نحو نصف مقالات هذا الكتاب كتبها صاحبها في عقد الثلاثينيات، وقد نُشرت أقدمها في عام 1931. ونحن نجده -في تلك المرحلة من حياته- في توثب لا يفتُرُ وهمّةٍ لا تنِي، وإن المشاعر لتضطرم في نفسه حتى ما يطيق حملها فيبثّها في ثنايا الصفحات وينشرها عبر سطور المقالات. ها هو ذا يعرض -في عام 1933- شهادته الجامعية للبيع: "... فيا أيها القراء الكرام، إني أعرض شهادتي ولقبي الكريم للبيع برأس المال (الرسوم والأقساط)، أما فوسفور دماغي، وأيام عمري، فلا أريد لشيء منه بديلاً، وأجري على الله. فمَن يشتري؟ شهادة بيضاء ناصعة كبيرة، خطها جميل، ذات إطار بديع. جديدة (طازة)! مَن يشتري؟!". وها هو ينعى عيده في مقالة "عيدي الذي فقدته" فيقول: "يا آنسين بالعيد، يا فرحين به! هل تسمعون حديث رجل أضاع عيده، وقد كانت لكم أعياد؟ أم يؤذيكم طيف الشجى إذ يمرّ بأحلام أفراحكم الضاحكة؟". وفي "زفرة مصدور": "ما أضْيَعَ أيامي في مدرسة الحياة إن كان هذا كلَّ ما تعلمت منها في ثلاثين سنة! اللهمّ إني قد نفضت يدي من الناس، وإني أسألك أمراً واحداً؛ ألاّ تقطعني عنك، وأن تدلّني عليك، حتى أجد -بمراقبتك- أنس الدنيا وسعادة الآخرة". وفي "زفرة أخرى": "... ولكني كرهت أن أتوكأ في سيري إلى غايتي على غير أدبي، ونزّهت نفسي عن أن أجعل عمادي ورقة صار يحملها الغبي والعيي والجاهل واللص الذي يسرق مباحث الناس ويسطو على آثارهم... لقد صرت كالعجوز الذي حَطَمه الدهر وفجعه في أولاده فسيّره في مواكب وداعهم الباكية. وما أولادي إلا أمانيَّ، وما قبور الأماني إلا القلوب اليائسة. فيا رحمة الله على تلك الأماني!".
ولد علي الطنطاوي في دمشق في 23 جمادى الأولى 1327 (12 حزيران (يونيو) 1909) لأسرة عُرف أبناؤها بالعلم، فقد كان أبوه، الشيخ مصطفى الطنطاوي، من العلماء المعدودين في الشام وانتهت إليه أمانة الفتوى في دمشق. وأسرة أمه أيضاً (الخطيب) من الأسر العلمية في الشام وكثير من أفرادها من العلماء المعدودين ولهم تراجم في كتب الرجال، وخاله، أخو أمه، هو محب الدين الخطيب الذي استوطن مصر وأنشأ فيها صحيفتَي "الفتح" و"الزهراء" وكان له أثر في الدعوة فيها في مطلع القرن العشرين.
كان علي الطنطاوي من أوائل الذين جمعوا في الدراسة بين طريقي التلقي على المشايخ والدراسة في المدارس النظامية؛ فقد تعلم في هذه المدارس إلى آخر مراحلها، وحين توفي أبوه -وعمره ست عشرة سنة- صار عليه أن ينهض بأعباء أسرة فيها أمٌّ وخمسة من الإخوة والأخوات هو أكبرهم، ومن أجل ذلك فكر في ترك الدراسة واتجه إلى التجارة، ولكن الله صرفه عن هذا الطريق فعاد إلى الدراسة ليكمل طريقه فيها، ودرس الثانوية في "مكتب عنبر" الذي كان الثانوية الكاملة الوحيدة في دمشق حينذاك، ومنه نال البكالوريا (الثانوية العامة) سنة 1928.
بعد ذلك ذهب إلى مصر ودخل دار العلوم العليا، وكان أولَ طالب من الشام يؤم مصر للدراسة العالية، ولكنه لم يتم السنة الأولى وعاد إلى دمشق في السنة التالية (1929) فدرس الحقوق في جامعتها حتى نال الليسانس (البكالوريوس) سنة 1933. وقد رأى -لمّا كان في مصر في زيارته تلك لها- لجاناً للطلبة لها مشاركة في العمل الشعبي والنضالي، فلما عاد إلى الشام دعا إلى تأليف لجان على تلك الصورة، فأُلفت لجنةٌ للطلبة سُميت "اللجنة العليا لطلاب سوريا" وانتُخب رئيساً لها وقادها نحواً من ثلاث سنين. وكانت لجنة الطلبة هذه بمثابة اللجنة التنفيذية للكتلة الوطنية التي كانت تقود النضال ضد الاستعمار الفرنسي للشام، وهي (أي اللجنة العليا للطلبة) التي كانت تنظم المظاهرات والإضرابات، وهي التي تولت إبطال الانتخابات المزورة سنة 1931.
في عام 1963 سافر علي الطنطاوي إلى الرياض مدرّساً في "الكليات والمعاهد" (وكان هذا هو الاسم الذي يُطلَق على كلّيتَي الشريعة واللغة العربية، وقد صارت من بعد جامعة الإمام محمد بن سعود). وفي نهاية السنة عاد إلى دمشق لإجراء عملية جراحية بسبب حصاة في الكلية عازماً على أن لا يعود إلى المملكة في السنة التالية، إلا أن عرضاً بالانتقال إلى مكة للتدريس فيها حمله على التراجع عن ذلك القرار.
وهكذا انتقل علي الطنطاوي إلى مكة ليمضي فيها (وفي جدّة) خمساً وثلاثين سنة، فأقام في أجياد مجاوراً للحرم إحدى وعشرين سنة (من عام 1964 إلى عام 1985)، ثم انتقل إلى العزيزية (في طرف مكة من جهة منى) فسكنها سب
أصدق كلام يمكن أن يقال بالكتاب هو : ( من حديث النفس ) ... فعلاً اسمٌ على مسمى
الكتاب جميل يستحق القراءة ... ولكن ربما بعد أن تقرأ مؤلفات أخرى للطنطاوي ... كان هذا الكتاب أول ما قرأت للكاتب ولا أنصح بفعل ما فعلت
الكتاب مجموعة مقالات للكاتب نشرها في أوقات مختلفة ... ولكني لاحظت أنها تشربت نفس الروح والحالة العاطفية في كل مرة ... مسحة حزن وشيء من اليأس والسخط على الواقع ... ولا أظن أن هذا المنهج كان منهج الكاتب في حياته
ولكن لو كنا أبناء زمن الطنطاوي ومن متابعي مؤلفاته ومقالاته لربما وجدنا مقالة من هذا النمط بين كل مئة مقالة أو أكثر ... ولكن حشدْها سوية في كتاب واحد يعطي القارئ انطباعاً أحسبه خاطئاً عن الطنطاوي
عموماً ... أسلوب الكاتب رائع ... يلامس النفس والقلب بشكل رائع .. وأكثر ما جذبني للكاتب ... أني رأيت في حلمه حلمي الخاص ذاته ... شعرت بأنه يحدثني عن حاضري ومستقبلي ... رغم أنه خوّفني كثيراً من خوض غمار الأدب إلا أنني ما زلت أحلم بأن أكون شبيه علي الطنطاوي
أعجبت جداً بخفة ظلّ الكاتب ... واقعيته ... فكاهته في كثير من الأحيان ... صدقه وصراحته وبساطته أزعجني التكرار في الكتاب ... حتى أن بعض العبارات كانت تتكرر كما هي ... وهذالأمر نتيجة طبيعية لما ذكرت سابقاً ... مجموعة مقالات كتبت في أوقات متفرقة ... لعلّ الكاتب نسي ما كتبه من عشر سنوات وعاد يكرر نفس الكلام
خرجت من الكتاب باقتباسات كثيرة وجميلة :
1) فربح بقربه من الأدب البعد عن الناس والجهل بالحياة : وكسب بميله الأدبي وطبعه المستوحش وجهله بالحياة خصومة الحكام ومضادّة الكبراء وعداوة المال !
2) وقالت له المدرسة : (( الأخلاق أساس النجاح )) ، وضرب له المعلم مثلاً سيئاً طلاباً لا أخلاق لهم ولا عفاف ، وضرب له مثلاً عالياً طلاباً كانوا نموذج الطهر والاستقامة والشرف . فرأى أن الأولين قد بلغوا أعلى المراتب وأسمى المناصب والآخرين تحت تحت ... على العتبة ! فعلم أن المدرسة كانت تكذب عليه !
3) وهل يبقى المستقبل مستقبلاً إذا أنا بلغته أم يصبح حاضراً وعليّ أن أبلغ مستقبلاً آخر ؟!
4) ويطل بي الفكر على آفاق ودنياوات عظيمة ، وتنبلج في نفسي أصباح منيرة ، فأجد في رأسي مئات من الأفكار الجديدة الكبيرة ، وفي نفسي مئات من الصور الرائعة المبتكرة ، ولكني لا أكاد أمسك واحدة منها لأقيدها وأغلها بالكلم حتى تفلت مني وتعدو في طريقها منحدرة إلى أغوار عقلي الباطن ، فلا أنا استمتعت بها استمتاع الناس بأفكارهم ولا أنا سجلتها في مقالة وصنعت منها تحفة أدبية . ولو أني قدرت أن أكتب معشار ما أتصور لكنت شيئاً عظيماً ، ولكني لا أقدر ... ولا أصب في مقالاتي إلّا حثالة أفكاري !
5) مساكين الأدباء ، يجبلون فبذات قلوبهم بدموع عيونهم ليقيموا منها تماثيل الأدب ، فيأخذها الناس عابثين ، وينظرون إليها لاهين ، ويعيبونها ظالمين ـ ثم يملونها كما يمل الصبي لعبته فيرمونها فيحطِمونها ويفتّشون عن لعبة جديدة ! 6) كأن له شخصيتين ، فهذه التي يأكل بها ويشرب ويمشي ويضحك ويمزح غير تلك التي يفكر بها ويكتب ويؤلف ، وليس بينهما من صلة ولا يربطهما سبب من الأسباب . والعجيب من أمره أنه يضيق بالكلام في مثل هذه المجالس ويتهيّبه ، وتظنه أول ما تلقاء حييّاً عييّاً لا يفصح ولا يبين ، فإذا أنت اتصلت به وعلّقت حبالك بحباله رأيته مفوّهاً طلق اللسان شديد البيان . 7) فأزداد بالعلم ألماً حين أرى علمي وبالاً عليّ وأرى الجهّال يسبقونني ويسرقون منزلتي ! 8) أعجب به الناس لما عرفوه وأحبوه ، ثم ألفوه واطمأنوا إليه ، ثم تعودوا أن يروه ويسمعوه ، فأضعفت العادة شعورهم به ، فكانوا لا يدرون به إن حضر ولكنهم يفتقدونه إذا غاب ... ثم أصبحوا لا يعنيهم فقده ولا يعزّ عليهم غيابه ! 9) وطرق الحي (( شعراءٌ )) يضربون على الطبول الكبيرة ويصرخون بأغان فارغة مدويّة كطبولهم ، لا تدعو إلى فضيلة ولا تهزّ عاطفة ولا تمس من النفس موضع الإيمان ، ولكنها تدعو إلى الشهوة وتثيرها في الأعصاب ، لا تعرفهم هدآت الأسحار ولا يدري بهم فتون الفجر ولا شعاع القمر ، ولكن تعرفهم أضواء الكهرباء الساطعة في معبد الشيطان وهياكل الشهوة ، وتعرفهم موائد الخمور في دور الفجور ، فحفّ الناس بهم وصفقوا لهم ! 10) أعانقها والنفس بعدُ مشوقةٌ ... إليها وهل بعد العناق تدانِ وألثم فاها كي تزول صبابتي ... فيشتدُّ ما ألقى من الهيمان كأن فؤادي ليس يشفي غليله ... سوى أن يرى الروحين تلتقيان 11) كأن الناس لما خلقوا قسموا أنصافاً ، ثم نثروا في الحياة ، فمن وجد نصفه صار إنساناً ، ومن وجد غيره كان مسخاً ، ومن لم يجد بقي نصف إنسان .
12) وأنت تلقى المرء أول مرة فتحس بأنك تحبه أو أنك تكرهه ، لا تدري لحبك ولا لكرهك سبباً ... سر ركبه الله في نفس الإنسان ! 13) وشدهت ولبثت دقيقة لا أفقه ما يقول ، لأن هذه الكأس أكبر من أن تساغ بجرعة ، ورحت أتجرعها على مهل حتّى فهمتها .
14) والأطباء ( والرجاء عدم المؤاخذة ) قوم برئوا من العاطفة وانبتّوا من الشفقة ، يشقّون بطون الناس _ نسأل الله السلامة _ ويخرجون أمعاءهم فيضعونها في طبق ... ويكسرون جماجم البشر ويعبثون في أدمغتهم ، ويفعلون ما لو فعله غيرهم للحقه الشرط واصطفّ له القضاة وفتحت له أبواب السجون وأعدت له حبال المشانق ! ثم يتصدرون المجالس يفتخرون بأنهم أصدقاء الإنسانية ... أفأعطيهم بطني ليشقوه ويردوني مريضاً بعد إذ أنا معافى وأتعجل الداء بنفسي ؟ أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين .
15) بل إني لا أعرف أنه مر علي يوم واحد منذ عقلت إلى اليوم لم اقرأ فيه شيئاً .
16) والثناء إن زاد كالهجاء إن زاد ، كلاهما أقرب إلى الكذب ، وما أنا ملك ولا أنا شيطان ، ولي حسنات ولي سيئات ، وأنا أعرف بنفسي من سائر الناس .
17) ولم يبق لي من دنياي ( الآن ) إلا مطلب واحد : يقظة قلب أدرك بها حقائق الوجود وغاية الحياة واستعد بها لما بعد الموت . وهيهات يقظة القلب في هذا العالم المادي !
لا أبالغ لو قلت أن هذا الكتاب من أجمل ما قرأت في حياتي، لقد وجدت فيه ينبوعاً من الصدق مع النفس، حديث إنسان يحكي عن نفسه لا للاعتراف فحسب بل تجسيداً لكونه إنساناً عاش وتربى ونضج واستسقى من تجارب الحياة وترف المحاولات للوصول للمعنى بكل صدق وإخلاص ، يتحدث رحمه الله عن خواطر نفسه وعن رحلته في الحياة وعن ما يجول في خاطره في مناسبات شتى وفي أعمار متفرقة ، تجد فيه لذة الاستماع وصدق النبرة وعمق الحزن البار بصاحبه، ذلك الحزن الذي لا يظهر للناس ،ليس حزن قنوط بل حزن نفس أسرفت على نفسها وظنت أن لا ملجأ من الله إلا إليه، نفس ذابت في حب الله وغمست في مشاكل الحياة وملذاتها وأحزانها وصارت فجوة الذاكرة الحلوة تتسع في قلبها يوماً بعد آخر، إنه علي الطنطاوي الذي يكتب وكأنه يداوي، يقسو على قراءه وتارة يحن عليهم، يتحدث عن نفسه فإذا به يفتح الجروح ويغربل الذاكرة ويدخل القارئ في دوامة الحياة البسيطة والعميقة في آن، ليس هنا سوى ايقاع هادئ من حروف كتبت بإخلاص ومودة وصدق ومن غير تفنن في العبارات ولا تصنع الأدباء ولا حتى حديث الفقهاء، بل حديث إنسان بكل إنسانيته، وأديب يتناول الكثير من المواضيع من غير فحش متقصد ولا انتهاك لأي حياء أو فكرة .. وجدت في هذا الكتاب ما يناسب نفسيتي وروحي وعاطفتي ووجدت الأدب الذي أحب والإنسان الذي أرغب أن أستمع إليه ..
رحم الله شيخنا الحبيب رحمة واسعة وأدخله فسيح جناته ..
سبق وأن كتبت تعليقا في كتب أخرى لهذا الرجل العظيم رحمه الله عن تقييمي أنا الضئيلة لهذا الرجل العظيم ولكني أضيف هنا بأن الطنطاوي من الكتاب القلة الذين لا يهمك ما هو عنوان كتابه المهم أن الطنطاوي من كتبه!
هناك من الكتب ما لا ينفع معه تقييم، بل ولا ينفع معه تعقيب أو مُراجعة. كتب تقرأها كي تدعوك للتأمّل، للغرق في لُجّتها دون الرغبة في الإنقاذ. تتماهى مع كاتبها حتى إنك لتشعر بأن الكاتب يتحدّث عنك، بل وقد تتخيّل أنك من كتبت هذه الكلمات في غفلة منك!
لا أدري لماذا تأثرت بهذا الكتاب بشدة، وكأن الكاتب الذي يرثي حاله، كان أيضاً يرثيني؟ هل لأنني أديب أو هكذا يُهيأ لي؟ هذه الأفكار المتصارعة التي تدق في الرأس كطبول معركة لا أعرف طرفيها، وكأنهم تركوا الدنيا وما رحبت كي يتصارعا في عقلي! أم لأنه مَسّ وتر المعضلة التي تدور داخلي بين كشف أسرار حياتي لمشاركة من يقرأني وبين الاحتفاظ بها داخلي فتثقل عليّ، فالأديب ليس كسائر البشر فهو لا يستطيع التسرية عن نفسه إلا بالبوح على الورق. أم لعلّ السبب هو إعجابي بشخصية الكاتب التي اجتمعت فيه ملكة الأدب وحُب الثقافة وعمق الدين وأصل اللغة وفصاحة الأسلوب وخفّة الدم.
رغم أنني ضحكت من قلبي على موقفين في فصلين في الكتاب، إلا أن الكتاب به طاقة عالية من الحزن والشجن، وكيف لا والكاتب يحنّ إلى ماضيه في كل يوم وفي كل مقال يكتبه. هذا التعلّق القوي أشجاني فكيف لا يشجنه؟ حتى شعور الوفاء يؤلمه كما آلمني كلما تذكّر أحد مدرسيه أو أصحابه أو أهله، سوّاء غيّبه الموت عنه أو غيّبته مشاغل الدنيا.
أكاد أشعر بحنينه إ��ى وطنه بالشام دمشق، يبكي عليها وعلى أيامها وبيوتها وأهلها الطيبين. إن كان هذا حاله فسببه أنها بلدته وفيها قضى طفولته وساح في شوارعها وتعلّم في مدارسها، فما بالي أنا الذي لا أنسى دمشق رغم حداثتها التي ��كاها الشيخ؟ فأنا آخر عهدي بدمشق كان منذ عشر سنوات، ولا يكاد يمر اسم الشام حتى يملأني الحنين وأظل أحكي عنها لمن حولي حتى أصابهم الضجر من حكاياتي. فلمّا قرأت ما كتبه الشيخ عن أماكن دمشق، تجسّد الماضي أمامي وتذكّرت تأملاتي على قمّة جبل قاسيون أشاهد من طلّته البهيّة شوارع دمشق، تذكّرت ثانوية مكتب عنبر الذي دخلتها وشاهدتها بأم عيني. مشيت في حارات دمشق القديمة وسحت في أحياءها، أتخيّل في عقلي أنني انتقلت إلى زمن ليس بزمني أستقي من قراءاتي وحكايات الناس معلومات وتفاصيل تجعلني أرى ما قد أخفى الزمن ملامحه عني. بيد أنني لم أكن قد قرأت للشيخ علي الطنطاوي من قبل حينها، فندمت الآن على ذلك فقد كنت فاقداً لعمق تاريخي ثقافي لبلدة هواها فؤادي. لكن كلما ذكر الشيخ مكاناً فيها شعرت بأنني أراه بعيني وكأن حديثه قد استحضر ذكريات الماضي داخلي ليبث فيها الحياة. فهل سكنت دمشق روحي دون دراية مني؟
كل مكان كنت قد ذهبت إليه هناك لا يزال يناديني: باب توما – سوق الحميدية – سوق مدحت باشا – البزورية- الحريقة- ساحة المرجة – مقهى النوفرة- ضريح صلاح الدين الأيوبي وقلعته– حمّام نور الدين الشهيد – حي الأمين – حي الميدان. دخلت بيت من بيوت دمشق القدمية التي حكى عنها الشيخ وأعرف ما يتحدث عنه عندما وصف بيت عمّه في العفيف، والذي بالتأكيد كان أجمل مما قد شاهدته أنا. أما الجامع الأموي – أحد عجائب الإسلام السبعة في العالم – فله في نفسي ذكرى وحنين، وكأن طاقته النفسية التي شعرت بها في أول دخول لي لحرمه قد حلّت بي ولم تتركني.
فكيف بعد كل ذلك ألا يؤثر في هذا الكتاب، وألا يعتريني الشجن والحزن والحنين؟
وما هذه بمراجعة للكتاب، ولكنه تعقيباً لما اعتمل في نفسي بعد أن قرأته.
أما توصيتي... اقرأوا هذا الكتاب بقلوبكم، وتأمّلوا أفكار الكاتب، فهي تكاد تُعبّر عمّا في نفوسنا جميعاً، ولكن باختلاف الأسماء والأماكن والأزمنة.
سمعت من مدة قريبة باسم علي الطنطاوي، وللوهلة الأولى سار فكري نحو مفتي مصر الشيخ الطنطاوي. ولكن حين مرّت بي مقتطفات من كتاباته بدأت أستوعب أننا بصدد شخص آخر. شخص تأخرت كثيرًا للتعرف عليه والإكتساب منه ليس فقط كقارئة وإنما ككاتبة. علي الطنطاوي هو أديب ومفكر سوري- دمشقي يُقال أن تسمية العائلة من أنّ أجداده كانوا من طنطا في مصر. هو عاش واختبر المعيشة في العديد من البلدان العربية التي لم يتوان عن ذكر حنينه إليها بتفاصيل قد تبدو للبعض بسيطة لكنها تختزن عمقًا يؤكِّد ويجِّدد ذلك الإحساس العروبي الأصيل. كعادتي حين يطرأ على مسمعي إسم كاتب أتهافت لشراء أكثر من إصدارٍ له، هكذا فعلت مع علي الطنطاوي. كنت خائفة بداية من أن ينتابني بعض من خذلان كما حصل مع العديد من الكتاب والأدباء. ولحسن الحظ وبعد قراءتي لأول مؤلف له " من حديث النفس" إذا بي أبحث عن مكان مناسب لكتب علي الطنطاوي في منزلي بغية اقتنائها، فإحساسي الأولي أنها ضرورة في كل مكتبة وكنزًا قرائيًا لأولادي سيشكرونني عليه لاحقًا.
بعد هذه المقدمة يجدر بي العودة للكتاب الذي أنا بصدد كتابة مراجعة عنه "من حديث النفس". هذا الكتاب هو مجموعة مقالات وكتابات جمعها الكاتب في مراحل عديدة من حياته. كنا نراه فتيًا يعاني من اليتم وانقلاب الحال حينًا، وأحيانًا أخرى كنا نرى الأستاذ والمفكر والفيلسوف والقاضي ، الشاب والرجل الذي بلغ متوسط العمر وهو يتأمل سنوات حياته في عينين يملأهما تناقضات الإكتفاء والزهد في آن. واللافت أنّ أسلوبه لم يتغير خلال التسابق مع الزمن ولو أنّ مشاعره قد تبدلت بشكل طفيف. أهم النظريات الفلسفية التأملية التي لاحظتها في هذا الكتاب سأسردها على شكل نقاط:
1- أهمية عدم ربط الشهادة والتعلم في التعاطي مع الحياة لأن ما في الكتب يبقى مجرد نظريات بينما ما نواجهه في الحياة فهي تجارب واقعية تغيب عنها المثاليات الإفتراضية التي قرأنا عنها وتعلمناها.
2-تخبط مشاعر الكاتب بين ممارساته الحياة اليومية الرتيبة وبين انتهازه فرصة للكتابة. فالكاتب الحقيقي يجد أن كل ما يقوم به في الحياة هو مضيعة للوقت إن لم يتخلله وقتٌ للقراءة والكتابة.
3- الإهتمام باللغة العربية ومحاولة استدراكها من الإنفلات من معانيها اللغوية العريقة ، فقد أظهر الكاتب أن عملية الحفاظ على اللغة العربية من براثن المحاولات العديدة لإقصائها وتقطيع أسسسها وتشويهها أمرً فيه الكثير من المشقة . ونرى بأنّ هذه المحاولات تحولت وكأنها جهادية في خضم عصرنا هذا، وضمن هذا الإطار شرح الطنطاوي كيف دفع الكثيرون من أساتذته الكبار ثمناً باهظًا من الإحباطات المتكررة لإرساء هذه اللغة بصورتها اللغوية والأدبية الصحيحة. وأعطى مثالاً صارخًا على ذلك أستاذه سليم الجندي
4- المحافظة على الأعراف والتقاليد كضرورة لإنشاء مجتمع سليم لا ينخره سوس الحضارة ,ففي نهاية الكتاب نجده يبكي على أطلال بركة ماء كانت في صدر دار عمه في أحد أحياء الشام القديمة، فإذا بالطحالب قد نخرتها ولم تبقِ من ضيائها سوى حنينًا لأيام لن تتكرر. وهو بالتأكيد كان يتألم على كل شيء طيب ونقي وأصيل تغيّر مع تغيّر معالم الحياة.
لو سأدخل بتفاصيل هذا الكتاب وأختار منه إقتباسات لن تكفيني عدد الكلمات المتاحة لهذه المراجعة، فعند كل فقرة هناك وقفة وعند كل ذكرى هناك افتكار ومحطة للتفكير. والأهم من كل ذلك تلك اللغة العربية المتينة والألفاظ الصحيحة والمُختارة بإتقان رغم عامية وفصاحة بعضها. ولقد كنت محظوظة بأنّ نسختي من الكتاب كانت جديدة ومرفقة بشرح دقيق من حفيده "مجاهد"لاسيما بالتشديد على المعنى الأصح لكتابة بعض الكلمات ولفظها. فمنذ زمن بعيد لم أقرأ كتابًا مكتوبًا باللغة العربية بهذا الزخم وهذه القيمة الأدبية واللغوية مما شكّل لي فائدة أنا بأمس الحاجة لها، خاصة وأنني أكتب ولي إصدارات بهذه اللغة العريقة.
" من حديث النفس" لم يكن حديث نفس من الكاتب وله وإنما كان حديثًا بيني وبين علي الطنطاوي وكأنه دخل من حديثه مع نفسه إلى أحلامي وتأملاتي وخاطب هواجسي وأحاسيسي بشفافية غاب عنها الوعظ واتسمت بأسلوب سردي شائق عايش مراحل حياة متعددة.
هذا الكتاب لن يكون اليتيم ضمن قراءاتي لعلي الطنطاوي فبإذن الله قررت متابعة المسيرة معه ولن تكون فرصة لقائي بهذه الكتب من سبيل المطالعة وإنما من سبيل المحادثة لأنني سأكون برفقة أديب محدث يعرف كيف يصوغ الكلمة والحرف لإيصال الفكرة.
" إن الأدباء كلهم، لا يتكلمون إلا عن أنفسهم، ولكنهم إذ يصفون أحلامها وآلامها يصفون أحلام الناس كلهم وآلامهم، فهم تراجمة العواطف، وألسنة القلوب، وصدى الخواطر، حتى ليقول القارئ إذ تمرُّ به آثارهم: ما هذا؟ إن في هذا التعبير عما أحس به، إنه وصف لي أنا وحدي، وما هو له وحده، إنه وصف لكل نفس بشرية."
- من حديث النفس، هي مجموعة مقالات نشرت "للشيخ علي الطنطاوي رحمه الله" في أوقات مختلفة بين ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، مجموعة من ذكريات ومواقف مختلفة من مراحل حياته، رحالته التعليمية والأدبية،وآرائه وفلسفته في موضوعات الحياة المختلفة، وعلاقاته مع أصدقائه وأساتذته وشيوخه، ومشاعره وأفكاره، وأحزانه وآلامه وسخطه ويأسه، وهمومه وبعده عن عائلته ومشاعره تجاه والدته، وفراقه للأماكن والبلاد التي عمل بها، ومرضه، وفتوره الأدبي، وعمله في القضاء.
- رحم الله الشيخ والأديب "علي الطنطاوي" أحببت جدًا أسلوبه الرائع في الحديث عن نفسه، صدقه وصراحته في وصف مشاعره وآلامه، وواقعيته وفكاهته، ولغته وبلاغته، وبساطة أسلوبه الذي يُلامس القلب والنفس، أحببت العديد من المقالات، ووجدت بعضها متكررة ومتشابهة في بعض النقاط، كتاب يقرأ بالقلب والعاطفة..
- أكثر المواقف التي تركت أثرًا في نفسي، حنين الكاتب إلى ماضيه، إلى وطنه"دمشق" وذكرياته مع عائلته وأصدقائه ، فتجد ذلك الحنين في كل مقال يكتبه، خاصةً حنينه القوي لوالدته، كل سطرٍ قرأته من هذا الحنين كان يشعل داخلي نار الشوق إلى عائلتي وأصدقائي، الذين لم أرهم منذ بضع سنين، تراودني العديد من تلك الأحاديث، تخونني الكلمات حين أُفكر في كتابتها، يعجز قلمي، تختلط مشاعري، يهزمني الشوق، تتساقط الدموع، فأغلق عيناي وأغرق في ذكرياتي. #تمت😍
علي الطنطاوي رحمة الله عليه ... المفكر والأديب الإسلامي رقم واحد... ولا أحد يشابهه في أسلوب الكتابة....وكتبه هي حديث الأب العطوف والجد الحنون... حديث يخالطه الحب والمودة والأبوة... حديث يطرق قلبك قبل عقلك...
هي خواطر جالت في نفس علي الطنطاوي فأحب أن يشاركنا إياها فلعل أحدنا يجد فيها متنفسا من ضائقة أو تسلية عن هم أو كرب... وهي أقرب للحقيقة والصدق منها إلى الكمال والمثالية...
والحقيقة أن تاريخ هذه الخواطر يعود إلى ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي.. ومعظمها إما نشر في إحدى المجلات أو تم إذاعته على الراديو...
شعرت في كثير من هذه الخواطر وكأنها تخاطبني أو تتكلم عني.... وعلى الرغم من قدم هذه الكلمات فإنها لا تزال نابضة بالحب والصدق وصفاء الروح....
☆ الإنسان لا يحس بعظمة الله إلا إذا نسى نفسه وعظمته.
☆ الموت أبعد شيء في أفكارنا عنا، وإن كان أقرب شيء في حقيقته منا، نتناساه وهو عن أيماننا وشمائلنا، نشيّع الجنائز ونمشي معها ونحن في غفله عنها نتكلم كلام الدنيا، ونرى مواكب الأموات تمر بنا كل يوم، فلا نفكر ولا نعتبر ولا نقدر أننا سنموت كما ماتوا. وَلَو أَنّا إِذا مُتنا تُرِكنا لَكانَ المَوتُ راحَةَ كُلِّ حَيِّ وَلَكِنّا إِذا مُتنا بُعثِناوَنُسأَلُ بَعدَ ذا عَن كُلِ شَيءِّ
كتاب : ” من حديث النفس ” كتاب رائع للشيخ : علي الطنطاوي -رحمه الله - جمع فيه 35 مقالاً بعضها أتى عليها في الذكريات ، وبعضها أتى عليها بالتفصيل هنا يقع في 312 صفحة ، وهو من إصدارات دار المنارة
هنا بعض المقتطفات من ” ثقافة ” :
من دموع القلب
لم أعد أجد في الحياة ما يغريني بها, و يرغبني فيها…وماذا في الحياة؟ كل لذة فيها مغشاة بألم, فيها الربيع الجميل, , و لكن فيه بذور الصيف المحرق, و الشتاء القاسي. و فيها الحب, و لكن لذة الوصال مشوبة بمخافة الهجر. و فيها الصحة و الشباب, و لكنهما يحملان الهرم و المرض. فيها الغنى, و لكني ما عرفته و ما أحسبني سأعرفه أبدا. لقد كرهت الحياة, و زادها كراهة لي هؤلاء الناس, فلم يفهمني أحد و لم أفهم أحدا. إن حزنت فأعرضت عنهم مشتغلا بأحزاني قالوا متكبر, و إن غضبت للحق فنازعت فيه قالوا شرس, و إن وصفت الحب الذي أشعر به كما يشعرون قالوا فاسق, و إن قلت كلمة الدين قالوا جامد, و إن نطقت بمنطق العقل قالوا زنديق, فما العمل؟ إليك يا رب المشتكى…..
على عتبة الأربعين
لقد كان أكبر أملي يوم كنت في الابتدائية أن أكون معلما و كنت أتوهَّم حياة المعلم فأجدها جنة أنزلت الأرض فيها ما تشتهي الأنفس…..أليس المعلم يأمر فيطاع أمره…..؟ فلما صرت معلما, لم أجد من تلك الجنة إلا أرضا موحلة ما فيها إلا الأشواك… إن متع الدنيا أوهام , من لم ينلها تشوق إليها و حسد عليها, و من نالها ملها و تمنى غيرها: المتزوج يتمنى العزوبية, و العزب يشتهي الزواج, و المقيم يرجو السفر, و المسافر يطلب المعاد و و و ….و نحن كلنا أطفال …تشتري للطفل اللعبة النفيسة فيفرح بها و يهش لها , ثم يلقيها و يطلب غيرها, و لو كان دونها. ثم إن الآمال لا تنتهي, فمن أعطي المليون, ابتغى المليونين, و من رفع في الوظيفة درجة طلب درجتين, فلا يزال في شقائين, شقاء بالحاضر الذي لا يقنع به , و بالآتي الذي لا يصل إليه… أفلهذا وجدت و سعيت أربعين سنة؟ أسعيتُ لأدرك السراب؟ و تتالت علي الفِكَر, و عاودني الضيق الذي طالما كاد يدفعني (لولا خوف الله ) إلى طلب الموت من سنين, و ما أشكو المرض فصحتي جيدة و لا أشكو الفقر فما أجد من المال يكفيني, و إنما أشكو فراغا في النفس لا أعرف مأتاه, و قوى فيَّ لا أجد لها مصرفا, و حنينا إلى شيء غامض لا أدري ما هو على التحقيق.
على أبواب الثلاثين
نظرت اليوم في سجل ميلادي فوجدتني على أبواب الثلاثين, فتركت عملي و جلست أفكر, ماذا بقي لي من هذه السنين الثلاثين يا أسفي! لم يبق إلا ذكريات واهية تحتويها بقية قلب تناثرت أشلاؤه على سفوح قاسيون في دمشق…..لم أفد إلا اسما مشى في البلاد فحمل قسطه من المدح و الذم و التمجيد و الشتم و لكني كنت في معزل عن هذا كله فلم ينلني منه شيء , إن اسمي ليس مني…إنه مخلوق من حروف و لكني إنسان من لحم و دم, فهل تشبعني الشهرة او يكسوني الثناء؟ و لم املك إلا قلبا أحب كثيرا, و أخلص طويلا, و لكنه سقط كليما على عتبات الحب و الإخلاص…. فيا ليتني علمت من قبل أن الحياة مثل اللجة, يطفو فيها الفارغ و يرتفع, و ينزل فيها الممتليء و يغوص…. كنت أقرأ لأني كنت أجهل الحياة, فلما عرفتها لم أعد أطيق قراءة و لا بحثا, و لماذا أقرأ ؟ و لماذا أتعلم؟ و لماذا أكون فاضلا؟ و الحياة حرب على أهل العلم و الفضل, و الناس كالحياة لأنهم أبناؤها و تلاميذها. ألا يحيا الكاذب المنافق سعيدا موقرا, و يموت الصادق الشريف فقيرا محتقرا؟ ألا يبلغ المنافق ذو الوجهين أعلى المراتب و أسماها و يبقى الصادق الشريف في الحضيض؟… أليست أسواق الرذيلة عامرة دائمة و أسواق الفضيلة دائرة بائرة؟ ألا يظفر الكاذب المفتري بالبريء؟ ألا يغلب القوي الضعيف؟ ألا ينتصر المال على العلم؟ فلماذا أقرأ و لماذا أتعلم؟ و لماذا أكون فاضلا؟ *** و قمت و قد صفيت حسابي مع الحياة , فإذا أنا قد خسرت ثلاثين سنة هي زهرة عمري و ربيع حياتي و لم أربح شيئ
يتحدّث فيها الكاتب عن نفسهوبعض المواقف التي حصلت معه في حياته ..
وقد بدأ الكتاب بمقالة يتحدّثفيها عن الطّفل الصّغير الذي كان يسكنه يوماً وكيف غيّرته الأيام ليُصبح مُعلّماً
أضحكتني بعض مواقفه الطريفةووصفه لها حد البكاء
وأبكتني بعض التفاصيل حد الألم
ينقلك بأسلوبه السلس إلى أجواءحياته حتى تظن أنك عشت معه في تلك الفترة
أو أنه -رغم اختلاف الأجيال-عاش معك بعضا من تفاصيل حياتك!!
وأول ما لفت انتباهي مقارناتهبين مدرسة الماضي والحاضر
وطالب الماضي والحاضر
ومعلم الماضي والحاضر
وقد وضع يده على الكثير مماابتلينا به في معلمينا ومدارسنا
||~~~
ومن الكتاب:
ونظرت يوما من الأيام فإذا في مكان ذلك الطفل اللاهي اللاعب تلميذ يقرأ مكرها ويكتب مضطرا ويحمل هم المدرسة كالذي يساق إلى الموت، يذهب إلى هذه الدار التي يحشد فيها الأطفال الأبرياء المساكين لتحشى أدمغتهم بمسائل لا يدركون معناها وشروح لا يعرفون مغزاها وتنال من أبشارهم وظهورهم عصا المعلم الغليظة وتقذي عيونهم برؤية طلعته البغيظة ... لقد كان في هذه المدرسة كالمحكوم عليه بالسجن ظلما...
تعلمت أن الإنسان لا يحس بعظمة الله إلا إذا نسي نفسه وعظمته، هنالك يجد هذا "الجرم الصغير" الذي هو رملة في الصحراء أو عدم في وجود الكواكب والذي لا يمتد عمره من لحظة في عمر السماء... يجده أكبر من الكواكب وأخلد من السماوات لأنه عرف الله وأدرك حلاوة الإيمان ... وقمت بعد ذلك أصلي فلما قلت: الله أكبر، محي الكون كله من وجودي ولم يبق إلا أنا العبد المؤمن الضعيف، والله الإله العظيم الجبار. ليس في الدنيا شيء أجل ولا أجمل من الصلاة.
أحببت كثيرا وتألمت أكثر مما أحببت ولكن الحب الحقيقي الواحد الذي انطوى عليه قلبي والألم الفرد الصادق الذي عرفه، هو حبي أمي، وألمي لموتها، وكل ما عداهما حب كاذب وألم عارض. إني لأنسى البلاد كلها حتى منازل حبي، وربوع هواي، ولكني لا أنسى أبدا ذلك الزقاق الضيق الذي يمتد من العقيبة في دمشق إلى رحبة الدحداد لأن سعادتي ولدت في أول هذا الزقاق وماتت في آخره حين مات أبي وأمي .. رب اغفر لي ولوالدي، رب ارحمهما كما ربياني صغيرا.
إن من حاول معرفة نفسه عرضت له عقبات كأداء ومشقات جسام فإن هو صبر عليها بلغ الغاية وما الغاية التي تطمئن معها النفس إلى الوحدة وتأنس بالحياة، وتدرك اللذة الكبرى، ما الغاية إلا معرفة الله. وسيظل الناس تحت أثقال العزلة المخيفة حتى يتصلوا بالله ويفكروا دائما في انه معهم وأنه يراهم ويسمعهم هنالك تصير الآلام في الله لذه والجوع في الله شبعا والمرض صحة والموت هو الحياة السرمدية الخالدة هنالك لا يبالي الإنسان ألا يكون معه أحد لأنه يكون مع الله.
الكتاب مجموعة من مقالات قديمة جدا للشيخ رحمه الله.. كانت في أيام شبابه الأول في العشرينات والثلاثينات.. تتحدث المقالات عن أمور مختلفة يجمعها أنها حديث نفس ورؤيا شخصية للحياة وما في الحياة. يقول الشيخ في المقدمة أن هناك كثير من مبادئه تغيرت لكنه آثر أن يبقي المقالات كماهي ولايغير فيها شيء.. وأنا أشجع تصرفه هذا وأكبره جدا.. بالنسبة لي شيء جميل جدا أن نرى مراحل التطور الفكري لشخص ما لاسيما إن كان هذا الشخص من الكتاب أو الأدباء.. هذا لوحده سيلقننا درسا أنه لا بأس إن تغيرت بعض المبادئ القابلة للتغير حسب الظروف والمواقف التي نمر بها.. أيضا من الرائع جدا أن ترى تغير الأفكار خلال مراحل العمر .. من الشباب للرجولة للشيخوخة..في الوقت الذي نظن فيه بأن مبادئنا مستقرة وغير قابلة للتغير نمر بمرحلة نضج أكبر ونعرف أن كل شيئ قابل للتغيير دون المساس بالأمور الشرعية الواضحة..
لمست في المقالات سخطه وغضبه.. أيضا حزنه.. لم يكن الكتاب ممتعا بالنسبة لي.. لم أحظ بكثير من المتعة أبدا .. بعض المقالات اضطررت إلى تجاهلها وقراءة مابعدها لأنها لم تكن تناسب مزاجي ربما.. يبدو لي نظرته كانت متأثرة بظروفه.. أو إن صح التعبير هي متأثرة بصدمته في الحياة حينما اكتشف ان الحياة ليست في الكتب وليست فيما تلقيناه في المدرسة.. وليست كما نعرف في النهايات السعيدة والخير يغلب الشر دائما.. أيضا أجد في نظرته الكثير من الواقعية بخصوص المال ومكانته في حياتنا الحالية..
الإعتذار موصول ، لا أدرى لمن ؟ ولكن ربما لنفسي التي لم يُكتب لها مثل هذه الكتب
وربما للشيخ الطنطاوي رحمه الله الذي تغيرت نظرتي لما خطته يداه ..
هذه الكتب لا تحتملها نفسي ، ولكن لولا مكانة الشيخ عندي لما كنت ضغط على نفسي حتى التمام ، ولولا مشاركتي للغالية الصديقة رحمة لما أكملت بعد العشرين ..
الكاتب أعترف بنفسه أن الكلام عن النفس يكون ثقيييييل على الغير ، ولكن ماذا نقول ؟ قاتل الله الأدب ..
لم أستسيغ بثه الشكوى طوال الـ 300 صفحة ، ضيقه وعجزه وتكراره ثم ... يذم عمره ودهره 💔
كنت أحياناً أشعر أن الشيخ يسيطر عليه قلمه الأدبى بصوره كبيرة ربما تصل للمبالغة في بعض الأحيان ، فيخطأه التعبير ، ولكن بعض التعبيرات لم أستطع تجاوزها . رحم الله الشيخ وغفر له ..
للحق أعجبتني بعض من المقالات التي كانت في نهاية الكتاب ، وهذا ما وجدته خبث من رتب الكتاب ، فقد كان سيؤثر على تقييمي ، ولكن رجع واشتكى مرة أخرى فرجع تقييمي كما كان ..
لم يكن أوّل كتاب أقرأه للشيخ علي الطنطاوي؛ قرأت قبله كتيبات له وكتب عنه.. لكنه كان الكتاب الذي قررت بعد قراءته أن أقرأ جميع ما خطّت يده أو خُطّ له وعنه رحمه الله.
الكتاب عبارة عن مقاطع لذكريات وأحاديث الطنطاوي مع ذاته، فهو تارةً يتذكر دمشق في ذا وذاك المقال، يَذكر أساتذته الأفاضل ومسيرته في التعليم والقضاء، يذكر رَفيقه الشاعر أنور العطار و��رى أن صداقتهما أفضل ما وُرد في الكتاب.
يروي لنا حال الأديب وهو دائم البحث عن مواضيع جديرة لِتُشارك مع القرّاء، حتى أنّ الطنطاوي دائمًا ما ينام وأوراقه والقلم بجانبه وكثيرًا ما يستيقظ فجرًا ليدوّن أفكاره حتى لا تختفي، فلا يرغب أحد من ذويه بالمبيت معه في ذات الغرفة!
اخترت هذا الكتاب رغبةً مني لأتعرف على هوية علي الطنطاوي بعد أن قرأت "هكذا ربانا جدي علي الطنطاوي" الذي كتبته حفيدته عايدة وسيمر زمن طويل قبل أن أعرف مدى صحة اختياري.
كان ممل إلى حدٍ ما في البداية لكنه أيضًا يحتوي على بعض المقالات الجميلة مثل: (مقدمة ديوان/ أستاذنا الجندي/الدرس الأخير)
"إن الهواء والماء والشمس والقمر والصحة والمرض والولادة والموت... كل أولئك سطور خطّ الله فيها على صفحة الحياة أن الناس متساوون"
"لماذا لانقدر أن نقف في الفترة السعيدة من أعمارنا كما يقف المسافر في البقعة الجميلة إذا جاز بها؟"
إن من حاول معرفة نفسه عرضت له عقبات كأداء ومشقات جسام فإن هو صبر عليها بلغ الغاية وما الغاية التي تطمئن معها النفس إلى الوحدة وتأنس بالحياة، وتدرك اللذة الكبرى، ما الغاية إلا معرفة الله. وسيظل الناس تحت أثقال العزلة المخيفة حتى يتصلوا بالله ويفكروا دائما في انه معهم وأنه يراهم ويسمعهم هنالك تصير الآلام في الله لذه والجوع في الله شبعا والمرض صحة والموت هو الحياة السرمدية الخالدة هنالك لا يبالي الإنسان ألا يكون معه أحد لأنه يكون مع الله.
.............
على عتبة الأربعين
إن متع الدنيا أوهام , من لم ينلها تشوق إليها و حسد عليها, و من نالها ملها و تمنى غيرها: المتزوج يتمنى العزوبية, و العزب يشتهي الزواج, و المقيم يرجو السفر, و المسافر يطلب المعاد والريفي يحن إلي المدينة والمدني يتشهي الريف و نحن كلنا أطفال …تشتري للطفل اللعبة النفيسة فيفرح بها و يهش لها , ثم يلقيها و يطلب غيرها, و لو كان دونها. ثم إن الآمال لا تنتهي, فمن أعطي المليون, ابتغى المليونين, و من رفع في الوظيفة درجة طلب درجتين, فلا يزال في شقائين, شقاء بالحاضر الذي لا يقنع به , و بالآتي الذي لا يصل إليه….
أما إن الحق الذي لابد الليلة من الصدع به أنه : لا هذه المواعظ ولا هذه المقالات هي التي توصل إلي الله ، ولكن يوصل إليه أن يعود كل إلي نفسه فيسأل : من أين جاءت ؟ وفيم خلقت ، و إلي أين المصير ؟ وأن يعلم كل أن الطريق من فوق ، فيرفع رأسه ليري الطريق . ومن منا يرفع اليوم رأسه ، ونحن كالنحلة لا نبصر إلا الأرض ؟ ومن منا هو كالفراشة تسعي إلي النار ، تحسب أنها باب الإنطلاق .
الدين أن تتصل بالعالم العلوي وأن تراقب الله و أن تعلم أنه مطلع عليك ابدا وأنه يرعاك بعينه فترعاه بقلبك وتطيعه بجوارحك. هذه هي غاية الخلق وهذا سر الوجود : (ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون ) ، لا عبادة عادة وصلاة رياضة وصوم استشفاء وحج سياحة بل العبادة التي يحس بها القلب حلاوة الإيمان ويذوق فيها لذة العبودية ويستشعر فيها القيام بين يدي الله. ولتغامر مع ذلك في ميدان الحياة ولتقحم لجها ولتأخذ اوفر قسط من طيباتها ومن علومها ومن فنونها ولتكن قويا ولتكن غنيا
هنالك بعضُ الكُتاب إذ يصفون احلامهم وآلامهم يصفون احلام الناس كلهم وآلامهم، فهم تراجمة العواطف وألسنة القلوب وصدى الخواطر حتى ليقول القارئ إذ تمر به آثارهم ، ما هذا؟ ان في هذا التعبير عما أحس به ، انه وصفٌ لي أنا وحدي ! وها هو علي الطنطاوي أحد هؤلاء الكُتاب ولعلهُ أذكاهم وأبرعهم ، يُدخلنا في هذا الكتاب في حديثه مع نفسه ، كأنهُ يشرح ذواتنا يشكو لنا علي عن يأسه وغضبه ، عن عُمره في ما أضاعه ، عن البلاد والقضاء والتدريس والموت وغيره .. اكثر ما أعجبني في الكتاب ، ان علي الطنطاوي يذكُر سعيه للشهرة وغيرها من الاهداف التي اكتشف في ما بعد انها اهداف فارغة لا إستفادة منها .. لكنه لم يخجل من ذِكرها بل أعتبرها نصيحة وعبرة للقارئ .. كتاب خفيف ومفيد وقريب للنفس 💙 من اجمل الخواطر التي قرأتها
إذا كنت تبحث عن المتعة المعهودة بكتب الطنطاوي فارحل حالاً من هنا ! هنا الطنطاوي الحزين الساخط الغاضب اليائس يشكو للقارئ همومه يشكو البعد والفراق والمرض والموت ! يشكو البلاد والعباد والأدب والقضاء ! بل ويتحدث عن محاولة انتحاره ! إليكم بعض عناوين المقالات : ( من دموع القلب، عيدي الذي فقدته، زفره مصدور، الوحدة، بيوتنا هدمناها بأيدينا، وقفة على طلل، شكوى .. ) لا ألومه فهو " من حديث النفس " رحمه الله
" من حديث النفس " كتاب من تأليف الشيخ علي الطنطاوي أصدر عام 1960م ، في هذا الكتاب ست وثلاثون مقالة مما كتبه علي الطنطاوي بين عامي 1931 و1959 ، وقد نُشر عام 1960 نصف مقالات هذا الكتاب كتبها صاحبها في عقد الثلاثينيات ، وقد نُشرت أقدمها في عام 1931.
ونحن نجده - في تلك المرحلة من حياته - في توثب لا يفتُرُ وهمّةٍ لا تنِي ، وإن المشاعر لتضطرم في نفسه حتى ما يطيق حملها فيبثّها في ثنايا الصفحات وينشرها عبر سطور المقالات . ها هو ذا يعرض - في عام 1933 - شهادته الجامعية للبيع : «... فيا أيها القراء الكرام ، إني أعرض شهادتي ولقبي الكريم للبيع برأس المال (الرسوم والأقساط) ، أما فوسفور دماغي ، وأيام عمري ، فلا أريد لشيء منه بديلاً ، وأجري على الله . فمَن يشتري؟ شهادة بيضاء ناصعة كبيرة ، خطها جميل ، ذات إطار بديع . جديدة (طازة) ! مَن يشتري؟!». وها هو ينعى عيده في مقالة «عيدي الذي فقدته» فيقول : «يا آنسين بالعيد ، يا فرحين بهز! هل تسمعون حديث رجل أضاع عيده ، وقد كانت لكم أعياد ؟ أم يؤذيكم طيف الشجى إذ يمرّ بأحلام أفراحكم الضاحكة ؟». وفي «زفرة مصدور» : «ما أضْيَعَ أيامي في مدرسة الحياة إن كان هذا كلَّ ما تعلمت منها في ثلاثين سنة ! اللهمّ إني قد نفضت يدي من الناس ، وإني أسألك أمرًا واحدًا ؛ ألاّ تقطعني عنك ، وأن تدلّني عليك ، حتى أجد - بمراقبتك - أنس الدنيا وسعادة الآخرة». وفي «زفرة أخرى»: «... ولكني كرهت أن أتوكأ في سيري إلى غايتي على غير أدبي ، ونزّهت نفسي عن أن أجعل عمادي ورقة صار يحملها الغبي والعيي والجاهل واللص الذي يسرق مباحث الناس ويسطو على آثارهم ... لقد صرت كالعجوز الذي حَطَمه الدهر وفجعه في أولاده فسيّره في مواكب وداعهم الباكية . وما أولادي إلا أمانيَّ ، وما قبور الأماني إلا القلوب اليائسة .. فيا رحمة الله على تلك الأماني ! » .
وفي الكتاب مقالات يصف فيها علي الطنطاوي نفسه أو يعبّر عن عواطفه وانفعالاته ، كما صنع قبل قليل في «زفرة مصدور» و«زفرة أخرى» ، وكما في مقالات: «الوحدة» و «الشفاء» و «وقفة على طلل» و «صورة المؤلف بقلمه» .
. . من حديث النفس كتاب ضم مجموعة مقالات كتبها الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله جاء بعضاً منها كذكريات لطفولته وشبابه والبعض الأخر تنوع ما بين الموعظة و سرد واقع حياته .
ما يميز أسلوب الطنطاوي هو الوضوح والبعد التام عن التصنع أو تجميل الواقع . رحم الله شيخنا الجليل وأسكنه فسيح جناته . . .
استغرفت في قراءة هذا الكتاب اكثر من١٥ يومًا قرأت المقالات بشكل متقطع و قد استفدت من هذه الطريقة (القراءة المتقطعة ) فقد كنت أقرأ مقالتين كل يوم و أبحث عن جمالياتها بتأنٍ و تروٍ .
لكتاب ضمّ أهم مواقف الطنطاوي النفسية ، حالات يأسه ، تعبه ، حزنه فقد عبّر العنوان عن المضمون بشكل جيد جدا .
📚أنت تلقي المرء أول مرة فتحس بأنك تحبه أو أنك تكرهه، لا تدري لحبك ولا لكرهك سببًا ..سر ركبه الله في نفس الإنسان ..
-وسيظل الناس تحت أثقال العزلة المخيفة حتي يتصلوا بالله ويفكروا دائمًا في أنه معهم وأنه يراهم ويسمعهم ،هنالك تصير الآلام في الله لذة ، والجوع في الله شبعًا، والمرض صحة والموت هو الحياة السرمدية الخالدة ، هنالك لا يبالي الإنسان ألا يكون معه أحد ، لأنه يكون مع الله
من حديث النفس , هي مجموعة مقالات نُشرت للشيخ علي الطنًّطاوي- رحمه الله كتاب "من حديث النفس" من الكتب التي لاضجر معها، إنك لتمسك الكتاب ولاتقدر على تركه حتى تنتهي منه كتاب يصف فيه الشيخ الطنطاوي ..خواطر وافكار عن مواضيع عامة عاشها او رآها باسلوب مشوق وجميل جدا يجذب القارئ كما هي العادة مع جميع مؤلفات الطنطاوي ..رحمه الله كتاب رائع بكل ما تحمله الكلمة من معنى ..تبحر معه في الفكر والتصور ..فتغدو كانك تعيش القصة وليس فقط تقرأها
انه من تلك الكتب التي تعلق بالقلب والعاطفة قبل ان تعلق بالعقل والذاكرة
خواطر ولغة اقل ما يقال عنها انها رائعة الكاتب يتكلم عن نفسه وعن مواقف حصلت معه او مع اصدقائه ، جعلتني بعض الاحداث والقصص اوشك على البكاء وبعضها جعلني ابتسم واتحسر على الزمن الجميل الذي عاشه شيخنا الجليل ولكل منا زمنه الجميل الذي يحن له ويتمنى عودته خواطر جميلة قريبة من النفس، وهكذا أسلوب الشيخ الأديب رحمه الله في كثير من كلامه عن نفسه تشعر أنه يتحدث عنك، ويدفعك للتفكير في ماهية الحياة وأسباب الوجود والمصير المحتوم على كل إنسان.
من الطبيعي أن معظمنا يتفق على قراءة كتب الطنطاوي، لخفتها وفائدتها وقربها للنفس. ربما الكثير راجع كتبه، ولا حاجة لكتبه بالمزيد من المراجعات، لكن عندما أنهيته، بل لأصدق القول، عندما بدأت بقراءة هذا الكتاب، كان من الصعب أن أقيمه دون كتابة شيء عنه. لم أعتقد يوماً أنني سأجد من يجسد اعاصير روحي في كلمات، ظننت أنه أنا وحدي من مرت عليه هذه الأحاسيس وفيضانات الشعور، ظننت أنه وإن كان أحداً قد مرت عليه عواصف الأفكار ذاتها التي مرت علي، لن يحصل لي أن أتعرف عليه لنتشارك هذا الأسى.
لكن المفاجأة كانت تعتلي ملامحي مع كل صفحة، كم كنت خجلة وأنا أقرأ كلماته، كنت خجلة لأنها تصف مابي، تصفه بدقة وبشكل حقيقي، كان انكشاف شعوري أثناء قرائتي للكتاب مخيف نوعاً ما، أن تجد من يلمس داخلك ويقول لك إنني مثلك مازلت أبتسم رغم كل مايحدث داخلي.
شكراً لعلي الطنطاوي على جرأته لمشاركته لنا ما جَبُنت نفسي لمشاركته مع أحد من البشر.
لا أعرف كيف أبدأ مراجعتي هذه.. أنا حزينة فقط. ماطلت في قراءتي له فقط كي أحصل على أكبر قدر من المتعة، الأسلوب الشيّق، والسرد الأكثر من رائع.. دائمًا كنت أحب أن أقرأ من هذا الكتاب في الليل، قبل أن أنام، لأصفّي ذهني به.. هذا الكتاب -لا أعرف كيف أصف شعوري بالتحديد- أخذني إلى مكان أعرفه حقّ المعرفة، كنت أشعر بالطنطاويّ وهو يصف شعور الحزن وهو يخالجه، وهو يحكي عن وحدته، وهو يحكي عن أمه.. في مقاله "من دموع القلب"، فأبكى قلبي.. أستطيع أن أرى مشاعر الطنطاوي في كتبه، أستطيع أن أرى صدقه، أن أرى قلبه الصافي، حكمته، علمه، شدته على الحق.. من أحبّ الكتّاب إلى قلبي، رحمه الله رحمةً ومغفرةً واسعة. آمين.
بارعٌ هذا الطنطاوي وصفٌ ومشاعرٌ مرهف جدا هو الكلمات لمستني تفاعلت مع كل سطر شخص نقي مرح عاني كثيرا وفهم الحياة على حقيقتها. ليت في زمننا هذا كثير منك.رحمك الله وطيب الله ثراك.
مراجعتي لكتاب من حديث النفس لعلي الطنطاوي .. الكتاب عبارة عن عدة مقالات كتبت في سنين مختلفة وجمعت.. من موضوعات المقالات الأدب، والحنين إلى الماضي، ومقالات دينية. لفت نظري في الكتاب لغته العربية وجعلني هذا الكتاب اقدر اللغة العربية دراسة وقراءة، فلا شيء يضاهي كتاب عربيته سليمة. أحسست فعلا بعنوان الكتاب أثناء قراءتي له فهو حديث نفس لعلي الطنطاوي رحمه الله يتحدث فيها عن رحلته مع الأدب، أو دور الأديب، أو عجزه عن الإتيان بفكرة لمقال، أو تأثير السنين على علاقته بالأدب. فقد تكلم الطنطاوي في هذا الجزء وأسهب. لن أنكر أن قد أصابني الملل في بعض المقالات لكن سرعان ما يذهب هذا الشعور بسبب أسلوبه الأدبي ولغته العربية. أود أن أشيد ايضا بمقالاته الدينية في الكتاب ففيها من تذكرة قوية ووقفة مع النفس، و تعابيره القوية تملأ النفس. وقد عني في مقالاته بالتأكيد على صعوبة طريق الحق، وتغير الحياة وانمحاء الثقافة العربية شيئا فشيئا، وعبر عن حبه لشتى البلدان خصوصا بلده سوريا (وأحزنني حال سوريا والوطن العربي كله اليوم فقد كان سيحزن عليها حزنا كثيرا وسيرثيها رثاء كبيرا). كانت المقالات بالنسبة لي عبارة عن استكشاف لشخص على الطنطاوي فقد كان أول كتاب أقرؤه بقلمه، فساعد هذا على تقليل الملل، فوجدت فيه شخصا مسلما متمسكا بدينه، ومثقفا واسع الثقافة في العلوم الدينية والدنيوية، وتقي يتق الله في قرائه وطلابه وحكمه، وواعظا يعظ قرائه وقتما سنحت له الفرصة. شجعني هذا الكتاب على قراءة كتب أخرى له فبدأت في كتاب تعريف عام بدين الإسلام، وحقا لم يخطئ توقعاتي.
ملحوظة: هذه أول مراجعة أكتبها تامة باللغة العربية، والجدير بالذكر أنا لا أرتب أفكاري قبل البدء في كتابة المراجعات أنا فقط أكتب ما يجيء على بالي.