فجوة للامتلاء
Art : Unknown.
جالساً مع نفسه، كان يُعدّد حيواته المتناثرة في الداخل. كان يرى نفسه الثلاثيني مطأطأ الرأس لمديرٍ قذر يلتهم الوقت بالطعام ويلقي بالأوامر في وجهه. أوجعته نفسه حينها، لم يدر لِم أحس بالذل في هذه اللحظة، بالترهل والانزواء. صغُرت نفسه، صغرت إلى أن عاد طفلاً يجري على الطين ويتمسح بأسوار المنازل كهِر ضائع. كان يرى نفسه مُشعاً وغبياً في نفس الوقت. غبياً أو ساذجاً لا فرق، المهم أنه ضحك باقتضاب خجلاً من حياته الطفلة هذه. خجِل حدّ الكهولة، حدّ الثقل. أحس بنفسه يكبر أعواماً متتابعة، ببطءٍ يتهدّل على ظهره. رأى نفسه عجوزاً وحيداً يجلس عند النافذة الرمادية بانتظار الموت. أعوامه طويلة مديدة، كما لو كان بعمر الأرض. بعمر الجواميس والفيلة وغابات السافانا، بعمر الحيتان والمحار والطحالب والبحار، بعمر السحالي والديدان وأحافير الأزمنة القديمة. لا يدري كيف رأى نفسه أحفورة بكتيريا تافهة! التصقت طفيليته سهواً بجدار صخرةٍ عتيقة ونامت لسنين. ما الذي كان يفكر فيه عندما قرر أن يبدأ المرحلة/اللعنة الأولى من العيش هذا؟ أحس بسوائل معدته تتخبط في جوفه فعاد. لا يدري حتى الآن أي حياة هي الحقيقية. متأكد هو بأن كآبته المتفشيّة هذه بسبب المراهق داخله، والذي كان يصرخ في الوسادة ليلاً. “المراهق” الذي لم يزل يصرخ. “المراهق” الذي كان يقطع أوردة يده بالشفرات.

