محمد مصطفى عبدالمجيد's Blog
March 13, 2014
عالم آخر غريب ـ(قصة)ـ
عالم آخر غريب
(قصة)
يتقلب يمينًا.. يسارًا.. يرفع الغطاء.. يخفضه مرة أخرى.. يحاول أن يغمض عينيه.. لا فائدة.. لا يستطيع أن يقاوم ذلك الصارخ من داخله!
استجاب بعد مقاومة، وأخرج هاتفه المحمول المدفون تحت وسادته، وفتح (الفيس بوك) ليتابع الإعجابات على منشوره الأخير الذي كتبه للتو منذ خمس دقائق!
إعجابان فقط؟! دعني أرى مَن هذان.. ليسا مشهورَين! يا للأسى! فلينم الآن ولينظر صباحًا.. بالتأكيد سيكون الوضع أفضل.
أحلامه كالعادة لا تخلو من العالم الأزرق الذي يسبح فيه، فإذا أعجبه شيء ضغط إعجاب، وإذا تضايق من أحد قام بحظره!
كيف تبدو هذه الأمور لو تمثَّلت محسوسة؟! لا يدري، ولكنه يشعر بها محسوسة في حُلمه، ولا يستطيع وصفها..
يبدأ يومٌ جديد..
إعجاب هنا.. تعليق هناك.. مشاركات في بعض المجموعات.. يمسح العرق عن جبينه..
مَن هذا الذي سوَّلت له نفسه أن ينتقده؟! يفتح صفحته.. لقد هزلت "حتى بدا من هزالها كلاها و..."! مَن هذا الفقير مِن المتابعين لينتقد؟! حظر مباشرة.. يلهث.. يتوقف قليلاً ليلتقط أنفاسه ثم يواصل.. صحيح؛ لقد نسي أن يضع حالة "متعب" ويراقب تعليقات المتابعين على تعبه ويشكرهم على تقديرهم لتعبه.. نعم هو مشغول بأمور كثيرة، لكن عليه ألا يغفل عن متابعة معجبيه.
كتب منشورًا بالأمس عن نظافة الشوارع حاز مئات الإعجابات، التي أخذت تتسرب في دمه محدثة تلك النشوة التي تطورت مع مرور الأيام حتى صار يشعر بها في أطراف أصابع رجليه!
ارتدى ملابسه واستعد للذهاب للعمل.. تلك اللحظات العصيبة التي يكون فيها في المصعد حيث لا شبكة اتصال للهاتف.. خرج من المصعد كخارج من القبر ينفض الغبار عن بدنه، ويلتقط أنفاسه، ويعود إلى عالمه الأزرق غير ملتفت إلى الطريق.. لا يهم فقد اعتاد على ذلك..
ولكن اليوم هناك شيء مختلف يستحق منه أن يقتطع من وقت الفيس بوك لينظر إليه.. الشارع مختلف فعلاً!
الشارع كأنه لوحة فنان أنهاها لتوِّه.. لا ورقة في الشارع.. لا ذرة تراب على الرصيف.. قام بعمل "إنعاش" لعينيه ربما يرى أفضل، ولكن ظلت الصورة كما هي!
رأى عامل نظافة.. لو سمحت لو سمحت.. ماذا حدث اليوم؟ هل أنا في حلم؟!
فغر عامل النظافة فاه وقال له بعد شهقة مفجعة: حضرتك أستاذ فلان على الفيس بوك؟! أنا من أشد المعجبين بحضرتك!
سرى تيار كهربائي منعش في عموده الفقري، وتمالك نفسه عن أن يرقص في قارعة الطريقة.. ابتلع لعابه في صعوبة ليخفي فرحته، وحاول أن يكسو صوته بقشرة من الوقار خرجت مضطربة وهو يقول: شكرًا وأهلاً بواحد من مئات المعجبين الذين يستوقفونني في الشوارع حتى أكاد.... عذرًا! ما الذي حدث في الشوارع؟!
أجابه الرجل: بعد منشور حضرتك الذي كتبته اليوم نزل الجميع من بيوتهم وتركوا أعمالهم استجابة لندائك..
خرج عن الوعي للحظة، ثم عاد ليجد الرجل قد انصرف من أمامه، مرت سيارة بجواره، فأبطأت من سرعتها، وأخرج سائقها رأسه من نافذتها.. نعم كما تتوقعون.. حياه وشكره على توجيهه لجماهيره للاهتمام بنظافة الشوارع..
لقد تغيّر الشارع بسبب منشور!
جلس يفكر مع نفسه: هل هو في حلم؟! أم أن هذا أحد مقالب أصدقائه السمجين؟! ولكن كيف يُدبَّر مثل هذا المقلب؟! أم أنها مجرد مصادفة؟! الحل في تجربة شيء جديد..
ماذا يكتب؟ ماذا يكتب؟ يريد شيئًا عامًا يرى أثره في الشارع.. نعم، سيكتب عن أطفال الشوارع..
قضى ليلة تختلط فيها الإعجابات بالمشاركات في أحلام مزعجة، وفي اليوم التالي نزل إلى الشارع.. نفس النتيجة! لا أطفال شوارع.. طابور من الأطفال في ملابس نظيفة يمسك كل منهم بوردة جميلة يحيونه.. مَن هؤلاء؟! في نفس واحد: كنا بالأمس أطفال شوارع.. شكرًا يا "عمّو"!
هي حقيقة إذن! كلماته يتلقفها الناس ويسارعون في تنفيذها.. شيء عجيب!
احم.. ولماذا عجيب؟! شد عضلات ظهره ورقبته في اعتداد، وقال لنفسه: شيء طبيعي! منشوراتي واسعة الأثر.. أعلم ذلك منذ زمن، فلماذا التعجب؟!
وكان يومه التالي بداية حياته الجديدة.. لقد بدأ في صناعة العالم الذي يريد، ما يكاد يكتب منشورًا حتى تبدأ الدنيا في التغيُّر من حوله، لا مفر بالتأكيد مِن بعض مَن يشغلون وقته بالثناء عليه وعلى إنجازاته ومدى تأثيره، ولكن ماذا يفعل؟! إنها ضريبة الشهرة..!
بدأ يَسبح في عالمه أمام شاشة الحاسب أحيانًا وأمام شاشة الهاتف أحيانًا أخرى من باب التنويع، ولو أمكنه أن يسبح فيه من خلال أواني الطعام ووسادة النوم وحوض الحمام لفعل.. ذكِّروه أن يحث المخترعين على ابتكار هذا الأمر في أحد منشوراته القادمة..
ولكن كما تعلمون -وكما يعلم هو أيضًا- أن لكل نجاح أعداء، وكم يُبغض أعداء النجاح ويتمنى أن يكون هناك خاصية مقابلة للإعجاب ليضغط عليها إذا خطروا بباله.
بدأ البعض يهاجمه في منشوراته، فسلَّ سيف "الحظر" وانطلق به، إلى أن انفعل ذات مرة فمد يده في غمرة غضبه إلى الشاشة، فاخترقتها لتدهس هذا المعترض عليه، ويسيل دمه على حائطه!
وسط اندهاشه قام بمسح المنشور سريعًا، ثم تابع صفحة ذلك الشخص.. لقد توقف عن المشاركة بالفعل..! هل مات فعلاً؟!
لقد صار العالم الأزرق حقيقيًا!
احم.. ما هذا الهراء الذي يقوله؟! ألم يكن حقيقيًا من قبل؟!
منذ ذلك اليوم صار لا يرحم معارضيه.. هم لا يستحقون الرحمة فعلاً، وسحقهم خير لهذا المجتمع الذي يصنعه الآن بمنشوراته.. لا مكان لأعداء النجاح في مجتمعي الجديد!
بدأت مملكته تكتمل أمام عينيه.. لم ينس بالطبع أن ينشئ جيشًا لحمايته، وصحفًا تسبح بحمده، وقنوات لا تتحدث صباحًا ومساءً إلا عن إنجازاته.. أحلامه تتحقق بضغطة زر، وأعداؤه يُسحقون.. ضحكة عميقة متقطعة!
أحسَّ ذات يوم بثقل في تحميل بعض الصفحات، وبعض التعثُّر في نشر أي منشور جديد.. لقد بدأت الحرب والخيانة!
حملة "إبلاغات" عنه تسببت في إصابة حسابه بشلل جزئي.. تبًا لهم ثم تبًا لهم!
ثارت ثائرته، ولم ينس أن يعبر عنها بحالة "غاضب" على الفيس بوك حازت على عدد كبير من الإعجابات، وبدأ في تحريك جيوشه لمقاومة المتمردين.
استمرت المعركة عدة أيام، وبدأ يشعر بآثارها أثناء مشيه في الشوارع.. ذات مرة وجد أحد الناس ينظر إليه نظرة لم ترق له.. ما هذه النظرة؟ لابد أنه من المتمردين! صرخ في وجهه: كفوا عن تمردكم.. ستخربون إنجازي الجميل! ثم ضغط "إدخال" بعنف.. نظر إليه الرجل في تشكُّك، التفت ومشى مسرعًا.. جيد، لقد ردعته الصرخة وآوى إلى جحره البغيض!
ولكن حركة التمرد استمرت في الصعود، وصار يتشكك في كل من يمشي حوله في الشارع ومن يقابله في عمله.. الحل الأمثل هذه الفترة ألا يخرج من بيته حتى لا يتعرض مُلهم العالم الأزرق لأي شيء قد يدمر مستقبل المجتمع!
حبس نفسه في بيته، إلا أن الحصار امتد إلى غرفته.. فراشه.. حتى دورة المياه..
لقد ظل يقاوم حتى آخر لحظة إلى أن بدأت أيادي المتمردين تخرج من شاشته تحاول النيل منه.. كان يدفعها بقوة، ولكنها تأبى إلا أن تمسك برقبته..
استمرت المعركة، وتعددت الأيدي، وصار لا يتمكن من مقاومتها مجتمعة.. ذات يوم أمسكت رقبته بعنف.. أخذ يصرخ دافعًا إياها:
دعوني.. يا أعداء النجاح..
سأقوم بإلغاء صداقتي معكم.. دعوني.. سأحظركم..
سأموت.. لاااااااا!
حشرجة عميقة متقطعة..!
(قصة)
يتقلب يمينًا.. يسارًا.. يرفع الغطاء.. يخفضه مرة أخرى.. يحاول أن يغمض عينيه.. لا فائدة.. لا يستطيع أن يقاوم ذلك الصارخ من داخله!
استجاب بعد مقاومة، وأخرج هاتفه المحمول المدفون تحت وسادته، وفتح (الفيس بوك) ليتابع الإعجابات على منشوره الأخير الذي كتبه للتو منذ خمس دقائق!
إعجابان فقط؟! دعني أرى مَن هذان.. ليسا مشهورَين! يا للأسى! فلينم الآن ولينظر صباحًا.. بالتأكيد سيكون الوضع أفضل.
أحلامه كالعادة لا تخلو من العالم الأزرق الذي يسبح فيه، فإذا أعجبه شيء ضغط إعجاب، وإذا تضايق من أحد قام بحظره!
كيف تبدو هذه الأمور لو تمثَّلت محسوسة؟! لا يدري، ولكنه يشعر بها محسوسة في حُلمه، ولا يستطيع وصفها..
يبدأ يومٌ جديد..
إعجاب هنا.. تعليق هناك.. مشاركات في بعض المجموعات.. يمسح العرق عن جبينه..
مَن هذا الذي سوَّلت له نفسه أن ينتقده؟! يفتح صفحته.. لقد هزلت "حتى بدا من هزالها كلاها و..."! مَن هذا الفقير مِن المتابعين لينتقد؟! حظر مباشرة.. يلهث.. يتوقف قليلاً ليلتقط أنفاسه ثم يواصل.. صحيح؛ لقد نسي أن يضع حالة "متعب" ويراقب تعليقات المتابعين على تعبه ويشكرهم على تقديرهم لتعبه.. نعم هو مشغول بأمور كثيرة، لكن عليه ألا يغفل عن متابعة معجبيه.
كتب منشورًا بالأمس عن نظافة الشوارع حاز مئات الإعجابات، التي أخذت تتسرب في دمه محدثة تلك النشوة التي تطورت مع مرور الأيام حتى صار يشعر بها في أطراف أصابع رجليه!
ارتدى ملابسه واستعد للذهاب للعمل.. تلك اللحظات العصيبة التي يكون فيها في المصعد حيث لا شبكة اتصال للهاتف.. خرج من المصعد كخارج من القبر ينفض الغبار عن بدنه، ويلتقط أنفاسه، ويعود إلى عالمه الأزرق غير ملتفت إلى الطريق.. لا يهم فقد اعتاد على ذلك..
ولكن اليوم هناك شيء مختلف يستحق منه أن يقتطع من وقت الفيس بوك لينظر إليه.. الشارع مختلف فعلاً!
الشارع كأنه لوحة فنان أنهاها لتوِّه.. لا ورقة في الشارع.. لا ذرة تراب على الرصيف.. قام بعمل "إنعاش" لعينيه ربما يرى أفضل، ولكن ظلت الصورة كما هي!
رأى عامل نظافة.. لو سمحت لو سمحت.. ماذا حدث اليوم؟ هل أنا في حلم؟!
فغر عامل النظافة فاه وقال له بعد شهقة مفجعة: حضرتك أستاذ فلان على الفيس بوك؟! أنا من أشد المعجبين بحضرتك!
سرى تيار كهربائي منعش في عموده الفقري، وتمالك نفسه عن أن يرقص في قارعة الطريقة.. ابتلع لعابه في صعوبة ليخفي فرحته، وحاول أن يكسو صوته بقشرة من الوقار خرجت مضطربة وهو يقول: شكرًا وأهلاً بواحد من مئات المعجبين الذين يستوقفونني في الشوارع حتى أكاد.... عذرًا! ما الذي حدث في الشوارع؟!
أجابه الرجل: بعد منشور حضرتك الذي كتبته اليوم نزل الجميع من بيوتهم وتركوا أعمالهم استجابة لندائك..
خرج عن الوعي للحظة، ثم عاد ليجد الرجل قد انصرف من أمامه، مرت سيارة بجواره، فأبطأت من سرعتها، وأخرج سائقها رأسه من نافذتها.. نعم كما تتوقعون.. حياه وشكره على توجيهه لجماهيره للاهتمام بنظافة الشوارع..
لقد تغيّر الشارع بسبب منشور!
جلس يفكر مع نفسه: هل هو في حلم؟! أم أن هذا أحد مقالب أصدقائه السمجين؟! ولكن كيف يُدبَّر مثل هذا المقلب؟! أم أنها مجرد مصادفة؟! الحل في تجربة شيء جديد..
ماذا يكتب؟ ماذا يكتب؟ يريد شيئًا عامًا يرى أثره في الشارع.. نعم، سيكتب عن أطفال الشوارع..
قضى ليلة تختلط فيها الإعجابات بالمشاركات في أحلام مزعجة، وفي اليوم التالي نزل إلى الشارع.. نفس النتيجة! لا أطفال شوارع.. طابور من الأطفال في ملابس نظيفة يمسك كل منهم بوردة جميلة يحيونه.. مَن هؤلاء؟! في نفس واحد: كنا بالأمس أطفال شوارع.. شكرًا يا "عمّو"!
هي حقيقة إذن! كلماته يتلقفها الناس ويسارعون في تنفيذها.. شيء عجيب!
احم.. ولماذا عجيب؟! شد عضلات ظهره ورقبته في اعتداد، وقال لنفسه: شيء طبيعي! منشوراتي واسعة الأثر.. أعلم ذلك منذ زمن، فلماذا التعجب؟!
وكان يومه التالي بداية حياته الجديدة.. لقد بدأ في صناعة العالم الذي يريد، ما يكاد يكتب منشورًا حتى تبدأ الدنيا في التغيُّر من حوله، لا مفر بالتأكيد مِن بعض مَن يشغلون وقته بالثناء عليه وعلى إنجازاته ومدى تأثيره، ولكن ماذا يفعل؟! إنها ضريبة الشهرة..!
بدأ يَسبح في عالمه أمام شاشة الحاسب أحيانًا وأمام شاشة الهاتف أحيانًا أخرى من باب التنويع، ولو أمكنه أن يسبح فيه من خلال أواني الطعام ووسادة النوم وحوض الحمام لفعل.. ذكِّروه أن يحث المخترعين على ابتكار هذا الأمر في أحد منشوراته القادمة..
ولكن كما تعلمون -وكما يعلم هو أيضًا- أن لكل نجاح أعداء، وكم يُبغض أعداء النجاح ويتمنى أن يكون هناك خاصية مقابلة للإعجاب ليضغط عليها إذا خطروا بباله.
بدأ البعض يهاجمه في منشوراته، فسلَّ سيف "الحظر" وانطلق به، إلى أن انفعل ذات مرة فمد يده في غمرة غضبه إلى الشاشة، فاخترقتها لتدهس هذا المعترض عليه، ويسيل دمه على حائطه!
وسط اندهاشه قام بمسح المنشور سريعًا، ثم تابع صفحة ذلك الشخص.. لقد توقف عن المشاركة بالفعل..! هل مات فعلاً؟!
لقد صار العالم الأزرق حقيقيًا!
احم.. ما هذا الهراء الذي يقوله؟! ألم يكن حقيقيًا من قبل؟!
منذ ذلك اليوم صار لا يرحم معارضيه.. هم لا يستحقون الرحمة فعلاً، وسحقهم خير لهذا المجتمع الذي يصنعه الآن بمنشوراته.. لا مكان لأعداء النجاح في مجتمعي الجديد!
بدأت مملكته تكتمل أمام عينيه.. لم ينس بالطبع أن ينشئ جيشًا لحمايته، وصحفًا تسبح بحمده، وقنوات لا تتحدث صباحًا ومساءً إلا عن إنجازاته.. أحلامه تتحقق بضغطة زر، وأعداؤه يُسحقون.. ضحكة عميقة متقطعة!
أحسَّ ذات يوم بثقل في تحميل بعض الصفحات، وبعض التعثُّر في نشر أي منشور جديد.. لقد بدأت الحرب والخيانة!
حملة "إبلاغات" عنه تسببت في إصابة حسابه بشلل جزئي.. تبًا لهم ثم تبًا لهم!
ثارت ثائرته، ولم ينس أن يعبر عنها بحالة "غاضب" على الفيس بوك حازت على عدد كبير من الإعجابات، وبدأ في تحريك جيوشه لمقاومة المتمردين.
استمرت المعركة عدة أيام، وبدأ يشعر بآثارها أثناء مشيه في الشوارع.. ذات مرة وجد أحد الناس ينظر إليه نظرة لم ترق له.. ما هذه النظرة؟ لابد أنه من المتمردين! صرخ في وجهه: كفوا عن تمردكم.. ستخربون إنجازي الجميل! ثم ضغط "إدخال" بعنف.. نظر إليه الرجل في تشكُّك، التفت ومشى مسرعًا.. جيد، لقد ردعته الصرخة وآوى إلى جحره البغيض!
ولكن حركة التمرد استمرت في الصعود، وصار يتشكك في كل من يمشي حوله في الشارع ومن يقابله في عمله.. الحل الأمثل هذه الفترة ألا يخرج من بيته حتى لا يتعرض مُلهم العالم الأزرق لأي شيء قد يدمر مستقبل المجتمع!
حبس نفسه في بيته، إلا أن الحصار امتد إلى غرفته.. فراشه.. حتى دورة المياه..
لقد ظل يقاوم حتى آخر لحظة إلى أن بدأت أيادي المتمردين تخرج من شاشته تحاول النيل منه.. كان يدفعها بقوة، ولكنها تأبى إلا أن تمسك برقبته..
استمرت المعركة، وتعددت الأيدي، وصار لا يتمكن من مقاومتها مجتمعة.. ذات يوم أمسكت رقبته بعنف.. أخذ يصرخ دافعًا إياها:
دعوني.. يا أعداء النجاح..
سأقوم بإلغاء صداقتي معكم.. دعوني.. سأحظركم..
سأموت.. لاااااااا!
حشرجة عميقة متقطعة..!
Published on March 13, 2014 21:47
September 12, 2013
فكرة.. كانت هنا!
فكرة.. كانت هنا!
(1)
أكتب إليكِ الآن بعد أن استقر بي المقام في هذا العقل الذي قُدِّر أن يكون مآلي!
شعور جديد.. استوحشت في أول الأمر، لكنني بجولة بين التلافيف وجدتُ كثيرًا من الأفكار ما زالت في ريعان الصبا كحالي متناثرة يمنة ويسرة، فاستبشرت خيرًا؛ فيبدو أن صحابنا ذكيٌّ مبدعٌ، تتوالد الأفكار في رأسه، وأظن أنني في وقت قريب قد أخرج إلى الحياة على يديه.
سأوافيكِ بالأخبار لاحقًا.. أبلغي سلامي لكل صديقاتي!
* * *
(2)
كيف حالكِ وحال مَن معكِ؟ أرجو أن تَكُنَّ جميعًا بخير..
كم أتمنى أن تُرزق كلُّ واحدةٍ منهنَّ بمثل هذا العقل الذي استقر بي المقامُ فيه؛ حتى ترى النور قريبًا! فصاحبي عبقريٌّ تتزاحم الأفكارُ في رأسه، حتى إننا في أوقات كثيرة يضيق بنا عقلُه، فلا تجد الواحدةُ منا موضعًا لقدمها -أو ما يقوم مقام القدم عندنا-!
وقد تجوَّلتُ قليلاً بعقله بعد رسالتي السابقة إليك، فوجدتُ في إحدى الثنايا بعض العجائز، فلما سألتُهنَّ أخبرنني أنهنَّ في هذا المكان منذ سنوات ينتظرن الخروج إلى الحياة!
لا أُخفيك سرًّا أن الخوف قد تسرَّب إلى قلبي، ولكن سرعان ما صَرفَ عني هذا الهاجس قدومُ وافداتٍ جددٍ يتقاطرن حسنًا، فنفضت عن رأسي -أو ما يقوم مقامه عندنا أيضًا- هذا الخاطر العجيب؛ فكيف لهذا المبدع صاحب تلك الأفكار أن يحبسها كل ذلك؟! لا شك أنهنَّ يفترين عليه، وكما تعلمين: في كل مكان هناك أعداء للنجاح!
أرجو أن ترسلي إليَّ آخر أخبار صديقاتنا، ومَن منهن قد استقر بها المقام في عقل جديد.
دمتم بود!
* * *
(3)
ذكرتُكِ بالأمس، وأثقلني الهم والأسف على طول الانقطاع، والعذر عندكِ مقبول صديقتي العزيزة، ولعلَّكِ تقبلين عُذري متى استقر بك المقام في عقل إنسان!
منذ رسالتي السابقة انتظرتُ طويلاً أن يحين الوقت الذي يقرر فيه صاحبي أن يُخرجَني إلى الوجود، وتعجبتُ من حاله؛ فكلما عمل عقلُه فيما يخصني وأحسبُ أنه قد أوشك على إخراجي إلى الحياة أجده يتراجع!
لا أدري لماذا؟ وكيف يفرِّط في بنات أفكاره بهذه الصورة؟!
ثم بعيدًا عني؛ فإن حولي من الأفكار ما يمكن أن يُغيِّر به صاحبي كثيرًا من أحواله وأحوال من حوله، وربما إن ارتديتُ عباءة الإنصاف أن أقول لك أن منهنَّ مَن هي أفضل مني وأكمل حسنًا.. ربما لو رزق غيرُه واحدةً منهنَّ لطبع بها بصمةً فريدةَ في تاريخ الإنسانية!
حتى إنني أكاد أصدِّق أولئك العجائز اللاتي أخبرتك عنهنَّ من قبل.
سأوافيك بالجديد.. وأرجو أن يكون ذلك بعد أن أكونَ واقعًا!
* * *
(4)
يعلوني همٌّ وحزنٌ جعل الكثيرات ممن حولي يتعجَّبنَ مِن حالي، وأنا التي كانت البسمة لا تفارق محياها!
إن صاحبي يقتل بُنيَّاتِ جنسنا! كثيراتٌ من صديقاتي اندثرنَ بين تلافيفه، وكثيراتٌ منهنَّ اندثرت ملامحُهنَّ، حتى إنني أظن أنه لو أراد أن يُخرج إحداهنَّ إلى الحياة لما تعرف عليها، فضلاً عن أن يستطيع إخراجها!
ثم إنني علمت من بعض العجائز هنا أن بني جنسه عندما يموتون دون أن يُخرجونا إلى الحياة فإننا نُدفن معهم دون أن يعرفنا أحد!
سأحاول أن أوافيكِ بالجديد، وأبلغي سلامي لكل صديقاتي؛ فقد اشتقتُ إليهنَّ، وأرجو أن يكون مصيرُهنَّ خيرًا من مصيري!
* * *
(5)
مات صاحبي.. !
ودفنتُ معه، ومعي الكثيرات من الأفكار، منهنَّ مَن شاخ عظمُها وذابت ملامحُها، ومنهنَّ مَن دُفنت وهي ما زالت في ريعان شبابها تقطرُ نضارةً وحيويةً.
للأسف.. مات صاحبي، ولم يُخرجني إلى الحياة، فدُفنتُ معه.. ربما كان يسوِّف إلى حين، ولا أدري كيف يفعلُ الواحدُ منهم ذلك وهو لا يدري متى أجله؟!
والعجيب أنني في يومٍ من الأيام كنتُ أظن أنني بديعةٌ من بدائع الأفكار، وأن صاحبي لم يُسبَق إلى مثلي، ولكنني بعد أن انتقلت معه وجدتُ نسخًا متطابقة مني من أزمنة مختلفة وكأنني أنظر في المرآة! وتعجبت؛ أكُلُّ هؤلاء لم يُخرجوا أفكارَهم إلى الحياة حتى انتهت بهم الحياة؟!
لقد وجدتُني أنا أنا في أزمنة متعددة وأماكن متفرقة.. ولكن كَمْ تحت التراب من بُنيَّات جنسي قد ظلمهنَّ بنو جنسِهم!
* * *
محمد مصطفى عبد المجيد
(1)
أكتب إليكِ الآن بعد أن استقر بي المقام في هذا العقل الذي قُدِّر أن يكون مآلي!
شعور جديد.. استوحشت في أول الأمر، لكنني بجولة بين التلافيف وجدتُ كثيرًا من الأفكار ما زالت في ريعان الصبا كحالي متناثرة يمنة ويسرة، فاستبشرت خيرًا؛ فيبدو أن صحابنا ذكيٌّ مبدعٌ، تتوالد الأفكار في رأسه، وأظن أنني في وقت قريب قد أخرج إلى الحياة على يديه.
سأوافيكِ بالأخبار لاحقًا.. أبلغي سلامي لكل صديقاتي!
* * *
(2)
كيف حالكِ وحال مَن معكِ؟ أرجو أن تَكُنَّ جميعًا بخير..
كم أتمنى أن تُرزق كلُّ واحدةٍ منهنَّ بمثل هذا العقل الذي استقر بي المقامُ فيه؛ حتى ترى النور قريبًا! فصاحبي عبقريٌّ تتزاحم الأفكارُ في رأسه، حتى إننا في أوقات كثيرة يضيق بنا عقلُه، فلا تجد الواحدةُ منا موضعًا لقدمها -أو ما يقوم مقام القدم عندنا-!
وقد تجوَّلتُ قليلاً بعقله بعد رسالتي السابقة إليك، فوجدتُ في إحدى الثنايا بعض العجائز، فلما سألتُهنَّ أخبرنني أنهنَّ في هذا المكان منذ سنوات ينتظرن الخروج إلى الحياة!
لا أُخفيك سرًّا أن الخوف قد تسرَّب إلى قلبي، ولكن سرعان ما صَرفَ عني هذا الهاجس قدومُ وافداتٍ جددٍ يتقاطرن حسنًا، فنفضت عن رأسي -أو ما يقوم مقامه عندنا أيضًا- هذا الخاطر العجيب؛ فكيف لهذا المبدع صاحب تلك الأفكار أن يحبسها كل ذلك؟! لا شك أنهنَّ يفترين عليه، وكما تعلمين: في كل مكان هناك أعداء للنجاح!
أرجو أن ترسلي إليَّ آخر أخبار صديقاتنا، ومَن منهن قد استقر بها المقام في عقل جديد.
دمتم بود!
* * *
(3)
ذكرتُكِ بالأمس، وأثقلني الهم والأسف على طول الانقطاع، والعذر عندكِ مقبول صديقتي العزيزة، ولعلَّكِ تقبلين عُذري متى استقر بك المقام في عقل إنسان!
منذ رسالتي السابقة انتظرتُ طويلاً أن يحين الوقت الذي يقرر فيه صاحبي أن يُخرجَني إلى الوجود، وتعجبتُ من حاله؛ فكلما عمل عقلُه فيما يخصني وأحسبُ أنه قد أوشك على إخراجي إلى الحياة أجده يتراجع!
لا أدري لماذا؟ وكيف يفرِّط في بنات أفكاره بهذه الصورة؟!
ثم بعيدًا عني؛ فإن حولي من الأفكار ما يمكن أن يُغيِّر به صاحبي كثيرًا من أحواله وأحوال من حوله، وربما إن ارتديتُ عباءة الإنصاف أن أقول لك أن منهنَّ مَن هي أفضل مني وأكمل حسنًا.. ربما لو رزق غيرُه واحدةً منهنَّ لطبع بها بصمةً فريدةَ في تاريخ الإنسانية!
حتى إنني أكاد أصدِّق أولئك العجائز اللاتي أخبرتك عنهنَّ من قبل.
سأوافيك بالجديد.. وأرجو أن يكون ذلك بعد أن أكونَ واقعًا!
* * *
(4)
يعلوني همٌّ وحزنٌ جعل الكثيرات ممن حولي يتعجَّبنَ مِن حالي، وأنا التي كانت البسمة لا تفارق محياها!
إن صاحبي يقتل بُنيَّاتِ جنسنا! كثيراتٌ من صديقاتي اندثرنَ بين تلافيفه، وكثيراتٌ منهنَّ اندثرت ملامحُهنَّ، حتى إنني أظن أنه لو أراد أن يُخرج إحداهنَّ إلى الحياة لما تعرف عليها، فضلاً عن أن يستطيع إخراجها!
ثم إنني علمت من بعض العجائز هنا أن بني جنسه عندما يموتون دون أن يُخرجونا إلى الحياة فإننا نُدفن معهم دون أن يعرفنا أحد!
سأحاول أن أوافيكِ بالجديد، وأبلغي سلامي لكل صديقاتي؛ فقد اشتقتُ إليهنَّ، وأرجو أن يكون مصيرُهنَّ خيرًا من مصيري!
* * *
(5)
مات صاحبي.. !
ودفنتُ معه، ومعي الكثيرات من الأفكار، منهنَّ مَن شاخ عظمُها وذابت ملامحُها، ومنهنَّ مَن دُفنت وهي ما زالت في ريعان شبابها تقطرُ نضارةً وحيويةً.
للأسف.. مات صاحبي، ولم يُخرجني إلى الحياة، فدُفنتُ معه.. ربما كان يسوِّف إلى حين، ولا أدري كيف يفعلُ الواحدُ منهم ذلك وهو لا يدري متى أجله؟!
والعجيب أنني في يومٍ من الأيام كنتُ أظن أنني بديعةٌ من بدائع الأفكار، وأن صاحبي لم يُسبَق إلى مثلي، ولكنني بعد أن انتقلت معه وجدتُ نسخًا متطابقة مني من أزمنة مختلفة وكأنني أنظر في المرآة! وتعجبت؛ أكُلُّ هؤلاء لم يُخرجوا أفكارَهم إلى الحياة حتى انتهت بهم الحياة؟!
لقد وجدتُني أنا أنا في أزمنة متعددة وأماكن متفرقة.. ولكن كَمْ تحت التراب من بُنيَّات جنسي قد ظلمهنَّ بنو جنسِهم!
* * *
محمد مصطفى عبد المجيد
Published on September 12, 2013 14:31
March 21, 2013
قلب يُناجي ! ـ(خاطرة)ـ
قلب يُناجي !
(1)
إلهي !
يومًا ما ..
لم أكن أعرفُك ..
كم دلُّوني عليك !
ولكن الشيطان كان يسدُّ أذنيَّ ..
وكم حدَّثوني عنك !
عن رحمتك .. وإنعامك .. وحلمك ..
فكنتُ أهزُّ رأسي ..
وكان قلبي .. يحترق ..
نيرانه .. لطالما آلمتني ..
ووقفت حيالها حائرًا ..
كلما خطوتُ رأيت الأرض تتدنس بخطوي ..
وكلما لمست شيئًا رأيته ذبوله أمامي ..
كنت أسمع صراخ الكون في وجهي ..
يبغضُني ..
يشكوني ..
يلعنُني ..
لا أجدُ مَن يتبسَّم في وجهي سوى رفقاء الشر ..
وإن كنت أسمع لعنات قلوبهم تنهال على رأسي ..
..
إلهي ..
لكم هو مؤلمٌ البُعْد عنك !
(2)
رغم إعراضي .. هديتَني ..
ورغم معصيتي .. أنرتَ لي الطريق ..
فأنت الكريم الهادي ..
عندئذٍ .. انطفأ لهيب قلبي المتأجج ..
عندئذٍ ..
رأيت الكون يتبسَّم في وجهي ..
ويبارك خطوي .. سعيدًا ..
عندئذٍ .. وعندئذٍ فقط ..
عرفتُ معنى طمأنينة القلب بذكرك ..
لذة القرب في سجدة ..
طعم المناجاة في صلاة ..
حلاوة الشوق في دعاء ..
ولذة الشكر ..
على هدايةٍ أنعمتَ بها عليَّ ..
عشتُ نعيمها في الدنيا ..
وأرجو أن يَتمَّ عليَّ في الآخرة ..
(3)
إلهي ..
لا أحسب أن عبدًا يذوق القُربَ منك ..
ثم لا يجد في قلبه دافعًا لدلالة الناس على ما ذاق ..
فيقف بين خلقِكَ دالاً عليك ..
يدلُّهم .. وهو يدركُ حالهم ..
فقد ذاقه .. ولكنك أنقذته برحمتك ..
فلك الحمدُ ..
يسمع الكونُ همساته :
هذا إلهي وإلهكم ..
خلقكم ورحمكم وأنعم عليكم ..
فلماذا تُعرضون عنه ؟
وبينما هو على تلك الحال ..
يستشعر مزيدَ الفضل الذي أنعمتَ به عليه ..
فقد استعملته إلهي في دلالة الخلق عليه ..
يذوبُ قلبه ..
ينحدرُ دمعه ..
شكرًا وحياءً ..
شكرًا على ما تفضلَّت به وتكرمتَ ..
وحياءً .. فهذا القلب الذي التفتَ إلى غيرك يومًا ما ..
وهذه الجوارح التي لم تراعِ حرماتك يومًا ما ..
كان هذا حالها ..
فلما أقبلت عليكَ عفوت عنها ..
وفرحتَ بها ..
ثم أتممت عليها النعمة بأن جعلتَها دالة عليك ..
فلك الحمد .. إلهي !
(4)
وبعد أن هديتَني الطريق ..
وبعد أن ميزتُ بين الحق والباطل ..
وبعد أن استعملتني لدينك ..
ما زال الشيطان يستزلُّني ..
فأزلُّ ..
ويحترق قلبي ..
أزلُّ ..
وتنكسر نفسي ..
أزلُّ ..
ولا أستطيع أن أرفع بصري ..
أزلُّ ..
فأتألَّم .. أتوجَّع .. أصرخُ ..
فالناس يظنون بي الخير ..
ولا يدرون أني قد أقع فيما أنهاهم عنه ..
أزلُّ .. وأعلم أنك قدير ..
وأعلم أنك قادر على أن تفضحني أمامهم ..
ولكنك تسترُني ..
ولَكَم سترتني وسترتني !
ثم أعود إليك ..
فقيرًا ..
مسكينًا ..
أرفع يديَّ ..
فتقبلُني .. وتعفو عني ..
فما أحلمَك وأجملَك إلهي ..
..
لك الحمد !
(5)
إلهي ..
أحبك .. وأدعوك ..
وتعلم شوقي إليك ..
وتعلمُ ..
أنني مذنبٌ مقصِّرٌ ..
وأن غيري قد سبقني وأحسن ..
ولكنني أرجوك ..
وسأظل أرجوك ..
فمن لا يرجو الكريم ؟!
وظني فيك إلهي ألا تعذِّب هذا العبد ..
ذاك الذي أنقذتَه في الدنيا مِن وحل معصيتك ..
وأنعمتَ عليه بدلالة الخلق عليك ..
ثم لما وقع في ذنب سترتَه وأمهلتَه حتى يعود إليك تائبًا ..
..
ظني فيك إلهي ألا تعذب مَن يحبك ويرجوك ..
من يتقلَّب في هذه الدنيا شوقًا للقائك ..
..
فاللهم ارض عني وارحمني واعف عني ..
وتوفني على طاعتك ..
وأدم عليَّ سترك ..
وارزقني لذة النظر إلى وجهك ..
(1)
إلهي !
يومًا ما ..
لم أكن أعرفُك ..
كم دلُّوني عليك !
ولكن الشيطان كان يسدُّ أذنيَّ ..
وكم حدَّثوني عنك !
عن رحمتك .. وإنعامك .. وحلمك ..
فكنتُ أهزُّ رأسي ..
وكان قلبي .. يحترق ..
نيرانه .. لطالما آلمتني ..
ووقفت حيالها حائرًا ..
كلما خطوتُ رأيت الأرض تتدنس بخطوي ..
وكلما لمست شيئًا رأيته ذبوله أمامي ..
كنت أسمع صراخ الكون في وجهي ..
يبغضُني ..
يشكوني ..
يلعنُني ..
لا أجدُ مَن يتبسَّم في وجهي سوى رفقاء الشر ..
وإن كنت أسمع لعنات قلوبهم تنهال على رأسي ..
..
إلهي ..
لكم هو مؤلمٌ البُعْد عنك !
(2)
رغم إعراضي .. هديتَني ..
ورغم معصيتي .. أنرتَ لي الطريق ..
فأنت الكريم الهادي ..
عندئذٍ .. انطفأ لهيب قلبي المتأجج ..
عندئذٍ ..
رأيت الكون يتبسَّم في وجهي ..
ويبارك خطوي .. سعيدًا ..
عندئذٍ .. وعندئذٍ فقط ..
عرفتُ معنى طمأنينة القلب بذكرك ..
لذة القرب في سجدة ..
طعم المناجاة في صلاة ..
حلاوة الشوق في دعاء ..
ولذة الشكر ..
على هدايةٍ أنعمتَ بها عليَّ ..
عشتُ نعيمها في الدنيا ..
وأرجو أن يَتمَّ عليَّ في الآخرة ..
(3)
إلهي ..
لا أحسب أن عبدًا يذوق القُربَ منك ..
ثم لا يجد في قلبه دافعًا لدلالة الناس على ما ذاق ..
فيقف بين خلقِكَ دالاً عليك ..
يدلُّهم .. وهو يدركُ حالهم ..
فقد ذاقه .. ولكنك أنقذته برحمتك ..
فلك الحمدُ ..
يسمع الكونُ همساته :
هذا إلهي وإلهكم ..
خلقكم ورحمكم وأنعم عليكم ..
فلماذا تُعرضون عنه ؟
وبينما هو على تلك الحال ..
يستشعر مزيدَ الفضل الذي أنعمتَ به عليه ..
فقد استعملته إلهي في دلالة الخلق عليه ..
يذوبُ قلبه ..
ينحدرُ دمعه ..
شكرًا وحياءً ..
شكرًا على ما تفضلَّت به وتكرمتَ ..
وحياءً .. فهذا القلب الذي التفتَ إلى غيرك يومًا ما ..
وهذه الجوارح التي لم تراعِ حرماتك يومًا ما ..
كان هذا حالها ..
فلما أقبلت عليكَ عفوت عنها ..
وفرحتَ بها ..
ثم أتممت عليها النعمة بأن جعلتَها دالة عليك ..
فلك الحمد .. إلهي !
(4)
وبعد أن هديتَني الطريق ..
وبعد أن ميزتُ بين الحق والباطل ..
وبعد أن استعملتني لدينك ..
ما زال الشيطان يستزلُّني ..
فأزلُّ ..
ويحترق قلبي ..
أزلُّ ..
وتنكسر نفسي ..
أزلُّ ..
ولا أستطيع أن أرفع بصري ..
أزلُّ ..
فأتألَّم .. أتوجَّع .. أصرخُ ..
فالناس يظنون بي الخير ..
ولا يدرون أني قد أقع فيما أنهاهم عنه ..
أزلُّ .. وأعلم أنك قدير ..
وأعلم أنك قادر على أن تفضحني أمامهم ..
ولكنك تسترُني ..
ولَكَم سترتني وسترتني !
ثم أعود إليك ..
فقيرًا ..
مسكينًا ..
أرفع يديَّ ..
فتقبلُني .. وتعفو عني ..
فما أحلمَك وأجملَك إلهي ..
..
لك الحمد !
(5)
إلهي ..
أحبك .. وأدعوك ..
وتعلم شوقي إليك ..
وتعلمُ ..
أنني مذنبٌ مقصِّرٌ ..
وأن غيري قد سبقني وأحسن ..
ولكنني أرجوك ..
وسأظل أرجوك ..
فمن لا يرجو الكريم ؟!
وظني فيك إلهي ألا تعذِّب هذا العبد ..
ذاك الذي أنقذتَه في الدنيا مِن وحل معصيتك ..
وأنعمتَ عليه بدلالة الخلق عليك ..
ثم لما وقع في ذنب سترتَه وأمهلتَه حتى يعود إليك تائبًا ..
..
ظني فيك إلهي ألا تعذب مَن يحبك ويرجوك ..
من يتقلَّب في هذه الدنيا شوقًا للقائك ..
..
فاللهم ارض عني وارحمني واعف عني ..
وتوفني على طاعتك ..
وأدم عليَّ سترك ..
وارزقني لذة النظر إلى وجهك ..
Published on March 21, 2013 04:22
October 20, 2012
مُنى ـ(قصة)ـ
أتلك دقَّات طبولٍ أم دقَّات قلبها الصغير؟! تهزُّها هزًّا.. تخشى أن يفضحَها قلبُها فيصل صوتُ دقاتِه المتسارعة إلى أبيها وأخيها.. وإلى ذاك الشاب الحييِّ الجالس أمامهما..
تراقب المشهد من خلف الستار.. أبوها يتكلم ويلوِّح بيديه كأنه نذير حرب، والشاب قد احمرت أذناه واخضرتا وهو يقاوم أمواج السيل الهادر المندفع من فم أبيها والمليء بأوصاف الشقة والمهر والشبكة والمقدم والمؤخر و.. و.. يحاول أن يستنشق الهواء لكنه يغرق تحت الأمواج العاتية!
كالعادة.. وكالمرة السابقة، وقبل السابقة، وقبل قبل السابقة، وقبل قبل قبل ......... ينصرف الشاب وتنطلق هي باكية إلى فراشها.. (صغيرة لا تعرف مصلحتها بعد) أبوها كالعادة متحدثًا خارج الغرفة..
مرت عشرة أعوام وما زالت (الصغيرةَ).. تزوَّجت قريناتها وما زالت (التي لا تعرف مصلحتها).. أنجبن وصرن أمهات وظلت هي هكذا: (الصغيرة التي لا تعرف مصلحتها)..
إن شئتَ تمثَّل بالدُّب الذي قتل صاحبَه وما شابهه من أمثال، لكن إياك أن تنسى أن تضيف إلى ما تمثَّلتَ به مأساة (مُنى) التي قتلتها مواصفات الشقة وأبعادها الرأسية والأفقية، والشبكة وشكلها ووزنها، والمهر ومقداره و.. و..، قتلتها بينما الدب يرى أنه يحفظ صاحبَه!
مع الأيام.. بدأ دقُّ الباب يخفُت، وأقدام الخطاب تقلُّ، وعاد كرسي الاعتراف الذي كان يجلس عليه الخُطَّاب أمام أبيها لا يجلس عليه غريب!
يومًا ما..
عندما تزوج أخوها اكتست بثوبٍ من السعادة أخفت تحته فزعًا من المستقبل.. العمر يمر.. أبوها وأمها يكبران.. وستبقى معهما وحيدة..
يومًا ما..
أمام المرآة.. مدت يدها لتمسك بشعيرات بِيض نبتت برأسها.. لقد مرت الأعوام.. أيقنت أنه قد كُتب عليها أن تظل هكذا وحيدة فداءً لرغبات أبيها..
يومًا ما..
(مُنى) ابنة أخيها الصغيرة.. سماها أخوها على اسمها.. كانت تبثها عاطفة الأمومة وكأنها ابنتها.. تزيِّنها وتمشِّط لها شعرها.. تأتي لها بالهدايا.. يسعد قلبها إذا سمعتها تنادي: عمتي.. تود أن لو نادتها: أمي، ولكنه حق امرأة أخرى لم يقتلها حرص الدب!
يومًا ما..
توفيت أمها.. وبعد أعوام توفي أبوها.. وبقيت وحيدة بين جدران البيت.. تنظر إلى كرسي الاعتراف وقد هرم، ثم تنظر إلى نفسها في المرآة وقد أكلتها الأعوام.. ترضى بقدرها وتترحم على أبيها!
يومًا ما..
يموت أخوها وزوجه في حادث، وتنجو (منى) الصغيرة المفجوعة في والديها.. بكت عليه كثيرًا.. وآوت (منى) الصغيرة إلى بيت عمتها..
كابنتها كانت تعاملها.. أفاضت عليها كل المشاعر التي يمكن أن يحويها قلب أنثى: حبها لوالديها.. حبها لزوجها ذلك الذي طالما انتظرته.. حبها لأولادها.. هؤلاء الذين كانت تتخيلهم بأشكالهم وأسمائهم..
مرت الأعوام.. صارت (منى) الصغيرة جزءًا من (منى) الكبيرة.. إلى أن جاء اليوم الذي دقَّ فيه الباب..
شاب حيي جاء ليجلس على نفس الكرسي، ولكن هذه المرة لـ(منى) الصغيرة..
يجلس الشاب مع عمة العروس؛ فأبوها وأمها متوفيان، وعمتها في مقام أمها كما علم..
وقفت (منى) الصغيرة خلف الستار الشاهد على دقات قلب عذراء أخرى مكانها منذ عقود.. ترى عمتها وهي تلوح بيديها كنذير حرب، والشاب ينكس رأسه وهو يسمع ميزانية الدولة التي تُملى عليه!
مرات عديدة غادر فيها فرسان أحلام (منى) الصغيرة بخيولهم جريحة بسهام عمتها ورماحها الماضية!
ويومًا ما:
نطقت: (لماذا يا عمتى؟! لماذا تفعلين في ذلك؟!)..
احتد الحوار بينهما طويلاً لتختمه العمَّة (منى) بحسم:
(يا منى.. أنت صغيرة لا تعرفين مصلحتك!)..
قالتها.. شعرت كأن روحًا ما تُحلِّق في المنزل!
* * *
(إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوِّجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض)
حديث شريف
محمد مصطفى عبد المجيد
تراقب المشهد من خلف الستار.. أبوها يتكلم ويلوِّح بيديه كأنه نذير حرب، والشاب قد احمرت أذناه واخضرتا وهو يقاوم أمواج السيل الهادر المندفع من فم أبيها والمليء بأوصاف الشقة والمهر والشبكة والمقدم والمؤخر و.. و.. يحاول أن يستنشق الهواء لكنه يغرق تحت الأمواج العاتية!
كالعادة.. وكالمرة السابقة، وقبل السابقة، وقبل قبل السابقة، وقبل قبل قبل ......... ينصرف الشاب وتنطلق هي باكية إلى فراشها.. (صغيرة لا تعرف مصلحتها بعد) أبوها كالعادة متحدثًا خارج الغرفة..
مرت عشرة أعوام وما زالت (الصغيرةَ).. تزوَّجت قريناتها وما زالت (التي لا تعرف مصلحتها).. أنجبن وصرن أمهات وظلت هي هكذا: (الصغيرة التي لا تعرف مصلحتها)..
إن شئتَ تمثَّل بالدُّب الذي قتل صاحبَه وما شابهه من أمثال، لكن إياك أن تنسى أن تضيف إلى ما تمثَّلتَ به مأساة (مُنى) التي قتلتها مواصفات الشقة وأبعادها الرأسية والأفقية، والشبكة وشكلها ووزنها، والمهر ومقداره و.. و..، قتلتها بينما الدب يرى أنه يحفظ صاحبَه!
مع الأيام.. بدأ دقُّ الباب يخفُت، وأقدام الخطاب تقلُّ، وعاد كرسي الاعتراف الذي كان يجلس عليه الخُطَّاب أمام أبيها لا يجلس عليه غريب!
يومًا ما..
عندما تزوج أخوها اكتست بثوبٍ من السعادة أخفت تحته فزعًا من المستقبل.. العمر يمر.. أبوها وأمها يكبران.. وستبقى معهما وحيدة..
يومًا ما..
أمام المرآة.. مدت يدها لتمسك بشعيرات بِيض نبتت برأسها.. لقد مرت الأعوام.. أيقنت أنه قد كُتب عليها أن تظل هكذا وحيدة فداءً لرغبات أبيها..
يومًا ما..
(مُنى) ابنة أخيها الصغيرة.. سماها أخوها على اسمها.. كانت تبثها عاطفة الأمومة وكأنها ابنتها.. تزيِّنها وتمشِّط لها شعرها.. تأتي لها بالهدايا.. يسعد قلبها إذا سمعتها تنادي: عمتي.. تود أن لو نادتها: أمي، ولكنه حق امرأة أخرى لم يقتلها حرص الدب!
يومًا ما..
توفيت أمها.. وبعد أعوام توفي أبوها.. وبقيت وحيدة بين جدران البيت.. تنظر إلى كرسي الاعتراف وقد هرم، ثم تنظر إلى نفسها في المرآة وقد أكلتها الأعوام.. ترضى بقدرها وتترحم على أبيها!
يومًا ما..
يموت أخوها وزوجه في حادث، وتنجو (منى) الصغيرة المفجوعة في والديها.. بكت عليه كثيرًا.. وآوت (منى) الصغيرة إلى بيت عمتها..
كابنتها كانت تعاملها.. أفاضت عليها كل المشاعر التي يمكن أن يحويها قلب أنثى: حبها لوالديها.. حبها لزوجها ذلك الذي طالما انتظرته.. حبها لأولادها.. هؤلاء الذين كانت تتخيلهم بأشكالهم وأسمائهم..
مرت الأعوام.. صارت (منى) الصغيرة جزءًا من (منى) الكبيرة.. إلى أن جاء اليوم الذي دقَّ فيه الباب..
شاب حيي جاء ليجلس على نفس الكرسي، ولكن هذه المرة لـ(منى) الصغيرة..
يجلس الشاب مع عمة العروس؛ فأبوها وأمها متوفيان، وعمتها في مقام أمها كما علم..
وقفت (منى) الصغيرة خلف الستار الشاهد على دقات قلب عذراء أخرى مكانها منذ عقود.. ترى عمتها وهي تلوح بيديها كنذير حرب، والشاب ينكس رأسه وهو يسمع ميزانية الدولة التي تُملى عليه!
مرات عديدة غادر فيها فرسان أحلام (منى) الصغيرة بخيولهم جريحة بسهام عمتها ورماحها الماضية!
ويومًا ما:
نطقت: (لماذا يا عمتى؟! لماذا تفعلين في ذلك؟!)..
احتد الحوار بينهما طويلاً لتختمه العمَّة (منى) بحسم:
(يا منى.. أنت صغيرة لا تعرفين مصلحتك!)..
قالتها.. شعرت كأن روحًا ما تُحلِّق في المنزل!
* * *
(إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوِّجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض)
حديث شريف
محمد مصطفى عبد المجيد
Published on October 20, 2012 17:55
October 9, 2012
أحلام صغيرة
(1)
تصوراتٌ بريئة
أفكارٌ مزدحمة
أحلامٌ مُكدَّسة
نعم .. هي صغيرة
ولكنها كانت كافية لأن يسبح فيها ..
صانعًا عالمه الخاص
فجسده الصغير لا يحتاج سوى لبِركة صغيرة ..
حتى يغمر فيها جسده وعقله ..
وخياله !
(2)
ما معنى كلمة الواقع ؟!
الواقع بالنسبة إليه :
أبٌ لا يراه إلا آخر النهار
وأمٌّ تخرج للعمل، ثم هي بين المطبخ والتلفزيون
ومَدرسة يتعلم فيها البذاءات من البلطجية الصغار
وينال فيها حفلات التعذيب على أيدي بعض المرضى النفسيين
لذا.. فلا أجمل لديه من أحلامه الصغيرة !
(3)
عالمه الخاص .. هو بطله
له جواده الأبيض الجميل
ينطلق به فيتطاير شعره وأطراف ثيابه
يُنقذ الناس بمجرد أن يستنجدوا به
وتقف الجموع منبهرة بفروسيته
يطلقون صرخات الإعجاب :
يا له من فارس !
يا له من قوي !
يا له من بطل !
بينما يبتسم هو ابتسامة بنصف فمه ..
ثم يُضرب ضربة على رأسه ليفيق ويأخذ السندوتشات
لينزل إلى المدرسة !
(3)
لا تكذب !
لا تسب !
لا تسهر !
لا تتحدث مع الكبير هكذا !
لا تتكلم على أحد !
..
لماذا ينهونه عن أشياء يراهم يفعلونها ليلاً ونهارًا ؟!
هل هذه الأفعال محرَّمة على الصغار ..
ثم تباح لهم عندما يكبرون ؟!
(4)
رأى قطة تحتضن صغارها
وهريرة صغيرة تتحسس طريقها ..
لتصل إلى ثديها
حاول مداعبة الصغار
ولكن القطة كشرت له عن أنيابها !
التفت متعجبًا وتساءل :
لماذا تجلس القطة مع أطفالها ؟!
لماذا لا تتركهم في الحضانة ..
وتخرج للعمل مثل أمي ؟!
(5)
هل يتزوج التليفزيون من تليفزيونة !
يفكر : أظن أن هذا التزاوج إن تم ..
سيكون أبناؤهما أسعدَ الأطفال !
هم فقط مَن يمكنه أن يجلس مع والديه ويأنس بهما !
(6)
كان مؤمنًا بأن والده كان الأول في دراسته
ابتدائية .. إعدادية .. ثانوية
حتى في الجامعة
إلى أن دخل المدرسة
فوجد أن كل آباء زملائه في الفصل على هذا الحال !
فكَّر كثيرًا ..
توصل إلى أن غير الأوائل ..
لا يتزاوجون ولا ينجبون !
(7)
في أول العام الدراسي
دخل ذلك العابس الفصل ممسكًا بجذع شجرة !
وبالرغم من جلوس الأطفال هادئين خائفين ..
فقد بدأ يصرخ .. يسب ..
يُعمل جذع الشجرة في أبدان الأطفال !
لماذا يُرسلنا أهلونا إلى المدرسة ..
إذا كان من الممكن أن يقيموا لنا حفلات التعذيب تلك في منازلنا ؟!
(8)
كان يسمع أباه يتكلم في "السياسة اخفض صوتك"
هكذا تلك المتلازمة !
لا ينطق أبوه بكلمة سياسة إلا ويُتبعها بـ "اخفض صوتك"
كأنه يصر أن يذكرها باسمها الثلاثي !
ولما ذهب إلى المدرسة ..
اكتشف أن ما كان يسمعه مِن أبيه ..
قد تمثَّل في فصله الدراسي !
رأى (المنافق) يشاركهم في اللعب بعيدًا عن عيني المدرِّس
ثم ما يلبث الأخير أن يدخل الفصل ..
فيبدأ الخبيث في دلالته على أصحاب الآثام
وكأنه العذراء الطاهرة !
ورأى (الحرامي) الذي يمد يديه في حقائب الطلبة
ثم يقسم الأيمان المغلظة –العائمة في دموع السحالي- أنه ما فعل شيئًا !
ورأى (أمين الفصل) الذي لا يستفيد من صلاحياته ..
إلا في تغيبه عن الحصص الدراسية !
مكث يومًا في الفصل أثناء الفسحة
كتب على السبورة أسماء الطلبة ..
ثم كتب أمام كل طالب مَن يوازيه من الشخصيات السياسية التي يسمع أباه يتكلم عنها !
لا يدري لماذا عاد إلى المنزل بورقة استدعاء ولي أمر !
(9)
كلما فاضت بعض أحلامه على لسانه أمام والديه ..
ضحكا ملء فيهما وكأنه يطلق نكاتًا وطُرفًا !!
لماذا يضحكون من أحلامي ؟!
ألم تكن لهم أحلام وهم صغار مثلي ؟!
إن كانت لهم أحلام .. فلماذا لم يحققوها ؟!
أشغله الأمر كثيرًا ..
حتى توصل إلى نظريته الصغيرة :
لقد كانت لهم أحلام مثلي ..
ولكن آباءهم كانوا يضحكون منها أيضًا !
(10)
من لطف الله
أن الإنسان ينسى ..
وأن الأطفال لا يكتبون !
: )
تصوراتٌ بريئة
أفكارٌ مزدحمة
أحلامٌ مُكدَّسة
نعم .. هي صغيرة
ولكنها كانت كافية لأن يسبح فيها ..
صانعًا عالمه الخاص
فجسده الصغير لا يحتاج سوى لبِركة صغيرة ..
حتى يغمر فيها جسده وعقله ..
وخياله !
(2)
ما معنى كلمة الواقع ؟!
الواقع بالنسبة إليه :
أبٌ لا يراه إلا آخر النهار
وأمٌّ تخرج للعمل، ثم هي بين المطبخ والتلفزيون
ومَدرسة يتعلم فيها البذاءات من البلطجية الصغار
وينال فيها حفلات التعذيب على أيدي بعض المرضى النفسيين
لذا.. فلا أجمل لديه من أحلامه الصغيرة !
(3)
عالمه الخاص .. هو بطله
له جواده الأبيض الجميل
ينطلق به فيتطاير شعره وأطراف ثيابه
يُنقذ الناس بمجرد أن يستنجدوا به
وتقف الجموع منبهرة بفروسيته
يطلقون صرخات الإعجاب :
يا له من فارس !
يا له من قوي !
يا له من بطل !
بينما يبتسم هو ابتسامة بنصف فمه ..
ثم يُضرب ضربة على رأسه ليفيق ويأخذ السندوتشات
لينزل إلى المدرسة !
(3)
لا تكذب !
لا تسب !
لا تسهر !
لا تتحدث مع الكبير هكذا !
لا تتكلم على أحد !
..
لماذا ينهونه عن أشياء يراهم يفعلونها ليلاً ونهارًا ؟!
هل هذه الأفعال محرَّمة على الصغار ..
ثم تباح لهم عندما يكبرون ؟!
(4)
رأى قطة تحتضن صغارها
وهريرة صغيرة تتحسس طريقها ..
لتصل إلى ثديها
حاول مداعبة الصغار
ولكن القطة كشرت له عن أنيابها !
التفت متعجبًا وتساءل :
لماذا تجلس القطة مع أطفالها ؟!
لماذا لا تتركهم في الحضانة ..
وتخرج للعمل مثل أمي ؟!
(5)
هل يتزوج التليفزيون من تليفزيونة !
يفكر : أظن أن هذا التزاوج إن تم ..
سيكون أبناؤهما أسعدَ الأطفال !
هم فقط مَن يمكنه أن يجلس مع والديه ويأنس بهما !
(6)
كان مؤمنًا بأن والده كان الأول في دراسته
ابتدائية .. إعدادية .. ثانوية
حتى في الجامعة
إلى أن دخل المدرسة
فوجد أن كل آباء زملائه في الفصل على هذا الحال !
فكَّر كثيرًا ..
توصل إلى أن غير الأوائل ..
لا يتزاوجون ولا ينجبون !
(7)
في أول العام الدراسي
دخل ذلك العابس الفصل ممسكًا بجذع شجرة !
وبالرغم من جلوس الأطفال هادئين خائفين ..
فقد بدأ يصرخ .. يسب ..
يُعمل جذع الشجرة في أبدان الأطفال !
لماذا يُرسلنا أهلونا إلى المدرسة ..
إذا كان من الممكن أن يقيموا لنا حفلات التعذيب تلك في منازلنا ؟!
(8)
كان يسمع أباه يتكلم في "السياسة اخفض صوتك"
هكذا تلك المتلازمة !
لا ينطق أبوه بكلمة سياسة إلا ويُتبعها بـ "اخفض صوتك"
كأنه يصر أن يذكرها باسمها الثلاثي !
ولما ذهب إلى المدرسة ..
اكتشف أن ما كان يسمعه مِن أبيه ..
قد تمثَّل في فصله الدراسي !
رأى (المنافق) يشاركهم في اللعب بعيدًا عن عيني المدرِّس
ثم ما يلبث الأخير أن يدخل الفصل ..
فيبدأ الخبيث في دلالته على أصحاب الآثام
وكأنه العذراء الطاهرة !
ورأى (الحرامي) الذي يمد يديه في حقائب الطلبة
ثم يقسم الأيمان المغلظة –العائمة في دموع السحالي- أنه ما فعل شيئًا !
ورأى (أمين الفصل) الذي لا يستفيد من صلاحياته ..
إلا في تغيبه عن الحصص الدراسية !
مكث يومًا في الفصل أثناء الفسحة
كتب على السبورة أسماء الطلبة ..
ثم كتب أمام كل طالب مَن يوازيه من الشخصيات السياسية التي يسمع أباه يتكلم عنها !
لا يدري لماذا عاد إلى المنزل بورقة استدعاء ولي أمر !
(9)
كلما فاضت بعض أحلامه على لسانه أمام والديه ..
ضحكا ملء فيهما وكأنه يطلق نكاتًا وطُرفًا !!
لماذا يضحكون من أحلامي ؟!
ألم تكن لهم أحلام وهم صغار مثلي ؟!
إن كانت لهم أحلام .. فلماذا لم يحققوها ؟!
أشغله الأمر كثيرًا ..
حتى توصل إلى نظريته الصغيرة :
لقد كانت لهم أحلام مثلي ..
ولكن آباءهم كانوا يضحكون منها أيضًا !
(10)
من لطف الله
أن الإنسان ينسى ..
وأن الأطفال لا يكتبون !
: )
Published on October 09, 2012 08:00
October 6, 2012
عندما يخطو القلب ـ(خاطرة)ـ
في المسجد النبوي ..
وبعد الفراغ من صلاة القيام ..
وقف وحده متنفلاً ..
لا يهتز .. ولا يتمايل ..
ولا يراوح بين قدميه ..
لأنه ليست له قدمان !!
شاهدتُ هذا المشهد الذي صوَّره أحد الإخوة ..
وانتشر على الشبكة ..
لهذا الرجل المبتورة إحدى ساقيه ..
يقف على ساق واحدة ..
يصلي لله ..
اقشعر بدني ..
ودمعت عيناي ..
واشتقت أن أرسل إليه هذه الكلمات ..
من فيض ما جاش في صدري ..
(1)
أبتاه ..
ما أعظم حكمة ربي ولطفه !
إن كنتَ قد حُرمتَ من نعمة الساقين ..
فإن نعمة الأنس بالله ..
ولذة التنعم بالقرب منه ..
والذي أنساك أنك ترتكز على ساق واحدة ..
واللهِ ..
إنهما لأجلُّ من ساقين معطلتين كساقيَّ ..
يا ليت لي هذا الشوق وهذا الحب وهذا النعيم ..
فاللهم لا تحرمني بجُرمي ..
(2)
أبتاه ..
عاقل بني آدم يخطو بقدميه إلى رضوان ربه ..
فتتفاوت الخطى ..
أما أنت وقد (أُنعِم) عليك ..
فتخطو بقلبك ..
وما أدراك ما خُطى القلب !
(3)
أبتاه ..
علمتَني أن كثيرًا مما يقوله الناس وهمٌ ..
فهم إن رأوك قالوا : عاجز ..
وإن رأوني قالوا : صحيح ..
لكنهم إن أنصفوا ..
لكنتُ أنا الأولى بوصف العجز ..
فإنه ليس عجز الأبدان ..
وإنما عجز الروح ..
فساقان معطلتان ونفس متوانية ..
لا تساوي شيئًا في ميزان القيامة ..
(4)
أبتاه ..
لقد فضحتني ..
نعم .. واللهِ لقد فضحتني أمام نفسي ..
لقد ألجمتها حُجة النِّعم ..
وأوقفتها أمامك حائرة لا تملك جوابًا ..
ولا تنبس بعذر مِن أعذراها الواهية ..
وتبريراتها الجوفاء ..
تلك .. التي طالما أدمت قلبي ..
(5)
أبتاه ..
بعد أن رأيتُك ..
كرهت ساقيَّ ..
نعم .. كرهتُهما ..
ما أكسلهما .. ما أكفرهما بنعمة ربهما !
ولكن .. أهُما كذلك ..
أم أنني أحملهما جُرمي وذنبي وما اقترف قلبي ؟!
(6)
أبتاه ..
لستَ عاجزًا ..
.. بل أنا العاجز
(7)
أبتاه ..
لولا علمي بأن لي ربًّا كريمًا ..
لسألتُ اللهَ قلبك ..
وإن حُرِمت ساقِي ..
ولكن فضل ربي واسع ..
فاللهم أنعم عليَّ بطاعتك ..
وعافني في بدني وسمعي وبصري ..
وقلبي ..
[من كتاب]
وردة لا تذبل
وبعد الفراغ من صلاة القيام ..
وقف وحده متنفلاً ..
لا يهتز .. ولا يتمايل ..
ولا يراوح بين قدميه ..
لأنه ليست له قدمان !!
شاهدتُ هذا المشهد الذي صوَّره أحد الإخوة ..
وانتشر على الشبكة ..
لهذا الرجل المبتورة إحدى ساقيه ..
يقف على ساق واحدة ..
يصلي لله ..
اقشعر بدني ..
ودمعت عيناي ..
واشتقت أن أرسل إليه هذه الكلمات ..
من فيض ما جاش في صدري ..
(1)
أبتاه ..
ما أعظم حكمة ربي ولطفه !
إن كنتَ قد حُرمتَ من نعمة الساقين ..
فإن نعمة الأنس بالله ..
ولذة التنعم بالقرب منه ..
والذي أنساك أنك ترتكز على ساق واحدة ..
واللهِ ..
إنهما لأجلُّ من ساقين معطلتين كساقيَّ ..
يا ليت لي هذا الشوق وهذا الحب وهذا النعيم ..
فاللهم لا تحرمني بجُرمي ..
(2)
أبتاه ..
عاقل بني آدم يخطو بقدميه إلى رضوان ربه ..
فتتفاوت الخطى ..
أما أنت وقد (أُنعِم) عليك ..
فتخطو بقلبك ..
وما أدراك ما خُطى القلب !
(3)
أبتاه ..
علمتَني أن كثيرًا مما يقوله الناس وهمٌ ..
فهم إن رأوك قالوا : عاجز ..
وإن رأوني قالوا : صحيح ..
لكنهم إن أنصفوا ..
لكنتُ أنا الأولى بوصف العجز ..
فإنه ليس عجز الأبدان ..
وإنما عجز الروح ..
فساقان معطلتان ونفس متوانية ..
لا تساوي شيئًا في ميزان القيامة ..
(4)
أبتاه ..
لقد فضحتني ..
نعم .. واللهِ لقد فضحتني أمام نفسي ..
لقد ألجمتها حُجة النِّعم ..
وأوقفتها أمامك حائرة لا تملك جوابًا ..
ولا تنبس بعذر مِن أعذراها الواهية ..
وتبريراتها الجوفاء ..
تلك .. التي طالما أدمت قلبي ..
(5)
أبتاه ..
بعد أن رأيتُك ..
كرهت ساقيَّ ..
نعم .. كرهتُهما ..
ما أكسلهما .. ما أكفرهما بنعمة ربهما !
ولكن .. أهُما كذلك ..
أم أنني أحملهما جُرمي وذنبي وما اقترف قلبي ؟!
(6)
أبتاه ..
لستَ عاجزًا ..
.. بل أنا العاجز
(7)
أبتاه ..
لولا علمي بأن لي ربًّا كريمًا ..
لسألتُ اللهَ قلبك ..
وإن حُرِمت ساقِي ..
ولكن فضل ربي واسع ..
فاللهم أنعم عليَّ بطاعتك ..
وعافني في بدني وسمعي وبصري ..
وقلبي ..
[من كتاب]
وردة لا تذبل
Published on October 06, 2012 04:26
October 4, 2012
حصاني المجنح ـ(قصة)ـ
لماذا يتبسَّم؟! وكذا هو في كل مرة! ألا يرى صخرة اليأس وقد سدَّت فوَّهة الغار؟ ألا يوقن ألاَّ شعاع للأمل وسط هذا الظلام الحالك؟! ويبتسم..؟! هل يَرى ما لا أرى؟! أتعجب..
- ستصيبُني بالجنون بابتسامتك تلك وتفاؤلك الساذج!
يضحك:
- وهل لم تُصَب بالجنون إلى الآن بتشاؤمك هذا؟! لماذا هذه النظرة السوداوية؟! أبشر يا صاحبي!
يبتسم، ثم يمازحني:
- أتذكُر المرة السابقة حين قلتَ.........؟ والتي قلبها حين ظننتَ...........؟ أما آن لك أن تخلع نظارتك السوداء؟
نظارتي التي يسميها سوداء أسميها أنا: واقعية – عقلانية – ناضجة.. ولكنه المنتصر في كل مرة!
كلُّ مرة ينفض الغبار عن مرَّات سابقة تكرَّر فيها الموقف بحذافيره.. كان هو الغالب دائمًا، ولكن أيظن أن كل مرة سيحدث الأمر ذاته؟! لا أدري من أين يكتسب هذه الثقة؟!
غادرتُ العمل منصرفًا إلى المنزل، أسير متجهًا إلى سيارتي في حَرِّ العصر الخانق.. بالرغم من ضيقي بتشاؤمي؛ هل يا تُرى قد ألفتُه حتى صار جزءًا مني؟ أو صرتُ كمُدمِن لا يستطيع أن يستغني عن المخدِّر وإن كرهه؟.. أجتاز الشارع وسط زحام الطلبة المنصرفين من المدارس وصراخ الأطفال المزعج..
يقولون دومًا أنني وهو وكأننا "فولة" قُسمت نصفين، ولكن يبدو أن أحد نصفَي تلك "الفولة" كانت قبلتُه قِبَل المشرق؛ فتغلغل فيه النور حتى تجسَّد فيه، ينظر إلى المُحاق فينعكس نوره عليه فيراه بدرًا، بل يراه بعضُ مَن حوله بدرًا أيضًا.. يستبشر.. ويبتسم..
والنصف الثاني في ظلامٍ نشأ.. أنا..حيث القبلة قِبَل المغرب، لا أرى الشمس إلا حال احتضارها خلف أمواج البحار.. أتردَّد.. أخاف.. أتوجَّس.. لا أدري كيف يتَّسع قلبه لمثل هذا التفاؤل؟! وهل يسعد بذلك أم أنَّ السعادة في مثل إحجامي المتوجِّس؟!.. أصرخ في بعض طلبة المدارس الجالسين على سيارتي.. يضحكون على حِدَّة الصراخ كأن مَن أمامهم به مَس مِن الشيطان!
لماذا لا أكون صريحًا مع نفسي؟! أنا أنظر إلى كل ما حولي بنظرة تشاؤمية، ومِن خلال نظارة سوداء، وهذا بلا شك يكدِّر عليَّ حياتي.. فلأكن صريحًا قليلاً مع نفسي.. أُدير سيارتي التي أتمنى ليلاً ونهارًا أن أتخلص منها.. تلك المزعجة!
بالتأكيد هؤلاء الذين ينظرون إلى ابتلاءات الحياة وصعوباتها ومشاقها بنظرة غير نظرتي يشعرون براحة في نفوسهم، أو لعلهم هكذا يُظهِرون.. أتحرَّك بالسيارة نصف متر وأقف، ثم نصف متر وأقف في إشارات مزدحمة بحافلات ممتلئة بالموظفين وطلبة المدارس.. تبًّا لك يا أعصابي ما عدتِ تحتملين!
أهي خِلقةٌ يخلق اللهُ الناسَ عليها؟ أم أنها التربية؟ أم أنه الإيمان؟.. وهل يمكن أن أتغير؟ ما هذه الأحلام التي أسبح فيها وسط هذا الزحام القاتل.. نزلتُ من السيارة لأتشاجر مع سائق السيارة التي أمامي لا لشيء إلا لتفريغ شحنة يومية من الغيظ والنكد.. ضابط المرور.. مخالفة! أهلاً وسهلاً!
- ماذا أفعل إن أردتُ أن أكون مثلك؟!
فاجئته بالسؤال العجيب في اليوم التالي.. تبسَّم متعجِّبًا مستفهمًا، واصلتُ:
- أريد أن أتعامل مع الأمور ببساطة كما تفعل! أريد أن أعرف كيف تتفاءل في أحلك الظروف!
تجمَّدت ابتسامته قليلاً، سكت هنيهة، ثم أخذ بيدي وجرَّني إلى النافذة بجوار مكتبه، نظر إلى سحابة في السماء، سألني:
- ماذا ترى؟
نظرتُ إلى حيث ينظر ثم نظرت إليه متعجِّبًا، يبدو أن المتفائلين هم المجانين لا المتشائمين!
- أتقصد السحاب؟!
- نعم.. على أيِّ صورة تراه؟!
نظرت إلى السحابة، وتذكَّرت أيام الطفولة عندما كنت أتخيل الصور في السحاب، وفي تقشير طلاء حائط بيت جدتي القديم، وفي نقوش سجاجيد بيتنا!
رأيت تِنينًا وحشيًا بقرنين وقد فتح فمه يخرج نارًا منه.. أخبرته.. تبسَّم ثم قال:
- ولكنني لا أرى ما رأيت! إننى أرى حصانًا أبيضَ مجنحًا جميلاً ينظر إلى الأفق مبتسمًا.
- أين هذا؟!
- هذه رأسه.. هذا جناحاه.. هذا جسده.. واضح، ألا تراه؟!
تعبتُ في محاولة تخيُّل ما ذكر، ثم انتبهت إلى أنه قد ذهب بي إلى غير ما أردتُ، هممتُ أن أسأله ولكنه بادرني وهو ينظر إلى السحاب:
- السحابة واحدة، ولكن بأي عينٍ رآها كلٌّ مِنا؟!
كل ما حولنا -مهما كان مؤلمًا- فإنك إن نظرتَ فيه فستجد فيه أبوابًا من الخير تضيء لك طريق الأمل في قلبك.
التفتُّ إليه مرهفًا سمعي، تابع قائلاً:
- أتعلم أن الله لا يخلق شرًّا محضًا أبدًا؟! فكل شرٍّ أوجده الله فمِن وراءه الخير الكثير، وربُّنا حكيم.
الفرق بيني وبينك أنني أرتدي تلك النظارة التي ترى هذا الخير، وإن لم أرهُ بها فإن بصيرة القلب تجزم بوجود هذا الخير وإن لم تعرفه.
سكتَ قليلاً، ثم التفت إليَّ مستطردًا:
- يا رفيقي.. ما مِن مصيبة أو بَليَّة في حياتنا إلا وهي تحمل في رحمها خيرات، فلتنظر إليها من هذا الجانب.. سنصبر، سنصمد، سنزرع الأمل في قلوبنا، ونسعد..
أكان يحرث قلبي بكلماته الحية، ثم يزرع فيها بذور الأمل وقلبي ساكنٌ بين يديه؟!
صامتٌ أنا.. أسمع، وهو يحرث ويزرع..
أرفع بصري إلى السماء أتجاوز به تلك الحواجز التي بنيتها بيديَّ..
تلك الحواجز الكفيلة بأن تدفن كل إشراقة أمل تبزغ في آفاق نفسي..
أرفع بصري.. أنظر إلى أعلى..
إلى السحاب أنظر.. إلى حيث أشار..
أبتسم.. وأنا أرقب حصاني المجنح!
القصة على مدونة زفرات
- ستصيبُني بالجنون بابتسامتك تلك وتفاؤلك الساذج!
يضحك:
- وهل لم تُصَب بالجنون إلى الآن بتشاؤمك هذا؟! لماذا هذه النظرة السوداوية؟! أبشر يا صاحبي!
يبتسم، ثم يمازحني:
- أتذكُر المرة السابقة حين قلتَ.........؟ والتي قلبها حين ظننتَ...........؟ أما آن لك أن تخلع نظارتك السوداء؟
نظارتي التي يسميها سوداء أسميها أنا: واقعية – عقلانية – ناضجة.. ولكنه المنتصر في كل مرة!
كلُّ مرة ينفض الغبار عن مرَّات سابقة تكرَّر فيها الموقف بحذافيره.. كان هو الغالب دائمًا، ولكن أيظن أن كل مرة سيحدث الأمر ذاته؟! لا أدري من أين يكتسب هذه الثقة؟!
غادرتُ العمل منصرفًا إلى المنزل، أسير متجهًا إلى سيارتي في حَرِّ العصر الخانق.. بالرغم من ضيقي بتشاؤمي؛ هل يا تُرى قد ألفتُه حتى صار جزءًا مني؟ أو صرتُ كمُدمِن لا يستطيع أن يستغني عن المخدِّر وإن كرهه؟.. أجتاز الشارع وسط زحام الطلبة المنصرفين من المدارس وصراخ الأطفال المزعج..
يقولون دومًا أنني وهو وكأننا "فولة" قُسمت نصفين، ولكن يبدو أن أحد نصفَي تلك "الفولة" كانت قبلتُه قِبَل المشرق؛ فتغلغل فيه النور حتى تجسَّد فيه، ينظر إلى المُحاق فينعكس نوره عليه فيراه بدرًا، بل يراه بعضُ مَن حوله بدرًا أيضًا.. يستبشر.. ويبتسم..
والنصف الثاني في ظلامٍ نشأ.. أنا..حيث القبلة قِبَل المغرب، لا أرى الشمس إلا حال احتضارها خلف أمواج البحار.. أتردَّد.. أخاف.. أتوجَّس.. لا أدري كيف يتَّسع قلبه لمثل هذا التفاؤل؟! وهل يسعد بذلك أم أنَّ السعادة في مثل إحجامي المتوجِّس؟!.. أصرخ في بعض طلبة المدارس الجالسين على سيارتي.. يضحكون على حِدَّة الصراخ كأن مَن أمامهم به مَس مِن الشيطان!
لماذا لا أكون صريحًا مع نفسي؟! أنا أنظر إلى كل ما حولي بنظرة تشاؤمية، ومِن خلال نظارة سوداء، وهذا بلا شك يكدِّر عليَّ حياتي.. فلأكن صريحًا قليلاً مع نفسي.. أُدير سيارتي التي أتمنى ليلاً ونهارًا أن أتخلص منها.. تلك المزعجة!
بالتأكيد هؤلاء الذين ينظرون إلى ابتلاءات الحياة وصعوباتها ومشاقها بنظرة غير نظرتي يشعرون براحة في نفوسهم، أو لعلهم هكذا يُظهِرون.. أتحرَّك بالسيارة نصف متر وأقف، ثم نصف متر وأقف في إشارات مزدحمة بحافلات ممتلئة بالموظفين وطلبة المدارس.. تبًّا لك يا أعصابي ما عدتِ تحتملين!
أهي خِلقةٌ يخلق اللهُ الناسَ عليها؟ أم أنها التربية؟ أم أنه الإيمان؟.. وهل يمكن أن أتغير؟ ما هذه الأحلام التي أسبح فيها وسط هذا الزحام القاتل.. نزلتُ من السيارة لأتشاجر مع سائق السيارة التي أمامي لا لشيء إلا لتفريغ شحنة يومية من الغيظ والنكد.. ضابط المرور.. مخالفة! أهلاً وسهلاً!
- ماذا أفعل إن أردتُ أن أكون مثلك؟!
فاجئته بالسؤال العجيب في اليوم التالي.. تبسَّم متعجِّبًا مستفهمًا، واصلتُ:
- أريد أن أتعامل مع الأمور ببساطة كما تفعل! أريد أن أعرف كيف تتفاءل في أحلك الظروف!
تجمَّدت ابتسامته قليلاً، سكت هنيهة، ثم أخذ بيدي وجرَّني إلى النافذة بجوار مكتبه، نظر إلى سحابة في السماء، سألني:
- ماذا ترى؟
نظرتُ إلى حيث ينظر ثم نظرت إليه متعجِّبًا، يبدو أن المتفائلين هم المجانين لا المتشائمين!
- أتقصد السحاب؟!
- نعم.. على أيِّ صورة تراه؟!
نظرت إلى السحابة، وتذكَّرت أيام الطفولة عندما كنت أتخيل الصور في السحاب، وفي تقشير طلاء حائط بيت جدتي القديم، وفي نقوش سجاجيد بيتنا!
رأيت تِنينًا وحشيًا بقرنين وقد فتح فمه يخرج نارًا منه.. أخبرته.. تبسَّم ثم قال:
- ولكنني لا أرى ما رأيت! إننى أرى حصانًا أبيضَ مجنحًا جميلاً ينظر إلى الأفق مبتسمًا.
- أين هذا؟!
- هذه رأسه.. هذا جناحاه.. هذا جسده.. واضح، ألا تراه؟!
تعبتُ في محاولة تخيُّل ما ذكر، ثم انتبهت إلى أنه قد ذهب بي إلى غير ما أردتُ، هممتُ أن أسأله ولكنه بادرني وهو ينظر إلى السحاب:
- السحابة واحدة، ولكن بأي عينٍ رآها كلٌّ مِنا؟!
كل ما حولنا -مهما كان مؤلمًا- فإنك إن نظرتَ فيه فستجد فيه أبوابًا من الخير تضيء لك طريق الأمل في قلبك.
التفتُّ إليه مرهفًا سمعي، تابع قائلاً:
- أتعلم أن الله لا يخلق شرًّا محضًا أبدًا؟! فكل شرٍّ أوجده الله فمِن وراءه الخير الكثير، وربُّنا حكيم.
الفرق بيني وبينك أنني أرتدي تلك النظارة التي ترى هذا الخير، وإن لم أرهُ بها فإن بصيرة القلب تجزم بوجود هذا الخير وإن لم تعرفه.
سكتَ قليلاً، ثم التفت إليَّ مستطردًا:
- يا رفيقي.. ما مِن مصيبة أو بَليَّة في حياتنا إلا وهي تحمل في رحمها خيرات، فلتنظر إليها من هذا الجانب.. سنصبر، سنصمد، سنزرع الأمل في قلوبنا، ونسعد..
أكان يحرث قلبي بكلماته الحية، ثم يزرع فيها بذور الأمل وقلبي ساكنٌ بين يديه؟!
صامتٌ أنا.. أسمع، وهو يحرث ويزرع..
أرفع بصري إلى السماء أتجاوز به تلك الحواجز التي بنيتها بيديَّ..
تلك الحواجز الكفيلة بأن تدفن كل إشراقة أمل تبزغ في آفاق نفسي..
أرفع بصري.. أنظر إلى أعلى..
إلى السحاب أنظر.. إلى حيث أشار..
أبتسم.. وأنا أرقب حصاني المجنح!
القصة على مدونة زفرات
Published on October 04, 2012 06:29