العقل المُجزَّأ


يبدو أنه حينما نفكر فإننا نفكر في كل موضوع بشكل مستقل عن المواضيع الأخرى. هذا يعني أننا لا نستطيع أن نلاحظ أوجه الشبه بين المواضيع المختلفة مما يولد لدينا قرارا أو نتيجة مختلفة في مواضيع قد تكون متقاربة.لأضرب مثالا: يفكر ذو البشرة الفاتحة في مجتمعنا أنه أفضل حالا من صاحب البشرة السوداء. هذا، مهما كان سببه، يؤدي إلى نتيجة التعالي ورؤية الذات على أنها أفضل وأكثر محتدا. ولو فكر صاحب هذه النتيجة في البشرات المختلفة في العالم بذات تفكيره في الموضوع السابق لاستنتج أن الأوروبي بالتالي أفضل منه لأن بشرته أشد بياضا. لكنه لا يذهب بعيدا في التفكير للوصول إلى هذا الاستنتاج القاسي والمهين.طبعا يمكن أن يكون الخطأ في المثال السابق ناتج من أن المرء يعمي عينيه عما هو ظاهر له بداهة. أي أنه يصل إلى الاستنتاج النهائي السابق لكنه لقسوة الاستنتاج وتأثيره السلبي على ذاته فإنه يواريه بوعي أو بدون وعي. مع أخذ الاعتراض السابق بالاعتبار، اقترح أن ننظر إلى الوقوع في هذا الخطأ بشكل مختلف.الخطأ هنا ناشيء أن موضوع "بشرتي الفاتحة بإزاء بشرة الأسود" هو موضوع منفصل في المخ عن موضوع " بشرتي أغمق من بشرة الاوروبي". ولذا فإنهما أمران منفصلان في عقل صاحبهما رغم أنهما تقريبا موضوع واحد. بالتالي فإن الأفكار هي قطع متفرقة في المخ وليست مترابطة. ربما يكون هذا بسبب أن رؤية الأفكار معا هو أمر صعب جدا. ولذا من أجل القدرة على العمل يحتاج الدماغ أن يبسط ويقطع ويجزئ. ولكن بسبب هذا التقطيع والتبسيط والتجزئة نرتكب الأخطاء المنطقية كما في المثال السابق. الأمر قريب من طريقة تعلمنا للمواد الدراسية. ففي المدرسة أو الجامعة لا نتعلم الأمور كلها مع بعضها كما هي في الحقيقة وفي الحياة ، بل نتعلمها مجزءة. الجغرافيا غير العلوم غير التربية الإسلامية غير اللغة العربية. وفي كلية الطب التشريح غير علم وظائف الأعضاء غير علم الأمراض. والجراحة غير الطب النفسي وغير طب الأطفال. وهكذا نجد أفكارنا مقسمة ومجزءة من أجل التبسيط والفهم والمعرفة.  أما في الافتراض المنطقي فكل شيء متشابه حين التفكير به. فحين نحكم مثلا على جودة القهوة التي نشربها فإنها بالضبط يجب أن تكون بنفس المعايير والأسس التي نحكم بها على الدين الذي نعتنقه والناس الذين نقابلهم والهاتف الذي يجب أن نبتاعه.
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on January 16, 2012 02:49
No comments have been added yet.


حسين العبري's Blog

حسين العبري
حسين العبري isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow حسين العبري's blog with rss.