معاوىه الرواحى: إزالة بعض النقط عن بعض الحروف

أوه أيها اللعين معاوية!


ها أنت تجبرنا مرة أخرى أن نقرأ لك ونقرأ عنك ونكتب حولك وفيك. وأنت تتلوى ألما في زنزانتك بعيدا عن موسيقاك وأصدقائك وأعدائك وقططك وحاسوبك وسجائرك وفضائلك ورذائلك جميعها، لا أدعوك للهدوء والتأمل وأن تقف مع ذاتك؛ فأنت تجيد التأمل قائلا وواقفا وماشيا، وإنما نحن من يجلس ليتأمل ما تكتبه، بل أدعوك لعيش التجربة الأخرى، أن تقف هناك وقفة رجل حقيقي أيها الطفل الكبير المجنون والعبقري، أن تتلوى في الألم وتتنغص. أليس هو ذا ما تسميه ألم الكتابة ووجعها؟ ألم تحاول أن تقنعنا جميعا أن هناك كتابا "عسقيين" يكتبون بعيدا عن الحياة وبعيدا عن الألم؟ إذن يا صديقي ليكن قلبك مفتوحا على أوسعه لرياح الألم والحبس والهدوء البغيض والسكون والذعر من الحبس الانفرادي ومن "جواني" الأمن، من غضب الناس وقلق الأم وغضب الأب وبغض الصديق وشماتة العدو. عش سعيدا هناك؛ ففي الأمور البغيضة علينا يكمن سر من أسرار الحياة التي يجب أن يتعلمها الكاتب اللا "عسقي"! الذي أحببتَ دائما أن تكونه.

نعم يا صديقي اللعين!

أنت مليء بالحكايات، إلى حد أننا نسنى وأنت تحكيها لنا أي حكاية نحن نسمع الآن؛ فأنت تبدأ بواحدة وتطور واحدة أخرى وتنتهي بواحدة مختلفة تماما. وليس العجيب أن تفعل ذلك بل العجيب أننا نتبعك في محاولة للفهم. ولكن كيف لنا نحن أن نفهم ما لا يُفهم، ما لا يمكن فهمه، ما لا يمكن لنا تصوره؟ فالعبقرية بحاجة هي الأخرى إلى عبقرية لفهمها ولتتبعها. أتخيل الآن، مع كل الحكايات التي صنعتها والتي تصنعها والتي نحلم أن تصنعها في هذا البلد  الهادئ والجميل، أتخيل بعد مئة سنة أو أكثر، حين نستطيع كأمة أن نخرج فيلما عنك، كيف يمكن لمخرج أن يُصوِّرك، أن يُخرج مكامن شخصيتك للجمهور البعيد زمنيا عنك وعنا؟ فإن كان معاصروك لا يفقهونك فكيف لذلك المخرج المسكين وقد تصدى لهذا العمل العظيم أن يقوم بإخراجك؟ فأنت لا يمثلك سواك ولا يخرجك إياك!

ولا يا صديقي اللعين!

فقد أخطأت هذه المرة، ولكنك لم تخطيء في المحتوى، أبدا، من يمكن أن يختلف معك على المحتوى، من يجرؤ؟ عمان إلى الهاوية؟ وأي بلد في العالم لا يسير إلى الهاوية؟ تخلتف مع السلطة والسلطان؟ وأي مثقف أو كاتب يمكن ان يتفق مع التحديد والكبت والمسكة الأمنية والقلاع الحصينة؟ جيلنا محكوم عليه بالإعدام؟ ولكن كيف يمكن لنا أن نتفاءل ونحن في قلب البركان الثائر لهذا العصر؟ فقط أنت أخطأتَ في التوقيت؛ فبعض الكلام يا صديقي، كما يخبرنا القانونيون في زماننا هذا، وقد تفشوا كثيرا لتفشي أحقادنا على بعضنا، يحتاج إلى أن يوضع في وقته الصحيح حتى وإن قيل للناس الخطأ. واطمئن يا صديقي! أو لتحزن قليلا إن قلنا لك أنك قلت كلاما نعرفه من قبل! ما الجديد يا صديقي في كلامك عن كل هذا؟ لا جديد، كلنا يعرف كلامك ونتوشوش به ونسره لبعضنا ونحن نبتسم ونغضب ونبكي ونفرح. لكنك، والعهدة علينا، عالق في استعارة قاتلة، فأنت عالق في استعارة الصدق مع الذات. وهي فضيلة مرذولة أيها الطفل العنيد. فحتى إن كان اللون أبيض، فإن قليلا من الحكمة والتعقل والقانون والمجتمع والدين وكل هذه الأمور كلها كلها كفيلة بأن تغير الأبيض إلى أسود والأسود إلى أبيض ومع ذلك لا تخرجنا عن قول الحقيقة. فكما ترى! فالحقيقة إنما هي أيضا مجاز نبنيه نحن في عقولنا ونصقله ونخرجه إخراجا حسنا.

وآه أيها اللعين المتذاكي!

تستخدم الشيخ النبيل المحافظ لترمي به السلطان النبيل الليبرالي ذاكرا مساوئ البلد الانحلالية ولكنك للسلطان اقرب، وتستخدم السلطان الليبرالي لترمي به الشيخ النبيل ذاكرا مساوئ البلد التحجرية الدينية، وأنت إلى الشيخ أقرب. وأنت مع الثورة حين نكون هادئين ومع الهدوء حين نصبح ثائرين. هكذا يجب علينا دائما ونحن نحاول فهمك، هذا إذا لم نُصب بالإعياء ونترك مهمة تتبعك، أن نمسك ورقة وقلما ونجزئك إلى معاوية1 ومعاوية2 ومعاوية3.... وهكذا تصيبنا بالدهشة والذهول دائما إلى درجة أننا نشك أنك خارج لتوك من فيلم إثارة خيالي. وهكذا نقع نحن، بعقولنا القاصرة، في الشرك المخيف للتناقض واللامعقول: فأنت تريد أن تُلحد على سجادة صلاة، وتريد أن تَسمع القرآن يُصدح به في دار الأوبرا، وتُشعل بركانا في فنجان، وتجبرنا على العري في اللحظة التي نكون فيها أكثر رغبة في الحشمة، ويصبح كل شيء لديك فضفاضا وضيقا في آن. ولديك تضيع الكلمات بين الأرجل؛ فأنت بإيمانك بالكلمات، بالإبحار فيها كمجنون، أصبحت كافرا بها. إن هوسك بالمجازات صنع مجازه الخاص فيك، فغدت كلماتك تحتاج لشرح من قاموسك الخاص الذي في عقلك الذي يجب أن تطلعنا عليه لنعرف ما تريدنا أن نعرف لكنك لا تريد أن تطلعنا على قاموسك وتفترض سلفا معرفتنا به، وتلك يا صديقي الخطيئة الأصل التي تعتنقها صادقا. فأنت تتهم نفسك بأنك "زبالة" ونحن نرتجف لقولها حكاية عنك، هذا لأن الكلمات لدينا مرتبطة بمعان ضيقة وهو ما يعطيها أهميتها، ومرتبطة بعواطف وأحاسيس وهو ما يمنحها ثقلها أو خفتها الاجتماعية في عقلنا الجمعي، وأين لنا، نحن المحافظين إلى النخاع، أن نضع كلمة "شاذ" التي تشتت أفكارنا، وأنت تطلقها على الجميع ثم على نفسك وعلى كل شيء؟ إن الكتابة بوضوح هي مفتاح خطئك المنطقي، وهي مفتاح ضيقنا منك، فأنت لا تحترم عقولنا لوضوحك، ما الذي يجب علينا أن نفعله إن أنت أوضحت كل شيء بالكلمات؟ من هذا الذي يطيق صبرا على صراحة حادة يمكن أن تقطع أي شيء؟

وأوه يا صديقي اللعين!

تقول أنه لا أحد يعرفك، ولكن من يمكنه أن يعرف أي أحد المعرفة التي في عقلك؟ أو تظن أنك تعرف نفسك، وأنك قادر على شرحها لنا؟ مرة أخرى تقع في شرك الظن أن ذكاءك أعلى من ذكائنا. تقول أنك ملحد بينا تخشع كلماتك لذكر الله. وتقول أنك خائف من الموت ثم ترمي بنفسك في الفكين الشرسين اللذين للموت. وتعود وتقول تعالوا اقتلوني ثم تخاف من فكرة شحذنا لسكاكيننا. ألعلك قرات أبطال ديستويفكسي وكيف هم يذلون أنفسهم ويهينونها في سبيل إبراز أفكارهم أو تبريرها، وأنت هنا إنما تحذو حذوهم؟ إن حساسيتك الفنية تثقل على كاهلك الوطني. ويا صديقي لا ينبغي علينا أن نقترف أن نكون عدة أشياء مرة واحدة؛ فأنت ثائر ووطني وشاذ ومجنون وكاتب ووديع وبطولي ورعديد وملحد ومستقيم وكاتب ملاحم وكاتب مجازات وأشعار وكاتب قصص وروايات وصحفي ومدون وأمني ومضاد للأمن وسياسي ومحنك وموظف وتلميذ وابن عاق ومحب للقطط وللسلام العالمي وضارب عود ومجنون بالعظمة ومجنون بإهانة نفسك وإذلالها وذكي وأحمق و"كوميدي واقف" ولعين وشيطان وملاك. إننا نأسف يا صديقي أننا لا نستطيع في هذه العجالة أن نقول كل ما أنت عليه، فكل لحظة لديك غير اللحظة التي تليها, ومن هنا فإن صدقك صحيح جدا، وإننا لا نشكك في صدقك أبدا طالما كنا في اللحظة ذاتها، وإنما يتغير صدقك إلى صدق آخر في اللحظة التي تليها، ولذا نشك في مقدرتك على لعب دور واحد فقط، في تقمص أمر واحد فقط، على الأقل لفترة زمنية معقولة.

ويا صديقي اللعين!

أنت لست النكتة الجديدة للعمانيين، فنحن لا نضحك فقط حين نسمعك او نسمع عنك، بل أحيانا أنت تخيفنا لأننا نكتشف ما بأنفسنا من حقد وضغينة وضعة وانحطاط وتشوه وتشرذم وخنوع، وأحيانا تجعلنا نحس بالعظمة تنبع منا، إننا لا نقرؤك، وفي الحقيقة لا نقرأ مقالاتك بل نقرأ أنفسنا في مقالاتك. وأنت لست من الكتاب "الزبالين"؛ فهولاء لا يلتفت إليهم أحد بل أنه على كتفيك أحيانا نقف ونرى العالم وعبر كلماتك نفهم بعض الحياة في مجتمعنا. هذا المجتمع الذي استطاعت الحكومة ونحن الناس أن نجعله مجتمعا في أنبوب اختبار، نعم هذا هو المجتمع الذي تبغضه وتحبه، المجتمع الذي يجعل من كل شيء موزونا ومعقولا وبرجوازيا حقيرا ويقبل الانحطاط "الفكري"، من أجل أن يُقال أن الجدران الخارجية جميلة، من أجل أن نبدو جيديين وجميلين في أعين الآخرين. الآخرين الذين لا يكترثون لنا. أوه يا صديقي، لا نريد أن ننفخك أكثر حين نفكر في أنه لو كان هناك مئة منك، فكيف ستكون الأمور في عمان؟ لا، لن نقع في خطأ النفخ هذا. فالتواضع الذي يجب أن نمارسه عليك هو صمام أمان لنا ولمجتمعنا.

وآه أيها اللعين!

لست برجل أمن، لا سابق ولا لاحق، ولست المفتش خلفان ولا شارلوك هولمز، إلا إن كانت وطنيتك هي التي تتكلم من خلالك. والحق أنك تفعل ما تريد أن تنقضه، فحين تقول أنك رجل أمن متوهما ذلك من تجاربك معهم، فأنت تريد أن تذل نفسك لكونك تفترض أنهم سيئوون رجال الأمن هؤلاء، وإنما أنت تقول أنهم أذكياء وجيدون لأنهم يتعاملون مع أناس أذكياء مثلك، أنت لا تحتقرهم بل تعظمهم وتمنحهم ما يستحقون وما لا يستحقون. وأيم والله، لو جئت إلينا يوما وقلت أنك نبي مرسل لكذبناك وصدقنا صدقك وتجليك لقول الحقيقة علانية رغم معرفتك الداخلية لرفض عقولنا لما تقول. هكذا تتناوب أنت بنفسك الجلوس مرة على كرسي الاعتراف ومرة على كرسي المحقق بل إنك أحيانا تجلس حتى في كراسي النُظّارة ترقب المشهد يشتعل من على بعد غير مصدق لما يحصل من قبل نفسك. وجازاك الرب، الآن يبحث أهل سمائل جميعهم عن "عباس" الذي ألصقت به زورا وبهتانا ما ألصقت به زورا وبهتانا، معتقدين أنه كائن حي يرزق وهو ليس بكائن حي ولا يرزق. ويبدو لي دائما أنه يجب أن تخاف من تلك الفترة ما قبل موتك، فيا صديقي حينها لن تتمكن بكتابة ما خطر في دماغك قبلها بقليل، وسيختفي شيء ما من دماغك للأبد من غير أن تكتبه لنا أو تلقيه على مسامعنا. ونكاد نجزم، نحن الذين نعرفك، وليغفر لنا الرب تشدقنا، أنك لن تموت منتحرا لا بالإيدز ولا بالسل بل على فراشك كما يموت الجمل، وستنام أعين الجبناء!. ولا يتطور المجتمع او يتغير كما تتغير أنت وتتبدل وتتلون يا صديقي، فالمجتمع يخفي أشياءه التي يجب أن تُخفى، وهي ستظهر شئنا أم أبينا، فأنت بإظهارها لن تساعد المجتمع بالمعنى الذي تسعى به صادقا لمساعدته، أنت تساعده بأنك جزء منه مهما اختلفت عنه وعنا جميعا أيها الغريب.
وواو أيها الكاتب اللعين!

لقد أخذَنا مقالك بعيدا جدا، في أعالي السماء، ثم أسقطنا إلى الهاوية. لأنك تجيد التحليق في الأعالي والزحف على الطين، وتجيد الإسقاط والسقوط، وتجيد استخدام الرموز. إن المجتمع يتحول يا صديقي، ولن تقف أنت ولا نحن في طريق تغيره سواء للأحسن أو للأسوء، وإنما نحن بعض أحجاره وأنت تحاول أن تفعل بعض التغيير في بعض أحجاره. فلا يجب أن تغتر بنفسك ولا يجب أن تذلها، فلا هذا ولا ذاك مما سينفعك أو سينفعنا، إن قابوس رمز والشيخ أحمد رمز آخر وقد نتفق على رمزيتهما كثيرا ولكنا سنختلف ونتفق في الرموز الأخرى كعلي بن ماجد وأبو فيصل وبن علوي والحنظولي ومعاوية الرواحي. فقط لا يجب أن نكون ضيقيي الأفق ونخرج من تاريخنا الرموز السلبية أو الغامضة. إن للشهرة يا صديقي ضرائبها، وها أنت هناك في زنزانتك تجني بعض ثمارها وتعاني من بعض ضرائبها. لا يستطبع أن ينصب شخص من نفسه رمزا إلا أن يكون له جيش قوي من الإعلاميين وقلعة أمنية رائعة أو فعل عظيم. ولم تكن كلمة عمار التي أيقظتك ولا كلمة أخيك، فانت كل كلمة توقظك وكل كلمة تنيمك. آه من رذائلك الكثيرة يا صديقي، فمن رذائلك غرقك في اللحظة. تحاول أن تعيش اللحظة حتى آخرها، وهكذا تصبح كلمة واحدة قادرة عندك على فعل الأعاجيب. لقد أماتتك لحظة وأحيتك كلمة. ووا عجباه، يا لك من صادق مدع في هذا. لقد اخترتَ يا صديقي أن تشتعل بالكتابة من أجل أن نقرأ مقالك فاشتعلت كثيرا كثيرا حتى أنك أحرقت نفسك من فرط ما اشتعلت وكدت أن تحرق من حولك. لقد اخترت الكتابة عن ذاتك وهذا هو شأن الفنانين، حتى العقّال منهم، فالمقال الذي كتبته كتبك وحين بثثت فيه من روحك كاد أن يخمدك. وتلك بحق لعنة وفضيلة. اغفر لنا أن نقلب الطاولة عليك ونشرّحك كما شرّحتنا، إن هذا الحق اكتسبناه منك أيضا؛ فبما أنك تريد أن تعرفنا وتكتب عنا فها نحن نكتب عنك ونحاول أن نعرفك. لعل ما كتبته في مقالك الأخير لا يمت بصلة لك في كلامه السطحي، كما سيفهمه قارئ عادي منا، فأنت تحب السلطان وتحب الشيخ أحمد والمطاوعة والملاحدة وتحب كل ما هو عماني خالص وتموت في شيء اسمه عمان، وليس هذه وطنية مفتعلة أو مزعومة بل حالة وفقط, ما كتبته يمت للأسبوع المنصرم من حياتك قبل الكتابة. وعلينا ونحن نعاقبك أن نعاقب كل من تحدث لك أو قرات له أو رأيته أو أكلت معه أو ناقشته في ذلك الأسبوع. أي ببساطة أن نعاقب أنفسنا، أو نهنئها. فالأمر يكاد أن يكون سيان. هكذا يا صديقي تأخذك الحمية والغضب على الوسخ الذي شاب الثياب البيضاء للبلد لكنك تبعد ناظريك عما هو ناصع البياض، عما هو جميل، عما هو حقيقي، عما هو أصيل في هذه الثياب.

وواه واه يا صديقي اللعين!

الكتاب المخادعون كثر حسب نظريتك وهم يتعاونون مع الأجهزة الرسمية، وها أنت مرة أخرى تقع في رذيلة السرد والحديث الفضفاض عن أمور تعرفها أنت ونجهلها نحن ونراك تسرد قائمة بهؤلاء المتواطئين من غير أن تعلن لنا منطقك الذي كتبت به قائمتك ومن غير أن نفهم أي تعاون كان منهم ومع من. فالشيخ متواطيء مع الأكليروس والكتاب مع الأجهزة الأمنية ونحن مع الغفلة الأبدية للكائن العماني البريء. أما كان الأجدر بك وأنت تجر نفسك باتجاه الهاوية ان تلقي علينا نظرة عطف وتخبرنا على الأقل ما شأن هؤلاء ومن يقف معهم وأين يقفون؟ أما وقد قررت أن تبيع نفسك للشيطان أما كان جديرا بك أن تعطينا تفاصيل أكثر قليلا عما ذكرت كيما نمسك الخيط بعدك؟ لماذا لم تمض في طريق التنوير إلى آخرك وآخره، لماذا تركت الحصان وحيدا في منتصف الطريق؟

أوه أوه يا صديقي اللعين!

أنت حملت نفسك ما لا يطيقه بشر، أن تصبح كل شيء وتناضل ضد كل فساد وتصحح كل خطأ، حملت الأرض العمانية على كتفك، لم تنم لأيام كي نستيقظ نحن صباحا ونرى تدويناتك  فنفرح ونغضب ونبتسم ونسب. ونحن نعرف أنك لم تقم بما قمت به من أجلنا نحن فقط، بل كان من ذاتك ولأجل ذاتك. اهدأ قليلا يا صديقي؛ ففي هذا الجانب من العالم ما نرفضه تماما هو هذه السرعة في الانتاج وهذا التألق، هذا القلق المجهد، وكما ترى فكل شيء يمكن أن يؤجل إلى الغد. حتى حبسك تأخر للغد، فلا بد للعجلة البيروقراطية أن تلكز قليلا لتدور قليلا. نم قليلا يا معاوية نم قرير العين في زنزانتك وامنحنا الوقت الكافي حتى نحلل ونفسر ونغطي على أخطائنا التي أمطت عنها اللثام.

ياه يا صديقي اللعين!

اللبن الذي انسكب انسكب، ولا يجب أن تضيع وقتك الآن في الندم عليه. لقد كنت طوال أيامك شجاعا في كلماتك، لقد مارست شجاعتك من وراء شاشة حاسوبك وآن لك قليلا أن تمارس الشجاعة من خلف بعض القضبان. والحق إنما نحن نقول هذا لبث العزم فيك، ومن باب أن نقول لك ما يجب أن يقال، وإلا فأنت غير مطالب بفعل شيء حقا، فاكتب بعد خروجك أو لا تكتب، واندم أو لا تندم، وابك أو لا تبك؛ فكل هذه خياراتك الشخصية وعليك أن تلتزم بخياراتك وعواقبها الأبدية. فقط حاول أن تتجاوز عن أخطاء من يتهمونك الآن في صفحات النت فهم أولا لا يعرفون من أنت حقا، ومن يعرفك منهم لا يعرفك إلا عن بعد وعبر كلماتك، وثانيا أنت من علمتهم أن يوسوعوا قليلا من هامش حرياتهم حين الكتابة فلا تأت الآن وترفض ما طالبت نفسك والناس به، وثالثا لا يضر الشاة سلخها بعد ذبحها، ورابعا كيف يمكن لعمان الجديدة أن تنشأ إلا مع بعض التضحيات هنا وبعضها هناك. فلتكن معاوية سواء أسامحوك أم عاقبوك، وهم إن سامحوك فهم قادرون باللطف الذي لديهم وأنت تستأهل، وإن عاقبوك فهم عادلون بالقانون الذي أوجدوه وأنت تستأهل. وفي كلتا الحالتين فإن بريقك سيبقى ما شاء له الرب أن يبقى حتى يأتي من بعدك من يأخذ الشعلة ويحرق نفسه بدوره.                                    
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on February 09, 2012 16:25
No comments have been added yet.


حسين العبري's Blog

حسين العبري
حسين العبري isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow حسين العبري's blog with rss.