هل تعرف معنى أن يموت أحدهم بين يديك؟


لا، ليس الأمر كالافلام السينيمائية، ليس هناك موسيقى تصويرية خفيفة ولا عشرة كاميرات احترافية ولا إعادات.  فقط وحشة مخيفة ملتحفة بالسكون.. هذا مشهد يتم تصويره مرة واحدة فقط. هذا حقيقي تماما، سكرات الموت مؤلمة كنبتة صبار متسارعة النمو زرعت في حلقك دون أن تدري، مذعورة، تحاول أن تتحرر منك.لا تدري أنها تؤذيك، هي فقط تريد حريتها.
لن يخاطبك بصوت متهدج ويردد بصعوبة بالغة: عدني أن تفعل كذا. لن تبكي فورا ولن تردد أعدك. فقط ذهول، ووحشة وانكسار في النفس. شعور متكامل بالعجز البشري وتجلي واضح للفناء. أنت تموت مرتين او ثلاثة او اربعة. يصفعنا الموت على كبريائنا البشري حينما ياخذ احدهم بين يديك. هذا اسوا من ان تموت انت.

لم نتحدث منذ ثلاث سنوات. بعث لي برسالة قصيرة، وطلب أن يراني عاجلاً. أراد أن يموت على يدي.كان يبكي دون أي ينطق بكلمة. خمسون دقيقة أحاول أن أقول شيئاً، ويعجز لساني تماماً عن الحراك. أعلم أن كل ما أراده هو أن يكون سعيداً ، كفر بالوطن، وبالإله وبالحب، دون أن يجد أي طريقٍ آخر. هي بعثرته منذ سنين، ومضى خمس سنوات يرمم ما أفسدته يداها في داخله. اصطنع فوق نفسه الخربة قشرة رقيقة من الإطمئنان مزينة بابتسامة بسيطة يوزعها على العابرين كل يوم. هي تزوجت أحمقاً آخر، يشجع ريال مدريد ويتناول قطعتين من البطيخ، يضع كرشه المتدلي في فانلة داخلية رديئة ويتفوه بأقذر السباب حين يفوت كريستيانو رونالدو هدفاً محتماً.
لم يحب السياسة قط، كان أنقى من أن تدنس نفسه النقيّة بمستنقع السياسة النجس، كان يريد فقط أن يعيش في بقعة من العالم لا ينحشر فيها في مترو آخر، ولا يضطر الى مواجهة مجتمع أفاق كل يومٍ ويتحدث بلغته التي مهما حاول أن يتقنها يبدو غريباً عنها.
حقيقة أنه موجود في هذه البقعة "الوسخة" من الأرض في هذا التوقيت العفن بهذا القدر من الإنسانية، كانت كفيلة بأن تضعه على حافة الجنون، وتراقبه ينهار بدمٍ بارد.
حين يذهب الطيبون ولا يبقى سوى أولاد الكلاب، ماذا نفعل؟
1 like ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on February 26, 2013 14:06
No comments have been added yet.