أسئلة التدخل الروسي الثاني


يأتي إعلان وزارة الدفاع الروسية عن نشر الجيش الروسي أكثر من خمسين طائرة ومروحية وقوات مشاة تابعة للبحرية ومظليين ووحدات من القوات الخاصة، وشن طيرانه ضربات جوية، كأحد التحولات التاريخية للمجتمع الدولي




يأتي إعلان وزارة الدفاع الروسية عن نشر الجيش الروسي أكثر من خمسين طائرة ومروحية وقوات مشاة تابعة للبحرية ومظليين ووحدات من القوات الخاصة، وشن طيرانه ضربات جوية، كأحد التحولات التاريخية للمجتمع الدولي.

هذا التدخل يزيح كل الرؤى والتحليلات التي قيلت على مدى سنوات وخاصة في الأشهر الأخيرة، بخطوة لم يتوقعها أكثر المتشائمين بهذه الصورة، وهو يتجاوز المسألة السورية وتعقيداتها وشرعية النظام السوري، إلى ماهية النظام الدولي نفسه ودوره، من خلال انفراد دول كبرى بتسخير إمكانياتها والقوة التي تملكها ضد مصالح شعوب بهذه العلانية الصادمة للرؤية المعتدلة في المنطقة.

كانت بداية التسعينات بعد حرب تحرير الكويت وخطاب بوش الأب عن النظام العالمي الجديد أبرز المراحل الوردية للمجتمع الدولي، حينها كان العالم يودع الحرب الباردة، وتزامن معها الحديث عن السلام في المنطقة، ومعها جاء الحديث عن «نهاية التاريخ».

بعد عقدين ماذا بقي من المجتمع الدولي ودوره في حل الأزمات، لقد أصبحت كل دولة تستعمل قوتها بالطريقة التي تخدم مصالحها دون قرارات دولية مجمع عليها، وأصبحت التفاهمات الجانبية هي التي تسير الأحداث، فما قامت به إيران مع حزب الله من تدخلات مباشرة في سوريا منذ بداية الأحداث من قتل في الشعب السوري، ودعم روسي عبر مجلس الأمن قبل أن تتدخل مباشرة لإنقاذ النظام، وكثرة القرارات الخاصة بالدول الكبرى المنفردة يجعل الثقة بمجتمع دولي الآن في حالة تحول في مصداقيته، وهذا سيخدم زعامات ورؤى متطرفة في العالم.

لقد كان الخطاب السياسي العربي المعتدل يراهن كثيرا على المجتمع الدولي ويعتمد على مشروعيته في كثير من الأزمات، وبالمقابل كان الخطاب الثوري والإسلامي يشتم هذا المجتمع الدولي وأخلاقياته وعدم عدالته، بعد كثير من هذه المتغيرات بدأ الخطاب الحكومي والرسمي العربي مؤخرا يشعر بالقلق أكثر..ويفقد هو الثقة بالمجتمع الدولي الذي يبدو أنه لن يتدخل إلا وفق مصالح ضيقة خاصة بدول محددة، ولا تتحرك بيروقراطية الأمم المتحدة المصابة بالشلل إلا بفعل هذه القوى، هذه الثقة المفقودة أكثر ما يزعج الأنظمة التقليدية، ويشعرها بأنه يجب أن تتخلى عن تقليديتها للحفاظ على مصالحها.

التحرك الروسي استفاد من استراتيجية أوباما المتحفظة والمترددة منذ بدايات الأزمة، وقوف العالم عاجزا خلال ثلاثة أعوام عن إيجاد حل سياسي للحفاظ على ما تبقى من بنية الدولة، هو الذي سمح للإرهاب بالتمدد بدعم من نظام بشار، ومع ذلك حاول بوتين تصوير تدخله بأنه في إطار الحرب على الإرهاب، لكن الضربات يوم الأول، كشفت النوايا الحقيقية، بدعم نظام هو المسؤول الأول عما حدث من إرهاب، وفي الوقت الذي يعلن فيه الجيش الروسي أنه يقصف مواقع تنظيم «الدولة الإسلامية» ترى الولايات المتحدة وفرنسا و»الجيش السوري الحر» أن الصورة مختلفة، فبعض المواقع المستهدفة ليس فيها أصلا وجود لـ»داعش»، وأن الهدف الحقيقي هو ضرب معارضي الرئيس السوري بشار الأسد.

أهم ما يميز هذا التدخل المباشر أنه إعلان صريح موجه للغرب بفشله في التعامل مع الأزمة وهذا قد يعيد الحياة للسياسة الغربية للتعامل بجدية أكبر مع الوضع في المنطقة، فتردد أوروبا وأمريكا في التعامل مع الأزمة السورية منذ البداية ووضع رؤية عملية على الأرض وحسم الموقف من نظام بشار، ساهم في هذا التعقيد الذي وصلت إليه.

يبعث هذا التدخل الروسي بعضلات عسكرية شيئا من الحنين لدى بعض الذهنيات العربية ضد الأمركة والعولمة وهجائيتها السائدة بالحلم بعودة القطب المفقود، ولهذا تجد في تحليلاتهم الرغبوية شيء من المبالغة في التبشير بعودة روسيا بنكهتها السوفيتية، مع كم هائل من المغالطات التاريخية..ترافقها رؤى أخرى تقليدية تستحضر قصة الجهاد الأفغاني في عملية اجترار تاريخي لا معنى له، فقصة الجهاد في أفغانستان وكل نجاحاتها مرتبطة بأمريكا ومن معها من أنظمة إسلامية باكستان والدول العربية، ومحاولة صناعة بطولات بدون استحضار هذا العامل هو مغالطة تاريخية مكشوفة، وحتى نجاحات الزرقاوي وجماعته في قضية ما بعد غزو العراق في صناعة حظيرة إرهابية في العراق وتطوراتها هو نجاح مرتبط بدعم أنظمة مجاورة وموقف دول معينة سمح لحركات العنف بالتواجد، خوفا من نجاح تصدير ديموقراطية بوش على الدبابة الأمريكية!

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on October 03, 2015 06:03
No comments have been added yet.


عبد العزيز الخضر's Blog

عبد العزيز الخضر
عبد العزيز الخضر isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow عبد العزيز الخضر's blog with rss.