تحطيم بوادر البطولة


هناك ملاحظة أود مشاركتم إياها:كل مرة يحدث شخص شيئا مؤثرا في المجتمع لدينا، تتعالى أصوات كثيرة للحد من أهمية ما فعله. هذا يحدث سواء أكان التأثير على المجتمع إيجابيا أو سلبيا (أو حتى متعادلا). ونجد دائما من يقول له: هل تريد أن تقيم نفسك بطلا علينا؟ ولكأن أدوار البطولة محددة سلفا لفئة محددة، أو لكأنها غير واردة الحصول في المجتمع الذي نعيش فيه. الكتّاب الذين دُعوا بالعقلانيين، حين كانوا يواجهون المنظومة الدينية المتفشية في المجتمع (والجامدة نوعا ما)، والتي أودت موتا بالمذهب الإباضي ذي الأصول الثورية، اتُهموا بأنهم يريدون أن يقيموا من أنفسهم أبطالا. الوجوه التي ظهرت في الاعتصامات في العام المنصرم والتي حاولت كسر الجمود الحكومي الإداري، وجدت من يقول "هم يريدون أن يكونوا أبطالا". طبعا لست هنا بصدد ما إن كان العقلانيون أو المعتصمون أبطالا. ليس هذا ما أناقشه. إنما هذه الرغبة في إسكات المختلف وإسقاط "البطل" المحتمل. من أين تنبع هذه الرغبة لدينا في تحطيم الآخر؟ أم أنها ليست رغبة في التحطيم بقدر ما هو افتقار وعدم ثقة بذاتنا الاجتماعية؟ أتذكر الآن ما يشاع دائما من أن ظاهرة الحسد متفشية في مجتمعنا تفشيا يكاد يكون سمة من سماته. طبعا أن يكون سمة من سماتنا هذه وحدها تحتاج إلى دراسة إحصائية للتأكد العلمي. وإنما نحن نسشتف هذا من خلال أحاديثنا واستخدامنا المفرط لكلمة "حسد عماني". الفرضية الثانية في أنها ربما تكون علامة افتقار للثقة في ذواتنا؛ فهناك دائما من يحاول أن يُخفِّض من انتاجية الفرد العماني. والحق أن جلد الذات قليلا ونقدها مهم جدا للتطوير بيد أن النقد المحطم للقيمة من أساسها هو نقد هادم تماما. وإنما هذا هو ما يشيع استخدامه. ليس هذا معناه بالطبع أن يسكت الناس ولا يدلوا بدلائهم في البطل المحتمل: مناقصه ومحامده؛ فثمة دائما هذه الحاجة لغربلة المهم والمؤثر والمفيد من الغث والعارض والنكرة. ثمة فرضية ثالثة أُطلقها هنا ان الدولة وضعت (بطرق غير مقصودة ربما) احتكارا على مجال البطولة ومنحته لأشخاص محدودين فقط، وفعّلت ذلك عبر جهازها الإعلامي.  الفرضية الرابعة أن التاريخ لدينا ينزع إلى تأريخ الأحداث المضيئة إن صح التعبير، ولذا يُذكَر الملوك والعلماء والفقهاء وكبار قواد الجيش، أما الآخرون الذين يمارسون أدوارا مهمة وفاعلة ومؤثرة أخرى فمركونون على الرف وقلما نُخبر عنهم، وربما يتم محوهم من المشهد. أظن أننا، كدولة وكمجتمع يسعى للتقدم، لا بد أن نثق ببعضنا وندفع بعضنا بعضا للأمام. إن ذلك لا يفيد المدفوع فقط بل الدافع أيضا، ويجعلنا نحظى ببعض الاحترام لأنفسنا وببعض الثقة من قبل الآخرين البعيدين عنا.           
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on February 17, 2012 08:46
No comments have been added yet.


حسين العبري's Blog

حسين العبري
حسين العبري isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow حسين العبري's blog with rss.