يا مصر قومى وشدى الحيل
- باقي على موعد الإفطار ساعتان وهي منهمكة في طهي الأرز المعمر والبامية حسب طلب الأولاد. حمدت الله أن الصيام هذا العام يأتي مع إجازة المدارس فلن تحمل هم تدبير مصاريف الدروس الخصوصية بالإضافة إلى ميزانية رمضان المنتفخة. لم تكن يوما مهتمة بالسياسة، لكنها وجدت نفسها تتابع ما يحدث في ميدان التحرير وقت الثورة. كانت مرتبكة ولكنها ضبطت نفسها تحلم بمدارس محترمة ورخيصة تتناسب مع دخل زوجها البسيط. انتابها شعور مختلف يوم الاستفتاء، لم تكن تظن أبدا أنها ستشعر أنها مهمة، أن لصوتها معنى. قالت "نعم" لأنها كانت تتمنى مدارس جيدة وراتب أفضل لزوجها. أنبأتها رائحة الأرز أن كله تمام ولم يبقى إلا... سمعت طارق وعمرو يصرخان في صالة البيت مهللين، هل يشاهدون مباراة كرة! اندفع طارق إلى المطبخ وهو يصرخ المرة تلو الأخرى كالمجنون "القذافي سقط.. ليبيا حرة ومعمر بره..". جرت مع ابنها نحو شاشة التلفزيون. رأت الثوار يمزقون صور السفاح، يدوسونها بالأقدام وهم يرفعون علامة النصر. بكت.
- يعتبر نفسه مشاركا في الثورة بالرغم من أنه مجرد حارس عمارة وبالرغم من أن قدماه لم تلمسا أرض ميدان التحرير. كان يشاهد الدكتورة التي تسكن العمارة تذهب يوميا إلى هناك مع أبناءها وقد حملوا الأعلام واليافطات بينما هو عضو فعال في اللجنة الشعبية التي تحمي الشارع. كان السكان وقتها ينزلون ليلا ليجلسوا معه وباقي الحراس يشربون الشاي الساخن في ليل يناير وفبراير وينتفضون بأسلحتهم البيضاء عند اقتراب صوت غريب. "ثورة ثورة حتى النصر". هذا ما كان ينبض به قلبه طوال تلك الأيام. لكن شيئا لم يتغير بعد الثورة. على العكس ارتفعت الأسعار وزاد الضنك وغاب الأمن وابتلع هو مرارته صامتا. في الأسبوع الماضي تابع على التليفزيون تحقيقا عن قتل المساجين إبان الثورة وبعدها. قتلوهم داخل الزنازين. كانت طلقات الرصاص محفورة على الحيطان وبقع الدماء تكتب تاريخ "السفاحين. أي والله الإعدام مش كفاية فيهم". في صباح اليوم التالي سألها "هو أخبار التحرير إيه يا دكتورة؟".
- العودة من عمله للبيت في دار السلام عذاب يومي. حر وزحام وعطش والناس حوله في الميكروباص يتبادلون حواديت البلطجة ويفتون في السياسة. لم ينزل إلى ميادين الثورة خوفا من أن يتبعه الولد والبنت وربما لا قدر الله يصيبهم أذى. لا يعرف تحديدا هل كان هذا هو المبرر الحقيقي لعدم نزوله أم لأنه يعرف أنه قد وصل إلى الخامسة والخمسين دون مشاركة حقيقية. سرق منه مبارك عمره فأدار ظهره لكل شئ وانكفأ على البيت وطلبات الأولاد. وهل بعد هذا يحق له أن يتكلم؟ دخل من باب البيت إلى حجرة النوم مباشرة والصداع يطحن رأسه. وصاحبه الصداع حتى اقتراب السحور. كانت زوجته تضع طبق الفول وأكواب الزبادي على المائدة عندما عرف من ابنته ما يحدث الآن أمام سفارة إسرائيل. قالت منى بصوت متهدج "فيه واحد طالع العمارة علشان ينزل علم إسرائيل يا بابا". كان في عينيها ما يشبه العتاب الصامت ورجاء وكان في عينيه دموع. التفت إلى أم منى وهو يداري ارتعاش صوته "ياللا بينا يا ولاد. هنتسحر هناك".
- يعتبر نفسه مشاركا في الثورة بالرغم من أنه مجرد حارس عمارة وبالرغم من أن قدماه لم تلمسا أرض ميدان التحرير. كان يشاهد الدكتورة التي تسكن العمارة تذهب يوميا إلى هناك مع أبناءها وقد حملوا الأعلام واليافطات بينما هو عضو فعال في اللجنة الشعبية التي تحمي الشارع. كان السكان وقتها ينزلون ليلا ليجلسوا معه وباقي الحراس يشربون الشاي الساخن في ليل يناير وفبراير وينتفضون بأسلحتهم البيضاء عند اقتراب صوت غريب. "ثورة ثورة حتى النصر". هذا ما كان ينبض به قلبه طوال تلك الأيام. لكن شيئا لم يتغير بعد الثورة. على العكس ارتفعت الأسعار وزاد الضنك وغاب الأمن وابتلع هو مرارته صامتا. في الأسبوع الماضي تابع على التليفزيون تحقيقا عن قتل المساجين إبان الثورة وبعدها. قتلوهم داخل الزنازين. كانت طلقات الرصاص محفورة على الحيطان وبقع الدماء تكتب تاريخ "السفاحين. أي والله الإعدام مش كفاية فيهم". في صباح اليوم التالي سألها "هو أخبار التحرير إيه يا دكتورة؟".
- العودة من عمله للبيت في دار السلام عذاب يومي. حر وزحام وعطش والناس حوله في الميكروباص يتبادلون حواديت البلطجة ويفتون في السياسة. لم ينزل إلى ميادين الثورة خوفا من أن يتبعه الولد والبنت وربما لا قدر الله يصيبهم أذى. لا يعرف تحديدا هل كان هذا هو المبرر الحقيقي لعدم نزوله أم لأنه يعرف أنه قد وصل إلى الخامسة والخمسين دون مشاركة حقيقية. سرق منه مبارك عمره فأدار ظهره لكل شئ وانكفأ على البيت وطلبات الأولاد. وهل بعد هذا يحق له أن يتكلم؟ دخل من باب البيت إلى حجرة النوم مباشرة والصداع يطحن رأسه. وصاحبه الصداع حتى اقتراب السحور. كانت زوجته تضع طبق الفول وأكواب الزبادي على المائدة عندما عرف من ابنته ما يحدث الآن أمام سفارة إسرائيل. قالت منى بصوت متهدج "فيه واحد طالع العمارة علشان ينزل علم إسرائيل يا بابا". كان في عينيها ما يشبه العتاب الصامت ورجاء وكان في عينيه دموع. التفت إلى أم منى وهو يداري ارتعاش صوته "ياللا بينا يا ولاد. هنتسحر هناك".
Published on September 01, 2011 04:15
•
Tags:
المصري-اليوم-28-8-201
No comments have been added yet.