“تغيير الكاتب لغتَه يعادل كتابةَ رسالةِ حبّ بوساطة قاموس.
ليس غير الموسيقى لربط صلة لا تنفصم بين كائنين.
أيُّ هوًى هو هوًى فانٍ. إنه ينحط ، شأنه شأن كل ماله صلة بالحياة..
الانتعاظ أو هزَّة الجماع،ذروة؛ اليأس أيضا. أحدهما يدوم لحظة؛ والثاني يدوم حياة.
توجد كآبتان؛الأولى يعالجها الدواء،والثانية تلازمنا:إنها الأنا في مواجهة ذاتها إلى الأبد.
كلما تألمنا أكثر طالبنا بالأقل.الاحتجاج علامة على أن الإنسان لم يجتز أي جحيم.
بعد كلام كثير لمدة ساعات هاأنذا يغزوني الفراغ،الفراغ والخزي.أليس من البذاءة أن يكشف المرء أسراره ويعري كيانه،أن يحكي ويستمع إلى من يحكي،في حين أن أكثر لحظات حياته امتلاء قد عرفها خلال الصمت،خلال الإدراك الحسي للصمت؟
أنت الآن هادئ،لقد نسيت عدوك.أما هو فيسهر ويترقب.ومع ذلك عليك أن تكون مستعدا عندما يهجم.سوف تنتصر عليه لأن الضعف تمكن منه بسبب ذلك الهدر الهائل للطاقة،أي الحقد.
أن نكون أو لا نكون…لا هذا ولا ذاك.
إذا كانت الروابط بين البشر على هذه الدرجة من الصعوبة فلأنهم خلقوا للعراك وليس لإقامة "روابط".
كلما تقدمنا في السن أدركنا أننا نتوهم أنفسنا متحررين من كل شيء وأننا في الواقع لسنا متحررين من أي شيء.
في لغة أخرى مستعارة(غير اللغة الأم) نكون واعين بالكلمات.فهي لا تكون موجودة فيك بل خارجك.هذا البون بينك وبين وسيلتك للتعبير يفسر صعوبة،بل استحالة،أن يكون المرء شاعرا في غير لغته.كيف عساك تستخلص جوهر كلمات ليست متجذرة فيك؟ إن القادم الجديد يعيش على سطح الكلمة،ولا يمكنه،في لغة تعلمها متأخرا،أن يترجم ذلك الاحتضار الباطني الذي ينبجس منه الشعر.
حدُّ كلِّ ألم ألمٌ أكبر منه.
خروج آدم هو الحدث التاريخي الوحيد، في الجنة.
البطل هو الذي يفكر في الموت أقل من كل الناس.ومع ذلك لا أحد يطمح إلى الموت،بطريقة لا واعية طبعاً،كما يطمح إليه البطل.هذه المفارقة تحدد وضعيته:شهوة الموت من دون الإحساس به.
أُنصت إلى الصمت ولا أستطيع خنق صوته:كل شيء قد انتهى.هذه الكلمات نفسها تصدرت بداية العالم،بما أن الصمت سبق تلك البداية.
مهما كانت درجة ثقافتك، إذا لم تفكر في الموت بكثافة،فأنت إنسان بائس.إن أي عالم كبير-حتى وإن كان كذلك حقاً-هو أدنى بكثير من أمِّيٍّ مسكونٍ بالأسئلة النهائية.العلم بصورة عامة يبلِّد الأرواح عبر تقليص وعيها الميتافيزيقي.
"أعيش بما يموت منه الآخرون"(مايكل أنجلو). لا يمكن أن نضيف شيئاً حول العزلة.
أسمع في أعماقي،حتى وإن لم أتوغل فيها إلا قليلاً،نداءات السديم قبل أن يتحول أو ينحط إلى كون.
أنا فيلسوف عوَّاء.أفكاري،إذا كانت هناك أفكار،تنبح؛ إنها لا تفسر شيئا، بل تنفجر.
بالأمس،في القطار الذي كان ينقلني من كومبياني إلى باريس،أمامي فتاة (19عاما؟) وشاب, حاولتُ مقاومة اهتمامي بالفتاة وبجاذبيتها،ولكي أتوصل إلى ذلك،تخيلتها ميتة،في حالة جثة متحللة،وتخيلت عينيها،وجنتيها،أنفها،شفتيها،كل ما فيها،في حالة تحلل.لكن،من دون طائل.ظلت فتنتها تجذبني.تلك هي معجزة الحياة.
كل تناقضاتي تأتي مما يلي: لا أحد يستطيع أن يحب الحياة مثلي،وأنْ يُحس،في وقت واحد وبطريقة غير متقطعة تقريباً،إحساساً بعدم الانتماء وبالمنفى والتخلي.أنا مثل إنسان أكول يفقد شهية الأكل بسبب طول تفكيره في الجوع.
يصيبني الذهول من كمية الوقت الذي أمضيته وأنا أتبرم من كل شيء،ومنّي شخصيًّا بالأساس. لكن،إذا كانت لي قيمة ما،فإن سببها هو ذلك الوقت الذي أهدرته ..
استطعت أن أستعيد في ذهني تلك الليلة كلها التي قضيتها في "تالامانكا" واستيقظت فجأة حوالي الثالثة أو الرابعة فجرًا كي أقصد الصخور الوعرة المشرفة على البحر- لإنهاء كل شيء.كنتُ أرتدي "البيجاما"،وعليها معطف مطريّ أسود اللون؛ مكثت بضع ساعات فوق تلك الصخور إلى أن جاء الضوء وطرد أفكاري السوداء.لكنْ،حتى قبل شروق الشمس،لاح لي جمال المنظر،ونباتات الدرب،وصخب الأمواج،وأخيرًا السماء،كل ذلك بدا لي على درجة من الجمال بحيث تخلَّيْتُ عن مشروعي،واعتبرته متسرِّعًا على أية حال.قلت في نفسي:إذا كان كل شيء لاواقعيًّا،فإن هذا المنظر لاواقعيّ أيضا.ثم أجبتُ نفسي: هذا ممكن،بل حقيقي؛ غير أن تلك اللاواقعية تروق لي،تغريني،تعزِّيني.الجمال ليس وهمًا كاملاً،إنه مطلع وهم،بداية واقع.
فقد نابليون ثلاثين ألف جندي في معركة "فاغرام" من دون أن يشعر بأي ذنب.عانى من سوء المزاج فقط – لكن ما جدوى ملاحظة هذه الأمور؟ إن الشعور بالذنب لا يصيب إلا الذين ينقصهم الفعل،الذين لا يستطيعون الفعل، وهكذا فإن الندم عندهم يحل محل العمل.
عندما يكون المرء وحده،حتى وإن لم يفعل شيئا،”
―
إميل سيوران,
لو كان آدم سعيدًا