عابدة المؤيد العظم's Blog

September 26, 2024

هل يجوز للمرأة أن تأخذ نصف أملاك زوجها حال تم الطلاق في البلاد الغربية؟

سُئلته عشرات المرات، والجواب:

الإسلام حفظ حق الزوج، ومال الزوج وتعب الزوج.

والإسلام سبق الغرب بحفظ “حقوق المرأة المطلقة”، وفي تقدير حاجاتها المادية والنفسية (كونها محبوسة على الزوج، وقد تكون غير عاملة وليس لها مورد)، فجعل لها “متعة الطلاق”.

وهي مال يعطى للمطلقة المدخول بها؛ جبرًا لخاطرها وعرفانًا للفضل الذي كان بينها وبين مطلقها: “وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة: 241]”، بشرطِ ألَّا يكون الطلاق برضاها أو بسبب من قِبَلها.

و “متعة الطلاق” غير نفقة العدة، وغير مؤخر المهر.

و”متعة الطلاق” مشروعة بالكتاب والسنة وأقوال الصحابة، لرفع ما حصل للمطلقة من إيحاش وألم بسبب الفراق.

و”متعة المطلقة” اختلف الفقهاء في حكمها، ومقدارها، ولكنها موجودة بالقرآن ومثبتة، ومن الفقهاء من أقرها لكل مطلقة.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى هناك فتوى:

ابن عرضون المالكي، عن “الكد والسعاية”، ولها سياق تاريخي معروف ومهم، وبرأيه أن المرأة التي تشارك الزوج في تكوين ثروته، فإنه من الظلم البين أن تأخذ فقط الميراث، وهي شريكة بالمال والجهد في ثروته بعملها وصبرها، فينبغي أن تأخذ نصيبا من المال غير الميراث”.

وبالتالي للزوجة حق في مال زوجها بعد الطلاق، ولكن ليس النصف، وليس بنسبة ثابتة، فعدد سنوات الزواج، وقدرة الرجل المادية، لها أهمية بالغة في تحديد قيمة هذه “المتعة”. والتي يجب أن تتم بالتقوى والتراضي والعدل.

ولقد أقرت مصر هذا القانون: “الزوجة المدخول بها في زواج صحيح إذا طلقها زوجها دون رضاها ولا بسبب من قبلها تستحق فوق نفقة عدتها متعة تقدر بنفقة سنتين على الأقل”، تشمل السكن والكسوة والطعام.

وبالتالي: المطلقة لها حق مالي شرعي من أموال زوجها (سوى النفقة)، ولكن بالمعروف والقسطاس المستقيم، ودون جور أو استغلال.

#عابدة_المؤيد_العظم

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on September 26, 2024 04:53

June 2, 2024

“لا تدافعي ولا تدافع عن نفسكَِ”درس تعلمته من الحياة، وسأفيدكَِ منه.والمقال مخصص للشخصية التي تُتهم وهي بريئة وراقية، ومشغولة بالمعالي (وغافلة عن كيد الحاسدين)، فتجد نفسها فجأة حديث الموسم.

ولقد نشرتُ من قريب فيديو قصير بهذا الخصوص على حساباتي على وسائل التواصل، بنفس العنوان “لا تدافعي عن نفسك”، وقلت فيه:
تقبض الشرطة على المتهم وتكرر: “من حقك التزام الصمت، وكل كلمة تقولها ممكن تستعمل ضدك”… كلمات بقيت زمناً أراها روتيناً وطقساً فارغاً يحرم المتهم من الدفاع عن نفسه وإبداء أعذاره؛ يعتقلونه وهو غافل لاه، ويضعون الحديد في يديه ويسحبونه إلى السجن، ويمنعونه فوقها من الصراخ: “أنا بريء”! وكيف تستعمل (كلمة طيبة مثل “أنا بريء” ضده)؟

وكالعادة جاء يوم فهمت به السر (وكذلك المرء يتساءل عن أشياء كثيرة، وكلما كبر وخبر الحياة فهم الكثير مما غُمَّ عليه من قبل).
ويحدث نفس الشيء تماماً إذا وقع الشقاق وسوء الفهم، ونزغ الشيطان بين اثنين، ووضع أحدهما موضع الاتهام… فكل كلمة يتفوه بها (سواء ليدافع عن نفسه أو يطيب الخواطر) تصبح ضده وتنقلب عليه.

مهما انتقى كلماته ومهما كان متعاوناً وسمحاً.

فإن قال: “والله يا فلان أنا أحبك”، فيصرخ الخصم: “لو كنت تحبني مافعلت بي هذا”.

ولو قال له: “أنا آسف أرجوك سامحني” فيرد: “إذن تعترف أنك أخطأت بحقي فكيف تخطئ هذا الخطأ الشنيع وكيف تتوقع مني غفرانه لك”

وإذا قال: “ألا تذكر الخبز والملح الذي بيننا واللقاءات الرائعة في بيتي”، فيغضب الآخر: “أبلغت بك أن تحسب علي اللقمة وتمن علي أيضاً بما قدمته، لو عرفت هذا لما أكلت طعامك ولا دخلت دارك”

ولو قال: “اخز الشيطان، واسمعني وافهمني”، فيستثار الرجل “وتتهمني بالغباء، وصلت معك الخصومة إلى هنا”.
ويحدث هذا حين يكون الخلاف وسوء الفهم فقط بين اثنين، فكيف إذا شاع وانتشر؟ وذهب كل واحد منهما باتجاه ليُشوه سمعة الآخر، ويغتابه؟

والخلاصة “لا فائدة من الكلام، وأنصح بالصمت… ليس إلى الأبد وإنما مدة من الزمن (ريثما تهدأ النفوس)، وبعدها يتدخل طرف ثالث (كما يتدخل المحامي في المحاكم)، أو تبدأ العلاقة بالعودة تدريجياً حتى ترجع لصورة مقبولة.


ورغم أني شرحت بالفيديو السبب، إلا أن الناس تعجبوا مني؛ وسألوني كيف لا ندافع عن أنفسنا إذا اتهمنا؟!

وسأفصل وأشرح في هذا المقال، وأبدأ بمقدمة أقول فيها هناك حالتين:

الأولى- لو كانت التهمة “قضية” يترتب عليها حكم وعقوبة أو جزاء مادي، أو ظلم كبير واضح بَيِّنْ، ويمكن حلها بالمحكمة أو بغيرها… فهنا ينبغي الدفاع عن النفس والمال والعرض، واتخاذ الإجراءات اللازمة.
أو لنقل إذا كانت تهمة كبيرة، وكانت لدينا أدلة واضحة ومقنعة، وقاض عادل، ومحام صادق وقوي بالحق، فيمكن أن نتكلم وندافع، ونسترجع حقوقنا.
والثانية- وهي الحالة السائدة، وفيها نتعرض للظلم والقهر والتبلي والتحزب والنبذ، بسبب أمور معنوية، فلا يمكن ردها بأدلة قاطعة: وذلك حين يتقولون علينا، أو يفهمون منشورنا بشكل خاطئ، أو يفسرون سلوكنا بسوء ظن، أو يعرفون عيباً فينا أو نقصاً فيزيدون عليه، ويبالغون فيه ويجعلونه وكأنه كبيرة، ويغتابوننا ونحن لا ندري…

فهي اتهامات باطلة، وظنية ولها علاقة بالمشاعر ولغة الجسد، كأن يقال: فلانة حسودة وكاذبة وتكيد بالخفاء، فلان خبيث ومتكبر ويدعي ما ليس فيه… فهي تهم معنوية، وإنها وإن كانت مؤلمة جداً ومسيئة، وتمس سمعتنا ومكانتنا، وقد تؤثر على زواجنا وعملنا ومكانتنا… إلا أنه من الصعب ردها، ومن الصعب نفيها…

وهنا وفي هذه الحالة أنصح ومن تجربتي، ألا ندافع عن أنفسنا. لعدة أسباب:
1- نفي التهمة فيه ضمنياً إثبات لها!
ولذلك تجاهلها أفضل، وعدم الرد عليها سوف يُميتها.
وصحيح أن قصتكَِ قد تكبر وقد تنتشر (ولو صمتَِ)، ولكن اطمئنكَِ:
نحن نعيش اليوم في عصر الفقاعات
، وكل قصة ستنتشر هنا وهناك وتكبر… ثم تموت فجأة، خاصة إذا ظهرت للسطح قصة أخرى لشخصية غيركَِ.
أقصد:
الناس سينسون قصتكَِ، وحدهم، فلا نجهد أنفسنا بتصليح الصورة. بل الصحيح والصواب أن نهتم بسلوكنا وبنجاحاتنا، وهو كفيل وحده، ومع مرور الزمن، بأن يُنسي الناس ما قيل عنا. 

2- الناس اليوم مشغولون بهمومهم، وحين تلصق بكَِ تهمة، فإن كثيرين لم يسمعوا عنها، ولن يسمعوا عنها، وقد تمر العاصفة ولا يعرفون نهائياً بشأنها، ودفاعكَِ عن نفسكَِ سيجعلهم يعرفون عنها منك أنت شخصياً، وهذا سيساهم في نشرها، فتكثر الإشاعات والأقاويل عنكَِ، وهذا ليس في مصلحتكَِ.
أو وعلى الأقل فيه إحياء لها، والسماح للجميع بتداولها والخوض فيها، وتمكينهم ليلوكوا قصصكَِ، ويتجسسوا عليكَِ، ويتسقطوا أخباركَِ، ليكونوا قضاة عليكَِ، ولينال أعداؤكَِ منكَِ!

فلا ينبغي تمكينهم من ذلك.
وإنهم حين يحاولون تسقط أخبارك، ويجدونك طبيعية تماماً وتمارسين حياتك، فسوف يتشككون بمصدر الخبر، ويراجعون أنفسهم.

3- من الاستحالة الوصول لكل شخصية سمعت ما قيل عنكَِ، وتوضيح الحقيقة لها.

وصحيح أن هناك منصفين سيتحمسون لنصرتكَِ، ومحامون سيدافعون عنكَِ مجاناً، ودون توكيل منكَِ، بل دون علم منكَِ، ولكن لا تنسوا:
أن لكل منا أعداء سيصطفون هناك مع الاتهام، لينالوا منا… فالأفضل حرمانهم –قدر الإمكان- من التشفي فينا.

4- لن يصدقكَِ أكثر الناس ولو دافعتَِ عن نفسكَِ.
فأكثر الناس إمعة وبلا شخصية (وهم يظنون في أنفسهم الاستقلالية)، ويقتنعون بمن تكلم أولاً ويصدقونه، وتترسخ الفكرة عندهم:
فحين يلصقون بكَِ صفة ليست من شيمكَِ، أو تتهم وتتهمين بسلوك مشين لم يصدر عنكَِ، فإنكَِ مهما قلتَِ ومهما بررتَِ، ومهما أثبتتَِ… فإنه من الصعب محوها.

وإذا كان للشخص المسيء وجاهة عند الناس، فسوف يصدقونه هو لا محالة. كما أن الناس يصدقون الأب ضد الابن، والغني ضد الفقير، ومن يعرفونه ضد من تعرفوا عليه حديثاً… ولا يحصصون ولا ينتبهون، فلا جدوى من محاولات إقناعهم.

5- الذين يتبلون على الآخرين “خبثاء” و”ألحن بحجتهم” كما أقر النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا لم يستطع النبي كشفهم وقال أنه سيحكم لهم، فكيف سنتمكن نحن من كشف المسيء وفضحه والدفاع عن أنفسنا؟!

6- وإن الذي يتبلى على الآخرين ويتهمهم بما ليس فيهم، يستعمل الكذب والكيد ويشهد زوراً، ويبدل القصص ويشوه الحقائق… فكيف سأستطيع الدفاع عن نفسي، وهو مستعد لرد كل حجة آتي بها بكذبة أخرى، وأدلة جديدة ملفقة؟!

7- الذي يصدق كل ما يقال عنكَِ، ويتخذ موقفاً عدائياً، فهو:

إما (1) سيء وحقود، أو (2) بلا عقل ولا فكر، وكلاهما لا فائدة ترجى من إقناعه.

فالحاسد يسلخنا بما ليس فينا، والأهبل يصدقه، والمكيود يساهم معهم، والذي يشعر بالنقص سترتفع معنوياته حين يجد من هو دونه.

وإذا كان المسيء من المقربين منكَِ ويعرف حقيقتكَِ، فذا ينبغي الابتعاد عنه والحذر منه، بدل محاولة توضيح الصورة له.
ولعلها فرصة لنميز من يحبنا ممن يبغضنا، أو من يريد لنا الخير، ممن يضمر الشر لنا.
بالإضافة أن من يصدق كل ما يسمع سطحي، وقدراته العقلية محدودة، ولا خير فيه، ومحاولتكَِ إقناعه تجعله يتخذ من كلامكَِ حججاً إضافية لإدانتكَِ، وأنتَِ هدفكَِ العكس!

وإذا كان من معارفنا فهو غير وفي، وقد كان المنتظر منه أن ينصركَِ ظالماً أو مظلوماً.
8- كلما دافعتَِ عن نفسكَِ، وانتهيت، فسوف تأتيكَِ تهم أخرى، ومن غير المعقول التفرغ للرد عليها.

9- للأسف أكثر من يؤذينا هم من المقربين منا، فإذا عدموا الوفاء والمودة والمرحمة فلا خير فيهم. وإذا افتقدوا العدالة فلا فائدة من مخاطبتهم.
وإن هؤلاء بيننا وبينهم رحم وعلاقات. فليس من المروءة ولا من النخوة أن ننشر خفايا العائلة وتاريخها والحزازات التي فيها، ونقائص وعيوب ذوينا، لندافع عن أنفسنا…
وإن من يُشهّر ببنته أو أخته، ومن تُشهر بزوجها أو طليقها… فإنه مختل الشخصية، وإنهم حين يتبلون علينا بأمور لم نفعلها يكونون مرضى نفسيين، أو غلبتهم الغيرة وأكلهم الحسد، فيشعرون أننا لا نستحق ما وصلنا إليه من مكانة أو فضل أو تأثير أو محبة أو وجاهة أو حظوة عند زوج أو مال، فيكيدون لنا.
وإذا كان ما يقولونه عنا حقيقة، فالعاقل يستر، لأنه يعلم أن الكلام بالسوء يضر العائلة كلها (لأنها تبقى في أعين الناس جزءاً واحداً). وعليه اللجوء للعلاج بدل التشفي والانتقام، فهذا سلوك الحاقدين، وليس المحبين المصلحين.
ولدي نصيحة أخيرة واكتشاف علمتينه الحياة:
لا تصدقوا مقولة “امش عدل يحتر عدوك بك”، فلكل منا أعداء مهما كنا أوفياء ومستقيمين ومتقين؛ فالغيظ والحقد (مع اختفاء التقوى)، يجعل بعضهم مستعداً لتدبير أي شيء، للنيل من البريء الخلوق المستقيم، وتلفيق تهمة بشعة مغرضة له، هذا الواقع في العلاقات الاجتماعية المتنوعة.

والكيد وتشويه السمعة يكون بين أقرب الأقرباء، ولذلك يصدقهم الناس، ويقولون لقد شهد شاهد من أهله.

والحل:

الثقة بالنفس.

وإياكم أن تصدقوا كل ما يقال عنكم، فأكثر الناس لا يخافون الله؛ فيكذبون ويفترون.
– الابتعاد عن هذه الأجواء، ورفض سماع هذه التلفيقات.

وإذا صدف وسمعتم، تناسوا، وتظاهروا بعدم المعرفة، وكأن الأمر لا يعنيكم.

– الاستمرار بالعمل والإنجاز، والاتجاه للمعالي.

فإن أكثر ما يغيظ هؤلاء هو اللامبالاة، لأن هدفهم الأساسي النيل منا وإزعاجنا، فإن لم نوصلهم إليه نجحنا وفشلوا… ولا بد أنهم سيملون يوما ويتوقفون.

وختاماً أؤكد: ما أقوله ليس غريباً لأنه يوافق موقف السيدة عائشة وقت حادثة الإفك؛ حين قالت: “إن قلت لكم إني بريئة لا تصدقوني، ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني منه بريئة لتصدقني، فوالله لا أجد لي ولكم مثلاً إلا أبا يوسف حين قال: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ”.

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on June 02, 2024 06:10

May 13, 2024

“هل على حلي المرأة المعدة للزينة زكاة”؟

جاء موضوع المقالة بناء على أسئلة تتالت علي حول “زكاة حلي المرأة”، والملابسات التي تتعلق بها. وسأبدأ باختصار ومن الآخر، وأقول لك أن الموضوع خلافي وتوجد في المسألة خمسة أقوال (مما يفسر تضارب الآراء، ويبرر حيرة النساء، وتكرار سؤالهن عن الموضوع):
القول الأول- ذهب الجمهور (الشافعية والمالكية والحنابلة) إلى أن “الحلي لا زكاة فيها”.

القول الثاني- وذهب الحنفية ورواية عن أحمد، إلى أن “فيها الزكاة”.
القول الثالث- زكاة حلي المرأة عاريته، وهو رواية عن أحمد، وقال به ابن عمر، وأنس بن مالك، وأسماء بنت أبي بكر، والحسن البصري، وابن المسيب، والشعبي، وقتادة (والقائلون بوجوب الزكاة فيها ضعفوه).
القول الرابع- يُزكى عن حلي المرأة مرة واحدة، وقال به أنس بن مالك، وهو رواية عن مالك، واستدلوا بأثر روي عن أنس، قَالَ في الحلي: “يُزَكِّي مَرَّةً“.

القول الخامس- إذا كانت كثيرة، وزادت عن الحد المعقول والمقبول، أصبحت فيها الزكاة.

ولكن شاع وانتشر الرأيان الأولان، وبقي الناس بينهما؛ ولقد نشأنا وتعلمنا ألا نزكي عن حلينا، فقد كان هذا رأي جدنا علي الطنطاوي، ولكن وفي السعودية أخذتْ اللجنة الدائمة للإفتاء بقول الأحناف، فصَدَرَتْ عنها الفتوى “بوجوب زكاة الحلي”، وتصدرت هذه الفتوى وانتقلت بسبب قوة وسعة انتشار القنوات الفضائية والإذاعية التابعة لها.
فأي القولين هو الأصوب، أو هو الأرجح، أو هو الأورع والأتقى؟ فكثيرات يتقن للمثالية، ويسعين للأفضل.

ولذلك سأذكر التفاصيل المهمة للقولين، مع سرد الأدلة، ثم ترجيح الفتوى الأقوى:

ذهب الجمهور إلى أن استعمال الذهب والفضة في التحلي يخرجهما من الأموال الزكوية؛ لأن الحلي مالٌ غير قابل للنماء.

فالحليّ المعدة للزينة، لا زكاة فيها في قول الجمهور (مغني المحتاج 2/95، وحاشية الدسوقي 1/490، وكشاف القناع 2/234)، في حين رأى الحنفية أن استعمال الحلي في الزينة واللبس لا يسقط عنه الزكاة تمسكاً بالأصل وبما ورد من أحاديث؛ فدليلهم أن: المادة التي صُنعت منها الحلي هي نفس المعدن الذي خلقه الله ليكون نقداً يجرى به التعامل بين الناس، والذي وجبت فيه الزكاة بالإجماع، فألحقوا الحلي بسبائك الذهب والفضة ونقديهما.

فإذن سبب الخلاف أمران:

الأمر الأول- اعتبارهما كنزاً ، وبمقام المال (أو عدم اعتبارهما).
والثاني- تعارض الأحاديث الواردة في الزكاة أو عدم الزكاة.

دليل وحجة الفريق الأول (الذي قال: لا زكاة عليها) وهو الجمهور:
1- أن الحلي خرجت بالصناعة والصياغة عن مشابهة النقود، وأصبحت من الأشياء التي تُقتنى لإشباع الحاجات الشخصية كالأثاث والمتاع، وهذه لا تجب فيها الزكاة بالإجماع.
فالحلي للتجمل، وهي متاع مستعمل منتفع به، وهو من حاجات المرأة وزينتها، فهو بالنسبة لها كالثياب.
في حين (نقد الذهب)، والورق (نقد الفضة) لا يصلحان إلا للإنفاق.

و”الكنز” لا يطلق على الحلي المتخذة للاستمتاع، فالحلي تُستعمل وتُلبس ويُتجمل بها (وتخزن فقط: خوفاً من اللصوص).

2- لم يرِد نص صحيح صريح يوجب الزكاة فيها، أو ينفيها عنها، والأصل براءة الذمة فتبقى على أصلها (أنه لا زكاة عليها).

وأفادوا بأن: النصوص العامة الدالة على وجوب الزكاة في الذهب والفضة لا تشمل الحلي، لأن لفظ (الأواقي) لا تطلق على الحلي، بل على الذهب المضروب، كما أفاد القاسم بن سلام (أبا عبيد) وهو إمام في اللغة، كما هو في الفقه والأثر.
وبه قال ابن خزيمة في صحيحه: “اسْمُ الْوَرِقِ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ الَّذِينَ خُوطِبْنَا بِلُغَتِهِمْ لَا يَقَعُ عَلَى الْحُلِيِّ الَّذِي: هُوَ مَتَاعٌ مَلْبُوسٌ (4/34)”.

ومثله قال الشوكاني: ولا يصح استدلال من استدل على وجوب الزكاة في الحِلية بما ورد من ذكر الزكاة في الورق لأنه قد ثبت في كتب اللغة الصحاح والقاموس وغيرهما: أن الورق اسم للدراهم المضروبة، فلا يصح الاستدلال بهذين اللفظين على وجوب الزكاة في الحلية، بل هما يدلان بمفهومهما على عدم وجوب الزكاة في الحلية. وكذلك الآية، فإن لفظ الكنز لا يطلق على الحلي المتخذ للاستمتاع, وإنما المراد بالآية الذهب والفضة التي من شأنها أن تنفق بدليل قوله: (وَلَا يُنفِقُونَهَا)، وذلك إنما يكون في النقود, لا في الحلي الذي هو زينة ومتاع .

3- لم يثبت عن أحد من الصحابة وجوب الزكاة في الحلي إلا عن ابن مسعود، كما ورد بكتاب “الأموال للقاسم بن سلام (ص: 544″(؛ فعضد الجمهور قولهم بـالآثار الواردة عن الصحابة في عدم وجوب الزكاة في الحلي، وهذا بعضها:

نقل ابن حزم: “وَقَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَابْنُ عُمَرَ: لَا زَكَاةَ فِي الْحُلِيِّ؟ وَهُوَ قَوْلُ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ؛ وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ، وَهُوَ عَنْهُمَا صَحِيحٌ (المحلى بالآثار 4/ 185).
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ تَلِي بَنَاتَ أَخِيهَا يَتَامَى فِي حَجْرِهَا لَهُنَّ الْحَلْيُ فَلَا تُخْرِجُ مِنْ حُلِيِّهِنَّ الزَّكَاةَ .

وروى مالك (الموطأ 485) عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُحَلِّي بَنَاتَهُ وَجَوَارِيَهُ الذَّهَبَ، ثُمَّ لَا يُخْرِجُ مِنْ حُلِيِّهِنَّ الزَّكَاةَ.

وقال الباجي عن إسقاط الزكاة عن الحلي: “وَهَذَا مَذْهَبٌ ظَاهِرٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ (المنتقى شرح الموطأ 2/ 107).

ونُقل عَنِ الْحَسَنِ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الْخُلَفَاءِ قَالَ: “فِي الْحُلِيِّ زَكَاةٌ (مصنف ابن أبي شيبة2/384).
وعليه فلا زكاة أصلًا، على المرأة في حليها.

4- وأما ما ورد من أحاديث في وجوب زكاتها، فقد اختلف أهل العلم في ثبوتها، كما اختلفوا في دلالتها، فأجابوا عنها بأنها ضعيفة كلها، حيث قال الترمذي: “وَلَا يَصِحُّ فِي هَذَا البَابِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ (جامع الترمذي 3/29). وقال ابن الجوزي : “كلُّها ضعافٌ (التحقيق 3/71)”.

وقال مفتي المملكة العربية السعودية محمد بن إبراهيم آل الشيخ: وصريح ما استدل به الموجب لزكاة الحلي المعد للاستعمال من النصوص المرفوعة: كحديث المسَكَتَينِ، وحديث عائشة في فتخاتها من الورق، وحديث أم سلمة في أوضاح الذهب التي كانت تلبسها …كل ذلك يعلم من تتبع كلام الشافعي وأحمد أن الاستدلال به غير قوي لعدم صحتها، ولاشك أن كلامهم أولى بالتقديم من كلام من حاول من المتأخرين تقوية بعض روايات ذلك الصريح… والحاصل أننا لا نرى زكاة الحلي المعد للبس للأدلة الصحيحة (فتاوى ورسائل محمد بن إبراهيم آل الشيخ 4/97).
وحسب موقع إسلام أون لاين فإن حديث المرأة “ذات المسكتين من ذهب” فإن هذا الحديث اختلف في توثيقه وتضعيفه، وانتهى الذهبي في “الميزان” إلى أن حديثه من قبيل الحسن (ميزان الاعتدال: 3/263 – 268). وخلاصة ما وصلوا له أن راوي الحديث قد عاصر هؤلاء الصحابة، فلم يلزمهم بما سمع من رسول الله -ﷺ- في شأن المرأة وابنتها ولو فعل لرجعوا عن أقوالهم، ولنُقل ذلك إلينا، ولو كانت الزكاة في الحلي فرضًا لما اقتصر النبي -ﷺ- على أن يقوله لامرأة يخصها به عند رؤية الحلي عليها دون الناس، ولكان هذا انتشر وشاع، ولفعلته الأئمة بعده، ولكننا لم نسمع له ذكرًا في شيء من كتب صدقاتهم.

وهكذا يتبين أن حجة الجمهور هي الأقوى، ويكفي أنه كان رأي السيدة عائشة
الفقهية التي كان يرجع إليها الصحابة.
كما أن الناس يميلون عادة لرأي الأكثرية، ويطمئنون لهم، والجمهور قالوا “لا زكاة في حلي المرأة”. كما تجدون هذا الترجيح على بعض المواقع الموثوقة على النت.

وأنا أميل وأرتاح لهذه ا لفتوى:
 لأن كثيراً من النساء ليس لديها مال، ولا مورد، ومنهن من يمنعها زوجها من الخروج للعمل ومن التكسب، ولا تملك من الذهب سوى قطعة أو قطعتين، أو خمسة… كانوا مهرها أو ورثتهما من أمها، فكيف ستزكي حليها؟
وهناك من رد على هذا، بأنه ليس حجة لأن السابقين لم يذكروه!؟ وعليها بيع قطعة منه وتزكيته!؟

ولكن: بعض قطع الذهب قد تكون ثمينة جداً، وغالية ونادرة، ولها ذكريات، وبيعها يبخسها ثمنها، خاصة إذا كان اضطرارياً، فيستغلها البائع، أو تبيع والذهب في أدنى مستوياته… مما يجعل المرأة تخسر الكثير معنوياً بسبب خسارة قطع أثرية، ومادياً بسبب خسارة فرق سعر الذهب بين شهر وآخر، وستخسر عند استبدال قطعة ذهب بالمال، فهكذا لن تلبس هذه القطعة، وستخسر بسبب التضخم، فالمال الذي سيبقى بعد بيع الحلية ودفع الزكاة المستحقة سوف تقل قيمته بشكل متسارع بسبب الغلاء (في حين لو بقي ذهباً لحافظ على قيمته، لاستمتعت بحليتها).
ولقد ورد جواز تأخير الزكاة، لمن لا يملك سيولة في المال، ولم يرد ما يجبر المسلم على بيع ممتلكاته، ليدفع زكاته في الحال.
وإن المرأة التي لا مال لها، ستفقد الكثير من حليها، لو بقيت تبيع وتزكي.
كان هذا رأيي، الذي وجدت أكثر المواقع (التي توجب الزكاة تعارضه)، وكم سعدت حين وجدت موقع إسلام أون لاين، قد تنبه وتفطن لهذا ونصرني في قولي، حيث قال:

ومما يعضد ما رجحناه من عدم وجوب الزكاة بالحلي، أن القاعدة في كل مال: أن يؤخذ زكاته منه نفسه؛

فكيف تستطيع المرأة إخراج الزكاة من حليها إذا كانت لا تملك غيرها، كما هو شأن الكثيرات؟ إن معنى ذلك: أن تكلف بيعه أو بيع جزء منه، أو بيع شيء آخر من متاعها، وذلك ما لم تجيء به الشريعة، فالشريعة لا تُلزم المزكى أن يدفع زكاة ماله من مال آخر؟ ولا تكلفه ببيع ماله ليدفع.

والزكاة تؤخذ من المال النامي، ليبقى الأصل سالماً لصاحبه، ومصدر دخل متجدد له، وإيجاب الزكاة في الحلي -وهو لا ينمى- ستأتي عليه في جملة سنين، وهذه اللفتة مهمة جداً: “وهذا ما أخبر به بعض من أوجب فيه الزكاة، فقد سئل ميمون بن مهران عن زكاة الحلي، فقال: إن لنا طوقًا، لقد زكيته حتى آتى على نحو من ثمنه (الأموال ص 442) وأرى أن روح الشريعة في الزكاة تأبى هذا”.

فإذن الحلي ليس عليها زكاة على الصحيح، ولكن تبرز بعض الإشكالات، فهناك حالات وشبهات تخيف النساء:

الشبهة الأولى- حيث تقول لي السيدة: “أنا لا ألبس ذهبي”
فهو في الخزانة دوماً (لأنها لم تعد تحتمل القيود في يديها، أو تخاف عليه أن ينكسر، أو يضيع)، أو تخاف أن يُسرق فتودعه في صندوق الأمانات بالبنك، فيصعب عليها الوصول إليه، أو تكون مغتربة فتخبئه في بيت أهلها، وتسافر بعيداً لمدة طويلة.
أو تكون نيتها إعطاء ذهبها لبنتها عندما تكبر، أو هبته لابنها كهدية لعروسه يوم زفافه… فهو مركون ومهمل، فهل يصح في هذه الحالة ألا تدفع زكاته؟ والجواب:
قاعدة الزكاة : كل ما كان للاقتناء والاستعمال الشخصي فلا زكاة فيه. ونص الحنابلة على أن الحلي المعد لاستعمال مباح لا زكاة فيه، ولو لم يستعمل. قال البهوتي (كشاف القناع 2/234): ” وَلَا زَكَاةَ فِي حُلِيٍّ مُبَاحٍ لِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ مُعَدٍّ لِاسْتِعْمَالٍ مُبَاحٍ أَوْ إعَارَةٍ ، وَلَوْ لَمْ يُعَرْ أَوْ يُلْبَسْ حَيْثُ أُعِدَّ لِذَلِكَ”، وقَالُ الْخِرَقِيِّ: “إذَا كَانَ مِمَّا تَلْبَسُهُ… فَتَسْقُطُ الزكاة عَمَّا أُعِدَّ لِلِاسْتِعْمَالِ؛ لِصَرْفِهِ عَنْ جِهَةِ النَّمَاءِ”.
وفي الفتاوى المعاصرة الموثوقة على النت، ومنها موقع إسلام ويب أخذ بهذا القول: “الحلي المعدة للاستعمال، والزينة المباحة، فلا زكاة فيها مهما بلغ ثمنها، ولو لم تُلبس”.
وقد تسألين “وماذا بشأن الذهب المكسور الذي لا يمكن استعماله؟”.

 فهذا لا زكاة فيه لخروجه عن الاستعمال والزينة عند الشافعية، وعند غيرهم عليه الزكاة.

وقد تسألين: “ماذا لو كنت أجمع ليرات ذهبية أو سبائك خفيفة، حتى إذا وصلت للعدد المطلوب جعلتها إسورة وعقد، فهل عليها زكاة ريثما تتحول من سبيكة إلى حلية؟”.
والجواب: وفي هذه الحالة أيضاً ليس عليها زكاة، لأن ما يحدد القضية هو “النية”، فإذا كانت النية الزينة، فليس عليها زكاة.

الشبهة الثانية- تقول “كيف الذهب غير قابل للنماء، وثمنه يزيد كل مدة وأحياناً باطراد؟!”.
والجواب: “نعم، ثمنه يزيد ولكن وبالمقابل التضخم يزداد”، وإني لما كنت صغيرة كان سعر الغرام الواحد من الذهب أقل من دولار (3 ليرات سورية)، وانظري كم هو اليوم.
على أن المقصود بالنماء إمكانية استثماره بمشاريع تعود بالنفع وتجعله ينمو (وكنزه تعطيل له)، بخلاف الحلي فإنه زينة ومتاع شخصي للمرأة، ويشبع حاجة من حوائجها.
وإن الزكاة لا تجب في كل مال، وإنما هي لحكمة أرادها الله، فتكون حسبما قرر الشرع، فالجواهر واللآلئ والأحجار الكريمة رغم غلاءها، ومع أنها مال عظيم، وله قيمة كبيرة، فليس عليها زكاة، وإنما تجب الزكاة في المال النامي أو القابل للنماء، ليبقى الأصل، وتؤخذ الزكاة من النماء، ومن الفضل عن الحوائج الأصلية، ولذلك أعفيت دور السكنى، ودواب الركوب وأدوات الاستعمال من الزكاة اتفاقًا.

ولقد قرر فقهاء الحنفية أنفسهم -الموجبون للزكاة في الحلي- أن سبب وجوب الزكاة هو: ملك مال معد مرصد للنماء والزيادة فاضل عن الحاجة (انظر البحر الرائق: 2/218). والحلي ليست فاضلة عن الحاجة، وإنما هي أهم ما تتزين به المرأة، وهو من حاجاتها الأساسية.

الشبهة الثالثة- “عندي كمية كبيرة من الذهب”
وتعلل: “فقد كان الذهب رخيصاً، وكانت تأتينا هدايا كثيرة منه، وهو الآن مجمد بالحلي، فكيف لا أزكيه؟”.
والجواب: “الذين قالوا بعدم وجوب الزكاة في حلي المرأة، قالوا وأكدوا بالغًا ما بلغَ وزنُه”. فتساؤلك لم يَفُتهم، وهاهم قد أعطوك الجواب القاطع ليطمئن قلبك.

الشبهة الرابعة- “الحلي مال: وإنا لو مررنا بضائقة فإني سأبيعه”
وتعقب: “فكيف أضحك على نفسي، وأتهرب من فريضة، وكيف سألاقي ربي وأنا أشعر أي مخادعة؟”.
والجواب: كلامها من حيث المضمون صحيح، وكلنا كنساء (وخاصة اللاتي لا يملكن أي مورد) نحدث أنفسنا بفكرة بيع ذهبنا حال احتجنا، ولكن الحكم الشرعي يقول:

لو اشتريت أو اقتنيت الذهب كحُلي، وكانت نيتك الأولى والمبدئية اتخاذه للزينة، فلا زكاة عليه.

وإنك لو تفكرت، لوجدت: أن كل ما في بيتك هو مال، واليوم تستطيعين بيع كل شيء، كل شيء حقيقة وفعلياً وبلا مبالغة (الملابس واللعب وأدوات المطبخ…)، وأنا نفسي (ورفيقاتي، وزميلاتي) بعنا أغراضنا حين هاجرنا، وحصلنا على مبلغ جيد من بيع مقتنياتنا، هذا عدا عن أنه بإمكانك بيع موبايلك (والآيفون بالذات يحتفظ بسعره)، فهل تزكينه؟!
إلا “إن كنت فعلاً قد اشتريت الحلي بنية الادخار والتوفير فقط، أو للتجارة والتأجير، فتجب فيها الزكاة في هذه الحالة”، كما جاء بالمغني: “كَذَلِكَ مَا اُتُّخِذَ حِلْيَةً فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ (4/221)”.

وقد تسألين وفي حال اشتريته من البداية، بنية “الادخار” و”نية الزينة”، يعني أشركت النية، فما الحكم؟
عند الشافعية: الذهب إذا اشتري للزينة والعاقبة معاً فلا زكاة فيه.

الشبهة الخامسة: لكل فريق أدلة تبدو قوية، ولذلك أنا ما زلت خائفة، فكل فريق يضعف أدلة الآخر، ويقول: ولا تقوم بها حجة.

وأنا لست فقيهة، ولا أستطيع أن أميز، فبقول من آخذ؟

والجواب:
حين تكون المسألة خلافية، فإنك لن تصلي لجواب حاسم وحازم، فلا يخلو دليل من أدلة الوجوب وعدمه: من اعتراض، ونقد.
ولكن ما أستطيع أن أقوله لك، وأريحك به، أنه حين يكون هناك خلاف اطمئني، لأن القولين لهما وجاهة، وأيهما اخترت فلا تثريب عليك. وأنت حرة بمالك وحليك وأنت أدرى بوضعك المادي، ولكني فقط أريد أن أؤكد لك أنك ولو لم تزكي فإنك لا تفعلين حراماً، ولا تأخذين بهواك، ولا تأخذين بالقول المرجوح، بل بالأرجح.
وأهمه أنه لن ينزع الله البركة من مالك، فهناك من سيخوفك ويقول لك أنك ترتكبين معصية!
وإذا أردت الجواب بصدق فيبقى دليل الجمهور أقوى، لعدة أسباب:
– لأن الأحاديث الموجبة للزكاة في الحلي تطرق إليها الاحتمال: فمن العلماء من حكم بأنها منسوخة، ومنهم من ضعف أسانيدها، وإذا كان الأمر كذلك، فالأصل براءة الذمة من التكاليف، لأنه لم يرد بها دليل شرعي صحيح، فالقاعدة تقول “الدليل إذا تطرَّق إليه الاحتمال بطل به الاستدلال”، وهذا هو المعتمد في الفتوى.

– الأحناف هم من قالوا بوجوب الزكاة، وهناك من ناقشهم، واعترض عليهم بأنهم أصحاب قياس فكيف يفرقون بين متماثلين: فيسقطون الزكاة عن المواشي العاملة في السقي (لأنها صرفت عن جهة النماء إلى الاستعمال، فأصبحت كالأدوات والأشياء المعدة للانتفاع الشخصي)، ويوجبوها في الحلي المباح، وهما من باب واحد وللاستعمال الشخصي؟! فكان ينبغي إسقاط الزكاة عن الحلي أيضاً (لأنها تستعمل).

– وحسب إسلام أون لاين، هناك لفتة رائعة وعميقة، وهي استدلال قوي في المسألة، حيث قال الموقع: ويستبعد في حكم الشريعة العادلة أن يعفى من الزكاة حلي اللؤلؤ والماس والجواهر الثمينة، التي يقدر الفص الواحد منها بآلاف الدنانير، ولا يتحلى بها عادة إلا النساء الثريات والمقتدرات، ثم توجب الشريعة الزكاة في حلي الذهب والفضة، التي يتحلى بها عادة المتوسطات الحال، والفقيرات، فهل يعقل أن تبيح الشريعة الغراء لهؤلاء النساء الاستمتاع بحلي الذهب والفضة ثم تأتي فتفرض عليهن إخراج ربع عشره في كل عام، على حين تعفى أرباب اللؤلؤ والماس ونحوهما؟

– وأنا لدي سؤال للمتحيرة:
إذا كان لديك أربعة أقوال وكلها من الفقهاء القدامى الكبار والقريبو عهد بعصر النبوة، فعلام تركت ثلاثة، وتمسكت بواحد يوجب عليك الزكاة؟!
وأنا لي نظرية، أن المرأة دائماً حالة خاصة في الفقه، ولها فتاوى تتبع حالتها وتختلف فيها عن الرجال، وسأشرح لك:
لو عدنا لأركان الإسلام نجد المرأة تتساوى مع الرجل في وجوب الصلاة، ولكنها تعفى من أدائها في المسجد، ولم يحثها الإسلام على أدائها في جماعة كما حث الرجل، وليس عليها صلاة الجمعة.
ولو انتقلنا للصيام، نجد المرأة تشارك الرجل الفطر حال المرض والسفر، وتنفرد عنه بالفطر أيام الحيض.
ولو انتقلنا للحج، نجد للمرأة بعض الأحكام باللباس وغيره، فتختلف عن الرجل.
وأستنتج أنها لعلها كذلك بالزكاة، فالمرأة تحب الزينة أكثر من الرجل، وأحل الله لها الحرير والذهب من دونه، فلا عجب أن تكون لها أحكام خاصة (وأقصد ألا يكون هناك زكاة في حليها).

ومما يقوي ويرجح  أنه “لا زكاة في الحلي” ما تجدينه على المواقع في نهاية هذه الفتوى، حيث يقولون لك: “زكيه على سبيل الاحتياط، وخروجاً من الخلاف”.

فهو وبهذه الطريقة يعترف أن الأمر خلافي، ولا تثريب عليك في أي رأي اخترت. ولكن أريد أن أنبهك لأنه –وبهذا- يدفعك للأخذ بأحد القولين، ويأخذك للقول الأشد!؟
وهذا في الحقيقة ليس من الورع في شيء، فالصحيح تتبع الأصوب، وليس اختيار “القول الأشد”، وليس انتقاء “الأصعب”، وليس قصد “الأشق على النفس”.
وهذا أشبهه أنا، واسميه “التلفيق المعاكس”، وأقصد:
هناك من يجعل “تتبع الرخص من المذاهب” نوع من التلفيق المرفوض، ويقول: “المفروض اتباع مذهب واحد، أو سؤال من يتوفر من أهل العلم والأخذ بقوله، وأما تحري الأيسر عن سابق عمد وتصميم فلا يجوز… وأنا أضيف: فهل يجوز إذن تحري الأشد، والأخذ بالأصعب والأشق من كل مذهب؟!
وإني لأتساءل: لماذا لا ينهون عن هذا الفعل أيضاً؟! خاصة إذا لم يكن هو الأرجح؟!

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on May 13, 2024 09:18

December 19, 2022

من وحي المونديال

من وحي مونديال 2022 وبطولة كأس العالم

أرسلت يوم الإثنين- 19- 12- 2022
تنبهت متأخرة لخطأ فادح نرتكبنه بحق بعضنا بعضاً،وهو “أننا دأبنا على جعل أنفسنا مسطرة، نقيس عليها ميول الناس ورغباتهم، ثم وبناءعلى هوانا نبدي إعجابنا أو سخريتنا مما نراه من سلوك الآخرين”؛ وأقصد بمقاليهذا فقط “الهوايات” و”الميول”، و”الأمور التي تتعلق بالذوقوالمزاج”، والتي لا تخضع لقاعدة، وبالتالي لا يمكن أن يتساوى فيها الناس، أويتفقوا على رأي: فيراها بعضهم عظيمة ويحرص عليها ويترقبها، ويراها آخرون شيئاًباهتاً لا يستحق هذا الحجم من الاهتمام ويسخرون منها. ولعل هذا يفسر تقاعس بعض المقربينعن مشاركتنا فرحتنا ببعض إنجازاتنا، أو مشاركتنا حزننا على خسارة ما.
ولتوضيح الفكرة سأضرب مثلاً بنفسي وبكرة القدم:
فالمباريات لم تستهوني يوماً، ولم أحبها منذ طفولتي، وكنت مهما مللت وسئمت فإنمراقبة كرة تطير بالملعب لم تكن لتسليني، وصوت المعلق وأسلوبه  كان يساهم في ابتعادي. وكان هذا وضعي في يوم لمتكن لدينا سوى قناتان، فكنت أُفضِّل الجلوس بلا شيء على مشاهدة المباراة، وأذكرأني أردت مرة أن أصف لأختي مقدار ملل صديقتي، فقلت: “تخيلي أنها جلست تتابع مباراة!”.
وكم تفاجأت لما كبرت وعرفت أنها لعبة فاخرة وعالمية، وفي مقالي هذا لن أكتب عنالكرة لأنها ليست تخصصي، وإنما سأكتب بعض الملاحظات الاجتماعية التي خطرتفي بالي وأنا أسمع تعليقات المهتمين بالمونديال. وهذه الملاحظات متفرقة وقد لايجمعها أي شيء سوى أنها من وحي الكرة ومن سلوك اللاعبين والمتابعين. فاعتبروهاملاحظات من سيدة تحب علم النفس وترى الأمور بعين المُرَبِّية، وعين المهتمة بمايحدث في هذا العالم من أثر الفراشة، ثم تدون النتائج. فهي خواطر وفوائد، من وحي الحدث، ولعلها تساعد في فهم الحياة وفلسفتها.فقد تعلمت أن أستفيد من كل حدث، وأتأمل فيه، وأكتب من وحيه أموراً تربوية ودينية، وإضاءاتتفيد بالعلاقات الاجتماعية.
وهذه هي الملاحظات، ويسعدني سماع تعليقاتكم وآرائكم وخبراتكم:


* تعلمت من المونديالمشاركة الناس فرحهم وحزنهم ولو بكلمة، أو وعلى الأقل الصمت وترك السخرية!
وإني لو كنت بشخصيتي القديمة، ورأيت كيف طار الناس فرحاً يوم فازت السعودية أوالمغرب، لكنت قلت وكتبت: “علام هذه الفرحة العارمة: وكأننا فتحنا الأندلس، أواستعدنا قطراً سليباً، أو حققنا اكتشافاً على مستوى العالم؟! أعطوا الأمور حجمها،والفوز بالكرة لا يستحق كل هذا”.
ولكني اليوم قدرت فرحة الناس، وأظهرت للمتابعين الاهتمام، وتقصيت نتائج بعضالمبارايات، وإن كان عن بعد! وتعرفت على شيء من أصول هذه اللعبة، وقد كنت لا أعرفما معنى: تسلل أو بلنتي. ومتى يُعطى الكرت الأصفر، أو يُلجأ للضربات الترجيحية…
وإن الكرة “مثال”، والفكرة أني تنبهت لوجوب احترام اهتمامات الآخرينوهواياتهم ولو لم ترق لي.

* المفاجآت فيالمونديال، جَسَّمَتْ الواقع وكيف أصبحت الحياة!
حيث خسرت فرق كان يتوقع منها النجاح، وخسرت منتخبات أمام من هم أضعف منهم عادة، وتأهلتدول لأول مرة بتاريخ الكرة… هذا ما رآيناه بالمونديال، ولكن هكذا أصبحت الحياةفي هذا القرن، فيأتينا الخير من حيث لا نحتسب، ونرى الأذى أو الفساد ممن كنا نثقبهم، ونخسر في صفقة كانت مدروسة، ويأتينا رزق لم نسع له…

لذلك أنصحكم بالاستمرار بالعمل والجد، مع الاسترخاء النفسي والتوكل،وما كتبه الله لكم فلن يخطئكم.
كما أنصح بألا تستعجلوا بالحكم على الأشخاص حتى الذين تعرفونهم، ولا تستعجلوابالتوقعات.خاصة السلبية منها، فقط: انتظروا، وستأتي الأيام بما لم تكونوا تتخيلونه.

* الاعتدال في كلشيء، حتى بالفرح، أي “هوناً ما”

وهنا، وفي هذه النقطة: “أحتاج رأيكم وخبرتكم”،فهل يا ترى كان من الصواب هذه الفرحة العارمة والاحتفالات الهائلة عند الفوز فيالربع الأول من المونديال؟
وأقصد حين: لا زالت المنافسة في البداية، وعلى أشدها؟
وصحيح أن الفوز على منتخب قوي أمر رائع ونقطة جديرة بالتسجيل، وتستحق الشعوربالفخر والسعادة، ولكن: أليس الأفضل ترك الإشادة والمديح للمراقبين وللحكاموللجمهور، لتكون أقوى؟!
ذلك أن الهزيمة -فيما بعد- وأمام فريق أضعف، قد تجلب الخزي والحزن أيضاً. فالأيامدول، وسرعان ما يصعد قوم، وينخفض آخرون، ولا تدوم النجاحات لأحد، فافرحوا واحتفلوافي حياتكم الشخصية، ولكن لا تبالغوا. وأما الفخر فيفضل أن يؤجل لحين الحسم والوصولللنهاية.

* ولفت نظري كيف أصبحالصواب نادراً ومبهراً
وذلك حين حاز الجمهور الياباني على إعجاب الجميع لأنه حافظ على عاداته وتقاليده أوبالأحرى عادة احترام المكان وقام بتنظيفه قبل المغادرة. فكتبوا عنه بالمواقعالأخبارية!

والتعليق:

من المؤسف أن تتحولالبديهيات والأساسيات لفضل يفعله شعب واحد فقط، فنفاجأ ونشكره عليه… بدل أن يكونالأصل والسلوك الطبيعي السائد. خاصة في بلد عربي ومسلم، وأكثر جمهوره عربي ومسلم،وإن إماطة الأذى عن الطريق صدقة، فما حكم من يرميها؟!

***


على أني ورغم تقبلي لحب الناس لهذه الرياضة، لا زلت أتحفظ على أمور لا تتعلقبالناحية الذوقية، وإنما بجوانب أخرى:

* الأول نفسي- ويتعلقبالخسارة وآثارها النفسية المدمرة…
وطالما سمعنا عن الروح الرياضية التي تتقبل الهزيمة بابتسامة وتفرح لمن ينافسها،ووجدنا حقاً من تحلى بها. ولكن رؤيتي لرجال وهم يبكون في المدرجات كانت مؤثرةجداً… وكله من أجل لعبة وُضعت أصلاً للتسلية، وليتها بقيت كذلك.
وإني حين رأيت بعض اللاعبين وهم يبكون بعد خسارة منتخابتهم، وبعد أن أبلوا بلاءحسناً، تذكرت قول الشاعر:

إنّ حزناً فيساعة الموت .. أضعاف سرورٍ في ساعة الميلادِ


فأنا كأم ومربية أصبحتأتحفظ على المسابقات التي تهدف لوصول واحد فقط للفوز ويحظى البقية بالخسارة. ولاشك أنها تهز الروح الرياضية عند بعضهم مهما كانت معنوياتهم قوية، وتكرس للأناولإقصاء الآخر… فحين لا يصل للمونديال إلا 32 فرقة، ثم لا يصل للكأس عملياً إلاواحدة، فهذه مسابقة قاسية وصعبة، والخاسرون فيها كثيرون، والأربع سنوات للفرصةالتالية بعيدة.

فانتبهوا لهذا مع صغاركم وطلابكم، واعتمدوا المنافسات التيتهدف لتنمية مهارة، فلا تهتم بوصول فائز واحد، وإنما ترعى كل شخصية تثبت قدرةوجدارةفي مجال ما.

* الثاني ديني اقتصادي وهو:البذخ والإسراف.
وقد تبدو هذه الألعاب وغيرها، أنها منافسة شريفة، ومشاركة عالمية، ولعبة ممتعةتجمع سكان الكرة الأرضية على حدث واحد، ولكنها بالحقيقة تحولت لتجارة واعدة، ولذلكتتسابق الدول لاحتضانها، وتبني ملاعب، وتعد فنادق، وينتعش الطيران (وهذا من جانبالدولة المضيفة).
وأما من ناحية الفرق الرياضية: فتُدْفع عليها مليارات الدورلات خلال التدريبوالتجهيز، وتُعطى للاعبين رواتب خيالية، ولأن الحياة الكروية للاعب قصيرة، فتحتاجلتجديد الطاقم خلال سنوات قليلة، مما يزيد الإنفاق عليهم.
وإنه وحسب إحصاءات رسمية “المونديالات مكلفة جداً”، وتحتاج في بعضالبلدان لبنية تحتية متكاملة، تتضمن شبكة طرق ومواصلات داخلية، فهل ستستفيد منهاالدولة أو سكانها بعد انتهاء المونديال؟ أم هي لمرة واحدة فقط؟! وهل ستستفيد البلدمن العدد الكبير من الفنادق والملاعب الجديدة التي أنشأتها لاستيعاب الزوار؟

فعلى سبيل المثال،احتاجت أميركا إلى إنفاق المليارات لتطوير ملاعب كرة القدم فيها، ولأن الكرة ليستاللعبة الشعبية الأولى فيها، لم تُستخدم هذه الملاعب على نحو فعال بعد انتهاءالمونديال.

ولو أن بعض الدول (خاصة التي تعرف أن فوز فريقها بالمونديالمستحيلاً) وزعت هذه الأموال على تنمية مواهب الفقراء وعلى تدريس النوابغ منهم فيالجامعات، لكان عائد ذلك أكبر وأعظم، ولسجلت هذه الدول نبوغاً في مجالات ثقافيةعلمية (بدل الكرة)، فمجال المنافسات متنوعة، وليس ضرورياً أن نحصره بالكرة: ولوأقيم بهذه الأموال مشروع يستفيد منه العامة، لكان أنفع للناس جميعاً. ولذلك ما زلتأعجب حين أرى بعض الدعاة والمؤثرين كيف يتابعون المباريات ويُرَوِّجون لها، ولاينتبهون لتلك الأبعاد.
وبالطبع من حق الناس جميعاً الاستمتاع بمتابعتها ومشاهدتها، على أن الأفضل أن يكونذلك على النصت، حتى لا يكونوا وكأنهم يجعلون للكرة شأناً مهولاً؛ وبالتالي يكون علىالجميع الاهتمام بها ومتابعتها، ليواكبوا المؤثرين والقدوات.

والفكرة: كثيرون لا يهتمون للمباريات، فإذا رأوا الاهتمامالعالمي، وخاصة من المشاهير والمؤثرين، ومن الدعاة: انساقوا معه، وهذه القضيةالأساسية.
وإني أؤكد هذه المعاني شفقة على الفقراء الذين حُروموا من متابعة المونديال كاملاًبسبب اشتراكه الغالي، وهؤلاء يحاولون التأقلم مع ظروفهم البئيسة فتأتي المغريات،ومن منشورات المؤثرين فيتوقون للمتابعة.
 و”لا شيء للفقراء” كان هذا عنوان مقالة كتبتها منقديم، أتحسر فيها على الذين يعشقون المباريات، فحُرموا منها لما شفروها وفقدواوسيلة تسلية وترفيه أساسية، فالاشتراك مرهق وغال، والقهاوي التي تبثها تطلب أجرة عالية. 


* الثالث شرعي- ويتعلق بزيولباس الفرق الرياضية
حيث كنا كلنا فخورين بالصورة المشرقة النظيفة التي قدمها المونديال وهو في دولةعربية وإسلامية، وكم أعجبتنا الصرامة في منع المخالفات الشرعية، وكانت هناك لحظات كثيرةمؤثرة تجلى فيها اللجوء لله عند احتدام المنافسات، والسجود له شكراً عند الانتصار،وتقدير الأمهات… ولكن ما زال يلفت نظري إهمال الدعاة للكلام عن “عورةالرجال”، التي ينبغي أن تكون من السرة إلى الركبة، فقد تعودنا منهم الصرامة فيالحرمات، والشدة بالاستنكار، والتعليق حتى على الأمور الصغيرة، فعلام يسكتون دوماًعن عورة الرجل؟
وإذا كانوا يأخذون بالرأي الذي يقول “يجوز كشف الفخذ”، أفليس للرجل عورةأمام المرأة؟ أو ليس هناك حياء، خاصة وأنهم يلعبون أمام الملايين، ويقعون أرضاًويتكشفون؟!
ولا تنسوا أن النبي صلى الله عليه وسلم تميز بالحياء وفخر به وثمنه وحث عليه،وجعله خصلة محمودة بالرجال كما النساء.


والرابع شرعي إنساني: وهو تقدير الأم واحترامهاوالاعتراف بفضلها
إذ قرأت على وسائل التواصل اعترافات مثيرة، مثل:“نحن المغاربة نحب الاحتفال مع أمهاتنا”. وقرأت: “ولقد عكست الصورومقاطع الفيديو عمق ارتباط نجوم “أسود الأطلس” بأمهاتهم، حيث حرصت فاطمةوالدة الركراكي أن تحضر لتكون إلى جانب ابنها في فعاليات كهذه. وصعد اللاعب أشرفحكيمي إلى المدرجات ليتلقّى قبلة الفخر على خده، فشدّ عدسات الكاميرات ولفتالأنظار”.
وهكذا صنعت أمهات المنتخب المغربي نكهة حلوة لم تكن متوقّعة، وأعادت ترسيخ صورةٍجذّابةٍ للأسرة العربية. وكانت لقطات مؤثرة، حتىلأصبح الجمهور ينتظرها عقب كل مباراة.

وكمنتمنى أن يتمثلها الجميع مع أمهاتهم، ثم يكونوا هكذا مع زوجاتهم، وأقصد تلك الخصالالحميدة: الوفاء والاحترام والتقدير.

ولقد قرأت عن أمهاتكان لهن الفضل الأكبر في وصول أبنائهن للنجومية، منهن والدة اللاعب سفيان بوفال التي روي أنها كانت تهمس له كل يوم، وطوال تسعٍوعشرين عاماً، كانت أنه قادرٌ على تحقيق الانتصارات…فاحتفل بالنصر -وأمام آلاف المشاهدين ومئات العدسات- بإمساكه بيدها مثبتاً التأثيرالإيجابي والدعم الكبير الذي قدمته له.

وماأروع تلك الأم التي تدفع أولادها للنجاح، بما تبثه فيهم من عزيمة، على أن الأروع نسبة الفضل لأهله،والاعتراف بتضحيات الأمهات، وأن الفضل يرجع لهن بكون أبنائهم نجوم في كرة قدم.، فهذا يدل على مروءة ونخوة، وما أعظم خصلة الوفاء.

وفي مقالٍ بعنوان“أمهات اللاعبين يحتلون مركز الصدارة بينما يصنع المغرب التاريخ في كأسالعالم”، اعتبرت “ذا غارديان” البريطانية أن تألّق المنتخب المغربيووصوله إلى نصف النهائي كان -بجزءٍ منه- بفضل دعم الأمهات ووجودهنّ.
وهكذا وبشكل عام تبقى الأم هي المشجع والداعم الأول لأولادها في كل مناحي الحياة،وفي كل المجالات. ونتمنى أن تبقى كل أم متابعة ومشجعة ومعينة لأولادها في المجالالذي يتوقون إليه، فتشاركهم فرحهم بنجاحاتهم، وتحزن معهم عند إخفاقهم، وأهمه أنتدفعهم للمحاولة من جديد.

وكل مونديال وأنتم جميعاً بخير.
عابدة المؤيد العظم

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on December 19, 2022 11:06

October 14, 2022

لا يجوز ضرب الزوجة

نَسِيَتْ شحن موبايله فضربها، تأخرت في إعداد الطعام فضربها، خرجت لزيارة جارتها ضربها.. وللأسف ومع غياب التقوى وازدياد الضغوط، رجع الضرب لمجتمعاتنا العربية بعد أن خفّ كثيراً، وكاد أن يتلاشى، ورجع لأسباب تافهة وفيها ظلم وإساءة، ورجع بقسوة وعنف: وكم من فتاة ماتت من الضرب، وكم من زوجة أصيبت بعاهة مستديمة، أو أصبحت مريضة نفسية (لدرجة الجنون والانتحار).

وأكثره تفشيش وانتقام، فأصبح مؤذياً ومفسداً، وصار يحمل تهديداً حقيقياً للأسرة، ويؤثر بشكل عميق على أمان واستقرار الحياة الزوجية؛ لأنه كما قال النبي عليه السلام: “ولن يضرب خياركم”، وبالتالي كل الذين يضربون بهذا الشكل ظالمون ومجرمون، وينبغي وقفهم.

فهل الضرب مسموح؟ وهل هو مطلوب؟ وهل هو مباح هكذا على الإطلاق؟ وهل يعتبر حلاً صالحاً لكل زمان ومكان؟ ولكل الشخصيات؟ 

وللخروج من الإشكال هناك من فسّر الضرب بـ”الهجر” و”الابتعاد”، كما اقترح د.عبد الحميد أبو سليمان، وليته كان كذلك، ولكن هذا التفسير لا يستقيم باللغة العربية، لأن “ضرب” تلك تتعدى بحرف جر.

على أن هناك تفسيرات وشروطاً مهمة، وينبغي أخذها بالاعتبار:

أولها: الضرب كان شائعاً ومعتاداً ومباحاً في عصرهم، وكان الوسيلة الوحيدة للردع والعقوبة للرجال والنساء، فلم يكن مهيناً كما هو في عصرنا: 

– فكانت الشفاء تقوم بالحسبة، وتضرب الناس في السوق بالدرة.

– وأي مخالفة في المجتمع الإسلامي كان عقوبتها “الجلد في أقل من 10 أسواط”، عقوبة تعزيرية يحكم بها القاضي.

– وروى عمر كحالة في أعلام النساء، أن خالداً في اليرموك سلّح النساء بالسيوف، وأمرهن أبو سفيان بأن يضربن من يهرب بالعصي والحجارة.

واليوم تغير الزمان وأصبحت العقوبة: الحبس أو الغرامات المالية.. وألغي الضرب.

ثانيها: وهو الأهم والأساس “الضرب وسيلة لتحقيق الوئام والتفاهم وليس غاية”

والوسائل تسقط بسقوط المقاصد، إذا تبين عدم الوسيلة لمقصودها بطل اعتبارها. 

والضرب الهدف منه “استقرار الأسرة”، ولكن: لكل زمن أسلوبه وطريقته، والعدول عن الضرب لا يعني تعطيل الآية، فهو كمثل قوله تعالى: “وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ”، ومن يُعدُّ اليوم خيلاً للحرب؟!

وهل بقيت القوة والرهبة في الخيل؟! أم تحولت للدبابات والطائرات، ثم تحولت للقوة الناعمة والسياسة والمفاوضات؟! ولا شك أنها أنجح وأقوى طريقة اليوم.

والضرب أيضاً لم يعد مجدياً في عصرنا، وهو ما تنبه له الحطاب (مواهب الجليل 4/15): “وإذا غلب على ظنه أن الضرب لا يفيد لم يجز له ضربها.. فإن المقصود منه الصلاح لا غير”.

وجاءت أحاديث شرعية وأدلة تمنع الضرب، حتى قال بعضهم إن الضرب في القرآن نُسخ في السنة لكثرة ما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم.

1- فلم يضرب قط: “ما رأَيْتُ صلى الله عليه وسلم وسلَّم ضرَب خادماً قطُّ ولا ضرَب امرأةً له قطُّ”.

2- ونهى عنه صراحة: “ولا تَضرِبوا المسلمينَ”، “… فإني نُهيتُ عن ضربِ أهلِ الصلاة”.

3- بل جعل كفارة الضرب العتق لهول الضرب، ففي حديث صحيح: “كنتُ أضرب غلاماً لي. فسمعتُ من خلفي صوتاً (اعلمْ، أبا مسعودٍ! لله أقدرُ عليك منك عليه)، فالتفتُّ فإذا هو رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فقلتُ: هو حُرٌّ لوجه اللهِ. فقال: أما لو لم تفعلْ، للفحتْك النارُ، أو لمسَّتْك النارُ”.

4- وجعل الضرب مشكلة عند أبي سفيان خاطباً، فنهاها عن الزواج منه.

وجاءت آراء فقهية تمنع الضرب.

قال ابن حجر في “فتح الباري” (11/639): “الضرب لا يُباح مطلقاً، بل فيه ما يُكرَه تنزيهاً وتحريماً”.

وفي “أحكام القرآن”: “قال عطاء: لا يَضرِبُها.. ولكن يغضَب عليها”، وعلَّق ابن العربي بقوله: وهذا مِن فِقه عطاء.

وهناك شروط أخرى تحد من الضرب، حتى لتصل به إلى درجة الحرمة والمنع، وهي مهمة، وقلّ من يذكرها:

– حيث قيده الزركشي بألا يكون بين الزوجين عداوة.

– واشترط المالكية والشافعية أن يعلم أو يغلب على ظنه أن الضرب يفيد، وإلا لم يجز له ضربها ويحرم عليه لأنه عقوبة مستغنى عنها .

– ورجح فقهاء الشافعية، وبعض الحنابلة، أنه إن تحقق النشوز ولم يتكرر ولم تصر عليه، فلا يجوز ضربها.

– وعلى زمن الصحابة كانت يد الخياط يد أمانة، ثم أصبح يضمن، ومثله الزوج، لم يعد اليوم كل زوج مؤتمناً.

وفوقها لا يوجد اليوم قضاء عادل يراقب ويحمي، ويمنع التجاوز، وتتأخر المحاكم بالبت، وتذهب الحقوق وتتلاشى. فكان المنع أولى وأحفظ للحقوق والبيوت.

– سد الذرائع حيث أصبح يفضي لشر أكبر، ولذلك يفتون في السعودية بتركه: “الضرب قد يغيرها عليه أكثر، وقد يسيء أخلاقها، ويسبب فراقها، ويثير أهلها أيضاً، ولاسيما في هذا العصر، الضرب في هذا العصر يسبب مشاكل كثيرة.. فإذا كان ضربها يفضي إلى فراقه لها، وإلى قيام أهلها عليه، وإلى حصول مشكلة كبرى؛ فينبغي تجنب الضرب”.

وقال ابن الجوزي في “أحكام النساء (ص82)”: “ليعلم الإنسان أن مَن لا ينفع فيه الوعيد والتهديد، لا يردعه السوط، وربما كان اللطف أنجحَ من الضرب، فإن الضرب يزيد قلب المعرض إعراضاً، (ألا يستحيي أحدكم أن يجلد امرأته جلد العبد، ثم يُضاجعها)، فاللطف أولى إذا نفع”.

 – وعلى كل زوج وقبل أن يتعدى ويضرب أن يقوم أولاً بواجباته، وهذه النقطة قلما يدقق عليها أو تؤخذ بعين الاعتبار؛ فالمحاسبة والملاحقة تكون غالباً للمرأة فقط، مع أنه جاء في (ميثاق الأسرة في الإسلام) الذي أصدرته اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل وأعدته لجنة من كبار العلماء في العالم الإسلامي (ص 50): “لا يجوز -مهما بلغت درجة الخلاف بين الزوجين- اللجوء إلى استعمال العنف.. ومن يخالف هذا المنع يكون مسؤولاً مدنيّاً وجنائيّاً”.

 وجاء في أحكام محكمة النقض المصرية: “ذلك مشروط بأن يكون الزوج أميناً على نفس الزوجة ومالها، فلا طاعة له عليها إن هو تعمد مضارتها، بأن أساء إليها بالقول أو بالفعل، أو استولى على مال لها بدون وجه حق (جلسة 24/ 6/ 1986)”.

– وقال ابن عاشور إذا كان الضرب إهانة فينبغي الكفّ عنه ومنع العمل بالآية، واستدل بآية الطلاق التي جعلت الفراق حلاً، ولم تذكر الضرب.

ومما لا شك فيه أن الاعتداء الجسدي على الطرف الضعيف بالعلاقة، سينتج آلاماً ومشكلات نفسية؛ فلا ينبغي استعمال قوة الرجل لإهانة المرأة، والحط من كرامتها الإنسانية، بل هي للحماية والصيانة والدفاع عنها. والزوج ليس مُربياً ولا مؤدباً، وإنما هو شريك وقرين، وسكن وملاذ للمرأة.

يتزوج الشاب اليوم فتاة عاقلة ومكلفة وبالغة وراشدة، وتحمل شهادة جامعية، ويرتبط بامرأة جعلها الإسلام راعية في بيتها ومسؤولة عن رعيتها، فلا ينبغي أن يضربها أو يهينها أمام أهله أو أمام أطفالها، وذلك: لكي تبقى لها هيبة ومكانة تستطيع استثمارها حين يغيب الزوج لأي سبب، وإلا كيف ستتمكن من قيادة أبناءٍ لا يحترمونها ولا يجدونها شيئاً؟! وبالتالي سيتعرضون للعقوق أو الفساد وكليهما مُرّ وقاسٍ. فانتبهوا.

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on October 14, 2022 08:27

May 17, 2019

*هل الأباعد أفضل من الأقارب؟

 


كانت عيناها ممتلئتين بالدموع، ولسانها يتمتم بالشكر والامتنان، لجارتها التي رافقتها في محنتها، واعتنت بأولادها في غيابها بالمشفى، كانت تبكي وهي تشرح لي كيف غادرت البيت على عجل إثر النوبة القلبية، ولولا أم فيصل لأصابتها مضاعفات خطيرة. وكانت تصف وتحكي، وتتفلت منها -كل جملتين- كلمات تدين بها أمها وأختها وقرابتها التي أعرضت عنها، وتركتها كالمعلقة فلا سؤال ولا اطمئنان

هي تتكلم وتشكو وعقلي يصول ويجول، فأنا أعرف أمها وأختها وقرابتهما ولسن بالسوء الذي تغمز به وتلمز

وإن قولها ذكرني بإفادة رفيقاتي اللاتي تغربن وتعرفن إلى أمم أخرى: “إنا وجدنا الشعوب الأجنبية أفضل من أهل بيتنا، وأقرب مودة ورحماً وأحسن من أهل بلدنا”، ووصفوهم بالكرم والطيبة والتعاون، وذكرني قولها أننا حين نبدأ علاقة جديدة، وصداقة حديثة نشعر بسعادة، ونستطيع التقارب والتعامل بيسر وسلاسة مع الذين لا يعرفوننا من قبل، ونتمكن من بناء جسور من المودة والعطاء والمرحمة، أكثر مما نستطيع مع قراباتنا

وليس السبب أن هؤلاء أفضل من أهلنا وأحسن؛ ولكن للقضية زوايا أخرى:

1- أشير لأولها بحكمة قرأتها قديماً: “إذا شاع عنك أنك تستيقظين باكراً، فنامي للظهر ولن يصدق أحد”! وأشرحها بقصة:

لي رفيقة عُرف أنها أنها أنانية وداهية، وأنها تتحايل للحصول على ما تريد، وتُظهر الضعف والمسكنة، ثم تأخذ ما تشاء، وقد تأكل حقوق الآخرين وتُسيّرهم حسب رغبتها. هكذا عرفها الناس. رفيقتي حجت وندمت وتابت، وكبرت ونضجت وقررت أن تتقى الله، وتتصرف بعدل واستقامة، لكن أحداً لم يصدقها، وإذا تكلمت أو تصرفت كانت عندهم متهمة بأنها تهدف لمصلحة، وغايتها الحصول على منفعة

أقصد البشر إذا عرفوا شيئاً لا ينسوه أبداً، وإذا تصرف المرء أي تصرف أرجعوه لصفة سلبية يعرفونها عنه، ومهما تغير وتحسن، ومرت عليه الأيام فإنه لا يجديه نفعاً

2- الناس يتعاملون مع الإنسان بطريقة تراكمية، أي من يوم ما عرفوه، فتتراكم سيئاته وحسناته، وكثير من الناس يهتم بالأولى ويكبرها ويتناسى الثانية ويهملها

3- ودرج الأقارب ألا يشكروا المعروف! وألا يهتموا برده، مما أوغر الصدور، وتسبب بسوء فهم بينهم

هذا وغيره يفسد العلاقات القديمة، في حين: (1) تُبنى علاقاتنا الحديثة على نظافة، من دون الأفكار السلبية القديمة (2) وتبدأ بعد أن نضجنا وخبرنا الحياة فتنجح أكثر

ولكن لا أحد يغنينا عن قراباتنا وأهلنا ،وليتنا جميعاً نفهم هذا ونتدارك أرحامنا


نشرتها على الفيس 17 آيار- 2016 (865 إعجاب، 83 تعليق، 100 مشاركة)

1 like ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on May 17, 2019 04:15

November 26, 2018

*التعليم المنزلي، أولادي وتجربتي الفريدة

أولادي والمدرسة والتجربة الفريدة والمريرة

هذه قصتي الحقيقية مع أولادي كتبتها (مختصرة) لكل من يكره أولاده المدرسة.
بدأت حكايتي كما تبدأ حكاية كل أم وصل أطفالها لسن الرابعة والخامسة، سجلتهم بالمدرسة، وظننتهم سيحبونها ويتمتعون باللعب واللهو مع أقرانهم.
فجاؤوني ظهراً يبكون، وقالوا: يا أمنا إنا وجدنا المدرسة كابوساً، وإنا لا نريدها أبداً، فأخرجينا منها، تعملي صالحا.
فما وجدت كلامهم مقنعاً، ولم أُقدّر شكواهم، وقلت سيتعودون.

ولكن أيام المدرسة كانت مريرة وصعبة، ضرب وعقوبات عشوائية وقسوة، وكلمات غير لطيفة من الأساتذة، ومضاربات بين الطلاب تصل لحد الإيذاء فيجرحون بعضهم بعضاً، ويرشقون الحبر على الملابس، ويمزقون الكتب ويخفون الدفاتر ويكسرون الأقلام… والأساتذة لاهون وفي شغلهم غارقون.
جربت الاتصال بالإدارة وتفعيل التعاون بين البيت والمدرسة، فما استفدت شيئاً.
واحتلت على الوضع بنقل أولادي من مدرسة إلى مدرسة؛ فما لقيت أي فرق!؟

وبعد تجربة طولها عشر سنوات وفي أفخر مدارس البلد، وجدت المدارس كلها سواء بالتحصيل العلمي، وإن الذي يختلف بيئة الطلاب (وهي الناحية المهمة لما لها من أثر تربوي كبير على الطفل الصغير)
وأصبحت المدرسة البلاء المبين، فصرت أعفي أولادي من الدوام يوماً من كل أسبوع يغيبون، ثم حدثته إلى يومين، فإذا صارت طوارئ وغابوا يوماً واحداً عوضتهم من الأسبوع الذي يليه! ثم تطور الأمر إلى غياب ثلاثة أيام في الأسبوع! وتغاضيت عن الواجبات حتى امتلأ دفتر المتابعة بجملة “لم يحل الواجب”… بذلت جهدي بأشياء كثيرة ولم أنجح بتحبيبهم بالمدرسة.

بل ازداد الوضع سوءاً؛ وبدأ ابني الصغير يعاني من عقدة نفسية واضحة تجلت في قلقه وسهره، وبكائه، ورفضه الذهاب إلى المدرسة، ولم يعد أمامي إلا حل واحد جريء نقل الصغار من الدراسة النظامية إلى “المنازل” (وفي الشام نسميها “دراسة حرة”)
حذرني الجميع من عواقبه، وأنذروني من مغبته، واجتمع الناس علي، بين ناصح ومحذر وناه… كلهم ضدي، وقالوا بثقة “ستندمين”:
1- فليست المدرسة فقط بيئة علمية، إنها بيئة اجتماعية
2- البكور والسماع من الأستاذ أفضل وأثبت للتعلم
3- الشهادة مع حضور أوثق للمستقبل العلمي أمام الجامعات.

سمعت كل ما قالوه وفكرت به ملياً ثم قلت:
1- أولادي أخذوا من المدرسة خيرها ولم يتبق لهم سوى شرها! فقد وصلوا لسن حرج وبدأ الأصدقاء يغرونهم بالصور والمواقع والأرقام، فعلام أنتظر؟
2- وأما التعليم: فأي سماع وأي أساتذة وقد رُفع العلم إلا ممن رحم ربي، وكيف سيفهم الصغير الدرس وهو نعسان، والملل والحزن يسيطر عليه؟
3- وأما قيمة الشهادة فلا أمل لنا بالجامعات الحكومية في كل الأحوال، والجامعات الخاصة تتقبل أي شهادة تختمها الحكومات وتصدقها.
وأما عار “الشهادة الحرة” فسوف تغسله شهادة الجامعة!
4- وأما الناحية الاجتماعية فإني وجدت بالتجربة أن الإنسان يبقى على شخصيته الأصلية مهما صقلناه، وفي كل حال ممكن التغلب على ذلك بتسجيلهم بناد رياضي أو دورات هادفة، وهذا سيوفر لهم فرصة أكبر للتعرف على أنماط مختلفة من الناس، بدل حصرهم عدة سنين مع نفس التلاميذ ونفس المعلمين.

اتخذت قراري، وكنت جريئة وحاسمة، مع أن الفكرة وقتها لم تكن مألوفة، وبالتالي لم تكن الظروف في بلادنا مساعدة، ولم أكن أعرف وقتها أن التعليم المنزلي ليس بدعة، وعرفت فيما بعد أنه
يُعترف به قانونياً في أمريكا وكندا وأوستراليا ونيوزيلندا من عمر 3 سنوات، وتؤخر دول أخرى قبول طلبة المنازل حتى عمر 15 سنة، أو اعتباراً من الصف السابع.
وفي الولايات المتحدة يدرس أكثر من ثلاثة ملايين طفل من منازلهم. وحسب دراسة لمجلة “المعرفة” الصادرة عن وزارة التربية والتعليم السعودية (كانون الأول- 2005)، فإن “ظاهرة التعليم المنزلي” تنمو بسرعة كبيرة. وقد تزايد الرأي العام المؤيد للظاهرة من 16 % في الثمانينيات من القرن الماضي، إلى 73 % وقت إعداد الدراسة قبل 15 سنة تقريبا. كما انتشرت الحالة في دول أخرى متقدمة، مثل اليابان ودول أوروبية.




ومن الطريف أن الظاهرة بدأت في أمريكا بعد الحرب العالمية الثانية، لتعليم الأبناء القيم الليبرالية التي تفتقد إليها المدارس العامة. ثم انضمت إليهم مجموعات أخرى كثيرة غير مؤمنة بالتعليم النظامي، و لأسباب معيشية واقتصادية، أو تجده غير كاف أو غير كفؤ، حيث أبدى 42 % من عينة دراسية في فلوريدا أن بيئة المدارس العامة لم تعد ملائمة لا ثقافياً، ولا تعليمياً.


وحسب دراسات كندية، فإن هذا التعليم يقوي الروابط الأسرية، ويمنح الأسر المزيد من المعرفة عن أبنائها. كما يساعد على مواجهة القيم وأنماط السلوك السلبية والضارة، ويحمي الأبناء من الاستقواء والتنمر السائد في المدارس، وفي أحيان كثيرة من التمييز والإساءات المباشرة… وتوجد أسباب أخرى متعددة، مثل: عدم وجود مدارس كافية، وازدحام الصفوف المدرسية، وخلو المدارس من المرافق الأساسية والضرورية، والتدفئة، وصعوبة المواصلات، وسواها. مما يوجه الواليدن للتعليم المنزلي… وكل هذا عرفته لاحقاً.




وأعود لقصتي:
وهكذا سحبت أولادي من المدارس النظامية نهائياً، وصاروا يذهبون إلى المدرسة في العام مرتين؛ منتصفه وآخره، فيقدمون الامتحان ويرجعون. واستمر من حولي في تذكيري ولومي، وأنا صامدة

لقد مرت على تجربتي ست سنوات، ولن أحلف لكم أن التجربة نجحت نجاهاً باهراً. وصادفتها عقبة واحدة، القبول في الجامعات، فأكثرها لا تقبل شهادة عن بعد، والمشكلة أننا عرفنا هذا متأخراً، ولو عرفناه باكراً فحله بسيط، ويكمن في دراسة “البكالوريا” فقط مع دوام نظامي، ومع دوام يومي، فهذا كاف.

ولكني لا أنصح الجميع باللجوء لتعليم المنزلي، نظراً لاختلاف الأبناء، فمنهم البصري، ومنهم السمعي الذي يحتاج لأستاذ.
ومنهم الاجتماعي الذي يسعد بالدوام، ورؤية الناس، في حين كان اثنان من أولادي انطوئيين.


ست سنوات وأولادي معي في البيت نتشارك في كل شيء وأعيش معهم حياة أسرية دافئة، وقد ارتحت من أعباء كبيرة كانت تأخذ وقتي وطاقتي ومالها أي قيمة:
فقد تخلصت من غسيل الأثواب وكيها، وتخلصت من إزالة بقع الحبر والطعام منها، وارتحت من النزول للسوق لشراء لوازم المدرسة من ملابس وأبواط وشنط وقرطاسية.
ووفرت وقتاً جيداً كنت أقضيه في تجليد الكتب والدفاتر وكتابة الأسماء عليها، ووفرنا مالاً كان ثمن الأقساط والمواصلات.
واسترحت من المتابعة مع المدرسة حول وضع الأولاد ومشكلاتهم، ومن الكلام على الهاتف في محاولة لإقناع الأساتذة ببعض الأفكار البناءة…. ومن أعباء أخرى… على رأسها قضية الاستيقاظ مرتين في الليلة الواحدة للصلاة والمدرسة، وتخلصت الاستيقاظ المبكر زيادة عن اللزوم لأولادي (فأكثرنا يعاني من القلق ليلاً، مما كان يصعب عليهم الاستيعاب نهاراً).

وإذا أخذتم ما سبق على محمل الطرافة، فإن صغاري استفادوا فائدة عميقة وحقيقية من بقائهم بالمنزل، إذ:
-استقرت نفسياتهم وقويت علاقاتهم.
– نموا مواهبهم، وتعلموا أشياء كثيرة في الكمبيوتر واللغة والثقافة العامة وفنون الحياة… كان من الصعب أن يتعلموها لو تُركوا ليضيعوا وقتهم في المدرسة!


– حمايتهم من التأثيرات السلبية للرفاق، واستبدال تلك المعاناة بالدفء العائلي، والمسامرة في المساء. 


– تعلموا الأعمال المنزلية، وأنجزوا في مجالات عدة.


– تعلموا الاعتماد على أنفسهم، لأني حذرتهم أني لن أكون بديل الأستاذة، ولن آتي بمدرس خصوصي، وفعلاً درسوا وحدهم، بمساعدة لا تُذكر، مني ومن إخوتهم الكبار.
– استمتعوا بطفولتهم ولعبوا، وفرحوا، فازدادت عقولهم كمالاً.






مع تحياتي لكل الآباء والأمهات الذين يحرصون على الدوام والواجبات…




عابدة المؤيد العظم
4 likes ·   •  1 comment  •  flag
Share on Twitter
Published on November 26, 2018 08:48

April 14, 2018

فلان أفضل منك

 


الاهتمام بزرع الصفات الجيدة، والخصال الحميدة في الطفل هدف كل أم ُمحبَّة، وهدف كل أب ينشد المثالية، ويبتغي لأولاده النجاح و الفلاح.


وذلك الهدف يتحقق بيسر وسهولة، ومن دون الحاجة إلى عبارات ذات تأثير محبط كقولنا: “فلان أفضل منك”، وهو أمر نبه إليه مرب ناضج فقال: “من أكثر ما كان يحز في نفسي ويؤلمني -وأنا صغير- أن أمي كانت تعيرني دائماً بقريب لي على أنه أفضل مني بعدة صفات”.


وبه نصحت أم خبيرة فقالت: “جربت هذا الأسلوب مع ولدي حيناً؛ فاستعملت هذه العبارة، وعيرته بصفة موجوده في قريب له، ثم نسيت الأمر، وإذا به يسألني بعد سنوات: أمي هل مازلت مستاءة من أنني ولدك؟ وهل يسعدك أن تتخلصي مني و تستبدلني بقريبنا فلان لأنه يمتلك خصلة أنا أفتقدها؟!”. وعقبت أمه بأسى: “في تلك اللحظة شعرت بحجم الجرم الذي فعلته”.


فما هي الآثار الخطيرة لهذه العبارة؟


***


هذه العبارة لأن لها مخاطر لا يمكننا تجاهلها:


1- فهي تؤدي إلى زيادة التنافس الطبيعي بين الأقران والأنداد عن طريق عقد المقارنات والمفاضلات التي تتسبب أولاً في استياء الصغار بعضهم من بعض، ثم توصلهم بعدها إلى الغيرة، وقد تحملهم على الغل والحقد.


وتكون العبارة أكثر خطورة إذا استخدمت للمقارنة بين الإخوة والأخوات؛ فالغيرة تولد مع الإنسان وتنمو بنموه (وإن كانت تتباين شدتها من شخص لآخر)، وتفضيل ولد على ولد من شأنه أن يثير غيرة وحفيظة الأخ الذي يسمع هذه العبارة، فتنمو الكراهية بين الإخوة ويظهر النفور والإحساس بالسخط. وهذا ما يقوله د. سبوك: “إن بعض الآباء يميلون إلى التوبيخ الذي يوجهونه إلى أبنائهم أكثر مما يميلون إلى تشجيع الصفات الحسنة في الأبناء ويحاولون أن يعقدوا المقارنات الدائمة بين الأطفال الإخوة ولهذا فإن الأطفال يتجهون إلى الغيرة من بعضهم وإلى التنافس وتشتد فيهم أحاسيس المقارنة وتشتد بينهم أيضاً المعارك”.


والغيرة إذا نمت وتحولت إلى عقدة أصبح علاجها عسيراً، وأصبح صاحبها ناقماً لا يستريح لنجاح غيره، وأصبح همه أن يُخَذِّل الناس من حوله حتى يتفوق عليهم.


*   *   *


2- الأمهات -غالباً- لا يعرفن الكثير عن فلان هذا الذي يعيرن به أولادهن (فهن يلقينه من وقت لآخر وفي ظروف معينة، فيرينه بأحسن حال وأجمل صورة) ولا يدركن حقيقته ومواطن الضعف في شخصه وسلوكه. ومن هنا قد تكتسب العبارة أبعاداً تربوية أخرى فيها إساءة للولد؛ إذ سيحسب الولد أن فلاناً هذا ملاك -بناء على كلام أمه- فيتبعه في كل أمر ويقلده في كل سلوك ظاناً أنه الإنسان المثالي، فربما اقتبس بعض سيئاته، أو تتبع بعض عاداته القبيحة، فقلده فيها، فيقع في بعض المخالفات والأخطاء.


*   *   *


3- وإذا اعتقد الولد أن فلاناً أفضل منه تضعف إرادته فيتكاسل عن التفوق. فيصبح فلان أفضل منه بحق. فيفقد الثقة بنفسه. ويرى -من بعد- أن كل الناس أفضل منه. ومن وصل هنا، كان قريباً من إحدى العقد النفسية: “عقدة النقص”، وهي عقدة منتشرة بكثرة بين الناس، ومن عيوبها أنها تقود صاحبها إلى تقليد ومتابعة الناس في كل شيء يظنه حسناً من السلوك إلى الأخلاق إلى اللباس. والتقليد الأعمى مكروه: “لا يكن أحدكم إمعة يقول: أنا مع الناس، إن أحسن الناس أحسنت، وإن أساؤوا أسأت، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساؤوا أن تتجنبوا إساءتهم”.


أيتها الأمهات، إن الصفات الحسنة لا تجتمع كلها في شخص واحد، فتتبعنها في الناس ثم نبهن الأبناء إليها في فلان وفلان، بدل تعييرهم بفلان على الإطلاق. و”الحكمة ضالة كل حكيم، فإذا وجدها فهو أحق بها”. فكان لزاماً على الأم أن تهتم بالقيم وبالأخلاق الإسلامية، فتحث ولدها عليه وتحببه إليه، ولا ضير بعدها أن تمثل له (ليتفهم قصدها) فتقول: “وفلان عنده هذه الخصلة، وفلان يسلك هذا السلوك الجيد”.


*   *   *


  4- “فلان أفضل منك” عبارة مفتوحة دلالاتها غامضة تثير التساؤلات والشجون، فتشوش فكر الطفل وتشغل عقله بتحليلها وسبر أغوارها فيفقد التركيز الجيد، ويشرد ويسرح بعيداً. وهذه المظاهر يصحبها -على الأغلب- عادات سيئة، كمص الإصبع أو قرض الظفر. عادات يكتسبها الطفل فجأة ويصعب من بعد التخلص منها.


*   *   *


5- وأختم أخيراً بما قاله د. سبوك لأن فيه الزبدة والخلاصة: “إن كل إنسان يريد مكاناً لا يشاركه فيه أحد في قلب إنسان آخر. والأمثلة على ذلك في حياتنا اليومية كثيرة. مثلاً.. أن يقول لك رئيسك في العمل.. أنت وزميلك ((فلان)) أكفأ الموظفين في العمل.. إنني أتنبأ بمستقبل ناجح جداً لكما. إن فرحتك بهذا النوع من الثناء ليست كبيرة لأنك تعرف أن لك منافساً هو فلان الذي يحتل مكانة تساوي مكانتك بالضبط عند رئيسك. لكن لو قال رئيسك.. أريدك أن تعرف أنني راض تماماً عن عملك وأعتقد أنك تؤديه على أفضل وجه ممكن. من المؤكد أن فرحتك من هذا النوع من الثناء لا تقدر… وكذلك حال الطفل.. إن الطفل يكره أن يوضع على نفس المستوى مع أحد غيره. إن آخر ما يرضي الطفل أن نقارنه بأحد، إنه يطلب أن نعجب به هو، وبصفاته التي لا يملكها أحد غيره، لأن المقارنة تضعه في حالة تنافس مليئة بالقلق. وتجعله مهموماً بضرورة البحث عن أفضليته هو. كما أن المقارنة تجعله حساساً للغاية لأي تفاوت في المعاملة بينه وبين إخوته… فعلينا دائماً (نحن الآباء والأمهات) أن نكون هادئين ومطمئنين إلى أننا نحاول أن نفعل كل ما هو صالح لأطفالنا.. إننا نقدم حبنا الصريح والمتفاني لكل طفل من أطفالنا ونشعر بالاغتباط الحقيقي بما في كل طفل من خصال حميدة. ونبذل جهدنا الدائم للابتعاد به عن العادات السيئة”.


(العبارة الحادية عشرة في كتابي “عبارات خطيرة”)


*   *   *


دكتور سبوك: حديث إلى الأمهات مشاكل الآباء في تربية الأبناء ص454.


الترمذي.


الترمذي.


دكتور سبوك: حديث إلى الأمهات مشاكل الآباء في تربية الأبناء ص13.



4 likes ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on April 14, 2018 13:41

لم أعد أحبك

تعرف كل أم أن النوم والطعام والشراب أشياء مهمة جداً للمحافظة على بقاء طفلها وكمال صحته، إنما يفوت بعض الأمهات أهمية “الأمن النفسي” اللازم لسعادة الفرد وطمأنينته، ويجهلن ضرورته للحصول على فرد سوي صالح لتحمل الأمانة، وقادر على توفيتها حقها.


و”الأمن النفسي”حاجة ضرورية من حاجات الإنسان وهو يعني التحرر من الخوف أياً كان مصدر هذا الخوف لأن الخوف مصدر كثير من العلل والمتاعب النفسية، والشيء الذي يرضي هذه الحاجة عند الطفل ويشبعها هو أن يكون موضع حب وعطف ومودة من ذويه ومعارفه وأقرانه… ولكن كل هؤلاء لا يستطيعون أن يهبوا الصغير ما يحتاجه حقاً  من هذه الأشياء كما تفعل الأم، فالحب هو الغذاء الروحي الذي تقدمه الأم لأطفالها، والصغير يشعر بأنه موضع سرور وفخر لوالدته وهو يستمد منها كل ما يحتاجه من الحب فيحس بالسعادة والاطمئنان والأمن لوجود شخص يحبه ويصاحبه ويعطف عليه ويهتم به ويسهر على راحته.


ولذا تعتبر علاقة الطفل بوالدته من أهم العلاقات الإنسانية في مرحلة الطفولة المبكرة؛ فالأم هي التي تهتم بكل شؤونه وهي التي يلجأ إليها إذا كان في مأزق، والولد بحاجة إلى كل المظاهر التي تعبر عن عظيم محبتها، مع التأكيد الدائم المستمر على وجود تلك المحبة واستمراريتها وحيويتها بالقول كما بالفعل، وتجعل هذه المحبة الفرد إنساناً سوياً متوازناً مستقر العواطف، وبالتالي فإن عبارة مثل عبارة “لم أعد أحبك” ليست مجرد عبارة للطفل الصغير، إنما هي على قصرها كلمات مؤذية تثير حفيظته، وتهز طمأنينته، وتخدش الأمن في داخله، وتشككه بحب والدته له فتنسف سعادته وتفقده اتزانه، يقول د. سبوك: “إن الأطفال بحاجة إلى حب الأبوين الطيبين أكثر من أي شيء آخر… وإن الكثيرين ممن يقعون في الاضطراب والمتاعب إنما يعانون في الواقع من فقدان العطف”، فلا يجوز أن تهدد الأم نفسية ابنها بهذه العبارة، ولا يصح أن تجعل من الحب -وهو حاجة ضرورية وأساسية- سلاحاً تلوح به للصغير فتفقده الأمن وتشعره بالقلق من أن يفقد يوماً حب والدته وعطفها وحنانها.


إن تكرار أي عبارة يفقدها أهميتها وفائدتها وفاعليتها من الناحية التربوية، فتكرار هذه العبارة “لم أعد أحبك” لن يجدي بعد مدة في ردع الأطفال عن السلوك السيء، ولن يوقف عدوانهم، لأن لأمثال هذه العبارات المثبطة المحبطة رد فعل معاكس، إذ يتوق الأطفال عادة إلى تحقيق كل ما يصبون إليه، ولكنهم يمتنعون عن ذلك إرضاء لأمهاتهم، وما داموا -فيما يظنون- قد فقدوا حب أمهاتهم لهم بعد فليتمتعوا إذن بفعل كل ما يحلو لهم، وليسعدوا أنفسهم، ليحققوا شيئاً يرضيهم ويعوضهم عن فقد محبة أمهاتهم، وهذا ما قاله د. سبوك: “إن أعماق الطفل إذا عانت من فقدان الاحساس بالحب الدافئ من ناحية أهله أو من يقوم مقام الأهل.. إن أعماق هذا النوع من الأطفال يعرف كيف ينتقم لغياب هذا الحب.. إن هذا النوع من الأطفال لا يكون مشاكساً أو ثقيل الظل ولا يجيد حسن التصرف فقط، إنه أيضاً لا يهتم أبداً بنوعية سلوكه، ولا يهتم ما يظنه الآخرون عنه، ولا يهتم بما سيحدث له. لقد فقد أهم شيء في حياته وهو “حب الأهل”، فماذا يمكن أن يعطي سوى الانتقام من البيئة التي ينشأ فيها؟!”


ولكن ورغم ذلك لا تعوض تلك المشاكسة الطفل عن الحب، ولا تنفع هذه اللامبالاة التي تظهر في سلوكه في حمايته من  الآثار النفسية السيئة لعبارة “لم أعد أحبك”، ولا تهبه الحرية التي يتمتع بها الحنان والدفء، وهنا تكمن الخطورة الثانية من ترديد العبارة إذ يشعر الطفل بالحرمان العاطفي ولا يستطيع مقاومة حاجاته الطبيعية إلى الحب، فيصاحبه القلق وتسيطر عليه الحاجة الملحة إلى الحب.


ويصبح الحل عسيراً في هذه المرحلة إذ يتمادى الولد في سلوكه العدواني، وتكثف الأم بالمقابل حملتها المضادة بزيادة عدد المرات التي تصرح فيها بعبارة “لم أعد أحبك”، ويصعب أن يشعر طفل كهذا بحب والدته له، ويتعذر عليه أن يصدق أنها تكن له عاطفة كبيرة، بعد أن يسمع هذه العبارة باستمرار وتستمر الحال كذلك حتى يؤدي إلى اضطرابات انفعالية وعصبية تظهر في علاقاتهم الاجتماعية ومع أقرانهم في البيت والمدرسة، وإذا استمر سلوك الولد السيء واستمرت الأم في ترديد هذه العبارة “لم أعد أحبك” أصبح الطفل غير قادر على أن يتسق مع نفسه ومع العالم وينتج عن ذلك صراع حاد وقلق واكتئاب


وفي حب الطفل لوالديه قوة عظيمة تدفعه إلى التفاني في الطاعة، وتعزز في نفسه الثقة الزائدة، والطفل يعيش بمشاعره وأحاسيسه ولا يعرف للتربية والتعليم قيمة إلا إذا مزجا بالحب والعاطفة فالواجب علىالأم أن تشعر أولادها بحبها لهم وتحرص على حب أولادها لها فلا تكرر أمامهم هذه العبارة، ولا تثير كرههم بأي طريقة لئلا يزول حبها من قلوبهم


يُسهل الحب المتبادل عملية التربية: “إن المحب لمن يحب مطيع” وحب الأم لأولادها يجعلهم يبادلونها حباً بحب، والحب يعني الطاعة والانضباط والتضحية والحرص على المشاعر. ولكن عبارة “لم أعد أحبك” تعكس المعادلة فينقلب الحب إلى بغض، والطاعة إلى تمرد… وبدل أن يتخذ هؤلاء الأولاد من آبائهم أصدقاء ومثلاً عليا يطمحون إليها،  نراهم يبتعدون محاولين  تجنب أي احتكاك بوالديهم، مما يصعب عملية الانضباط والتوجيه.


والخلاصة: أن عبارة “لم أعد أحبك” تهدم العلاقة الصحية بين الأم وابنها وتؤثر على تشكيل عقل الصغير وطريقة تفكيره، وتؤدي إلى عواقب وخيمة. وإن الأطفال الذين يسمعونها كثيراً مصحوبة بالإهمال والقسوة لا يكنون مشاعر الحب والدفء لأي شخص ولا يبدون الود للناس، ويصبح التعامل معهم صعباً للغاية، ويتصفون بالعنف والأنانية، ويشب هؤلاء الأطفال وتنمو معهم تأثيرات هذه العبارة وتكبر حتى يصبحوا آباء غير مكتملي النضوج، آباء تنقصهم القدرة على رعاية الأطفال، أو يكونوا آباء فاشلين فيخرجوا من جديد أمثالهم، وتستمر دورة الحرمان والفشل وتتسع وهنا يكمن الخطر الحقيقي لعبارة “لم أعد أحبك”.


(العبارة العاشرة في كتابي “عبارات خطيرة”)


***





موسوعة العناية بالطفل ص341.


دكتور سبوك: حديث إلى الأمهات مشاكل الآباء في تربية الأبناء ص9.

2 likes ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on April 14, 2018 07:22

دع اللعب فقد كبرت عليه

تستهجن بعض الأمهات أن يلعب أولادهن الذين اقتربوا من البلوغ بأي لعبة (رغم اختلاف الألعاب وتنوعها لتناسب كافة الأعمار)، فهي تحسب أنهم صاروا رجالاً، والرجال لا يلعبون أبداً، فإذا رأت ولدها يلهو بسيارة صغيرة وبخته قائلة: “لقد كبرت على اللعب، أم ما زلت ترى نفسك صغيراً!؟” وإذا حملت ابنتها لعبتها وتخيلتها -كما كانت تفعل سابقاً- وليدتها صارت أضحوكة، وإذا فكر الولد بشراء مسدس أو سيف من دكان الألعاب ليتسلى به ويلهو استهزأت به أمه، وسخر منه أبوه، على اعتبار أن زمن اللعب قد انتهى وجاء زمان الجد والعمل حيث اقترن مفهوم اللعب في أذهاننا بالطفولة المبكرة فقط، وهذا خطأ، وهو يجعل لهذه العبارة وأمثالها بعداً خطيراً من وجهين:


الأول: أن ترديد هذه العبارة يجعل الأمور تختلط  وتتشابه على الولد، فيظن أن عليه اعتزال اللعب بأنواعه وترك اللهو كلياً حتى يرضي والديه ويثبت لهما أنه صار كبيراً، وهذا غير ممكن وغير مقبول؛ فالإنسان عامة بحاجة إلى الحركة والنشاط والترويح عن النفس ولا يتحقق هذا للولد إلا باللعب. وقد أجاز الإسلام اللهو للرجال الكبار فكيف بالصغار الذين لم يبلغوا بعد مبلغ الرجال؟! يقول علي كرم الله وجهه: “روحوا القلوب ساعة بعد ساعة، فإن القلب إذا أكره عمي”، فاللهو لا يتنافى مع الرجولة، وقد أجاز النبي r اللهو واللعب للصحابة وفيهم حبر الأمة وأمينها وفيهم كتبة الوحي… فروى البخاري: “كان أصحاب النبي r يتبادحون (يترامون) بالبطيخ، فإذا كانت الحقائق كانوا هم الرجال”، وكان الصحابة رضوان الله عليهم يتسابقون على الأقدام، وكانوا يتبارون برمي السهام بعد صلاة المغرب، وقد صارع النبي r “ركانة” أكثر من مرة وصرعه، وأباح بعضهم اللعب بالشطرنج بشروط… فلا تثريب على المسلم رجلاً أن يمرح ويتفكه، والولد بحاجة إلى الترفيه واللهو واللعب أكثر من الكبير وإن بلغ أو قارب البلوغ، وقد كان النبي r وهو المربي والقدوة الصالحة يلاعب أبناء الصحابة، ويروح عن نفوسهم، ويدخل السرور عليهم، ويمرح معهم، ويستأنس بهم، ويشجعهم على اللعب البريء والمرح المباح!! وقد جاء في الحديث الصحيح: : “علموا أولادكم السباحة والرماية…” فأطلق النبي r كلمة “أولادكم” ولم يقيدها بعمر محدد، فإذا رغب الولد الكبير باللعب وتاق إليه فلنتركه يلعب ما يحبه، ولندعه يصرف طاقته باللهو المباح بجرأة ودون حياء فهو لا يقوم بعمل محرم ولا معيب بل هو يروح عن نفسه ويستعيد نشاطه وحيويته، ويطرد السأم والملل ليستأنف العمل الجاد والكدح من جديد: فالسباحة والسباق رياضة تفيد الجسم وتقوي العضلات وتشحذ الذهن، والألعاب الأخرى توفر بعض  المهارات للولد؛ فالرمي يعلمه إصابة الهدف، والمصارعة تعلمه كيف ينال من السفهاء والمعتدين…


والثاني: أن هذه العبارة لا تقتل الرغبة في اللعب عند الولد، ولا تضع حداً لميله الغريزي والطبيعي إلى اللهو، ولا تقنعه بأنه صار كبيراً، إنما تسبب له الأذى والحرج حين تجعله يكبت رغبته تلك ويخفيها، فيبتعد عن اللعب خوفاً من سماع عبارات النقد والاستهزاء. وهذا أمر غير محبذ لأنه يبقي في نفس الطفل رغبات لم تشبع وبقايا طفولة لم تراعى فيشب ويصبح أباً وهو يكبت هذه الرغبات في نفسه فإن سنحت له الفرصة أو مر بظروف مساعدة برزت هذه الرغبات المكبوتة إلى السطح فينسى نفسه ويندفع لا شعورياً لإشباع هذه الرغبات الدفينة بطريقة صبيانية، فتبدو تصرفاته مضحكة وغريبة وهي تصدر من رجل كبير.


فلماذا نخالف السنن وقد خلق الله الإنسان ليكون طفلاً ثم صبياً ثم شاباً ثم رجلاً؟ ولم لا نساير هذا التطور ونترك للولد فرصة الاستمتاع  ثم الإشباع من كل مرحلة من مراحل حياته؟ ولماذا نمنعه من اللعب مستعجلين صيرورته رجلاً، ونحن نعلم أن كل آت قريب؟! فكل الأولاد يمرون بهذه التغييرات وينتقلون من مرحلة إلى المرحلة التي تليها بشكل تلقائي حتى يصيروا آخر الأمر رجالاً، ولكن هذا الانتقال يخضع للفروق الفردية؛ ولذلك قد تطول مرحلة اللعب الطفولي عند أفراد أكثر من غيرهم، وهذا طبيعي وهو أمر عادي وشائع، فلنطمئن تماماً ولندع القلق جانباً إذ ما رأينا في عالمنا رجلاً بالغاً عاقلاً راشداً يلهو بسيارة صغيرة ولا بغيرها من الألعاب الكثيرة؛ فالولد يميل غريزياً إلى الألعاب التي تتناسب مع عمره وميوله ويدع ما سواها، وهو يكبر تدريجياً، وينعتق خلال ذلك من عشقه للعب ويتحلل من حرصه على اللهو شيئاً فشيئاً، وكلما كبر ترك ألعاب الطفولة -وحده، ودون توجيه- مستبدلاً بها ألعاباً تتناسب أكثر مع نمو مقدراته واتساع تفكيره، ولأجل  هذا كانت فنون اللعب وأشكاله وأنواعه مختلفة ومتغيرة لتتتاسب مع هذا التطور، ويستمر هذا التطور حتى يدع الولد يوماً ألعاب الطفولة كلها إلى غير رجعة، ويحتفظ فقط بحقه في الترويح عن نفسه، فهو يدرك مع الأيام (وبفضل التوجيه والتربية) مسؤولياته الجسيمة فينظم وقته، ولا يلهو لهو الرجال (المباح شرعاً) إلا بمقدار، وبعد أن يقوم بواجباته ويؤدي أعماله. ولنا أسوة في السيدة عائشة التي كانت تلعب ببنات لها مع صويحباتها، ولم تكن عندها طفلة إنما كانت امرأة بالغة ومتزوجة وعليها مسؤوليات، ومع ذلك ما عاب النبي عليها ذلك، بل كان يتركها لتشبع حاجتها إلى اللعب، ويشجعها هي وصاحباتها على المضي في اللهو: “كنت ألعب بالبنات عند r في بيته، وهن اللعب -أي: البنات هن اللعب المصنوعة من الأقمشة- وكان لي صواحب يلعبن معي، وكان النبي إذا دخل ينقمعن منه -أي يتغيبن ويدخلن وراء الستارة- فيسربهن إلي -أي يردهن إلي- فيلعبن معي”، الأمر الذي يدل وجوب الاهتمام بالرغبات الفطرية وتوفيتها حقها… فلما أشبعت السيدة عائشة حاجتها إلى اللعب وكبرت عن هذه الرغبات الطبيعية انصرفت وحدها عن هذا والتفتت إلى غيره من الأمور العظيمة والمهمة فكانت بعد  ذلك عالمة وفقيهة ومحدثة.


اللعب إذن ليس شيئاً عديم النفع والجدوى، وإن مرحلة الطفولة التي تمتع الإنسان وتمده بهذه الفوائد، لا تكون إلا فترة محدودة من الزمن، ولا تكون إلا مرة واحدة في حياة الإنسان فاتركوا أولادكم ليشبعوا حاجاتهم ورغباتهم، ولا تعكروا سعادتهم ولا تضيعوا عليهم فرصة الاستمتاع بالبقية الباقية من طفولتهم وصباهم بترديد هذه العبارة: “لقد كبرت على اللعب، أم ما زلت ترىنفسك صغيراً!؟”. فإنهم يكبرون بسرعة بل بأسرع مما نتصور.


(العبارة التاسعة من كتابي “عبارات خطيرة”)


***


 


عبد الله ناصح علوان: تربية الأولاد في الإسلام ج2 ص1015.


أجرجه الشيخان.

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on April 14, 2018 07:19

عابدة المؤيد العظم's Blog

عابدة المؤيد العظم
عابدة المؤيد العظم isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow عابدة المؤيد العظم's blog with rss.