ليس للمأساة السورية.. عدة روايات

ليس للمأساة السورية.. عدة روايات


حضرت صورة الطفل السوري الغريق بكثافة في المشهد الإعلامي دون غيرها، وتدفق عدد لا يمكن حصره من الانطباعات على مستوى إقليمي وعالمي. كان المشهد أكثر تعبيرا من قدرة أي فنان بارع في تخيل المآسي الإنسانية والحروب. ليست هذه الصورة هي الأبشع والأكثر وحشية على مدار سنوات لبطش نظام يسحق شعبه، بمساعدة إيران وحزب الله ومن معه.




حضرت صورة الطفل السوري الغريق بكثافة في المشهد الإعلامي دون غيرها، وتدفق عدد لا يمكن حصره من الانطباعات على مستوى إقليمي وعالمي. كان المشهد أكثر تعبيرا من قدرة أي فنان بارع في تخيل المآسي الإنسانية والحروب. ليست هذه الصورة هي الأبشع والأكثر وحشية على مدار سنوات لبطش نظام يسحق شعبه، بمساعدة إيران وحزب الله ومن معه.

هناك آلاف الصور والمشاهد التي تحكي المأساة منذ البداية، لكن هذه الصورة من الناحية الإعلامية حققت شروطا جوهرية في رمزيتها، وكأنها مشهد من فيلم سينمائي، فوضعية الطفل منكفئا على وجهه في ساحل البحر بحذائه وملابسه المألوفة لدينا، كانت قادرة على إثارة التأمل بأخلاقيات هذا العالم وإنسانيته. هذه الصورة ليست هي الأكثر بشاعة، لكنها الأقدر على تجاوز عوائق النشر وأخلاقيات المهنة الإعلامية.. دون الحاجة لكتابة تحذيرات، لأصحاب القلوب الضعيفة، ويمكن وضعها في كل مكان وعلى أغلفة صحف عالمية.

تتنوع التعليقات حول المأساة السورية لتوجيه اللوم للعجز العربي، ولوم يوجه للضمير العالمي، ومراوغات الغرب وأمريكا في تركه للشعب السوري حتى وهو يتظاهر بالإنسانية باستقبال عدد من اللاجئين، لكن الأكثر غرابة هي محاولات البعض التي تزداد مع مرور زمن المأساة بتعويم الجهات التي يوجه إليها اللوم.. لتصفية حساباته مع اتجاهات يخاصمها، مستفيدا من حالة التبعثر للمشهد السوري، فمرة يوجه اللوم للمعارضة والثورة السورية ذاتها، ومرة لشخصيات دينية أو تيارات معينة ليحملها مسؤولية ما يحدث، وكأن الجريمة بحق الشعب السوري موزعة بالتساوي على عدة أطراف، وليس للنظام الأكثر طغيانا في تاريخ المنطقة المعاصر.

حالات توزيع التهم وتوجيه اللوم، هي مغالطة مكشوفة.. توحي وكأن النظام واحد من عدة جهات يقع عليها اللوم، وليس الوحيد الذي يتحمل كامل المسؤولية ومن معه كحزب الله وإيران في حدوث الكارثة. أخطاء غيرهم مجرد هوامش، مقارنة بفداحة إجرام هذا النظام طوال تاريخه. فمنذ نهاية الستينات وهذا النظام يوغل في طغيانه، ويؤكد أنه غير قابل للإصلاح من داخله. تمكن فؤاد عجمي عبر كتابه اللافت «التمرد السوري» من رصد شيء من فظائع وحيل هذا النظام عبر تاريخه. كانت دمشق مستودع العقيدة الحضرية السنية التقليدية، مع حلب وحمص وحماة كمدن رئيسية. يقول «لم يخطر ببال السنة بأن عسكريا علويا من خلفية فلاحية يحكم المدن الأبية المفعمة بالحياة». اختبأ في البداية حافظ الأسد وراء رجال من السنة كواجهة له، وحصل على فتوى موسى الصدر من لبنان بأن العلويين جزء من الشيعة الاثني عشرية، فالعلوية خارج مقاييس البدع في الرؤية الإسلامية السنية، وهي خطوة لتحسين الصورة من عدة خطوات، وحينها «أكد الفقه السني على طاعة الحاكم وتحاشي الفتنة..».

لكن ما عمله النظام بعد ذلك من وحشية وقمع للشعب السوري ولكل التيارات ومظاهر الحياة الطبيعية، يفوق مخيلتنا البشرية في هذا العصر، حيث أصبحت السجون علامة مميزة للحياة السياسية السورية، حتى إن هناك من سجن على نوعية الحلم الذي يراه في المنام! وقد سجل المعارض الشهير أحمد بيرقدار الذي قضى حوالي 15 عاما في السجن عن رجل يعرف باسم مازن أبوالحلم، حيث أرسل للسجن من أجل حلم رآه، بالرغم من أنه «لم تكن لديه اتجاهات سياسية ولكن الحلم اعتبر دليل إثبات العداء للنظام... كان أكثر الأحلام تكلفة في العالم كما قال أحد السجناء».

بعد تطورات اغتيال الحريري عام 2005 أتيحت للنظام فرصة العودة، قبل عام 2010 بالرغم من كل ما فعله من ألاعيب سياسية إقليمية. والآن بعد مشهد الدمار الكامل لسوريا وشعبها، والقتل اليومي، نجد من يخدم هذا النظام بتشتيت اللوم على جهات أخرى وكأن القضية فيها تعدد آراء! الجميع يعلم أن البداية لم تكن من شيخ ملتح على المنبر، أو من مسلح إرهابي، ولا مثقف علماني.. لقد كانت من مجموعة أطفال من درعا لمجرد أنهم كتبوا بعض الخربشات السياسية تأثرا بالإعلام، وما حدث في تونس ومصر. لقد أخبر مسؤول من داخل النظام «المجموعة الدولية للأزمات» «أن بعض رجال الأمن.. متخلفون 30 عاما عن الزمن، ويعتقدون أن بعض الأساليب التي اتبعت في أعوام 1980 ما زالت مناسبة»

لقد كان ردة فعل النظام بهذه الصورة التي كتبها فؤاد عجمي «اعتقل الأولاد وعندما ذهب شيوخ وأعيان هذه المدينة للاستفسار عنهم عوملوا بازدراء وقيل لهم انسوا أطفالكم. اذهبوا إلى بيوتكم وانجبوا من جديد وإذا كنتم لا تستطيعون فنحن نستطيع أن نرسل إليكم رجالا يستطيعون إنجاب أطفال جدد. وعندما أعيد الأولاد إلى أهلهم تبين أنهم اغتصبوا وعذبوا» بعدها انتفضت درعا ودنست المساجد ويذكر عجمي «أن أشدها تدنيسا وأكثرها إيذاء للمؤمنين كتابة (إلهكم بشار)، (لا إله إلا بشار)». في عام 1980م «في منشور متداول على نطاق واسع، أعلن النظام عن استعداده لقتل مليون سوري لأجل حماية الثورة».. هل أبقى شيئا للحكمة بعد كل هذا التاريخ!

      

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on September 05, 2015 06:37
No comments have been added yet.


عبد العزيز الخضر's Blog

عبد العزيز الخضر
عبد العزيز الخضر isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow عبد العزيز الخضر's blog with rss.