العصر الجاهلي إشكالية التسمية والتاريخ - نحو مصطلح أدب الخضرمة

♦ د. علي أحمد الأحمد *
- نبذة عن البحث:
يُعَدّ مصطلح "جاهلية" من المفردات التي غزت قاموس الحياة العربية عمومًا، وتغلغلت في ذهنيّة الثقافة العربية وكيانيّتها، وقد وجدت هذه المفردة تُربة خصبة في واقع المجتمع العربي المتمسك بتراثه، والغني بمعطيات شتى، منها العادات والتقاليد المحكومة بتعاليم الدين الإسلامي، بين التشدد والاعتدال، وأنّ ما يسمّى جاهلية، بمعنى الجهل وعدم المعرفة، تدحضه جميع التطورات الحضارية والعلمية والدينية والفكرية، والاكتشافات الإنسانية القديمة، ولعل المفارقة هنا قد أدّت دورًا حيويًّا لانقسام صفوف النخبة المعنية من دون سواها حول المستجدات الطارئة في الحياة العربية برمتها.ذلك الأدب الذي نسبناه إلى الجاهلية فقلنا الأدب الجاهلي، لم يُسَمّ هذا العصر بالجاهلية إلا بعد ظهور الإسلام، سمّاه القرآن، بمعنى الجهل ضد العلم، وهو يتناول الشعر والنثر، الدْالَينْ على حالة ذلك العصر من اجتماع وسياسة ودين، وهذا الأدب لم يبدأ بتدوينه إلا في القرن الثاني للهجرة، حين بدأ عصر التصنيف والجمع، فمنهم من تبنى فكرة موقع التسمية والتنظير، ومنهم من تصدى إلى إشكالية تاريخ الفكر العربي، وتكريس مفهوم الشرق العربي، وتمويه هويته وإضفاء ملامح جديدة تتناقض تمامًا مع الموروث جملة وتفصيلًا، وما نريده من هذه الوقفة هو إثبات الأقدمية في وجود سكان الشرق الذين وضعوا أسس التشريع والمفاهيم العلمية والاجتماعية التي وصلت إلى الحضارة المعاصرة، مع أنّ الانتشار العربي القديم قد قطع أشواطًا كبيرة في مجال العلم والمعرفة والابتكار، وأنّ صفة الجهل ليست عامة، بل تخص فئة معينة من الناس قد جهلوا ماهية الدين الجديد، لا سيما إشكالية الشعر العربي عمومًا والشعر الجاهلي خصوصًا، إنّ الشعر العربي المسمّى جاهليًّا اتبع نمطًا خاصًا به ليس كما يكتب شعراء الغرب الذين ينظمون طبقًا لأصول وقواعد معلومة منهم، ولكن هذا لا يعني أنّ الشعر العربي يخلو من الوحدة، فكل كلام يخلو من وحدة ترابطه ببعضه نعدُّ صاحبه جاهلًا وأسلافنا لم يكونوا كذلك، بل هم أصحاب عقول ثاقبة كما تخبرنا آثارهم، وأهداف هذه الدراسة هي لمدلول لفظة جاهلية وما فيها من حيثيات.إنّ وحدة الشعر الجاهلي تقوم على العاطفة والتصور والخطة الواقعية، فالشاعر الجاهلي اتبع السلّم العقلي بقصيدته التي ينتقل فيها من ذكرى إلى أخرى، والشعر الحقيقي ذكريات عذبة ومرة وهي منبع الشعر، وهكذا كان للشعر العربي دور بارز في الحياة الأدبية والفكرية والسياسية، وهو يتطور بحسب تطور الشعوب العربية والإسلامية، وبحسب علاقاتها بالشعوب الأخرى، من فرس وروم وبربر وغيرها. وبرزت فيه فنون جديدة متطورة من حيث المضمون، ومن حيث الأسلوب واللغة، كما كان العرب الجاهليّون على درجة راقية من الحسّ الأدبي والشعري، وعلى مستوى عالٍ من السمو الأخلاقي، وعلى قدر كبير من الرجولة، والمروءة، والنجدة، والكرم، والشّجاعة، وحبّ الديار وإكرام الجار، ونصرة المظلوم، وإغاثة الملهوف، وسمو الأخلاق والشرف والغيرة، ويتميز العرب بأنّهم أكثر الشعوب فصاحة وحفظًا، كما يتصفون بالصفاء الذهني كصفاء صحرائهم النقيّة.
* أستاذ مساعد في الجامعة اللبنانية كلية الآداب والعلوم الإنسانية
الحداثة - 213/214 – شتاء 2021 AL- HADATHA - winter
1 like ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 19, 2021 11:30
No comments have been added yet.


مجلة الحداثة - Al Hadatha Journal

مجلة الحداثة
Al Hadatha Journal - A Refereed Academic Quarterly
مجلة فصلية أكاديمية محكّمة تُعنى بقضايا التراث الشعبي والحداثة
تصدر في لبنان منذ العام 1994 بناء على ترخيص من وزارة الاعلام (230 ت 21/9/1993)
ISSN/2790
...more
Follow مجلة الحداثة's blog with rss.