مروان محمد's Blog

December 12, 2019

حول مسلسل ممالك النار

الكاتب مروان محمد

ومازال من ينتسبون للثقافة والكتابة والفن يتعاطون مع مسلسل ممالك النار باعتباره فيلم تسجيلي وثائقي يؤرخ لحقبة تاريخية وقد جانبه الصواب في عدد من المعلومات التاريخية ولا يتعاطون معه باعتباره عمل فني يحاكم فنياً... لم أرى مقال واحد يتناول بالشرح فنيات العمل ولكن الكل ما بين منبري للدفاع عن التاريخ الوارد في المسلسل أو مكذب له.

وأنا لا يعنيني في أي مقام التاريخ الوارد بالمسلسل لأنه عمل فني ومن الحماقة أن اتعامل معه باعتباره مرجع تاريخي أو مصدر للتثقف تاريخياً.

وأي مسلسل في العالم أو فيلم لأي دولة في العالم كله يتناول أو تناول حقبة تاريخية معينة لم يكن صادقاً مئة بالمئة أو دقيقاً ... الأمريكان ملوك تزييف التاريخ في أفلامهم ومسلسلاتهم، الأفلام والمسلسلات التاريخية شذرات من الحقيقة مطعمة بالكامل بخيال المؤلف حتى التي تدور حول شخصيات تاريخية حقيقية!

الحركة الفنية والمثقفين هناك يدركون ذلك جيداً ويتقبلونه بل ويعتبرونه أمراً طبيعياً لأنهم يتعاملون مع العمل من ناحية فنية ولا ينظرون إليه على أنه رصد حقيقي تاريخي دقيق محقق المصادر.

إلى متى سنظل نحاكم الأعمال الفنية تاريخياً؟ واسمها أعمال فنية، تحاكمها إذا كتب صاحبها على تتر المسلسل أو الفيلم " فيلم وثائقي" أو كتب عبارة " هذا العمل محقق فيه مصادره التاريخية وقد اعتمد (ومن ثم وضع قائمة بمصادره التاريخية" إذا فعل هذا أو ذاك يمكنك وقتها أن تهاجمه بكل ما أوتيت من قوة تاريخياً.

أما وأنه كتب مسلسل فأساس اي عملية فنية هي الكذب على المتلقي وليس افتراض المصداقية من صاحب القطعة الفنية ولكن عماد عمله الكذب على المتلقي وإن كان المتلقي معذوراً في نظرته فما عذر المثقف والممارس للعملية الفنية سوى أن ما يفعله عار عليه وعلى من يلتفون حوله ويدّعون الثقافة.

هل أتعامل مع المسلسلات التركية التي تنطوي على تاريخ على مدى مصداقية الأحداث التاريخية من عدمها؟، أنا لا افترض مصداقية هذه المسلسلات أساسا؟!

أنا أنظر لها نظرة فنية بحتة، من حيث الملابس والعصر والتمثيل والإخراج والسيناريو ومواقع التصوير ... ألخ

أما إن أرطغرل كان كذلك فعلاً أو لم يكن فهذا أبحث عنه كمثقف في كتب التاريخ! وإن خالف المسلسل ما ورد في التاريخ لا يسقط هذا المسلسل ولكن يبقى المسلسل قائماً بما احتوى من مكونات فنية أما جيدة أو سيئة ... المكونات الفنية لأي عملية فنية هي التي تسقطه أو ترفعه إلى عنان السماء.

أي تقييم آخر أنت خرجت من الحكم الفني إلى أحكام أخرى غير متصلة بالفن.

فمن أراد تقييم أي مسلسل أو فيلم ينطوي على تاريخ من منطلق مصداقية التاريخ الوارد فيه فهو حق أصيل لك ولكن بالله عليك لا تدعي أن هذا نقد أدبي أو فني.

هذا أي شيء آخر إلا أن يكون متصلاً بالفن بأي وجه من الوجوه.

حتى التقييم الأخلاقي للعمل لا يرفع العمل أو يسقطه فإن حاز على الدرجة النهائية في التقييم الأخلاقي لا يجعل منه عملاً عظيماً والعكس صحيح.

حتى أني أرى أن البعض يتناول بعض من الأعمال الروائية أو القصصية من ناحية أنثربولجية أو اجتماعية أو نفسية فتجد عنوان كتاب ما: البعد السيكولوجي لأعمال الكاتب فلان ومن ثم يصنف دراسة أدبية... أي جهل هذا؟!

ما علاقة هذا بالأدب أو الفن؟، هذه دراسة اجتماعية بحتة تتخذ عينات أو مؤشرات من البيئة حولها لتعضيد هذه الدراسة بقرائن ودلائل وحجج، هذه ليست دراسة أدبية بأي نوع ومن يصنفها كذلك جاهل وإن أقسم وأغلط في الإيمان سيظل جاهل!

متى ما قيمت العمل الفني خارج مكوناته الفنية، سقط عن تقييمك أي ناحية فنية، قد يكون أي شيء آخر إلا أن يحسب أنه نظرة للفن أو تحليل للفن، سمه أي شيء آخر.

يا مثقفين يا كتّاب لا تسموا ما تقدمونه من تحليل تاريخي لمسلسل ممالك النار على أنه نقد أدبي أو فني، أو إن هؤلاء نقاد فن، الفن بريء مما تكتبون وتنسبونه إليه، هذا أي شيء آخر إلا أن ينسب للفن وعند هذا الأمر فلتفعل ما شئت، فأنت تتحدث خارج عباءة الفن.

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on December 12, 2019 05:26

October 20, 2019

أيها الكاتب لا تخدع نفسك

هناك عدد من المنشورات على الفيس بوك لبعض الكتّاب تدور حول ضرورة الإحتذاء بنماذج من الكتّاب العالميين لاقوا الأمرّين في مسألة النشر وكم من مرة رُفضت أعمالهم من قِبل دور نشر حتى تبنتهم دار نشر أخيراً وحققت أعمالهم التي تم رفضها من قبل مبيعات خرافية وتحولوا إلى مشهورين وأغنياء في طُرفة عين.

ويستلهمون من هذه القصص الطريفة أن لا تبتأس من عدد دور النشر التي ترفض عملك، هذا يعني أن أمامك مستقبل حافل لا تعرف عنه شيئاً ينتظرك عما قريب!

ورفض دور النشر لعملك ما هو إلا عدم فهم أو وعي كافي منهم بأهمية عملك وعظمته الكامنة فيه.

صديقي الكاتب، غالبية دور النشر الورقية لا تقرأ عملك من الأساس!

وأنا هنا أتحدث عن دور النشر المصرية خاصة والعربية عامة، دور النشر في عالمنا العربي يمكن تقسيمها لعدد من الفئات:

1- دور نشر تنشر لمن هب ودب، أجاد أو أساء للأدب، قدم ما يثمر أو قدم ما يفسد، لا يهم، كتب أدباً أو كتب عبثاً، فهذا الأمر لا يعنيهم تماماً، كل ما يعنيهم، هل أنت مستعد لدفع ما سيخبرونك به من تكلفة باهظة؟!، فإن وافقت على عرض أسعارهم أشادوا ورفعوا عملك إلى عنان السماء.

2- دور نشر أخرى تنشر لمن لديه متابعين كُثر تتجاوز المئة ألف متابع، أياً كان ما يكتبه عبثاً أو أدباً.

3- دور نشر أخرى تنشر لمن يقدم لها فروض الولاء أو الطاعة أو لثلة من الأصدقاء.

فبالتالي لا تتصور أن دوافع الرفض مبنية على أي أسباب منطقية أو معيارية تعتمد النقد الأدبي، فتتصور أن التقييم الأدبي لدى دور النشر هذه لم ترقى بعد إلى مستوى عملك العبقري حتى يجيزوه للنشر من عدمه!

أنت هنا صديقي الكاتب في العالم العربي، حيث لا ينطبق عليه ما يجري في بلاد الغرب.

صديقي الكاتب إذا كان لديك ما يكفي من المال الجيد الذي يملء بطونهم نشروا لك عملك بلا تردد أو كنت من ثلة أصدقائهم أو كان لك متابعين بالآلاف فستنشر مجاناً، فالأمر لا يتعلق بأي شكل من الأشكال بإجادتك لفن الكتابة من عدمه.

ولا تعتمد صديقي الكاتب على ذائقة العامة فهي للأسف في الوقت الراهن، في أغلبها ذائقة فاسدة، تسعى وراء الكتابات السطحية بل شديدة السطحية، فأي حفاوة تلقاها من قراء لا يجب أن تأخذها على محمل الجد، لأنك محاط بجماعة كبيرة من القراء السطحيين.

نعم كلامي يبدو إستفزازيا وكما يسمونه تنمراً على القراء ولكن هذا لن يغير من حقيقة الأمر شيئاً، فمن يقرأ روايات رومانسية على غرار المسلسلات التركي والهندي لا تتوقع منه أن يفهم ما هو الأدب أو أي جماليات لغوية وقدرات تعبيرية وتقنيات سردية، لن يفهمها ولن يتذوقها ولن يعيرها اهتمامه، فقط امنحه مسلسلا تركياً في قالب روائي فكفيت ووفيت!

فبالتالي انفض عن عقلك أن القادم أفضل وأن الرفض الحالي ما هو إلا مفتاح الفرج القادم لنبوغك وشهرتك وحفاوة العالم بك، فلن يحتفي بك أحد ولا توجد أي معايير من أي شكل ولون لقبول العمل من عدمه عند الغالبية العظمى من دور النشر الورقية، الحفاوة فقط لمن يدفع أكثر مقابل نشر عمله أو لديه متابعين بالآلاف حتى يُقبل عمله، غير هذا فأنت واهم صديقي الكاتب.

لا يوجد سبب رفض حقيقي يمكنك أن تتركن إليه وتُطمئّن نفسك به، بأن هذه عثرات في طريق مجدك، هذه عثرات قلة حيلتك المادية فقط أو قلة متابعيك أو عجزك أن تكون من ثلتهم!

نحن في زمن من الممكن أن تنشر فيه أي عبث وأي تنديد أو شجب من قِبل البعض بسخافة ما ينشر من غثاء ما هو إلا "شو" سخيف مبتذل لأنهم يقدمون نفس العبث الذي ينددون به ويشجبونه!

جفائي وحدة كلماتي في الحديث إليك هي من باب النصح والإرشاد وإن كان فظاً غليظاً ولكن لابد من تلك المطرقة التي تضرب رأسك لتستيقظ من أضغاث أحلامك التي لا تطابق الواقع في عالمنا العربي بأي حال من الأحوال.

ورجاءً صديقي الكاتب توقف عن ترديد أن البعض يسرق أفكاري أو مقاطع من نصوصي أو اقتبس موضوع عملي أو أخشى إذا راسلت دار النشر بعملي أن يتم سرقته ونسبته للغير، صديقي: الجميع يسرق من الجميع، الجميع لا يبدع فناً ولكن يبدع نحتاً!، نحن ننحت من بعضنا البعض وننحت من بلاد الغرب ليس أدبهم ولكن أفلامهم ونسوقها في قالب روائي أو قصصي ثم ندّعي زوراً وكذباً أنه إبداعنا!

حد مرعب من الفجر في أن ننسب لأنفسنا ما ننحته من الآخرين، ولا أعني أن الفكرة مقتبسة أو منحوتة فجميع الأفكار استهلكت وهُتك عرضها عن بكرة أبيها وأمها إن شئت ولكن حتى المعالجة السردية هي في حد ذاتها مستهلكة، إعادة تدوير الفكرة وطرحها من منظور مغاير هي مجرد نحت لمعالجات أخرى، فمن يدّعي أنه يخشى على عمله أن يسرق أو ينسب للغير، اطمئن صديقي الكاتب فكل الأعمال سرقِت من بعضها البعض ولا فضل لمسروق على سارق فكلاهما في النار!

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on October 20, 2019 12:49

October 19, 2019

عزيزي القاريء اشتري المزور

عزيزي القاريء أقول لك كناشر ورقي وككاتب أيضاً، اشتري النسخ المزورة، طالما أنها أرخص من الكتب الأصلية.

عزيزي القاريء لا تلتفت إلى صيحات المنددين الذين يشجبون آناء الليل وأطراف النهار، فلا قيمة لتنديدهم ونحيبهم وعويلهم.

عزيزي القاريء اشتري النسخ المزورة وأنت مطمئن القلب، هاديء البال، ولا يشغل ضميرك أي شيء عن تلك المصطلحات الرنانة التي تصفك بالسارق والذي يقبل الحرام على نفسه، ابتسم وأنت تشتري النسخة المزورة، من حقك أن تقرأ ما يلائم حافظتك.

أنت لا تتقاضى الآلاف من الجنيهات حتى تشتري الكتب بأسعار مبالغ فيها، ولكن أقصى ما يمكن أن تنفقه في كتاب هو أربعون جنيهاً، فاشتري المزور أيها القاريء وأنت "مرتاح" الضمير.

عزيزي القاريء الكثير من الناشرين يلجأون إلى المطابع التي تطبع النسخ المزورة ويطبعون من خلالها على أنها نسخ أصلية ويبيعونها بتلك الأسعار المبالغ فيها، لذلك أيها القاريء فلتشتري المزور وأنت مطمئن البال.

عزيزي القاريء لا ذنب لك في أن المصمم والمدقق والمنسق ومنفذ برومو الفيديو يغالي في أسعاره، فهذا ليس شأنك ولا يجب أن يشغلك.

لا يجب أن يشغلك كم نزفنا من أجل الدفع لهذا وذاك لأنه في حقيقة الأمر ليس شأنك، أنت في دولة تعاني أزمة اقتصادية طاحنة ووريقاتك النقدية قليلة، تحاول أن تقتطع منها قوت يومك لتنفقها على كتاب فأنت عظيم يا عزيزي القاريء فاشتري المزور وأنت مطمئن البال "مرتاح" الضمير.

هؤلاء الكتّاب الكبار الذين يولولون ويندبون، ابصق عليهم واشتري النسخ المزورة فأسعار كتبهم مبالغ فيها إلى حد مرعب.

وإن كنت عزيزي القاريء من الميسورين فلا تتردد في شراء النسخ الأصلية ولا تلجأ للرخيص أما إن كنت المطحونين وهم الغالبية العظمى فاشتري النسخ المزورة وأنت مطمئن البال.

عزيزي القاريء الكتّاب الذين ينهالون عليك بمنشورات عن الحسبنة وعدم التسامح في شرائك للنسخ المزورة، أغلب كتّاب الفيس بوك بنسبة 99% هم كتّاب مغمورين، أفضل هؤلاء المغمورين لم يتجاوز الطبعة السادسة أو السابعة والتي تكون مئتي نسخة فقط!

ومن ثم يولول على النسخ المزورة والمضحك أن مطابع النسخ المزورة لا تطبع إلا الكتب المشهورة فقط التي أحدثت ضجة بين القراء وهو بإي حال من الأحوال ليس منهم!

هؤلاء كتّاب مغمورين تماماً، صدقني لا تعرف عنهم شيئاً وأنا واحداً من هؤلاء المغمورين، فمن السخافة أن أولول زوراً مثلهم وأنا أعلم علم اليقين أن مطابع التزوير لن تفكر يوماً في "ضرب" كتابي!

هؤلاء يركبون الموجة عزيزي القاريء ويحاولون أن يظهروا بمظهر المشهورين الذين يعانون من "ضرب" كتبهم لعل وعسى تقتنع بذلك وتشتري لهم يوماً ما!

أغلب دور النشر عزيزي القاريء تنشر لكتّاب غير معروفين فبالتالي لا يطالهم بأي حال من الأحوال ضرر "ضرب" إصداراتهم ولكنهم يولولون ويشجبون وينددون وكأن هذا يحدث وهو لا يحدث لأن كتبهم لم يسمع بها أحد وبالتالي هم بمنأى عن هذا الصراع الوهمي المفتعل ولكنها ملائمة جداً للدعاية لدار النشر بين القراء وأيضاً مهمة للتبرير أمام الكاتب لماذا فشلنا في بيع كتابك أو رد نقودك؟!

وحتى دور النشر الورقية الكبيرة لا يتم تزوير كل إصداراتها ولكن الرائج منها فقط!

الكاتب عزيزي القاريء يطلب مواصفات معينة لكتابه في الخامات لا يتنازل عنها وأنا على يقين أن 90% من الكتّاب لا يفقهون في جودة الكتاب أي حرف! ولكنهم يصرون فقط! ولا يعرفون عزيزي القاريء أنك لا تعبأ بخامة الكتاب إذا كان جيداً أو سيئاً وأن كل ما يعنيك هو أن يكون مقروءاً فقط!

غالبية الكتّاب المتواجدين على الفيس بوك ينشرون غثاء بمعنى كلمة غثاء ويطالبونك بوريقاتك المالية القليلة أن تشتري غثائهم!، كوميديا سوداء الحقيقة!

عزيزي القاريء إذا اعجبتك أي من إصدارات دار حروف منثورة ووجدت سعرها غير ملائم لك ووجدت بديلاً عنها سواء من خلال طبعة مزورة أو نسخة pdf متاحة لا تتردد وأفعل ذلك وأنا سأكون سعيداً بهذا.

عزيزي القاريء هم وضعوا معايير جنونية لسوق الكتاب ومن ثم يشتكون وأعني بذلك عدة أطراف: الناشر - الكاتب - المكتبات - المطابع والكوميدي أنهم يتألمون مما صنعت إيديهم!

عزيزي القاريء لا يشغل بالك أي من تلك الأسباب أو غيرها ففي النهاية أنت تقف في المحطة الأخيرة من العملية الإنتاجية، كل ما يعنيك في هذه العملية الإنتاجية، المنتج في صورته النهائية، أن يكون ملائماً لحافظة نقودك، يلبي الحد الأدنى من رغباتك أما كل غثاء السيل الذي يدور حول العملية الإنتاجية أنت لست معني به وليس ذنبك، فلا تشغل بالك وأقول لك عزيزي القاريء اشتري المزور فوضع سوق النشر جنوني ومفتعل إلى حد كبير ولا يجب أن تتحمل تبعات هذا الجنون المفتعل في أغلب حلقاته.

كلمة أخيرة: عزيزي القاريء اشتري المزور!

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on October 19, 2019 03:24

September 6, 2019

المجموعة القصصية: عن بعد

اهداني الكاتب والناشر الفاضل الأستاذ/ محمد الدواخلي مجموعة قصصية بعنوان عن بعد للدكتور أحمد فريد.تقع الجموعة القصصية في 140 صفحة وهي من إصدار دار فانتازيون، نحن أمام إحدى عشر قصة قصيرة وبعضها طويل وعدد من القصص في المجموعة لا علاقة لها بأدب الخيال العلمي ومنها على سبيل المثال قصة (السرطان وكل أصحابه) متصلة بتخصص الكاتب وهو الأورام.أولاً: على مستوى الشكل والإخراج:بداية أحب أن أوجه الشكر لدار النشر على التصميم الجيد وعلى التنسيق والإخراج الفني الداخلي الرائع، قلما تجد في دور نشر ورقية إعتناء كهذا بتنسيق العمل.ثانياً: على مستوى سلامة اللغة:وفق حصيلتي الشخصية من اللغة العربية لم اصطاد في العمل خطأ لغوي واحد وهذا يرجع لتمكن المؤلف اللغوي وأيضاً لاهتمام دار النشر بخلو العمل من الأخطاء الإملائية.ثالثاً: على مستوى الأسلوب الأدبي:نحن أمام كاتب متمكن من اللغة العربية بشكل مميز للغاية من وجهة نظري، ويرقى أسلوبه الأدبي إلى الجزل أو السامي وذلك الأسلوب الأدبي القوي يناسب الملاحم والمآسي وأعمال تراجيدية عملاقة، أسلوب قادر على تفجير طاقات تعبيرية رائعة تناسب سبر أغوار الشخصيات وفضح مكنونات مشاعرهم المستترة واستخدامها أيضاً في الأدب الفلسفي والأعمال الرومانسية.وعلى الرغم من أن هذه ميزة كبيرة تحسب للكاتب إلا أنها بالنسبة لي تحسب على الكاتب في هذه المجموعة القصصية، لأن أدب الخيال العلمي لا يحتاج إلى هكذا أسلوب أدبي فكان أعلى من مستوى الطرح ولا يناسبه ليس لأن أدب الخيال العلمي أقل مكانة حتى لا يسيء البعض فهمي ولكن كما يقول المثل لكل مقام مقال، الأسلوب الأدبي المستخدم لا يناسب كتابات الخيال العلمي، فهو يحتاج إلى الأسلوب الأدبي السهل أو البسيط، الأقل جنوحاً للصور والتشبيهات والصور والاستعارات والجمل المركبة والصياغات الأدبية المتنوعة للجملة فهو يجنح للمباشر والوضوح أكثر، قد يختلف معي البعض وهذا حقاً لهم، ولكني أرى هذا الأسلوب الأدبي لا يناسب هذا اللون الأدبي.لا تتخم ألوان روائية أو قصصية كأدب الخيال العلمي والرعب والإثارة الحركية والجرائم والبوليسية ...ألخ، بالصور والتشبيهات والتعبير عن فيض المشاعر بل تحتاج أكثر إلى الوضوح والسهولة في الهضم والاستيعاب والقصد المباشر لأن الموضوع المطروح يطغى على اللغة فتمثل اللغة ثقلاً على المطروح فوجب أن يتخفف فيها الكاتب لأن الموضوع أو المطروح أبدى وأولى وكما أسلفت هي تناسب ألوان روائية وقصصية أخرى ليس منها أدب الخيال العلمي.رابعاً: على مستوى الموضوع أو المطروح:لا أنكر أن الكاتب هنا حاول أن يبتعد عن أجواء الخيال العلمي التي على نحو شخصي ضقت بها ذرعاً، لم تعد بالنسبة لي مهضومة على الإطلاق وكنت أخشى أنني سأكون مضطراً لقراءة هذا النوع من أدب الخيال العلمي المتصل بحرب الكواكب والنجوم والمريخ والقمر والكائنات الفضائية الغازية وآلة الزمن والعوالم المتوازية، شبعت وأصابتني التخمة من هذه النوعية من الكتابات وحتى لا اهضمها من العالم الغربي فما بالك بالعالم العربي ستكون مأساة حقيقية!الكاتب في هذه المجموعة القصصية بذل قصارى جهده أن يبتعد عن هذا الجو المتختم بكتابات أجنبية وعربية غثة.فلنتناول بشكل مختصر كل قصة من قصص المجموعة:1- مضاربة: هي أفضل قصص المجموعة، فهي تناقش فكرة بيع الذاكرة عن طريق وحدات شرائية واستعارة الإنسان لحلم إنسان آخر أو على حسب ما فهمت أحلام مصنعة يمكن شرائها من سوق الذكريات، القصة على جودتها كان فيها إطالة ولكنها تبقى في المجمل من أفضل قصص المجموعة من حيث معالجة الفكرة وتصلح لأن تكون رواية رومانسية بوليسية مطعمة بأدب الخيال العلمي يكتنفها الغموض، ستكون رائعة لو عمل الكاتب على تطويرها وتحويلها إلى رواية، مساحة الفكرة تسمح بذلك.2-نجومك: لم أفهم هذه القصة على الإطلاق، هل هي تنتمي لأدب الخيال العلمي أم ماذا؟، هي معاناة أبوين مع طفلة تصارع المرض ثم ترحل عن عالمنا وما بين هذين النقطتين اللتين تمثلان بداية ونهاية القصة بعضاً من الهلاوس التي ينثرها الكاتب من خلال راوي القصة التي لم أفهمها، بدت لي قصة غامضة ومبهمة.3- باركود: هل هي قصيدة نثرية؟، أم هل يعتبرها الكاتب قصة قصيرة؟، أم هي قصيدة عامودية لأنه كتبها على هذا النحو، لم أفهمها، وحتى لم أفهم موضوعها.4- نيرو: قصة فلسفية تناقش بشكل عام فكرة التشكيك في الوجود وواقعيته من عدمه وقد طعمها الكاتب بأدب الخيال العلمي، قصة فلسفية ستدفعك حتماً للتساؤل مع الكاتب وأبطال القصة وتبني آراء الطرف الأول ثم تبني آراء الطرف الثاني ثم تنتهي وأنت لا تعرف أي الرأيين يمثل الحقيقة، نسبية الحقيقة والوجود بشكل عام، قصة جيدة.5- جيتو: قصة جيدة تحكي عن الأناركية، قد أكون مخطئاً في تصوري ولكني أراها في هذه الصورة الفوضى التي تقضي على النظام القائم للإنسانية لبناء نظام آخر، المفترض أن يكون أفضل ولكن يثبت الكاتب فشل وجهة النظر هذه وأن عواقبها ستكون أسوأ بكثير، لا عيب في إعادة استخدام نفس الفكرة ولكن المطلوب في هذا الأمر كله هو معالجة الفكرة بطريقة مغايرة عما أعتدنا مشاهدته وقراءته ومعالجة القاص لهذه الفكرة جاءت مختلفة نسبياً، يطرحها بالسبر في أغوار المشاعر الإنسانية أكثر من التركيز على تأثير تبعيات تغيير النظام الإنساني تكنولوجياً أو علمياً ولكن الكاتب خالف توقعاتنا وركز على تأثير هذا التغيير على المشاعر الإنسانية وكان تركيزه على الأعراض النفسية وليست البيولوجية لهذا التغيير وبالتالي هي قصة جيدة.6- منافيستو: حاول القاص تطعيمها ببعض التكنولوجيا التي تنتمي لأدب الخيال العلمي ولكن الحقيقة، أرى أنه لا علاقة لها بأدب الخيال العلمي، فهي قصة سياسية تتحدث عن الحاكم في شكله الذي نعرفه جميعاً، المستبد الظالم المنقلب على من قبله ويخشى من الإنقلاب عليه وبالتالي محاولات إصباغ طابع أدب الخيال العلمي عليها لم تفلح.7- عش: هذه قصة مونولج داخلي لبطل القصة بضمير الأنا، يناسبها مستوى الأسلوب الأدبي الجزل أو السامي، ولا علاقة بينها وبين أدب الخيال العلمي، يتبع الكاتب القصة بشرح مبسط لتجربة عن قطة ما حية أو ميتة، لا أعلم هل هي محاولة لربطها بالقصة أو كأنها تشرح القصة وهو الأمر الذي لم يعجبني على الإطلاق لأنه لم يصلني أياً من هذا، لأن القصة بالنسبة لي تسير في مسار مختلف عن تلك التجربة، هل يحاول الكاتب أن يخبرني أن القصة إنعكاس للتجربة فيمكن ضمها لأدب الخيال العلمي، لم أفهم صراحة.8- عن بعد: قصة رومانسية جميلة واستخدم فيها الكاتب شكل سردي مختلف يجمع بين فقرات نثرية شاعرية وبين شعر التفعيلة أو الشعر الحر وهو مزج جيد وراق لي كثيراً، راقت لي القصة كقصة لا علاقة لها بأدب الخيال العلمي وما أغضبني حقاً أنه أتبعها أيضاً بشرح لتجربة التأثير عن بعد وحاول أن يؤصل لها علمياً، فهذا أيضاً لم يصلني بتاتاً، أنا تعاملت معها كقصة إنسانية شاعرية رومانسية لا علاقة لها بأي تجارب أو إنعكاس لأي تجارب أو نظرية علمية، فالربط هنا بدا مفتعلاً تماما.ً9- ألف لام ميم: قصة فلسفية تتمحور حول الألم ومتى يكون الألم ألماً ومتى لا يكون ألماً وأن تعريفه وإحساس الأفراد به نسبي ويختلف من شخص إلى آخر، مناظرة فلسفية بين اثنين، جيدة ولا تنتمي لأدب الخيال العلمي.10- السرطان وكل أصحابه: العنوان كاشف للغاية لمحتوى القصة مما أفقدني الحماسة لقراءتها لأني خمنت تقريباً عما تدور وأنا لا أحبذ العناوين الكاشفة، أحب العناوين التي تلقى في نفس القاريء الفضول لأن يقرأ لا لأن أكشف للقاريء المحتوى فأفقده لذة الكشف، في هذه النوعية من القصص يتألق الكاتب في استخدامه للأسلوب الأدبي الجزل أو السامي ويناسب موضوع الحكي تماماً، ولكن وصلت إلي الفكرة كاملة منذ أول صفحتين والباقي كان استطراد في صيغ وقوالب وتراكيب مختلفة لنفس المضمون، لم تعطيني أبعاداً جديدة فهي محملة بنفس المضمون ونفس الطرح فالإطالة فيها لم تكن مجدية أو مفيدة للنص ولكني في منتصف هذه القصة التي تتكون من مجموعة قصص قصيرة كنت اقرأها بسرعة لأني فهمت الفكرة ووصلني المضمون منذ أول صفحتين.ملحوظات أخيرة:* الكاتب بأسلوبه الأدبي الراقي يصلح لأن يكتب ملحمة اجتماعية فلسفية درامية عظيمة ستكون خالية من المبالغة وسيشكل اللغة ويطوعها بين يديه ليمتعنا بتعبيرات رشيقة مبتكرة في كثير من الأحيان وقد تجلت في معظم قصصه إن لم تكن كلها.* هذه المجموعة القصصية لا تصنف ضمن أدب الخيال العلمي وربما أنا من فهمت عن طريق الخطأ أنها تنتمي لأدب الخيال العلمي ولكن أكثر من نصف القصص وفق رؤيتي الشخصية والتي يحق للكاتب أن يختلف فيها معي تنتمي لأدب القصة الاجتماعي والفلسفي والرومانسي والإنساني وأقل من نصف قصص هذه المجموعة يمكن تصنيفه على أنه ينتمي لأدب الخيال العلمي.* الكاتب قدم أشكالاً سردية متنوعة ويجب أن أحييه على أنه قرر أن يجرب ويخوض في أشكال وقوالب سردية مختلفة فقلما يفعل الكتّاب ذلك ويجنحون إلى السلم ولكنه كاتب مغامر وأن أفضت هذه المغامرة لعدم هضم بعض الأعمال ولكن يبقى أن يحسب له أنه قرر أن يجرب قوالب سردية مختلفة.* انتظر الكاتب في ملحمة اجتماعية فلسفية وأعتقد وقتها أنها ستكون تجربة مثمرة للغاية لأنها تناسب جمال أسلوبه الأدبي.

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on September 06, 2019 15:34

May 3, 2019

رواية هكذا يعبثون لأمينة زيدان

الكاتب مروان محمد عبده

دائماً ما تصيبني الكتابات النسائية بالإحباط، الغالبية العظمى منهن هكذا هو شعوري اتجاههن، صفات عامة يتفقن فيها، الإفراط والإسهاب في وصف المشاعر والتعبير عنها مراراً وتكراراً بصيغ مختلفة.عادة لا ينفكن عن تكرارها للأسف مما يدفع شديد الملل إلى نفس القاريء وإليَّ.العمل سخيف للغاية واكملت قراءته بصعوبة شديدة لأني لم أعتاد أن أبدأ في عمل ولا أُنهي قراءته.أولاً: على مستوى الصورة المجتمعية لشخوص العمل:الراوية صّدرت صورة مجتمعية مظلمة تتسم بالإنحلال الأخلاقي التام لمجتمع العمّال والمهنيين والفقراء، كل شخوص عالمها غرقى في الرزيلة من معاقرة الخمر وإدمان المخدرات وممارسة الزنا وفيما يخص الزنا ركبت عالم كامل من الأوغاد مدمني الجنس حيث المرأة المتزوجة وقد تكررت بالمناسبة في كل شخصيات العمل لا تنفك عن معاشرة العديد من الرجال، كلهن بلا استثناء وكل الرجال يعاشروا ما طاب ولذ لهم من النساء والفتيات أقمن جميعن علاقات جنسية قبل الزواج وبعد الزواج وأطفال زنا على طول خط الرواية وإشارة خفيفة لزنا المحارم!، وبصرف النظر عن البعد الأخلاقي فالرواية تعكس صورة مزيفة للمجتمع وبما أن العمل ينتمي للأدب الواقعي فهي حتى لم تعيد تمثيله بشكل يتماشي مع الواقع ولكن حرّفته تماماً واعطت صورة مزيفة بدون مبرر أدبي يُفهم من وراء ذلك سوى جرياً وراء الموضة البائدة والخاصة بكلما أكثرت من الجنس أصبحت كاتباً متنوراً متحرراً!، هي تحشو الجنس حشواً ولا تسأل عن أي وظيفة أدبية فالهدف واضح، هي تريد أن تقول أنها تكتب كتابة متحررة غير مقيدة أو متحفظة، ليس عندي مشكلة في ذلك ولكن أين الدواعي الأدبية لمثل هذا الحشو؟، الإجابة: صفر كبير!

بالنسبة لي تنتمي لأدب المراهقة الجنسية والتي يحقق فيها الكتّاب كل أحلامهم الشهوانية عن الجنس بدون داعي أو مبرر أدبي مفهوم!

ولا تستطيع أن تفهم من منطلق أنه أدب واقعي ما هي الدوافع أو المبررات المنطقية لسقوط كل شخوص العمل في ممارسة الرزيلة بكل أنواعها، فالتبرير الأدبي هنا غائب بالكلية!ثانياً: على المستوى الفني للرواية:عشرات من الجرائم الأدبية التي لا تغتفر وهي في إيجاز سريع:1- إقحام متكرر لصوت الكاتبة داخل العمل الأدبي ولم تكتفي بإقحام صوتها بشكل فاضح بين شخوص العمل ولكن تدخلت بصوتها نفسه داخل العمل عدة مرات، دلالة على كسل الكاتبة الواضح في دمج تصوراتها داخل سياق العمل نفسه وفضّلت أن تقوم بهذه المهمة بنفسها تفادياً لمشقة رسم كل هذا من خلال الأحداث والبناء الدرامي.2- مستوى الحوار بين الشخصيات على مسافة واحدة فلا فرق بين متعلم وجاهل ومثقف وأمي، كلهم يتحدثون بمستوى لغوي وثقافي وفكري وفلسفي واحد، حتى إن كل شخوص العمل فلاسفة متأملين، وهذا عيب خطير في الأدب الواقعي.3- ترنُح الكاتبة في قوام العمل بين الخواطر النثرية (وهو محشور بإفراط في العمل) وبين متتاليات قصصية مبتورة، وبين النص الروائي وبين صوتها الشخصي الضارب طول خط العمل ولم يكن الأمر مقصوداً بالمرة من الكاتبة أن تدمج بين ألوان أدبية مختلفة في قوام عمل واحد ولكنه دلالة على التخبط التام وعدم وعي حقيقي بفعل الكتابة.4- لا يمكن أن تستطيع باطمئنان الإشارة إلى أن هناك قوام للعمل من حيث البناء الروائي، حيث هناك تغيّيب كامل للأحداث وظهوره كفقعات هوائية على سطح العمل وسرعة ذوبانه وتبخره.5- الحوار بين الشخصيات عبارة عن شذرات وليس له وجود فعلي في العمل وأشبه بالحكم والأمثال والمقاطع الفلسفية.5- غياب الزمن وحضوره بدون أي حرفية من الكاتبة، لا تمسك بذمام عنصر الزمن، فتارة تغيبه بدون إرادة حقيقية منها وتارة أخرى تجعله حاضراً بدون قصد، يأتي مصادفة ويختفي مصادفة مما يدل بوضوح على إرتباك عنصر الزمن في العمل.5- المكان وهو العنصر الوحيد المحدد ويكاد لا يغادر بقعة واحدة يدور في فلكها كل العمل، مما يبعث على الملل الشديد وركود الأحداث وحرم العمل من تطوير الحدث.6- أخطاء مطبعية بالجملة، ليس خطأ الكاتبة ولكنها تفسد على القاريء رغبته في القراءة.7- الغلاف سيء جداً وسوء الغلاف من سوء محتوى العمل، الذي لا تخرج منه بفكرة تليق لأن تصلح غلاف للعمل.8- كثرة الشخصيات الثانوية اربكت العمل بشدة، وسيختلط الأمر على القاريء كثيراً من عدم تمكنه من ربط الشخصيات ببعضها البعض، لأن الكاتبة سقطت في فخ التداعي وأفلت منها زمام إبقاء القاريء معها على إطلاع ومتابعة، فسيتوه القاريء في بحر من الشخصيات غير الموظفة أدبياً ووجودها يحتاج لتبرير فني وهو ما يفتقر إليه العمل.9- ولأن نصف الشخصيات غير موظفة أدبياً وحذفهم لن يؤثر في مجرى العمل فهذا ضعف فني آخر يواجه العمل.10 - رواية سيئة بامتياز وتعكس صورة سلبية عن الكتابات النسائية.رحمك الله يا رضوى عاشور أثبتِ أنكِ لستِ كالنساء عندما يكتبن!بالنسبة للعنوان: أراه ملائماً تماماً لوصف شعوري حيال هذا العمل، أمثالها عندما يكتبن (هكذا يعبثون).

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on May 03, 2019 15:55

January 11, 2019

لماذا الكتابة تستغرق وقتاً طويلاً؟

الكاتب مروان محمد عبده

انتهيت من كتابة رواية التربة الحمراء في 30 ديسمبر 2017 وهذا بعد أن استغرقت عشر سنوات في كتابة هذا العمل وهذه المدة تخللها فترات انقطاع عن كتابة الرواية نظراً لظروف حياتية مختلفة من عمل وسفر وتجنيد وزواج ..ألخ.

بالإضافة إلى أني صرفت الكثير من الوقت في القراءة والبحث حول موضوع الرواية وأكثر ما عطلني عن كتابتها في زمن أقصر من عشر سنوات هو هوس المراجعة للعمل مئات المرات.

ومنذ يناير 2018 حتى آخر شهر أكتوبر 2018، تعاملت مع هذه الفترة على أنها أجازتي الصيفية، تخللها كتابات متقطعة لخواطر نثرية رومانسية فانتازية خفيفة لم تتجاوز العشرة آلاف كلمة، بعضها طويل والبعض الآخر قصير.

وبسبب مزاجية الكتابة وهوس المراجعة أيضاً استغرق مني هذا العمل الصغير عشرة أشهر حتى فرغت منه ونشرته في آخر أكتوبر 2018 إلكترونياً.

تقريباً هذا أول عمل اكتبه بهذه السرعة في مدة قصيرة كهذه، ولا أعتقد أنني سأكرر هذه التجربة مرة أخرى، أن اكتب عملاً في هذه المدة القصيرة حتى وإن كان قصيراً.

وإذ يفاجئني بعضٍ ممن يدّعون الكتابة أنهم انتهوا من كتابة 3 روايات في سنة واحدة، كل رواية منهم لا تقل عن 20 ألف كلمة وربما أكثر!

والله شعور عارم بالدهشة والذهول يضرب رأسي ولا أصدق ما أقرأه.

هل فِعل الكتابة بهذه السهولة؟، هل هي خالية من التعب الذهني والإرهاق البدني؟، ألا تعاندك الكتابة أحياناً وتأبى أن تطاوع يدك وإن اُتخِمَ عقلك بمئات الجمل التي تريد إفراغها ولكن تأبى الكلمات أن تتدافع بسهولة ويسر ويتحول الأمر إلى مخاض عسير.

هل تشعر بالرضى عن كل ما تكتبه؟، وأن تقوم بحذفه وإعادة كتابته مرة أخرى ثم حذفه ثم إعادة كتابته، هكذا حتى تسب وتلعن عقلك الذي لا يمل من الحذف وإعادة الكتابة حتى يصيبك أنت الفتور والملل وتنصرف عن الكتابة لبعض الوقت.

ثم تكتب نصاً طويلاً وتحسب نفسك راضياً عنه فتتركه لبعض الوقت ثم تعود إليه فتقرأه وتشعر بالضيق وعدم الإطمئنان لما هو مكتوب فتحذفه بالكامل ويصيبك الإحباط والغم.

حتى ينعم عليك عقلك الشقي بالرضى ويتركك تكتب ما تظنه يستحق ويطمئن إليه قلبك.

ولربما يأتي نعيم عقلك متأخراً أسبوعاً أو شهراً أو سنة أو عدة سنوات، وهذا يحدث ولاشك لكثير ممن يدركون حقيقة الكتابة وأنها ليست بالفعل السهل اليسير.

وعندما تمخر عبر هذه البحار من الغم والصراع والإرهاق والتعب والإحباط والإكتئاب وتصل إلى شاطيء العمل فيسعد قلبك به أخيراً وترنو إليه فترسم شفتيك ابتسامة مرهقة أنك أخيراً فعلتها ووصلت إلى البر الآخر بعد رحلة مفزعة، تتساءل بعدها كيف استطعت الإبحار لهذه الفترة الطويلة واجتزت هذه الرحلة بنجاح في نهاية الأمر، وتعجب لهذا ثم تجلس على شاطيء عملك مسترخياً تكافيء نفسك على هذا العمل الجيد الذي قمت به وقد تطول استراحتك هذه حتى تستعيد روحك مرة أخرى لتباشر بكتابة عمل آخر.

أيضاً من مخاص الكتابة أن تتوقف كل عشر صفحات أو عشرين صفحة تراجع ما كتبته عشرات المرات وتعاودك الآلام مرة أخرى وتحيا من جديد في هذا العذاب الذي حتماً تحبه لأنك لا تستهين بالكتابة، لا تراها أبداً ذلك الفعل السهل، أنك لا ترص بضعة كلمات الواحدة تلو الأخرى ولكنك تشقى حتى تضع الكلمة بجوار الأخرى وتعيد ضبطها من كل الزاويا.

من يقّدر الكتابة ويعطيها حقها يدرك أن الأمر ليس بالهين ولا بالسهل أبداً حتى يخرج علينا أحدهم بثلاثة وخمس روايات في العام الواحد، هذا خبل وسأظل أقول عليه العام بعد العام أنه خبل.

أن تصل إلى حد معين يعتري فيه قلبك الكثير من القلق والريبة فتعرض ما كتبته على من تثق في ذائقتهم الأدبية ليبدوا آرائهم حوله ثم تستقي من آرائهم ما يتفق ورؤاك ثم تشرع في تعديل ما كتبت أو الإبقاء عليه والمضي قدماً وويلك لو شرعت في تعديل ما كتبت بناء على ما سمعت من آرائهم سيكون أمامك أسابيع طويلة للتعديل وبالتالي فإن هذا الأمر على ما فيه من مراحل كثيرة واضطرابات كبيرة بحق وليست بالهينة فكيف اقتنع بمن يخبرني أنه كتب هذه الرواية في سنة واحدة أو أقل أو كتب ثلاثة أو أربعة في عامٍ واحد، هذا جنون.

ليس الأمر على حقيقته بهذه السهولة واليسر، أنها معاناة كاملة، ليس بالمعنى الفانتازي لمعاناة الكاتب أنه تنتابه القشعريرة عندما يحل عليه الوحي ويبقى قابعاً في كهفه حتى ينتهي مما يكتب، ولكني أقصد معاناة حقيقية لمن يولي عمله عناية حقيقية واهتمام بالغ، فيعيد قراءة ما كتبه عشرات المرات وتعديله عشرات المرات حتى يمل مما يصنع ويمل منه القلم!

لا يبارح هذه النقطة حتى يقتله هوس المراجعة، كأنك تقوم بعمل مكتبي شاق وعسير، هو الأمر كذلك بعيداً عن أي أجواء فانتازية أو ارتعاشات ولكن معاناة حقيقية كمعاناة عمل مكتبي شاق تقوم به.

كأنك مهندس تسهر الليالي تنجز مشروع معماري ضخم ومن ثم تعرضه على الروؤساء فيبدون آرائهم وتعديلاتهم فتعود مرة أخرى لإضافة هذه التعديلات وحذف تفاصيل أخرى تبين أنها غير مجدية.

الأمر كما أسلفت بعيداً عن الأجواء الفانتازية هو مرهق بحق وقد لا يكون مسلياً على الإطلاق، تفعله مرغماً ولكنك دأبت على فعله بهذا الشكل لأنك تريد أن تحسن صنعك وأن تقدمه في أبهى حلة ممكنة.

فمن يتفاخر بأنه كتب ثلاثة أعمال في سنة واحدة، يكون لدي انطباع واحد فقط، أنه مدّعي أدب ولا ينتمي إلى هذا العالم من قريب أو بعيد، لأنه لو كان يقّدر الكتابة حق قدرها ما تفوه بهذه الكلمة إطلاقاً، وإن ضربت لي الأمثلة على أن هناك من الكتّاب العالميين من فعلها، فهم في نظري مخبولين لا يولون الكتابة العناية الكافية ولم يحترموها يومياً ولا ترهبني عالميتهم.

هذا ليس بالأدب ولا الفن ولا الإبداع ولك الحق عزيزي القاريء أن ترى في كلامي تطرفاً وأنا الذي أدعو لتجنب المتطرفين في عالم الأدب وتجنب آرائهم ولكني أعترف بأني في هذا الأمر تحديداً متطرفاً أشد التطرف ومن فعلها وأبدع فهؤلاء هم الاستثناء الذين لا يقاس عليهم ولا يستنبط منهم أحكام أو يتم إتخاذهم كحجة على إمكانية حدوث ذلك لأن الإستثناء يمثل شذوذ عن القاعدة العامة.

وعندما أذكر أن العمل الذي تبنيه يجب أن يدمرك نفسياً وعصبياً وذهنياً، أقولها مرة أخرى ليس بالمعنى الفانتازي السخيف ولكني أقصده على وجهه الواقعي، أصابك بما أصابك نتيجة لما أصرفته من وقت في هوس المراجعة وضبط النص وتهذيبه حتى ترقى روحك إلى حلقك وأنت تغرغر!

الأمر تماماً كمديرك الملعون في العمل الذي يطالبك بتعديل العمل مرة تلو الأخرى حتى تكاد تجن من كثرة التعديلات وتصرخ بأعلى صوتك: هل سأظل أعدل فيه إلى الأبد؟ وعندما يرضى مديرك الملعون عن العمل أخيراً لا تتنفس الصعداء ولكن ترد إليك روحك التي غابت عنك وتظن أن حيزت لك الدنيا وما فيها، كذلك هي الكتابة.

يجب أن تصل في فعل الكتابة لنفس هذا الشعور وأنك على وشك أن تفقد أعصابك من كثرة ما راجعت العمل وحفظت كل صفحة في عملك هذا وكل سطر فيه.

أن تشعر بملل ثقيل يحتل كيانك كله ولا تستطيع أن تدفعه بعيداً عنك بل تستلم له راضياً على الرغم من سخطك عنه، نعم هو الأمر كذلك، يحمل في طياته هذا التناقض الجميل.

وأيضاً يجب أن تشعر بأن هذا العمل قام باستنزافك ثقافياً، وأقصد هنا المعنى الحرفي للكلمة وليس معناه المجازي، كأن ثقافتك هذه وحصيلتك المعرفية عبارة عن نقود أودعتها بحسابك البنكي وقد استهلكته خلال شهور بطالتك/كتابتك وبالتالي تحتاج لأنك تقرأ كثيراً حتى تعوض المفقود من حسابك النبكي المعرفي، ولا أرى تعبيراً أدق من هذا لوصف هذا الأمر.

أما أن تكتب ثلاث روايات في عامٍ واحد، هذا لا يعني إلا أمراً واحداً فقط، وهو أن رصيدك الثقافي والمعرفي أساساً يكاد يقارب الصفر أو هو في منطقة الصفر فعلياً، لأن ما كتبته سطحياً بالدرجة التي لا يحتاج معاها لأي مخزون ثقافي أو معرفي.

أقول لهؤلاء بكل صراحة وبدون مواربة أنتم لستم بكتّاب بل أنتم عالة على الأدب والثقافة، أنتم أساءتم للكتابة والأدب وجعلتوه أمام القاريء من السطحي والسذاجة بمكان أن القاريء أصبح ينفر من كتابات اليوم، فكل عمل نكتبه هو مشروع العمر ويجب أن نتعامل معه على أننا لن نكتب مثله أبداً حتى نفرغ منه بعد عناء وجهاد فنقول فلأنتظر مشروع العمر القادم الذي لن اكتب مثله أبداً.

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on January 11, 2019 04:37

جودة العمل الأدبي

الكاتب مروان محمد عبده

العمل الأدبي الجيد لا يستمد جودته من الفكرة المطروحة، ولو كانت الفكرة هي معيار الحكم على جودة العمل من عدمه فأن فيلم "كركر" لمحمد سعد يحمل قيمة فكرية حرياً بنا أن نحتفي بها ونثني على صنيع منتج الفيلم وبطله لأنه قدم فكرة ممتازة عن خيانة الأقارب للمستضعفين منهم واستغلالهم بطريقة سيئة للغاية!

ليس هكذا تقيم الأعمال الفنية، فليتمحور عملك الفني حول أي فكرة، ليست هي الأساس الذي يدور في فلكه العمل الفني ولكن مقومات العمل الفني هو الثابت والآخر يدور حوله.

من يقيس جودة العمل من عدمه بناء على فكرة العمل فقد أخطأت التقييم الفني وضع ألف خط تحت "التقييم الفني للعمل".

إذا انصرف أحد من الناس لتقييم روايتي "التربة الحمراء" على سبيل المثال بناء على فكرتها فأنا لم أأتي بجديد!

هذه حقيقة، كم من كتّاب قد يكونوا بالآلاف تناولوا نفس الفكرة: جرائم قتل - شرطة تحقق - ألغاز - مشتبه بهم- قاتل مسلسل.

ليست القيمة يا أخواني الكتّاب في الفكرة، جميع الأفكار في العالم كله طرحت من قبل وتم تداولها آلاف المرات سواء شعراً أو نثراً.

ولكن فتش في أوراق الكاتب عن كيفية تناوله للفكرة: من أي زاوية عرض لنا الفكرة؟، هل هي زاوية جديدة؟، هل كان طرحه مغايراً عمن سبقه في تناول هذه الفكرة؟

كيف رسم الشخصيات؟، وهل كانت ردود أفعالهم مناسبة للأحداث؟، هل فيها مراهقة طفولية...متزنة ... موضوعية؟

كيف أثّرَ حضور أو غياب عنصري الزمان والمكان في العمل؟، هل العمل يحتاج إلى هذين العنصرين من الأساس؟، وإن لم يحتاج العمل لهذين العنصرين فهل لازال ناجحاً؟

هل كانت هناك حبكة وعقدة؟، غاب عن العمل عنصري الحبكة والعقدة؟، هل أثّرَ ذلك في العمل؟، العمل لا يقوم على عنصري الحبكة والعقدة ورغماً عن ذلك بدا ناجحاً جداً.

وغيرها الكثير من المقومات الفنية التي يقوم عليها العمل، أنا لا أتكلم في باب من سيتناولون العمل بالنقد الأدبي فقط ولكن في باب من سيمارسون الكتابة أيضاً.

هجومي منذ يومين تقريباً على الكتابة النسوية التي تتناول قضايا ظلم المرأة في مجتمعاتنا العربية، هل بسبب أنها تتناول هذا الموضوع؟، هل لأني لا أرى في هذا الموضوع وجاهة أو منطق؟، ليس هذا محور النقاش أو النظر حتى، على الرغم من أنه أصبح موضوع مستهلك جداً وكتبت فيه آلاف الأعمال المستنسخة من بعضها البعض وكل نسخة رديئة عما سبقتها.

ولماذا كل النسخ رديئة؟، ألم تقل منذ لحظات، لا تهم الفكرة وإن كتب فيها آلاف الكتّاب، إجابتي: هي نسخ رديئة لأنها أولت الفكرة العناية الكاملة وأهملت كل الجوانب الفنية التي ستقوم عليها الفكرة، معظم النساء اللواتي انبرين للكتابة في هذا الباب دخلت محمّلة بهم هذه الفكرة وحدها دون الاعتبار لما سواها فخرجت كتاباتهم طفولية ونسخ رديئة من بعضهن البعض.

وأصبح من تكتب في هذا الموضوع كأنها تعطى شهادة رسمية بأنها تنتمي إلى الكتابة النسوية ولا يمكن أن تمر من هذا الباب إلا بالخوض في هذه القضية حتى تعطى تلك الشهادة الرسمية والحقيقة أن مصطلح "كتابة نسوية"، أحد أسخف المصطلحات التي قرأت عنها في عالم الأدب، ولعمري لم أهضم هذا التصنيف وأراه تصنيفاً لا يتعلق بالأدب ولكنه من باب مجاملة المرأة، ومجاملة في غير موضعها.

الأدب أدب، لا فيه نسوية ولا رجولية ولا أدب مسيحي ولا أدب إسلامي ....ولا أدب عبدة البقر!

هذا تخريف، الأدب هو أدب فقط ولا شيء آخر، أن تكتب أدباً فلا أرى أفضل من تعريفها بجملة: أنك تكتب أدباً!

عندما اقرأ عملاً لا أقول: ها فلنرى الكتابة النسوية، أنا اقرأ الكتاب وفقط بصرف النظر عن جنس كاتب العمل، بصرف النظر عمن هو في الأساس!

أنا أنبش عن معطيات أخرى تماماً مثل: كيف برع في الوصف والتخيل؟

كيف جعلني أغرق بكياني كله في عمله حتى أصابني الغم حينما انتهيت من عمله؟

كيف جعلني أحد شخصيات العمل متفاعلاً مع الباقية، أعيش بينهم، أتخيل نفسي أحدهم.

هذا ما أبحث عنه ولا أبحث عن جنسه أو لونه أو دينه أو سيرته الذاتية.

وأشعر بغرابة شديدة ممن يطلبون السيرة الذاتية لمؤلف عمل ما ولا أحجر عليهم ولكني استغرب طلبهم هذا، ما شأني بسيرته الذاتية، هب أنه عربيد سكير زنديق، مال العمل وماله.

أنا اقرأ عمله منفصلاً عنه، هناك من يوجد رابط واهي بين من يكتب وبين حياته الشخصية، فليكن، أفعل ذلك ولكن يبدو لي رابطاً واهياً.

أنا لا أحب عبد الرحمن الأبنودي على المستوى الشخصي ولكني أحب شعره.

أنا لا أحب زيدان على المستوى الشخصي ولكني أحب بعض أعماله وهكذا.

التداعيات في هذا المنشور دفعتني للخوض في عدة موضوعات، يفتح لكل موضوعٍ منها منشور مستقل ولكنها تداعيات الكتابة فأعذروني.

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on January 11, 2019 03:06

December 13, 2018

الأسلوب الأدبي متغير

الكاتب مروان محمد عبده

فسر البعض تغير أسلوبي الأدبي بين عمل وآخر على أنه إرتقاء في الأسلوب الأدبي وتطور وهذا ليس صحيحاً.أتخذ من نفسي كمدخل لما أنا مقبل على طرحه في هذا المقال، قد يختلف أسلوب الكاتب الأدبي بين السهل أو البسيط - الوسيط أو المعتدل - الجزل أو السامي، ولكل أسلوب أدبي خصائصه التي تعينه للون أدبي معين.فالأسلوب الأدبي الوسيط أو المعتدل: يصلح لكتابة اللون الأدبي الخاص بالإثارة الحركية والرعب والخيال العلمي والبوليسية والغموض، هذا اللون الأدبي يحتاج إلى أسلوب أدبي سهل وبسيط حتى لا يصبح الأسلوب الأدبي معوق لمضمون العمل أو يطغى على مضمون العمل فيضيع ملامحه، فالقاريء في هذه الألوان الروائية يريد الأسلوب الأدبي سهل الكلمات، هناك وضوح في المعنى، بمعنى أن الكلمة لا تحتمل معنيين، والوصف واضح ومباشر لأنه مرتبط باللون الأدبي.الأعمال الاجتماعية عامة وليس كلها تحتاج إلى الأسلوب الأدبي الوسيط أو المعتدل وهو مزج بين الأسلوب السهل البسيط والأسلوب الأدبي الجزل، يقف في منطقة وسطى بينهما.بعض الأعمال الأدبية كالفلسفية أو الرومانسية أو التي تندرج تحت نوع الملاحم والترايجيديا، تحتاج حتماً إلى الأسلوب الأدبي الجزل أو السامي واستخدام أي أسلوب أدبي آخر معها سيكون غير موفقاً على الإطلاق، لأن الأسلوب الأدبي الجزل أو السامي كممثل للغة هو شريك أصلي في العمل المكتوب، يصنف كأحد أبطال العمل وليس وسيلة لنقل المضمون بسلامة فقط.فقد تكون بعض التعبيرات تحتمل أكثر من تأويل ويناسبها ذلك وتحتمل التشبيهات والمجاز والصور والاستعارات والألوان البيانية المختلفة التي تخدم مضمون العمل وتجسد ما خلف الصورة الكائنة، تبرز الأبعاد الأخرى المستترة وراء الصورة مثل المشاعر الإنسانية على سبيل المثال لا الحصر، تحتاج إلى أسلوب أدبي مشبع بالصور والتشبيهات والمحسنات البديعية التي تعين الكاتب على أن يعيد تجسيد الصورة وليس فقط تجسيدها ولكن استكشاف ما وراء الصورة وهي أبعاد أخرى قد لا يراها الرجل العادي أو المشاهد العادي فتفتح له آفاق جديدة تحيط بالصورة لم يكن يراها، تحتمل أن تحمل الحقيقة الواحدة أكثر من معنى وأكثر من تأويل كما أسلفت.فبالتالي فأنا أعمالي تتغير فيها الأساليب الأدبية تبعاً للون الأدبي الذي اكتب فيه، فمثلاً رواية التربة الحمراء لأنها بوليسية يمتزج فيها التاريخ والعقائد فكان من الواجب علي كما أرى أن استخدم فيها الأسلوب الأدبي السهل أو البسيط، لا أريد أن أشغل القاريء بتأويل النص بأكثر من التركيز في مضمون النص ويجب أن تكون عباراتي والكلمات ذات معاني لا تحمل أوجه حتى يستقيم أمامه المضمون ولا يقع فريسة الإرتباك في القصدية لأن وضوح القصدية مرتبط بمتن العمل.أما مثلاً في كتاب إني آنست جناني فكان من الواجب علي كما أرى أن استخدم الأسلوب الأدبي الجزل أو السامي لأن موضوع العمل: اللغة فيه بكل مقوماتها شريك أساسي في العمل، إن تعاملت مع اللغة كأنها إناء سليم فقط يحمل الفكرة لتشوهت الفكرة لأن نصف الفكرة هنا هي اللغة!الأعمال الرومانسية عامة تميل إلى استخدام الأسلوب الجزل أو السامي لأنها مشبعة بالكثير من الصور والتشبيهات والألوان البيانية المختلفة خاصة وأنها تخوض منطقة المشاعر الإنسانية وتقلبها بين السعادة والحزن والفرح والإكتئاب والإحباط والتفاؤل ...ألخ.كل هذه المشاعر تحتاج إلي أسلوب أدبي جزل أو سامي حتى توفى حقها في التعبير، فنصف المضمون هنا يرتكز على المشاعر الإنسانية فهي تحتاج إلى لغة مفعمة بالصور والتعبيرات والتشبيهات حتى يتم توقيعها في نفس وقلب القاريء كما ينبغي لها أن تكون.

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on December 13, 2018 12:55

فخ الروايات البوليسية

الكاتب مروان محمد عبده

إذا كنت ككاتب ستتجه نحو إدراج اللون البوليسي في أي عمل روائي لك، هل من الضروري أن تلعب على عنصر "البحث عن القاتل الحقيقي".قد يكون عامل تمارسه كلعبة أدبية داخل عملك الروائي ولكن لا يجب أن يكون العنصر الأهم أو الأوحد، لا تعتمد عليه في صناعة عملك الأدبي، لأن هذا العنصر منفرداً كفيل بأن يحطم عملك الأدبي على صخرته فور أن ينتهي منه الكاتب، يجب أن تسانده وتعضده عوامل وعناصر أدبية أخرى داخل العمل تنهض به وتجعل القاريء يعود لقراءة هذا العمل المرة تلو الأخرى.وإن لم تهتم بعنصر "البحث عن القاتل الحقيقي" في العمل الروائي إن كان بوليسياً أو يحمل ملمحاً بوليسياً، هل يضر هذا فنياً بالعمل؟، لا يضر بالعمل وكما قلت، يجب أن لا يكون شغلك الشاغل أو أن تراهن عليه منفرداً.أن تكشف أوراقك كاملة أمام القاريء وأن لا تجعله يخمن الفاعل الحقيقي وراء الجرائم، لن يضر بعملك، لن يفقد القاريء حماسته لإكمال العمل، لأن لو هذا العنصر هو جل ما تراهن عليه، تأكد أنه فور أن ينهي القاريء عملك لن يعود إليه مرة أخرى ولن يعلق بذاكرته أكثر من دقيقيتين بعد قراءته!لأن هذا النوع من الكتابة، يعتبر من نوع الكتابات المحترقة، والتي تحترق فور أن ينتهي منها القاريء، لن يصاحبه الشغف السابق وهو يقرأ العمل لأن الرواية كلها تتمحور حول من هو القاتل؟!كما أسلفت يجب أن يعضد هذا العنصر عناصر أخرى يمكن أن تكتب لهذا العمل الاستمرارية لفترة أطول وأن يعود القاريء لقراءة العمل لأنه لم يعد مهموماً بمن هو القاتل بقدر انشغاله بالعناصر الأخرى المتضمنة في العمل.إذن لن يضر كشف أوراقك كاملة أمام القاريء ولا تجعل شغلك الشاغل أن يفشل القاريء في التخمين ثم تفاجئه أنت بمن هو القاتل، فلينصب تركيزك على إدارة الحكي نفسه، وبناء الحكي نفسه ورسم الشخصيات والبيئة التي تزرع فيها حكايتك، كيف هي وكيف يجب أن تكون وكيف يستطيع أن يهضمها القاريء وتمتصها عروقه وتسلل إلى خلايا مخه فترقد هناك.أن يستمتع بجماليات السرد لديك ولغة الحكي، كيف قمت بتلوينها بألوان لم تمر من أمام عيني القاريء من قبل، كيف استطعت في لحظات كثيرة سبر أغوار الشخصيات واستنطاق العقل اللاواعي داخل كل شخصية، أن ترسم انفعالات الشخصيات بدقة ليغرق معك القاريء كلية في العمل.في روايتي التربة الحمراء لم يكن شغلي الشاغل أبداً أن أحجب عن القاريء هوية القاتل أو أن يجد صعوبة في التعرف عليه، فأنا أكشفه للقاريء كلية ولا أبالي أن أجعل هذه لعبة أراهن عليها وأن نجح القاريء في تخمين شخصيات أخرى تقف وراء القاتل وتحركه أو تدفعه إلى ما يقوم به من جرائم مسلسلة فلن أشعر بالاستياء أو الإحباط أن القاريء نجح في تخمين من يقفون وراء القاتل.ولكن جعلت شغلي الشاغل هو عنصر الحكي نفسه والوصف، ورسم الشخصيات ودمج الحقيقي بالمتخيل، بأن أدفع القاريء مرات عديدة لأن يقرا هذه الرواية، لربما أكون نجحت في ذلك أو لا، فالحكم وقتها للقاريء في هذا الأمر ليس لي أن أبت بشأنه بالإيجاب أو السلب.إذن طالما قررت أن تخوض غمار اللون البوليسي في عملك الروائي أو جعلته أحد عناصر العمل، لا تجعل لعبة "من القاتل" هي شغلك الشاغل لأنك تنجرف بسرعة كبيرة من أعلى المنحدر إلى أسفله باتجاه الروايات المحترقة التي ينتهي تأثيرها فور إعلان المفاجأة.أنت يا سيدي على هذا النحو كتبت رواية ميتة، حكمت عليها بالموت في آخر صفحة، لا تفعل ذلك وتدفن عملك على هذا النحو.تلك الحيل الأدبية في اللون البوليسي، هي من باب الأعمال الأدبية التي تندرج تحت عنوان روايات التسلية، التي يزول سحرها وتأثيرها فور الإنتهاء منها.لربما يحب بعض القراء هذه اللعبة ولكنها لعبة تعطب فور الإنتهاء من قراءتها لا يكتب لها الاستمرار أو البقاء فحاول أن تجعل أعمالك الأدبية عامة لديها القابلية للاستمرار، لا تحرمها من الحياة لأمدٍ طويل.

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on December 13, 2018 12:48

مروان محمد's Blog

مروان محمد
مروان محمد isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow مروان محمد's blog with rss.