«لم يكن رياض الصالح الحسين ممن يتزلفون إلى الزمن، ممن لم يحتاجوا إلى رأفته، فقصيدته جاهزة وبصمته حاضرة منذ توقيعه الأول.»
- أمجد ناصر
"وقد يوافقني البعض القول أن تجربة رياض الصالح الحسين هي أكثر اكتمالاً مما قدمه الماغوط في هذا السياق، بل إنها قادت قصدية الماغوط -إذا كان لا بد من اعتبارها الأب الروحي لها- إلى هدوء داخلي. يقودها نحو الذات أكثر من المحيط."
- خلف علي خلف
"شاعر نفاد الصبر واختراق العالم والحياة."
- كاظم جهاد
"كتب خلف علي الخلف عن رياض الصالح الحسين: «سيأتي اليوم الذي يصبح فيه تدقيق معلومات عن رياض أمراً ليس هيناً» والصحيح، أن هذا اليوم جاء منذ زمن. وإذا أردنا التحديد، كان تماماً يوم السبت: 20/11/ 1982، يوم وفاة رياض الصالح الحسين، واختفاء الإنسان الوحيد الذي كان باستطاعتنا سؤاله عما يصعب ويلتبس علينا معرفته عنه وعن حياته، إلاّ أننا يوماً لم نفعل. وكأنه كان من الطبيعي ألاّ نفعل، فمن كان يصدق، من كان يخطر على باله، أن رياض سيموت وهو لم يتجاوز الثامنة والعشرين!؟"
يركض في عينيه كوكب مذبوح و سماء منكسرة يركض في عينيه بحر من النيون و محيط من العتمة الطبقية في عينيه –أيضًا- تركض صبيّة جميلة بقدمين حافيتين يغنّي: لقد كانت طريّة.. طريّة كالثلج و الينابيع لقد كانت سنبلة طريّة و لذلك التقطتها بمناقيرها العصافير لقد كانت طريّة.. طريّة تركض بقدمين حافيتين فوق سهل أجرد.
"من "خراب الدورة الدموية
وُلِدَ رياض الصالح الحسين في مدينة درعا في 10/3/1954 لأب موظف بسيط من قرية مارع في شمال حلب .كان والده يتنقّل مع عائلته بين المدن السورية ثلاثين عامًا .منعه الصمم و البكم من إكمال دراسته، فدأب على تثقيف نفسه بنفسه .اضطر إلى ممارسة العمل مبكرًا، كعامل و موظف و صحفي، و عانى من مشكلة البطالة .كان مستمرًّا في كتابة الشعر و الموضوعات الصحفية منذ عام 1976 حتى وفاته :أصدر ثلاث مجموعات شعريّة في حياته
خراب الدورة الدمويّة - مطابع وزارة الثقافة - دمشق 1979
أساطير يوميّة - مطابع وزارة الثقافة - دمشق 1980
بسيط كالماء واضح كطلقة مسدَّس - دار الجرمق - دمشق 1982
.أنجز مجموعته الشعريّة "وعل في الغابة" قبل وفاته
.كتب في الشعر، القصة القصيرة، قصص الأطفال، المقالة الصحفية، و النقد الأدبي .كتب عن الموت، و كتب في تمجيد الحياة كثيرًا .توفي في مستشفى المواساة بدمشق عصر يوم 21/11/ 1982
أربع مجموعات شعرية للشاعر رياض الصالح الحسين قصائد تُدون حياة صاحبها القصيرة بما فيها من أحزان وآمال ومشاعر وأبياتها تطوف حول الوطن والموت والحب
بين يديك أيُّها العالم أعدُّ حروبي وهزائمي وانتصاراتي وأسجِّل أسماء الجلاَّدين والضحايا أسماء العشاق والفاشلين والمغامرين والمضطهَدين ولا أنسى إسمي.. إسمي الوحيد، المتكرِّر، المتفرِّد الذي يعرفه الجميع ولا يعرفه أحد ------------ عشرةُ آلافِ غدٍ خرجت مِن حياتي البارحة وما زلت أقول غداً غداً تأتي الغيمة وتبلّلُ القلب المعطوب غداً يمدُّ النهر أصابعه ويربتُ على كتف عطشى الغدُ يتحول إلى اليوم اليوم يصير البارحة وأنا أنتظر بلهفة الغد الجديد -------------- أمامي الكثير لأعطيه وخلفي الكثير للمقابر أمامي النهر ورائحة الصباح والأغاني البشر الرائعون والسفر والعدالة وخلفي الكثير الكثير من الكهنة والتماثيل والمذابح وها أنذا أمشي وأمشي بين هزائمي الصغيرة وانتصاراتي الكبرى وها أنذا أمشي وأمشي متألقًا كنجمة في السماء وحُرًّا كوعل في الغابة لي وطن أحبه وأصدقاء طيّبون بنطال وحذاء وكتب ورغبات ووقت قليل للرقص والجنون والقبلة لقد بدأت أتعلم كيف أبتسم وأقول وداعًا وبدأت أتعلم كيف أتألم بعيدًا عن الضجيج والعواصف ----------- يرمي ثيابه في البئر يرمي كتبه وخاتم الزواج يرمي ماضيه المريض وحاضره الخائف يرمي أغانيه القديمة وأصدقاءه المنافقين يرمي كل ما تطاله يداه من أوراق ومذكرات من أفكار ودُمى يرمي بئر حياته في البئر يرمي دماغه أخيرا ويستدير نقيا وأبيض وسهلا الآن فقط يستطيع أن يقول: أحبك ------------ بريشة من العظام و حبر من الطمي يكتب على جدران قبره قصائد وروايات و قصصًا قصائد عن الحب وروايات عن القرى والمدن وقصصًا عن الأرانب والعجول إنه يكتب منذ أن مات يكتب رغم أن أحدًا لا يقرأ ما يكتبه يكتب دونما توقف يكتب برغبة، باندفاع لا يفعل شيئًا سوى الكتابة يكتبُ ربما.. لأن الكتابة فعل حياة ----------- كانا اثنين يمشيان معا في الشوارع المهجورة منه تفوح رائحة التبغ ومنها تتساقط أوراق الليمون وعند المنعطف كنجمين سقطا كانا اثنين أحدهما يغني واﻵخر يحب الاصغاء فجأة توقف عن هذا وتوقفت عن ذاك عندما انكسر المزمار
رياض من أصدق الشعراء اللي قرأتلهم مطلقًا، ومن أكثرهم تلقائية، تشعر بأن الشعر بالنسبة إليه مثل التنفس، يكتب ما يخطر على باله ويدور في عقله ويثقل قلبه، شعرت بهذا جدًا. أحب أن ألقي الشعر بطريقة كتّابه، لكني لم أعرف كيف يلقي رياض الشعر، ووجدت أن أي طريقة لقرائته مناسبة. بعض القصائد انفعلت أثناء قراءتها، قرأتها بصوت عالٍ، بانفعال شديد وتأثر، بألم كأنني أنا من أكتبها، ألهث ودقات قلبي تتسارع عند القراءة، وبكيت عند إنهاء إحداهم، هي حالة فريدة لم يضعني فيها أي شاعر مطلقًا.
شخصٌ لا تستهويه قصيدة النثر كالعبد لله وله محاولات فاشلة كثيرة في قراءة هذا اللون، آخر ما كنت أتوقعه هو الوقوع في غرام هذا الشاعر، بل ومن القصيدة الأولى، وإمعانا في الدهشة ما هي إلا بضع صفحات إلا وأصبح من شعرائي المفضلين، فهذا رجل لا يسع المرء إلا أن يُحبه، كما كان هو أيضا يعيش للحب وبه.
"أما أنا.. فلا أملك إلا هذه الكلمات وبعض الذكريات التعيسة المحفورة بضراوة على ميناء جسدي."
رياض الصالح الحسين؛ شاعر سوري، لولا التوفيق والحظ، لكنا خسرناه للأبد، لكانت ضاعت قصائده المُرهفة، المُحملة بحياته وشذرات منها، لولا أن القصائد لا تموت، والكتابة خالدة، تُخلد أصحابها في قلوبنا، لكان اختفى رياض الصالح، وكيف لا، وأنت تقرأ تلك الجهود الكبيرة في التحقق من اسمه صحيحاً، وتعجب ابن أخته من ندرة صور الرياض الفوتوغرافية وأن كل ما يملكه له هو 18 صورة فقط! هل تعلمون أن رياض كافح في حياته ومات قبل الثامنة والعشرين؟ وكافح بعد موته ففرضت قصائده وكلماته البسيطة كالماء الواضحة كطلقة رصاص على العالم، جُمعت قصائده من جديده، يحتفي بها الجميع مرة أخرى، ينل ما يستحق من تقدير، خسرناك يا رياض مرة واحدة، ولن نخسرك أكثر من ذلك، فنحنُ قد كسبنا كلماتك وقصائدك، التي ستظل عائشة فينا.
"قل لي ما النفع أرجوك من حلم محاط بالسواد من فم بلا شفاه من سماء بلا زرقة من غابة بلا أشجار ومن حياة بلا حرية."
..
"مثلما يهوي ينزل من فضاء بعيد نحو فضاء بعيد هكذا تهوي روحه هلعة، حزينة، ساطعة نحو حياة مفعمة بأشياء يحبها حياة تضيء ولو قليلاً عتمة نهاره الحالك السواد."
..
يرى رياض العدالة كالآتي: "العدالة هي أن أركض مع حبيبتي في أزقة العالم دون أن يسألني الحراس عن رقم هاتفي أو هويتي الضائعة العدالة هي أن أُلقي بنفسي في البحر الشاسع وأنا واثق بأن أحداً لن يمسكني من أذني ويقودني - مرة ثانية إلى القبر بدعوة أن الانتحار لا تقره الشرائع والقوانين العدالة هي أن آكل رغيفي بهدوء أن أذهب إلى السينما بهدوء أن أغني بهدوء أن أقبل حبيبتي بهدوء أموت بلا ضجة."
..
رحمة الله عليك يا رياض الصالح الحسين، ونظل نقرأ كلماتك بلا كلل ولا ملل، مرات ومرات، لنتعجب من الموت الذي قطفك بيديه مُبكراً، فتركت لنا فقط أربع دوواين شملوا الحياة بما فيها.
"رياض "البسيط كالماء والواضح كطلقة يكفي أن تقرأ له قصيدة واحده لتقع في حبه..بعد القصيدة الأولى ستصيبك حمى البحث عن أشعاره عن حياته وستغرق بين كلماته في قصائده تسكن جميع الاضداد الحياة والموت الفرح والحزن بتوليفة غريبة تصيبك بالدهشة والاهم تسكن روحه يضم الكتاب الدواوين الأربعة والتي سبق وقرأتها مرارا على مدار تسع سنوات منذ لحظة وقوعي في حب رياض مع قصيدة "أطواري غريبة هذه الأيام" وتحديدا في رمضان 2008 بالإضافة للمجموعات الأربعة يحوي الكتاب مقدمة بقلم صديقه الشاعر منذر مصري وشهادات عن رياض وقصائد بخط يده في ديوانه الأول خراب الدورة الدموية يقول عندما يصبح للماء طعم الماء وللهواء نكهة الهواء سأحدثكم بحب..بحب ..بحب
وإن لم يكن هذا العالم كما تخيله إلا أنه حدثنا بحب وصدق
رياض من خلال شعره ماذا نفعل إذا كان ثمة عيد واحد للقبلة وأعياد كثيرة للقتل ماذا نفعل
كان يجب أن أحزن وأتألم كما يفعلون في الأفلام لكن��ي رقصت إنني أرقص دائما فأطواري غريبة هذه الأيام
من سيفتح لي صنبور الحياة لأشرب إذا جف قلبي تحت هذه السماء الخائنة من سيغني لي أغنية في المساء لأنام إذا وضعوا بين جفني صخرة مدببة من ��يخرجني من هذه البئر العريقة لأري أشجار الصفصاف تحت ضوء القمر
أريد أن اختبئ في زهرة خوفا من القاتل أريد أن يموت القاتل حينما يرى الأزهار أريد أن أفتح نافذة في كل جدار أريد أن اضع جدارا في وجه من يغلقون النوافذ
لا فائدة من الرغيف مادام القلب سيظل جائعا لا فائدة مني مادمت سأموت دون رغبة وثمة فائدة لكل هؤلاء عندما نمضغ عنب الحرية
لقد اعتدت أن اعد القهوة كل صباح لإثنين أن أضع وردة حمراء في كأس ماء أن أفتح النوافذ للريح والمطر والشمس لقد اعتدت أن أنتظرك أيتها الثورة
رياض الصالح الحسين، شاعر كما وصف نفسه: "حارٌّ كالجمرة، بسيط كالماء، واضح كطلقة مسدس"، هذا تجده في أغلب قصائده، بينما بقية القصائد لا تفهم فيها ماذا أراد أن يقول، إما لأن الشعراء بطبعهم يميلون لجعل القارئ يعيد قراءة الجملة أكثر من مرة دون أن يفهم، أو لأنها محاولة الإنسان الدائبة للإمساك بمعنى دائم التفلت فيخفق أحيانًا كما ينجح أحيانًا.
يُغلغل الأدبَ إلى أعماقك معرفتُك بقصة صاحبه، لأنك حينها لا تقرأ معنًى مبهرًا على ورقةٍ وتمضي، وإنما تتحسس تجربة إنسانيةً حية، تتمثل الكاتب بين السطور، تتخيله وهو منكبٌّ على مكتبه ليخط قصيدة في ساعة ألم جسدي مبرح، ورياض كان تجربته حزينة خُتمت بالموت في عمر الثامنة والعشرين، ما يجعلك تتساءل: إلى أيِّ مستوى من الجمال كانت ستصل كلماته لو أنه عاش أكثر، جرَّب أكثر، وتعلم أكثر؟
هذه القراءة الثانية لأعماله الكاملة، ولا أظنها ستكون الأخيرة.
رياض طفلٌ يلهو في فناء القصيد، والعالم ما هو إلا مكعباتٌ للصغار! يُفكك بناءه مرةً بعد مرة فقط ليعيد الكرّة من جديد ، وكأنما الله قد ألان له حديد اﻷفكار أو سخّر له الخيال يجري بأمره إلى حيث يريد، وﻷن العالم معقد بما فيه الكفاية ، فلقد ظلّ صرح كونه على الدوام بسيط، قريب المنال، ككوخٍ زهيد، كأن يكون الحبيب على سبيل المثال في البرد معطفٌ شتويّ، والقبر فناءٌ ماورائيّ للعب، والقمر عدسة لكاميرا السماء تلتقط لنا كل مساء بعض الصور، وأنت على باب كوخك رجل القش لم يصلبك سوى انتظار الطائر البعيد! لو كان لي عين رياض، لخلقت لنفسي عالماً فياض بالرؤى كحلمٍ طويل، الكلمة الطيبة فيه نبع مياه أشربه فأرتوي، والقاسية تطير من اﻷفواه كذبابٍ أهشُّه فيختفي، والابتسامة التي حفظتها عن عين قلب ستصير كل يوم شئ جديد، كأن ألوّح لها تارة كسربٍ من يمام، أو أنظمها أخرى طوقاً من ياسمين أرتديه كلما أضناني إليها الحنين. فجرب بنفس الخيال أن لا تقرأ رياض كمحض شعر، بل أنصت لهذا الصغير الواهن اﻷصم اﻷبكم، كقوقعة وجدتها على شاطئ فما حسبتها شيئاً وفيها يسكن البحر. أما في حال قررت مشاركته اللهو بالمكعبات، فانتبه لخطوك إذن ! فليس ثمة ما هو أكثر إيلام من أن تطء عالماً مُفككا باﻷقدام!
منذ أربع سنوات وقصيدة أمل دنقل " العار الذي نتقيه" هي المتوجة وحدها كقصيدتي العاطفية الأثيرة ، ولم أكن أظن بأن صورة شعرية بتلك البساطة قد تشاطرها يوماً المقام ....يقول رياض في قصيدته "قمر" :
"مرة بجانبك جلست وبكيت كان قلبي حقل أرز محترق وأصابعي تتدلى كألسنة الكلاب في الصيف أردت أن أعبّر عني بالحركات: أن أكسر كأسا أن أفتح نافذة أن أنام...وما استطعت لقد تعبت من الكلام والديون والعمل لكني لم أتعب من الحرية وهاأنذا أحلم بشئ واحد أو أكثر قليلاً: أن تصير الكلمة خبزاً وعنباً طائراً وسريراً وأن ألف ذراعيّ اليسرى حول كتفك واليمنى حول العالم وأقول للقمر: صوّرنا. "
" يا سورية الجميلة السعيدة كمدفأة في كانون يا سورية التعيسة كعظمة بين اسنان كلب يا سورية القاسية كمشرط في يد جراح نحن أبناؤك الطيبون الذين أكلنا خبزك و زيتونك و سياطك أبداً سنقودكِ إلى الينابيع أبداً سنجفف دمك بأصابعنا الخضراء و دموعك بشفناهنا اليابسة أبداً سنشق أمامك الدروب ولن نتركك تضيعين يا سورية كأغنية في صحراء .. "
هنا رياض، الحار كجمرة، البسيط كالماء، الواضح كطلقة مسدس ..
الذي لم نفعله اليوم نستطيع أن نحقِّقه غدًا و الذي أتعبنا البارحة نستطيع أن نضحك منه اليوم القي بنفسك بين ساعديَّ كما تلقي امرأة يائسة نفسها من فوق ناطحة سحاب هذه لعبتنا الجميلة الضارية التي لم يسجلها التاريخ هذه حكمتنا الساذجة التي لم يتحدَّث عنها سقراط أيَّتها الصديقة النائمة لا تقفي أمامي مكتوفة القلب فالشمس –كما يقولون- لا تشرق في اليوم مرَّتين.
عندما كنت صغيرة كان أبي يقرأ لي قصائد نزار قباني، و كان يصف اسلوب نزار بما يسمى "السهل الممتنع"، كبرت و كرهت نزار لكني لازلت أعشق الشعر السهل الممتنع، هو ذلك الشعر السهل البسيط الذي يصعب كتابتة و بالتالي يندر وجوده. رياض صالح الحسين شاعر سورى توفي في بداية الثمانينيات من القرن الماضي، شعره يبدو و كأنه لوحة تصف العام الداخي و العالم الخارجي معاً، الحياة الشخصية و السرية، و الحياة العامة و العلنية. من أكثر الكتب اللتي أثرت في في سنة ٢٠١٦.
على غلاف الكتاب طبعة منشورات المتوسط مذكور "الأعمال الكاملة رياض الصالح الحسين 1945-1982" ، يعني 28 سنة فقط وتوفي، داخل الأعمال الكاملة قصائد أكبر من حياته ناضجة جدا ، لم تكن الحياة منصفة معه لكنه أنصف الشعر جيدا واعطى القصيدة طول العمر...
هذا الشعر الذي يكتبه رياض هو الذي يظهر جمالية الشعر البسيط والتلقائي.. هذه الأشياء التي قد يستعملها البعض كانتقادات، وأظن أن الغاية هو انتقاد قصيدة النثر.
تعرفت على رياض بفضل صديق أخبرني أنه شاعره المفضل. بسرعة وجدت نفسي أقرأه وأفكر به، وربما مستقبلا سيتحول إعجابي به بهوس.
قرأت الدواوين منفصلة العام الماضي 2018 في موقع إلكتروني. وبعدما اشتريت الكتاب في دجنبر الماضي، قرأت الأعمال الكاملة في حوالي أسبوعين، وقبل نهاية العام سأقرأ الكتاب بالكامل للمرة الثالثة.. لأني بحاجة لأفهمه أكثر ولأستمتع به أكثر وأكثر وربما بحاجة لأبكي أثناء القراءة بدل أن أدمع ععع أشعر أن قصائده مصدر للشفاء. قصائده تبدو بسيطة ومشاعرها عابرة لكن أراها عميقة وخصوصًا بعد المقاطع التي لها بعد سياسي أو تلك التي تجمع بين الحب والحرب والثورة والاستسلام وبين الموت والحياة.
قررت منذ الآن أن أعمل فيديو مخصص له بمناسبة اليوم العالمي للشعر، سأتحدث فيه عن تجربتي مع قصائد، مراجعاتي، اقتباسات وآرائي
لا أعرف ماذا أقول. هذه الدواوين جعلتني أرغب في نشر ديواني الأول أو بالأحرى أتحمس لنشر ديواني في أقرب وقت، ربما لأني أخاف أن أموت قبل طباعة مولودي الأول، العام القادم سيصبح عمري ثمانية وعشرون وهو نفس عمر رحيله النهر يتدفق منك
إنه شاعر حداثي، جميل وحساس. أصدر أربعة دواوين وكان يعاني من البطالة والفقر ومات في المستشفى بسبب مرضه. وأنا أظن أنه كان يعاني من وجوده في هذا العالم القاسي فقط... له صوت متفرد جعلني أحبه منذ اللحظات الأولى. يكتب شعرًا نثريًا بلغة بسيطة وبتراكيب لغوية غير اعتيادية. لقد حافظ على براءته وصدقه. إنه يكتب بتلقائية، ليس حبًا في الظهور أو الشهرة لكن لأن الشعر طريقته في الحياة.
الشكر الكبير لمروى عاصم التي نشرت الكتاب بشكل صوتي في اليوتيوب لقد قرأته بشكل ورقي وإلكتروني وصوتي عععع
"كانَ يُخبِّئُ الأشجارَ في عينيهِ وعندما ماتَ.. لم نستطِع كلنُّا أن ندفنَ غابةً" -سليمان أحمد
*ملاحظة: هذه ليست مراجعة موضوعية.
في الذكرى الثامنة والثلاثون لرحيل رياض الصالح الحسين قلت لصديقتي منال: "منال واسيني، اليوم ذكرى وفاة رياض" قالت لي "اكتبي عنه دعي الناس تعرفه".
بدأت حكايتي مع رياض منذ أكثر من سنتين حين كنت في إحدى المكتبات الصغيرة التي تُخبئ بين رفوفها كنوز ثمينة، لم آتي يومها لشراء الكتب وانما للاجتماع مع بعض الصديقات من نادي القراءة. وبعد انتهاء الاجتماع اخذت اتسكع وألقي نظرة سريعة على الكتب، شدني كتاب باللون الأحمر الفاقع كتب على غلافه "الأعمال الكاملة رياض الصالح الحسين 1954-1982" وبجانبه رسمة لوجه رياض، هذا كل شيء. غلاف حار كجمرة بسيط كالماء وواضح كطلقة مسدس تماماً مثل رياض.
منذ سنتين وأنا أحاول الكتابة عن رياض ولم أستطع. شيءٌ ما يمنعني وأظنه الخوف، الخوف من ان الكتابة عنه لن توفيه حقه بل بالعكس قد تنقص منه أو تشوهه لأنك إن أردت أن تعرف رياض عليك أن تقرأ شعره لا أن تقرأ عنه.
سنتين وأنا أعيش في حالة حب مع هذا الشاعر ولا أذكر اسمه إلا مسبوقاً بكلمة "حبيبي" رياض الصالح الحسين.
نتشابه أنا ورياض في حبنا للبرتقال فهو يحسب عمره بالبرتقال مثلما قال في قصيدته "الرجل السيء" :
"أنا رياض الصالح الحسين عمري اثنتان وعشرون برتقالة قاحلة ومئات المجازر والانقلابات وللمرة الألف يداي مبادتان"
مات رياض الصالح الحسين صغيرًا لم يبلغ التاسعة والعشرين من عمره. لكنه ترك أثرًا عظيمًا، بليغًا بأشعاره النابضة بالألم والحزن والمعاناة. صارخة بالثورة والحرية، ثائره على طواغيت ودكتاتوري العالم شرقه وغربه. وكانت آخر كلماته ( أنتظرك أيتها الثورة ). الكتاب يحتوي على أربع مجموعات شعرية. قمة الإبداع كل مجموعة أجمل من سابقتها. استمعت إليه مرتين متتاليتين وحتمًا سأُعاود سماعه مرة أخرى.❤️
——————— "أنا رياض الصالح الحسين عمري اثنتان وعشرون برتقالة قاحلة ومئات المجازر والانقلابات وللمرة الألف يداي مبادتان كشجرتي فرح في صحراء" ————————- “يا سورية الجميلة السعيدة كمدفأة في كانون يا سورية التعيسة كعظمة بين أسنان كلب يا سورية القاسية كمشرط في يد جرَّاح نحن أبناؤك الطيِّبون الذين أكلنا خبزك وزيتونك وسياطك أبدًا سنقودك إلى الينابيع أبدًا سنجفِّف دمك بأصابعنا الخضراء ودموعك بشفاهنا اليابسة أبدًا سنشقّ أمامك الدروب ولن نتركك تضيعين يا سورية كأغنية في صحراء.” ———————————- “لا تسألوا العصافير عن لون السماء في البلاد البعيدة لا تسألوا الزمن عن الذكريات لا تسألوا الأشجار عن نكهة الفؤوس في الخاصرة لا تسألوا الصعاليك عن رطوبة الأرصفة لا تسألوا التوابيت عن رائحة الموتى لا تسألوا القتلة عن رائحة الدم ولا تسألوا سمر عن قلبي فالأسئلة البسيطة قذيفة الأسئلة المعقدة انتحار ونحن سكان الأرض الأسوياء من الأفضل أن نوزّع الأقمطة والنياشين على مغتصبي العالم.” —————————————————- "أنا الرجل السيء كان عليّ أن أموت صغيرًا قبل أن أعرف الأشجار الارهابية و مافيا السلام وفاة بائع المرطبات على سكة القطار و الغجرية التي أهدتني تعويذة و قبلة و كثيرًا من الأكاذيب أنا الرجل السيء كان عليّ أن أموت صغيرًا قبل أن تفترسني الوردة، و ينحت الفنان النظيف من عظامي القلائد و الأقراط" ————————————————————- “أنا الهواء في رئتيك و الأزرار في قميصك أينما كنتِ ستجدينني براحتيَّ الدافئتين و قامتي القصيرة أنتظرك على الرصيف أنتظرك في العمل أنتظرك فوق السرير واثقًا بأنك ستأتين لأنني معك دائمًا أخلط أيامك بالقُبل و دمك بالأزهار أنظر إليكِ من سمائي كإله و أرفع يدي طالبًا مغفرتك” ........ “يناديك النهار فألتفت تبردين فيرتعش جسدي بعيني تشاهدين الطيور و بصوتك أطالب بالحرية أما عندما تموتين من الجوع أو الحب فسأحاول ألاّ أموت معك ذلك أن الموتى بحاجة لمن يذكرهم و لن يفعل ذلك أحد سواي” _____________________________
“الحب ليس غرفة للإيجار نتركها ببساطة ونرحل مخلفين الصور القديمة والغبار وأعقاب السجائر
الحب ليس أغنية جميلة نتعلمها بغتة، وننساها بغتة كما ننسى، عندما نكبر، الطفولة واللعب وحليب الأمهات
الحب ليس حبة أسبرين نتناولها عندما نشعر بالصداع وليس نكتة خفيفة نتداولها في أوقات الضجر
الحب ليس وردة للزينة ولا كأسًا مكسورة لسلّة المهملات
الحب.. شهادة ولادة دائمة نحملها برأس مرفوع لنخترق شارع المذبحة" —————————— "مرة بجانبك جلست وبكيت كان قلبي حقل أرز محترق وأصابعي تتدلى كألسنة الكلاب في الصيف أردت أن أعبّر عني بالحركات: أن أكسر كأسًا أن أفتح نافذة أن أنام...وما استطعت لقد تعبت من الكلام والديون والعمل لكني لم أتعب من الحرية وهاأنذا أحلم بشئ واحد أو أكثر قليلًا: أن تصير الكلمة خبزًا وعنبًا طائرًا وسريرًا وأن ألف ذراعيّ اليسرى حول كتفك واليمنى حول العالم وأقول للقمر: صورنا. " ————————- "أعرف أن الحبّ بسيطٌ كالزنابق سهلٌ كمطر الربيع واضحٌ كسماء زرقاء لكني اتساءل؛ لماذا يخاف الكثيرين من الزنابق ومطر الربيع والسماء الزرقاء؟" —————————- "وأنا أنتظرك الآن حزينًا كرسالة لم تصل ووحيدًا كفزَّاعة عصافير أنتظرك و أعرف أنَّك معي رجلاً و امرأة و طفلاً طيرًا و موسيقى و غابة و طريقًا طويلاً... وسواء كنت في العمل أو البيت أو الشارع أراك و أعرفك أفتقدك و أسأل عنك وأينما ذهبت سأتبعك وكُلَّما التقيتك سأهرب منك لكنَّني دائمًا.. دائمًا أفتح لك الباب و قلبي." —————— "وغدًا، أو اليوم عندما تصبح الحريَّة كالهواء مباحة عندما يتداعى الأباطرة كالجدران القديمة عندما يمتلك الجميع قليلاً من الرصاص وكثيرًا من القلب وغدًا، أو اليوم عندما نعرف ونفكِّر ونتألَّم بشكل حسن وغدًا، أو اليوم سنحاول أن نسير في الشارع نتكلَّم بغبطة وبلا خجل ووحيدين نعود إلى البيت متشابكي القلوب والأصابع وللشجر أن يكون أشد اخضرارًا وللبحر أن يكون أشد اتِّساعًا ومثلما يحقُّ للسكِّين أن يكون حادًّا ومؤلمًا فللخطيئة الجميلة حقّها في أن تتكاثر كالأرانب حيث في كلّ خطوة قمر مكسور حيث في كلّ كلمة قبلة مذبوحة" ——————————- "الحياة حلوة يقول العصفور ويرتمي ميتًا قرب حذاء الصياد
الحياة حلوة تقول الوردة وترتمي ميتة في يد الولد الوسيم
الحياة حلوة يقول ويطلق على رأسه النار
الحياة قبيحة، كريهة، فاسدة، شريرة يقول الطاغية ويقضم قطعة من البسكويت" ——————————————— في رأس السنة الجديدة سأجمع أسماء الطغاة كما يجمعون الطوابع التذكاريَّة في "ألبوم" ضخم من ورق الأيَّام أضع فرانكو بجانب سالازار موسوليني تحت هتلر السادات أمام سوموزا سميث بين ساقي سالومي و أعطيهم حريَّة الموت تحت سنابك التاريخ. ——————————————— اعددت لكِ فنجان القهوة فنجان قهوة ساخنة القهوة بردت وما جئتِ
وضعت وردة في كأس ماء وردة حمراء حمراء الوردة ذبلت وما أتيتِ
كل يوم أفتح النافذة فأرى الأوراق تتساقط والمطر ينهمر والطيور تئن ولا أراك
لقد اعتدتُ أن أعدّ القهوة كل صباح لإثنين أن أضع وردة حمراء في كأس ماء أن أفتح النوافذ للريح والمطر والشمس لقد اعتدت أن أنتظرك أيتها الثورة.
سمعت عن الشاعر رياض الصالح الحسين للمرة الأولى مع بداية الأحداث في سوريا عندما بدأ البعض بتداول مقتطفات من قصائده على مواقع التواصل , ولقد أحببت ما تم نشره حينها وقرأت القليل عن حياته ووفاته المبكرة. الآن ومع قراءة المجموعة الكاملة , لامستني من جديد الكثير من أشعاره , موضوعا ولغة وأسلوبا . ربما لم يصل إلي بعضها أو لم أفهمه , ولكنها بالمجمل جميلة وتستحق القراءة .. وبالطبع المزيد من التقدير والاحتفاء بروح كاتبها.
خراب الدورة الدموية *** أساطير يومية *** بسيط كالماء واضح كطلقة مسدس **** وعل في الغابة **** _____________________________ من ديوان خراب الدورة الدموية :
العدالة هي أن أركض مع حبيبتي في أزقّة العالم دون أن يسألني الحرّاس عن رقم هاتفي أو هويّتي الضائعة العدالة هي أن ألقي بنفسي في البحر الشاسع وأنا واثق بأن أحدًا لن يمسكني من أذني ويقودني – مرّة ثانية إلى القبر بدعوى أن الإنتحار لا تقرّه الشرائع والقوانين العدالة هي أن آكل رغيفي بهدوء أن أذهب إلى السينما بهدوء أن أغني بهدوء أن أقبّل حبيبتي بهدوء وأموت بلا ضجة ................................................. أيتها البلاد المصفحة بالقمر والرغبة والأشجار، أما آن لكِ أن تجيئي؟!.. أيتها البلاد المعبأة بالدمار والعملات الصعبة الممتلئة بالجثث و الشحاذين، أما آن لكِ أن ترحلي؟! .....
أيتها الرائعة الخاوية حتى من جسدي أيتها البلاد المثقوبة كالخرز أو كالجراح ها أنذا أعطيك نهرًا قبل أن أغتسل فيه!. ............................................ لا تسألوا العصافير عن لون السماء في البلاد البعيدة لا تسألوا الزمن عن الذكريات لا تسألوا الأشجار عن نكهة الفؤوس في الخاصرة لا تسألوا الصعاليك عن رطوبة الأرصفة لا تسألوا التوابيت عن رائحة الموتى لا تسألوا القتلة عن رائحة الدم .... فالأسئلة البسيطة قذيفة الأسئلة المعقدة انتحار ونحن سكان الأرض الأسوياء من الأفضل أن نوزّع الأقمطة والنياشين على مغتصبي العالم _________________________________ من ديوان أساطير يومية:
عاشق ذاهب بين حشرجة النازحين وحشرجة الكلمات عاشق مثل هذي البراري المدمَّاة والجثث الذهبيَّة يخرج من زمنٍ ليغنِّي و يدخل في وطنٍ ليغنِّي يبتاعُ أرغفةً و معاول يبتاعُ أرصفةً و معامل يبتاعُ حزنًا شديدًا ودبَّابةً سقطت بين فكَّيْ زهرة دفلى يبتاعُ قبرًا وسيمًا لطائرة وغصونًا خضراءَ من فرح أبديّ للعاشقات عاشق ذاهب بين حشرجة النازحين وحشرجة الطلقات عاشق قال: هذه هي الحرب تخلع قمصانها الخشبيَّة تكشف عن عريها الحشريّ: دماء وأرصفة ودفاتر مبتلَّة بالنشيج دماء وعاشقة ودفاتر مبتلَّة بالدماء دماء وأرغفة وأساور ضيِّقة ومآذن واسعة وطيور تهاجرُ... مجزرة وشعوب مجزرة وزهور هذي هي الحرب تفتح نافذة الحبّ للقاتلين وللعاشقين ستفتح نافذة للقبو.....
ثمَّ كانت حروب وهل تذهبين إلى البيتِ أم تذهبين إلى الموتِ هل تذهبين إلى العشبِ أم تذهبين إلى الحربِ كنَّا نسير نسير وتثقبنا الطلقات وكنَّا نسير نسير بدائرة قطرها ألف حزن يدًا بيد ونغنِّي يدًا بيد ونموت ويا أيُّها الموت لا تأتِ في الصيف إنَّ الطيور تشاطرنا الصيف يا أيُّها الموت لا تأتِ في مطر خائف وبعيد لا تأتِ فالأرض عطشانة والمواسم مكسورة والشعير سينضب والعاشقات سيبكين عشاقهنَّ ولا تأتِ... لا تأتِ لكنَّهُ الموت يأتي ولكنَّها الحرب تأتي بهيئتها الحشريَّة تدخل من ثقبِ بابٍ ومن ثقبِ نافذةٍ تتناسل في حانة – صحف – كتب تتناسل في جثث العاشقات ثمَّ تنده للقاتلين: "استريحوا... استريحوا" وتطعمنا البؤس و الطلقات .................................................... هي ذي تقترب كسفينة محمَّلة بالجثث الساعة ذات الرقَّاص الرتيب تؤكِّد على ذلك النهار ذو الشمس المنهكة يوكِّد على ذلك والبيوت المتراصَّة كعيدان كبريت في علبة صغيرة تؤكِّد على ذلك وأنا أؤكِّدُ لكم إنَّها تقترب كسمكة قرش مريعة إنَّها تقترب كقنبلة معطوبة ومعها يقترب كل شيء من كل شيء اللحم من السكِّين المدافن من الجثث والنار من زجاجة بنزين سريعة الاشتعال إنَّها تقترب إنَّها تقترب ساعة الذهاب إلى الموت باطمئنان وحزن شديد حيث يبحث الجائع في القمامة عن الأغاني والعصفور عن السماء الزرقاء في الغرف المقفلة والثائر عن الحصان تحت الوسادة إنَّها تقترب وأنا لست وحيدًا إنَّها تقترب و أنا أحاول أن أبدو أقلّ حزنًا إنَّها تقترب وأنا أقذف قطعة السكَّر في فمي وأذهب إلى المدرسة في القرى الموحلة أطارد الدجاج في الطريق وأتعلَّم كيف أقبِّل الفتيات الصغيرات وأسرق لهنَّ التوت من الأشجار الواطئة .................................................. وأقول لحبيبتي وأنا أصغي إلى زقزقة الموتى في التوابيت إلى هديل الحرب في البلاد : تعالي لنمشي ونتذكر كيف كان الملوك ينتحرون لأن عينين حافيتين انطفأتا لأن قلبا وسيما أضاء تعالي لنتفاءل بذات يوم فوق سرير شاسع ذات يوم فوق سرير شاسع ، حيث : العصافير تقصف الطائرات الشهداء يضعون القَتَلة على الكراسي الكهربائية الزهور تسنّ للرصاص شفرات المقاصل والحرية تغتصب السجون _______________________________ من ديوان بسيط كالماء، واضح كطلقة مسدَّس:
"لمن أتحدَّث اليوم الإخوة أشرار والأصدقاء ليسوا أصدقاء حب. لمن أتحدَّث اليوم القلوب قلوب لصوص وكل رجل يغتصب ما عند جاره" - شاعر مصري قديم ..................................................................... هناك رائحة ما ليست كرائحة الملابس القديمة وبطاقات التعزية والمستنقعات رائحة ما... حادَّة، متردِّدة، مسكينة كدموع بنت تبكي دميتها المحطَّمة رائحة... تدخل غرفتي بخجل في الصباحات الباكرة تغسل وجهي وتستمع مثلي لأغنية حزينة آتية من الأعماق رائحة... تذكِّرني دائمًا بجنود عائدين من الحرب وبحر و فتاة كانت تطاردني ضاحكة في حقول القطن ........................................... يا سورية الجميلة السعيدة كمدفأة في كانون يا سورية التعيسة كعظمة بين أسنان كلب يا سورية القاسية كمشرط في يد جرَّاح نحن أبناؤك الطيِّبون الذين أكلنا خبزك وزيتونك وسياطك أبدًا سنقودك إلى الينابيع أبدًا سنجفِّف دمك بأصابعنا الخضراء ودموعك بشفاهنا اليابسة أبدًا سنشقّ أمامك الدروب ولن نتركك تضيعين يا سورية كأغنية في صحراء ...................................... لا فائدة من الصراخ ما دام الصوت لا يخرج من زنزانة الفم لا فائدة من البكاء ما دامت المناديل لا تكفي لتجفيف الدموع لا فائدة من الطريق ما دامت الأقدام مدجَّجة بالسلاسل لا فائدة من الثياب ما دام الجسد مملوءًا بالسكاكين لا فائدة من الحبّ ما دامت القبلة جريمة قانونيَّة لا فائدة من الرغيف ما دام القلب سيظلُّ جائعًا لا فائدة منِّي ما دمت سأموت دون رغبة وثمَّة فائدة لكلِّ هؤلاء عندما نمضغ عنب الحريَّة!. ...................................... ماذا يحدث لي إنَّني أتألَّم جدًّا وأقول: آااااخ كُلَّما رأيت البشر والحيوانات والأشجار! ماذا يحدث لي إنَّني سعيد جدًّا وأقول: لا بأس أيُّها الصديق لم يزل لدينا بشر حيوانات وأشجار البشر يعملون ويحبُّون الحيوانات تعمل وتحبُّ والأشجار تزهر دائمًا ولكن ما هو سيء أنَّنا ما زلنا نقول: آااخ في الصباح والمساء وعندما نضع رؤوسنا فوق الوسائد!. ...................................................... وغدًا، أو اليوم عندما تصبح الحريَّة كالهواء مباحة عندما يتداعى الأباطرة كالجدران القديمة عندما يمتلك الجميع قليلاً من الرصاص وكثيرًا من القلب وغدًا، أو اليوم عندما نعرف ونفكِّر ونتألَّم بشكل حسن وغدًا، أو اليوم سنحاول أن نسير في الشارع نتكلَّم بغبطة وبلا خجل ووحيدين نعود إلى البيت متشابكي القلوب والأصابع وللشجر أن يكون أشد اخضرارًا وللبحر أن يكون أشد اتِّساعًا ومثلما يحقُّ للسكِّين أن يكون حادًّا ومؤلمًا فللخطيئة الجميلة حقّها في أن تتكاثر كالأرانب حيث في كلّ خطوة قمر مكسور حيث في كلّ كلمة قبلة مذبوحة. ............................................. بين يديك أيُّها العالم نحن لسنا سعداء بين يديك أيُّها العالم نحن لسنا تعساء نحن لا شيء البتَّة ............................. النهاية غدًا: البارحة تعارفنا اليوم قبَّلتك وغدًا سنفترق. البداية غدًا: البارحة حدثت المذبحة اليوم دفنوا الموتى وغدًا ستحدث مذبحة جديدة _____________________________ من ديوان وعل في الغابة:
"أنت في وحدتك بلد مزدحم" _ روفائيل ألبرتي ............................... "أعدّ الأيام على أصابعي وعليها أعدّ أيضًا أصحابي وأصدقائي وفي يوم ما لن أعدّ على أصابعي سوى أصابعي" _ بول فانسانسيني ..................................... كان عليه أن ينظر إلى المرآة ليرى عشرات الثقوب والأثلام تملأ سماء وجهه وجهه الذي يشبه قرية اجتاحها الطوفان أو، على الأقل لوحة باهتة الألوان من القرن الثامن عشر
كان عليه أن ينظر مرة ثانية وبعمق شديد ليرى عينيه الضاحكتين الودودتين تسخران من كل هذا الخراب ............................................ يرمي ثيابه في البئر يرمي كتبه وخاتم الزواج يرمي ماضيه المريض وحاضره الخائف يرمي أغانيه القديمة وأصدقاءه المنافقين يرمي كل ما تطاله يداه من أوراق ومذكرات من أفكار ودمى يرمي بئر حياته في البئر يرمي دماغه أخيرًا ويستدير نقيًا وأبيض وسهلاً .............................. الحياة حلوة يقول العصفور ويرتمي ميتًا قرب حذاء الصياد
الحياة حلوة تقول الوردة وترتمي ميتة في يد الولد الوسيم
الحياة حلوة يقول ويطلق على رأسه النار
الحياة قبيحة، كريهة، فاسدة، شريرة يقول الطاغية ويقضم قطعة من البسكويت ........................................... نحن متفقان: الحياة جميلة والناس رائعون والطريق لم تنته ولكن انظر إلي قليلاً فإنني أتألم كوحش جريح في الفلاة
نحن متفقان إذًا الربيع سيأتي طبعًا والشمس ستشرق كل صباح وفي الصيف سيجني الفلاحون القمح الربيع يكفينا والشمس ايضًا والقمح إذا أردت
ولكن قل لي: لماذا يملأ الدم غرفتي وسريري ومكتبتي؟ ولماذا أحلم دائمًا بطفل متطاير الأشلاء ودمية محطّمة ورصاصة تئز؟ ............................ عشرة آلاف غد خرجتْ من حياتي البارحة وما زلت أقول غدًا.. غدًا تأتي الغيمة وتبلل القلب المعطوب غدًا يمد النهر أصابعه ويربت على كتف عطشي
الغد يتحول إلى "اليوم" اليوم يصير "البارحة" وأنا أنتظر بلهفة الغد الجديد ............................... .... هل ستشبّهينني بأرنب أبيض أم بغراب مريض؟ وهل ستكون يدك حارة أم باردة وعيناك مطفأتين أم مشتعلتين؟ ما الأخبار التي سأقرؤها؟ كم سيجارة سأدخّن؟ كم طعنة سأتلقى؟ كم قبلة سأقطف من شجرة الحياة؟ غدًا، ماذا سيحدث لي؟ اقذف قطعة نقود في الهواء وأضحك. إذا كان نسر سأحبك وإذا كانت كتابة سأحبك أيضًا ............................................ الحب ليس غرفة للإيجار نتركها ببساطة ونرحل مخلفين الصور القديمة والغبار وأعقاب السجائر
الحب ليس أغنية جميلة نتعلمها بغتة، وننساها بغتة كما ننسى، عندما نكبر، الطفولة واللعب وحليب الأمهات
الحب ليس حبة أسبرين نتناولها عندما نشعر بالصداع وليس نكتة خفيفة نتداولها في أوقات الضجر
الحب ليس وردة للزينة ولا كأسًا مكسورة لسلّة المهملات
الحب.. شهادة ولادة دائمة نحملها برأس مرفوع لنخترق شارع المذبحة ........................................... اعددت لكِ فنجان القهوة فنجان قهوة ساخنة القهوة بردت وما جئتِ
وضعت وردة في كأس ماء وردة حمراء حمراء الوردة ذبلت وما أتيتِ
كل يوم أفتح النافذة فأرى الأوراق تتساقط والمطر ينهمر والطيور تئن ولا أراك
لقد اعتدتُ أن أعدّ القهوة كل صباح لإثنين أن أضع وردة حمراء في كأس ماء أن أفتح ��لنوافذ للريح والمطر والشمس لقد اعتدت أن أنتظرك أيتها الثورة _____________________________
من قسم شهادات حول رياض الصالح الحسين :
... لا سلطان لبعض الناس على الخوف , وفي هذه الحالة لا سلطان للحقائق عليهم _ فرج بيرقدار
إنه الحنين النقي إلى عالم لم يكن قط جميلا إلا حين نتذكره _ جولان الحاجي
هنا ملحمة الجمال والأسطورة الحرفية هنا الشعر العام والخاص هنا المقصود واللامقصود
اسمه رياض وهو روضٌ من القصائد ومنجمٌ لماسات الحروف
الحرف بيده أشبه بعصا سحرية في كف ساحر يحركها كيفما يشاء أو صلصال بيد فنّان يشكله بإتقان
لكن ما ميّز رياض في ديوانه هذا هو " عجائبية " قدرته على التشكيل اللاعقلاني والمُبحر في الخيال
نعم فأغلب قصائد رياض مصابة بكل الحالات النفسيّة السيكولوجية وكأنها مصابة بداء اليد الغريبة أو كما يقال : من كلّ قطر أغنية
بحق هذا الديوان مُبهر مُبهر، عميق عميق و فيه حروف ثقيلة قيمةً ونوعاً
لقد اختزل آلاف الأفكار في سطر وشطر كتب كثيراً عن الموت، الحرب والجوع
هو شاعر سوري نهج نهجه الكثير من الشباب والشعراء الغرابة بأنّه رغم مغادرته الحياة مبكّراً عن عمر ثمانية وعشرين إلّا أنّ شعره لازال حيّا يرزق بل والعديد من الشعراء والصحفيين يتدافعون للكتابة فيه وتمجيد دواوينه الأربعة
وما لفت انتباهي في مقال للصحفي الفلسطيني رائد وحش : الفطرة، العفوية، البراءة، الطفولة.. علاماتٌ رسخّتها تجربة الشاعر التي مرّت كالبرق، فالـ28 سنة التي عاشها لم تكن كافية ليصل إلى مستوى من النضج الفنيّ يجلعنا نرصد تحولاتٍ وانتقالاتٍ مميزة، بل إنه غادر وهو لا يزال مقيمًا في نمط يوميّ، شفهيّ، خطيّ. ولا شك أن هناك دورًا مهمًا لعبه كلٌّ من رحيله المبكّر، ومرضه، وحالة الصمم التي كان يعيشها، ما جعله يتحوّل إلى أيقونة شعرية، يرى فيها السوريون ذاتهم، الأمر الذي حال دون موقف نقديّ متأمّل وفاحص، وبات الاكتفاء بالاحتفاء به فلكلورًا لا يجب الخروج عليه.
وفيما جاء على لسان جنان داوود/ سوريا:
"لو كان رياض الصالح الحسين حيًّا لكنتُ حبيبتهُ"
دائمًا تقولُ هذا لصديقاتها في جلساتهم. تقول الشّيء نفسه عن الشّعراء الشّباب الذين يتبادلون الشّهرة عبر القارات على جدار الفيسبوك والثّورة.
أقول لها: "إنهم يعيدون تكرير رياض" تقول لي: "لأجل هذا بالذّات أحبُّهم، فكلّ ما أريده أن تصبح الدّنيا والهواء والطّرقات والأبواب والطيور والشّعراء وتجار المخدرات والمرضى والجيوش الفقيرة واللّاجئين؛ رياض".
ثم وكأنها تهذي تقول:
"ريااااااض.. ريااااااض قبّلني في الطريق ولم يشترِ لي وردة حمراء آآآآآه من خراب الدورة الدموية آآآآآه منك يا رياض".
" خراب الدورة الدموية " نسبة لديوانه الشهير
تجلّى في عدة قصائد لكن حرفه وصل لأعلى إيقاعه وصداه في قصيدة : دخان الرجل السيء جرثومة النبع خراب الدورة الدموية والتي أقتبس منها : " يركض في عينيه كوكب مذبوح وسماء منكسرة " " من يقطن في جسد يانافالينتوفا الطافح بالغزلان وأشجار البلوط المعبأ بالمعجزات الأرضية المشاعة ؟ من يغتسل في محيط عينيها ويتبلل بالنوارس وأصابع الصيادين السعداء"
أمّا من ما جاء في قصيدة ( رقصة تانغو تحت سقف ضيق ) : قلبي سائغ للقضم ملجأ للأرانب الزرقاء سمكة قرش بزعانف من صبار شرس
ولا أعلم يا رياض هل عليّ أم هل لي أن أقتبس كل أعمالك الكاملة ؟!
هذا النهج من التقييم قلّما ما أتبعه لكن عندما يكون الكتاب عجائبي فحتماً سأكسر كل يروتوكولات القراءة وهذا ما حدث معي هنا .
بإختصار : اختصر رياض كل الحياة في ديوانه هذا واختصر كل أنواع المشاعر
أنّى لنا أن نقف لحظة صمت تأملاً واحتراماً ودعوة لهذا الشاعر الأصم الذي عبّر عن نفسه والآخرين وكأنّه كان يملك ألف حاسة سريّة إضافية وليس فاقد لحاسة مهمة !!!
الكتاب الوحيد في حياتي كلها، وأقسم بالله العظيم على كلامي ده، إللي قرأته 6 مرّات! قرأته في 2021 مرتين! كل شوية أقول هقرأ بس قصيدة ولا اتنين، ألاقيني سارح! قرأته ورقي وإلكتروني وسمعته وتقريبا هفضل أدوّر على كل تجربة تخص أكتر ديوان شعر أنا حافظه، لدرجة إني لو حد قال بيت قدّامي، أو كتبه على ورقة أو بوست فيس بوك ولا تويت؛ أنا تلقائيًا بقيت أعرف إن ده رياض الصّالح الحسين! الشّاعر إللي خلّاني أكتب معلومات عني في ضهر كتبي بعد ما كنت ناوي معملش كده، وخلّاني أحط تفاصيل عني في كل أعمالي، الشّاعر إللي خلّاني أخاف إن العالم ينساني! مع إني واثق إن العالم عمره ما هينسى رياض الصّالح الحسين، الرّجل الّذي يحب البرتقال والآنسة س. رياض تجربة شعرية صادقة، من أصدق التّجارب إللي مرّت عليّ، وحقيقي يكل ما أفتكر رياض كنت بسأل سؤال واحد بس: "يا ترى؛ لو رياض وأمل دنقل ويحيى الطّاهر عبدالله، عاشوا أكتر من كده، كانوا عملوا فينا إيه؟". شاعر، مات وهو عنده 28 سنة، كتب العظمة دي كلها! تخيّل؛ أعرف ناس لا تطيق النّوع ده من الشّعر، رياض الصالح الحسين هو الوحيد إللي كلهم حبّوه! أعرف شخص الشّعر بالنّسبة له هو عظمة الشعر الجاهلي وكل ما كُتَبَ مثله؛ رياض الصالح الحسين بالنسبة له كان هو الاستثناء الوحيد! أنا لو فضلت أتكلم عن رياض، مش هخلص، وياما شوفت في خيالي، إن رياض لو كان عايش دلوقتي، كان هيبقى صاحبي، صاحبي جدا كمان، ومكنتش هسيبه، كنت هبقى حمايته من كل الأذى إللي شافه ده. الله يرحمك يا رياض، الله يرحمك يا بسيط كالماء، واضح كطلقة مسدس. تقييمي هو مليون من 5.
حين يكون الجمال تشنجيًّا هكذا كشرارة رهيفة ؛ متمرّدًا كشاربا دالي وسيمًا كقلب لوركا ولا متناهيًا كأناشيد مالدورو حينما يكون الثقل والخفة في كفة اليومي على سنديانة الغير عادي , و المتناهي في حضرة اللامتناهي ؛ إن كانت الحياة اليومية تُفكّك على هيئة شعر تفوح منه رائحة الطين البكر سندخلُ في الجحيم غير مبالين , و سنلوّح للحرب و الحب و سفرجلة الغياب و لن نخشى إعلان غيلاننا في ذمّة اللحظة الآنية أو على غفلةٍ منها ؛ هذه السوناتات الحميمية و القريبة حتّام ستتماهى معها إن قرأتها . إنّها صادقة بشكلٍ مهول ربّما يكفي أن تستشعر ذلك الصدق وكل تلك النوستالجيا لشيء ما مخفي و محرّض و مستفز ؛ سأقرأه و أنا نائحة في المرة القادمة . ربّما أبالغ لكنّها لحفاوة من الشعر أن تجد شيء تبحث عنه و شبيه لك حينها ستضجّ بك الحماسة و الشعور باللذة . على الأقل في زمن تلك القراءة الذي من المحتمل جدًّا جدًا أن تفقد دهشته إن قرأته بعد مدّة فتبحث عن دهشتك الطفولية في غيره , و من المحتمل أن تقرأه و تعاودك الدهشة البكر , كل ذلك وارد مادمت تقرأ . " امممم غابت نجمتان عن التقييم بسبب التفاوت النسبي بين الأعمال التي حوت منجزه هذا , حيث كان بعضه عاديًّا لكن تبقى تجربة رياض الصالحين مميزة و له صوتهُ الخاص بهِ " .
فى البدء مُتعة الاكتشاف صفحة كده ع الفيسبوك , جت فى وشى بلا سبب طب إيه اعمل لايك مفيش مانع مع الوقت الصفحة بتنزل حاجات عظيمة
فى المنتصف مُتعة البحث ندور بأه على العظيم اللى كاتب ده ندور فى حياته الشخصية عمره مواقفه و فاته
فى النهاية مُتعة اللحظة نشوة بتتحقق بالاستمرار - دون مبالاة لا بوقت و ب اشخاص _ فى القراءة
أخيرا رياض وصف حاله هنا
عم أتحدث بعد ستة وعشرين عاما أو بعد ست وعشرين طلقة في الفراغ..؟ لقد تعبت من الكلام والديوان والعمل لكني لم أتعب من الحرية وها أنذا أحلم بشئ واحدا أو اكثر قليلا: أن تصير الكلمة خبزا وعنبا طائرا وسريرا وأن ألف ذراعي اليسري حول كتفك واليمني حول كتف العالم وأقول للقمر : صورنا !