و لم يسكن الألم
رحم الله المؤلف ، و أتمنى له أعظم أمنية .. الجنة مع من يحب
كُتيّب جميل.. فيه ن البديهيات ما غفلنا عنها أو توقفنا عن التفكير فيها لكي نتجنّب الاعتراف بتقصيرنا. في مقال "حكايتي مع العطاء" انتابني شعور كريه تجاه نفسي أولاً قبل أن يكون تجاه من حولي فـ مفهومنا عن العطاء أصبح متمركز حول ذاتنا بشكل جعله مشوّهاً بصورة لا أمل في الشفاء منها دون مثابرة و جهد كبير.