آرمجدون

المكان ممتلئ بالضجيج عن آخره. أجلسُ على مائدة طعامٍ أتبادل بعض المُجاملات الاجتماعية الرخيصة بينما لا يملأ أُذني سوى صوت عقارب الساعة، تتحرك وكأنها مثبتة في أذني. هذا المهرج أمامي يتحدث بإخلاص شديدٍ لمن هم حوله. ينفجرون ضاحكين، حسناً، رُبما قال شيئا مضحكا. اجامله بابتسامة باهتة وكأنني ادري حقاً ماقال.
أُحلق بين خمسة عشر فكرة على الاقل في بُعدين زمنين مختلفين، وعلى مسافةٍ واحدة من نفسي. عقلي يكاد ينفجر في رأسي بينما تتشرب ملامح وجهي هيئة المطمئن، ولا سبيل للخلاص. أرشف رشفتين على مهلٍ من هذا المشروب الغامض بينما أحصي الفراغات التي لم يملئها أحدٌ داخلي بعد. أتبادل بعض النظرات مع الغرباء ونجري حواراً لغته الصمت وأدواته الخيال ثم أتذكر كيف علمني أبي ألّا أطيل النظر في أعين العابرين.
اليوم قد مرّ ثلاثمائة وستة وسبعون يوماً منذ ميتتي الأولى، أو مولدي الأخير. مازلت أرقبكِ خلف نوافذ الغُربة الباردة، وشوارعها المتماثلة، وأنت تضعين كفيكِ بين يدي رجلٍ لا يرى منك سوى مايرى رجلٌ من امرأته. يعجزُ عن استعياب كلكِ وإدراك كينونتك، لا يرى من شمسك الملتهبة سوى نجمٍ صغيرٍ يدورُ حوله، رغم أنه هو الذي يدورُ منساقاً في فلكك، وأنت لا تدورين إلا حول ذاتك، ولكنه يستطيع أن يضمك في المساء ليصير مرفأً آمناً كنت تتوقين إليه. أنت معجزةٌ حقيقيةٌ، وأنا مآساةٌ مركبة.
على الطاولة، أستوي على كرسي خشبيٍ أنيق، بينما تعتكفُ روحي في معتزلها السرمدي، فقط تعطيني ماتيّسر منها كي أمارس وجودي البلاستيكي وحضوري الضعيف. هذا الأحمق لا ينفك عن الحديث الى شبحي بينما أحرك رأسي كما يحرك الأزواج رؤوسهم لزوجاتهم وكأنهم يهتمون حقاً. ثم يسألني اخرٌ بشغف عن تعريفي للسعادة؟
أطيلُ السكوت، عجزاً وادراكاً وقهراً ثم أنطق بحكمة العارفين : معرفش.

Published on May 22, 2013 14:17
No comments have been added yet.