فِ البوكس

- اذهب أنت سابقى أنا قليلا
- لماذا ؟
- ساعد بضاعة الغد من الآن حتى نكون جاهزين للعمل دون تأخير
- الجو بارد والرياح قوية
- لن اتأخر ، ألقاك صباحا
- حسنا يا صاحب الضمير
حقيقة ليس للموضوع علاقة بالضمير ، اتقدم نحو الشاحنه الربع نقل ذات الصندوق المغلق افتح بابها أشغل مصباح الصندوق حتى اتمكن من رؤية البضائع جيدا ، اترك هاتفي ومفاتيحي وحقيبة العمل على مقعد السيارة انزع عني سترتي رغم برودة الجو كي اكتسب حرية حركة أكثر
تلك النافذه ينفذ منها ريح ٌصرٌ من الأولى بي أن اغلقها أو ربما اتركها واستخدم طاقتها في إنتاج الكهرباء الكافيه لتغذية مفاعل نووي أو مصنع أسلحه
عملائي غدا هم عملاء الحي الشمالي أو الحي الراقي لذا يجب أن تمتلئ سيارتي بكل الأصناف خاصة ثمينها ، غدا يوم الحسم في الصراع الشهري المستمر بيني وبين مؤمن قابيل –المندوب النبيل- صاحب أعلى المبيعات في الشركه والذي تقابل أعماله بإعجاب وتشجيع لا يحصل عليه غيره .
الجو دافئ داخل الصندوق – محكم الإغلاق قوي البنيه والتصميم- الغير لائق مع الشاحنه ذات الطراز القديم التي تعاني من ثقل أمانته ، يأبى صاحب الشركه أن يبدل لنا السياره ويأتينا بأخرى حديثه كالتي يركبها قابيل .
ما افعله الآن هو آخر ما توصلت له من خطط لهزيمة قابيل ، صباحا نصل نحن المندوبون وسائقو الشاحنات للمخزن ونبدأ بتعبئة سياراتنا بالبضائع – تستغرق منا حتى الظهيره – وننطلق وراء لقمة العيش حتى ننتهي من كل أفراد القائمه "العملاء"
آخر الشهر هو الأهم في الشهر ، النهايات دائما تحمل القدر الأكبر من الأهميه – حسن الختام – فيه الأعمال ترفع والأموال تحسب "التارجت " أو الهدف من الشهر والحياة عامة ، الحصول على أكبر قدر من المبيعات يترتب عليه أكبر قدر من العموله يتولد عنها أكبر قدر من النقدية إضافة لرضا الرؤساء في العمل والزوجه في المنزل.
عندما انتهي الآن من عملي وآتي في الغد مبكرا وانطلق – تصبح فرصي أكبر من قابيل – انتهي من الحي الشمالي ولا اكتفي به فحسب بل اتخطى ذلك وادخل الحي الغربي واقوم بعملية إحراق البضائع هناك ،ليس حرقا ماديا بل حرقها نقديا بيعها بأقل من سعرها بأقل من السعر الذي حددته الشركه لمندوب تلك المنطقه دون أن يعلم ، الأسطى صادق ساغلق فمه بعلبة سجائر والعملاء سيصمتوا مقابل خصم قرش عن السعر المعتاد ، جريمة مكتملة الأركان والشكوك لا تستثني مندوب وتدع الآخر وبالنهاية سيقيد الأمر ضد مجهول ويقيد المحاسب إجمالي مبيعات الشهر فيجد أني أنا الأعلى
انجدوني ..... النجده .......... ساعدوني...النجده
يصاحب هذا الصراخ صوت كفوف تطرق الصندوق
هذا أنا مذ خمس دقائق مضت احاول بسذاجه أن اطلب العون ، في مخزن فارغ وحي مدفون في أطراف المدينه وسيارة مغلقه ، سجن داخله سجن آخر .
الطبيعه تحولت لخصم الآن بدل أن تفعل أي شئ آخر فضلت تلك الريح أن تصطدم بباب الصندوق وتغلقه
فضلت أن تَسخر مني بدل أن تُسخر لخدمتي ، لو كان للهواء ثأر معي فهو يصفي حسابه الآن
يعاقبني على كل نفخة نيكوتين بصقتها بوجهه وكل ريح قذرة أطلقتها من مؤخرة سيارتي
اعاود الطرق يائسا
يا ناس .... ادركوني...يا بشر.. انقذوا آدم
لا فائدة من ذلك ، لقد تميزت دوما بعقلانيتي ورؤيتي الواقعيه لو اني أنا من بالخارج واستمعت لهذا الهتاف سامضي لطريقي مبتسما وفي أقرب حانة ساشرب نخب الفقيد .
شئ واحد قد يرجعني لصاحب الصوت هو أن يكون قابيل ، ساحرص على قطع لسانه جيدا .
محاط بعشرات الآلاف من العملات في صورة منتجات غذائيه
"سكر السعاده " "أرز الصحه " "زيت الطبيعه"
يخاطب الإعلان العامه بتلك الشعارات ، أاعترف الآن بأنه كاذب ؟ بالطبع لن افعل هذا عملي ، خديعة البشر تزييف المشاعر طمس الحقائق
إضافة مكسبات اللون والطعم والرائحة على كل تفصيله في المجره .
انجدوني... انقذوني... أيتها الكلاب الضاله... انجدوني يا أبناء الكلاب العاهره المتقافزة ليل نهار على مؤخرات بعضها البعض الحاشرة أعضائها النتنه في بثور العالم.
هذا رجاء كاذب اعترف ، ستميز الكلاب صوتي وتمضي بعيدا فرحين ، لقد دهست منهم الكثير وقد جاء وقت الرد ، لقد عاديت كل حيوانات الأرض من وحوشها الضاريه لأليفها ورقيقها ، أنا خصم الجميع .
دم وآدم أي منهما استقى اسمه من الآخر ، أنا عدو الجميع والجميع عدوي أنا.
أنا اعاني من الربو وضيق التنفس أنا اسعل واكح بوجه أحمر كعبوة صلصة حسنة الصبغة والتلوين
الهواء ينفذ . الصندوق مغلق وثقيل والسيارة تحمله كآدم عندما حمل الأمانه وهو غير قادر عليها فأثار شفقة السموات والأرض.
النجده.... ساعدوني .. لتنقذني الملائكه
مات مصباح الصندوق قبلي وتركني الآن وحيدا لا ارى يدي
لينقذني الشيطان... هلم يا إبليس .. هذه يدي
وحدي في هذا العالم أنا بطل الرواية الأوحد كل الشخصيات الثانويه تقاضت أجرها ورحلت ، هذا المسرح سيقوض الآن وابقا وحيدا عاريا.
ضوء صغير يأتي من نافذة الصندوق المطله على كابينة السيارة ، هاتفي يومض باسم عشيقتي لقد ضربت لها موعدا الليله قبل عودة زوجها من سفره ، للأسف لن انفذ وعدي يا "دنيا"
"حياه " أيضا تتصل – زوجتي أم ولدي – ترى أتطمأن علي أم تطلب المزيد من المتاع الدنيوي ؟
النجده ... يارب .... انقذني ... آدم في رمقه الأخير اغثه يا الله
اخر على ركبتي وينكب وجهي على عبوات لبن الرضاعه اعود للبدايه الآن ، ارى أشياءا رأيتها من قبل في حياة أخرى ، اشعر بانخلاع الصندوق من جسد السيارة وخروجه من نطاق المخزن
الصندوق يتمايل وأصوات رجال تتدافع على تبادل حمله إراحة لبعضهم البعض من ثقله ، صوت بكاء أمي يصدح في الخلفيه – أمي ماتت من عشر سنين – أبي يصرخ على الرجال
"احذروا من الحفر " " الصندوق مائل لليسار اعدلوه"
احاول بكل ما تبقى لدي من طاقة أن اطرق عليهم لكن طرقتي واهنه لا تصل لأسماعهم
لازلت حيا .. انقذوني بدل ذلك
لا فائدة
إذن
ضعوني في صندوق مناسب فهذا أكبر من حجمي
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on January 06, 2015 23:57
No comments have been added yet.