اللقاء الأول/ حين يدق ناقوس الكتابة.. فلا مفر

تعرفت على راى برادبرى في لقاءات عديدة جمعتنا بين صفحات كتابه "الزن في فن الكتابة"، عرفنى منذ أن وقعت عينى على سطوره الأولى، لاجئة يحملها قارب خشبى متهالك إلى المجهول في ليالى لا شمس لها، فأخبرنى بأن الهرب من الصوت المدوى في عالمى عبث بلا فائدة، فليس هناك نهاية للرغبة المتراقصة أمامك والكل نياماً، تخايلك حتى تعزف لها من كلماتك، تكتب عن ذاتك، وتصف نداهة خواطرك، فحينئذاً لا مفر من قلم وورقة، و رفقة الكلمات التي لن تغادرك.
ما الذى تعلمنا إياه الكتابة؟
"تذكرنا بأننا أحياء، وأن الحياة هدية وامتياز، وليست حقاً. يجب علينا أن نستحق الحياة، بمجرد أن نحصل عليها".
فسألته: وإن كنت امتنعت عنها؟.
فأجاب راى ساخراً:"عدم الكتابة، بالنسبة لكثيرين منا يعنى الموت".
فرنت كلماته تشعرنى بذنب وعار، كأننى خنت، والموت مصيرى.
ثم استطرد:"تذكر عازف البيانو الذى قال إنه إذا لم يتدرب يوماً، فسيعرف هو ذلك. وإذا لم يتدرب ليومين، سيعرف النقاد ذلك، وبعد ثلاثة أيام، سيعرف الجمهور ذلك. الأمر نفسه ينطبق على الكتابة. ولا يعنى هذا أن أسلوبك سوف يتبدد خلال أيام، ولكن ما سيحدث هو أن العالم سيصطادك، ويحاول أن يصيبك بالمرض. إذا لم تكتب كل يوم، ستتكدس فيك السموم وتبدأ بالموت، أو التصرف بالجنون، أو كلاهما. يجب أن تبقى ثملاً بالكتابة حتى لا يدمرك الواقع".
وحقيقة ما قال، فإن لم أكتب يسرى الوهن في روحى، وأبدأ الهذيان، وإن كتبت أشترى نفسى من ظلمة حالكة، تخيف أشجع الأبطال، فيا من تقرأنى استكشف ذاتك بالكتابة، وتزود لمغامرتك.
واستودعك بما قاله لى راى في أول لقاء:"كل صباح أقفز خارج السرير، وأخطو على أرض مليئة بالألغام، هذه الأرض هي انا. بعد الانفجار، أقضى بقية اليوم في إعادة وضع القطع مع بعضها البعض.إنه دورك الآن، اقفز!.".
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on January 30, 2017 22:57
No comments have been added yet.