ديكور .. أثبتت دراسة علمية


كم مرة نستقبل عبارات ما بين السطور في قضايا عديدة من نوع: أثبت دراسة، أو تؤكد الدراسات العلمية .. حول مادة غذائية أو موضوع صحي أو سلوكيات معينة لبعض المظاهر الاجتماعية في حياتنا اليومية. مثل هذه التعبيرات العامة لم تعد سائدة فقط في منشورات دعائية لتسويق بضائع، وإنما حتى بعض الأفكار، حيث يكتفى برنين هذه الجملة وسلطتها على المتلقي دون مناقشة، ولا تجد فيها أي مصادر دقيقة لها سوى ذكر اسم جامعة أو بلد، دراسة أمريكية .. دراسة ألمانية إلخ، حيث لا تاريخ ولا مصدر. كيف نتعامل مع مثل الخطاب الذي يستعمل هذه الديكورات العلمية؟




كم مرة نستقبل عبارات ما بين السطور في قضايا عديدة من نوع: أثبت دراسة، أو تؤكد الدراسات العلمية .. حول مادة غذائية أو موضوع صحي أو سلوكيات معينة لبعض المظاهر الاجتماعية في حياتنا اليومية. مثل هذه التعبيرات العامة لم تعد سائدة فقط في منشورات دعائية لتسويق بضائع، وإنما حتى بعض الأفكار، حيث يكتفى برنين هذه الجملة وسلطتها على المتلقي دون مناقشة، ولا تجد فيها أي مصادر دقيقة لها سوى ذكر اسم جامعة أو بلد، دراسة أمريكية .. دراسة ألمانية إلخ، حيث لا تاريخ ولا مصدر. كيف نتعامل مع مثل الخطاب الذي يستعمل هذه الديكورات العلمية؟

القول بأنه هناك دراسة علمية قد يوحي بمنهجية المتحدث عن هذا الموضوع، لكن المشكلة تبدأ ليس من صحة المصدر الذي قد يكون صحيحا في حالات كثيرة، وإنما مما تتعرض له المعلومة من تشويه ومغالطة، ولعب في السياقات التي تم فيها البحث والتجربة، فيأتي عرضها مبتورا وفقا لمصالح المتحدث التجارية وأيديولوجيته الفكرية، وتغيب ظروف الدراسة التي تعرضت للتدليس من الناقل، لأنه يريد تحويلها إلى أداة إقناع للآخر.

استعملت هذه العبارات في مجتمعنا لتسويق قناعات محددة مع متغيرات العصر، حيث الاستشهاد بالغرب والغربيين في الحالات النفعية من كلامهم، عبر جمل من نوع : «اسمعوا ما يقوله عقلاء الغرب». تطورت هذه الحالة مع تطورات الخطاب الديني والوعظي المعاصر في العقود الأخيرة، وقد حدث إسراف لافت في حالتنا المحلية باستعمال هذه التعبيرات. الخطاب الديني التقليدي قبل مرحلة خطاب الصحوة، كان يكتفي بعرض الحكم الديني والقيمي الذي يراه بالنصوص الشرعية وكلام السلف، ولا يهتم بما يقوله الغرب من دراسات وأبحاث حول المجتمع والإنسان، وقد كان بعضهم يرى الاستشهاد بهم دلالة على ضعف الإيمان برسالتنا وديننا .. في بدايات الصدام بين الخطاب التقليدي والمعاصر.

لكن فائدة وجاذبية الاستشهاد بمقولات ودراسات غربية تطورت لدى الخطاب الديني الدعوي، ولم تعد تثير الخطاب التقليدي وأصبح هو يستعملها، طالما أنها تخدمه في مواجهة التغيير الذي يحدث في المجتمع. وأصبح استعمالها دلالة على قوة الحجة ضد الخصم، وتحضر هذه الإشارات بكثرة في قضايا اجتماعية ونفسية كثيرة عند الحديث عن ضرر الاختلاط في العمل والتعليم. ومشكلات التحرش بالغرب وغيرها من قضايا المرأة. في بدايات محاربة الخطاب الديني لوجود التلفزيون في المنزل مثلا اعتمد خطابه على تكثيف المقولات حول خطر التلفزيون على الفرد والأسرة والمجتمع، وأخذ ينتقي من الدراسات ما يناسبه، بالرغم من أن نظريات التأثير، حدث لها تطورات ومتغيرات بعضها يناقض ما يريده الواعظ، بعض هذه القضايا أصبحت الآن شيئا من الماضي بعد تطورات هائلة في تقنية الاتصال، فرضت على أصحاب الرؤية المتشددة التكيف مع وجود التلفزيون وغيره.

الوعي الشعبي العام بدأ يلحظ كثرة مثل هذه العبارات وتناقضها أحيانا، فأخذ يسخر منها، حيث يتم تركيب النكات والتعليقات عليها من خلال استعمالها في توجيه سخرية لبعض القضايا. هذا التطور الساخر له وجه إيجابي إلى حد ما، ما لم يتحول إلى رؤية عبثية تسخر من الدراسات والأبحاث دون رؤية نقدية منهجية، فالتشكيك والسخرية بلا أسس تحدد قيمة وأهمية هذه الدراسة أو تلك ضار بالوعي المعرفي العام، فالمشكلة بالأصل ليست بالاستشهاد بهذه الدراسات، وإنما بكيفية إدراك إطار كل دراسة ومرحلتها وظروفها وتاريخها، وهل هناك دراسات أخرى تناقضها .. تفاصيل كثيرة يجب أن تكون حاضرة في الذهن لتقييمها.

بالنسبة للقضايا العلمية والطبية والغذائية، بالرغم من أنها أيضا تتعرض لكثير من التصحيح وتغيير النتائج بسبب تطورات تراكمية صاحبت هذا المجال وتنوع التجارب، فقد يكون التعامل معها أسهل معياريا ومنهجيا للقبول والرفض .. مقارنة بالدراسات والأبحاث التي تخص مجالات التربية والإعلام والاجتماع والسياسة والاقتصاد والمشكلات النفسية وقضايا المرأة والشباب والأطفال وغيرها.

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on September 19, 2015 06:17
No comments have been added yet.


عبد العزيز الخضر's Blog

عبد العزيز الخضر
عبد العزيز الخضر isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow عبد العزيز الخضر's blog with rss.