اللامتوقع في إدارة الحشود!


كل شخص يستطيع أن يمثل دور «الحكيم بعد الحادث»، لكن في مسألة الحج وإدارة جموع البشرية المتدفقة في كل زاوية في أرض المشاعر والحرم فالقضية سنوية، وكل حدث مهما انخفضت مسؤولية الجهات التي كانت في الميدان حينها، وإدارة الحركة وأصبح يتعلق باللامتوقع وغير المتحكم فيه في الخطة الكلية لإدارة المشاعر، فلا بد أن يضيف خبرة تراكمية للتقليل من المخاطر في المستقبل




كل شخص يستطيع أن يمثل دور «الحكيم بعد الحادث»، لكن في مسألة الحج وإدارة جموع البشرية المتدفقة في كل زاوية في أرض المشاعر والحرم فالقضية سنوية، وكل حدث مهما انخفضت مسؤولية الجهات التي كانت في الميدان حينها، وإدارة الحركة وأصبح يتعلق باللامتوقع وغير المتحكم فيه في الخطة الكلية لإدارة المشاعر، فلا بد أن يضيف خبرة تراكمية للتقليل من المخاطر في المستقبل.

هذا المقال يكتب قبل ظهور نتائج التحقيقات للحدث الأليم نتيجة تدافع الحجاج في مشعر منى صباح اليوم العاشر عند التاسعة صباحا، ونتج عنه وفاة 717 وإصابة المئات، ومنذ تطورات الخبر في الساعات الأولى والدفاع المدني يزود الإعلام بعدد الضحايا.

كانت بعض الآراء والتحليلات الخارجية شديدة التحامل على كل الجهود السعودية المبذولة كما هو معتاد، وهذه الجهود ليست بحاجة لشهادة هذه الأصوات القليلة والتي لم يسبق لها الإنصاف.

كثرة الانشغال بها والتفاعل معها يزيد من حضورها، ويعطي لها قيمة أكبر من حجمها في الواقع.

مثل هذه الأحداث المؤلمة لا تتحمل أي قراءات مسيسة بأي اتجاه، وهذه المناكفات يجب أن لا تؤثر على قراءتنا النقدية العقلانية للواقع والاستفادة من وجهات النظر المختلفة.

هذا الحدث يختلف في نوعيته عن جميع ما حدث في الماضي، فمع كل حدث كان هناك تجاوب ومواجه للمشكلة بطريقة علاج معينة منذ ربع قرن، فمشكلة الحرائق المتكررة تم تجاوزها، وأماكن الرمي تعرضت لتطويرات كبرى بالجسور المتعددة..حتى الفتوى الدينية حول توقيت الرمي تجاوبت قبل سنوات بعدما شعرت بخطورة الأمر وتكراره، وأيضا مراجعة عدد الحجاج السنوي، ثم جاءت تجربة قطار المشاعر للتخفيف من استعمال السيارات، ومن المؤكد أنها ساعدت في حل بعض الجوانب في الماضي بصورة ملحوظة، لكن هذا لا يمنع من حدوث مشكلات أخرى في إدارة هذه المواقع.

الجديد والمؤلم في المأساة هذه المرة..أنها حدثت في المكان والزمان غير المتوقع خطورته في إدارة الحشود البشرية، لأنه في العادة يكون: حريقا أو فوق جسر أو عبر نفق..ولهذا شعر البعض بالصدمة من عدد الضحايا، وكيف يمكن أن يصبح أحد الشوارع بين الخيام مصيدة أيضا غير متوقعة يصعب الهروب منها في حالة الخطر!من ناحية ميدانية وإعلامية جاء تعليق وكيل وزارة الحج المتحدث الرسمي للوزارة حاتم القاضي بأن» التفويج من الناحية العلمية يقوم على ثلاث ركائز تتمثل في (الحاج نفسه وممثل الحاج ومؤسسة الطوافة)، وخطط التفويج معتمدة من خمس جهات حكومية في كل سنة تعمل على تقويم تنفيذ الخطط»، بالمقابل جاء تصريح المتحدث الأمني لوزارة الداخلية اللواء منصور التركي في مؤتمره الصحفي «بأن هناك سببا للحادث لا بد من الوقوف عليه ولن نتردد في تقصي الأسباب، سواء كانت متعلقة بأداء رجال الأمن أو بأداء مؤسسات الطوافة فيما يتعلق بتفويج الحجاج أو كان لها أي أسباب أخرى، وما يهم هو أن نقف على الحقيقة في تحقيق علمي مبني على أسس يمكن من خلالها أن نضمن تلافي تكرار مثل هذه الحوادث ومعالجة الأسباب، فالحج يتم في كل عام ويهمنا أن لا نتوقف عند مثل هذه الحادثة».

لا شك هناك تعقيدات كثيرة في إدارة الكثافة البشرية، وتبدو مشكلتها الآن أنها لم تعد في مكان واحد، وهذا يفرض ابتكار طرق جديدة للحد من أي نقطة تصادم في أي مكان، ومنها الاستفادة من تقنية الاتصال اليوم في الجوالات عبر تطبيقات خاصة، ووضع صور شاشات تلفزيونية ضخمة توضح للمشاة في كل شارع مقدار الزحمة التي أمامه قبل الدخول فيها، فما ضاعف المأساة أن البعض دخل بالمسار المكتظ دون أن يدرك أن أمامه اختناقات خطرة.

وإذا كان أصعب ما تواجه أي خطة ميدانية هو «عدم الالتزام بالتعليمات» كما صرح به البعض، لكن يبدو أن تحديد مدى عدم الالتزام بالتعليمات بحاجة إلى إعادة نظر قبل التصريح فيه، لأنه جزء من الشهادة على الحادثة، فإلى أي مدى حدث عدم الالتزام ودرجة الخطأ، ودور الخطط الميدانية المعدة أن تستعد لمثل هذه الحالات المتوقعة.

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on September 26, 2015 06:38
No comments have been added yet.


عبد العزيز الخضر's Blog

عبد العزيز الخضر
عبد العزيز الخضر isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow عبد العزيز الخضر's blog with rss.