إستفتاء أم هجر للتفكير

هل الاستفتاء، أي سؤال أهل الذكر، زيادة في العلم أم ترك للتفكير؟ لاحظوا هنا أن كلمة أهل الذكر إنما تعني علماء الدين وبالأخص الفقهاء، أي التعريف الشائع لدينا جميعا.
والآن حين يُسأل المفتي سؤالا من قبيل: هل يجوز أكل الطين؟ فما القصد من السؤال. ربما نقول سوية أن السؤال جاء من شخص محدود الفهم والذكاء، ولذا أراد أن يستوضح ما عنَّ له. لا بأس، لكن أن يفتي المفتي مثلا أن الطين لا يؤكل أو أن الطين لم تُورد فيه آية لتحريمه لكنه مما لا يؤكل، أيا كانت إجابته فإن استجابة المفتي بالرد تعني ضمنا أن السؤال مما يُسأل. جيد من المفتي، وهذا رأيي، أن يقول ويُعلّم الناس أن هذه الأسئلة لا داعي لها. لكن ما نراه أن المفتين يفتون في كل الأسئلة التي تصل إليهم. وعلى هذا يرسخون مبدأ أنكم يجب أن تسألوا عن كل تفصيل. ما أقصى ما يمكن أن تفعله المرأة لمقاومة من يريد اغتصابها؟ حقا ماذا يجب أن تفعل، تقتله مثلا أم تضربه أم تتركه ثم تذهب للقضاء بعدها أو للمستشفى لتوثيق حالة الاغتصاب؟! هل الموسيقى العسكرية حرام أم حلال؟ هل التصوير حلال أم حرام؟ الذهاب إلى دار الأوبرا حرام أم حلال؟ ماذا عن حضور فعاليات مهرجان مسقط؟ هذه عينة من الأسئلة التي يسألها البعض، ولا يتورع المفتي أن يفتي. (المفتي هنا كل مفتي وليس مفتينا بالضرورة).في الإسلام تعلَّمنا أنه لا وساطة بين الله وبين البشر. هل يقوم المفتي الآن بمثل هذه الوساطة؟ في رأيي، أنه يفعل؛ فهو يقوم بترجمة النص القرآني المقدّس للناس فهو وسيط بين الله والبشر. هذه الوساطة التي تنكرها أصول الإسلام. أيهما إذن أحسن أن يكون هناك مرجعية لكل شخص كما هو الحال عند الشيعة؛ فكل شخص لديه من يسأله، أم أن يكون هناك مفتٍ عام للدولة؟ في كلتا الحالتين يقف المفتي وراء الشخص أو وراء الأمة دليلا يقودها باتجاه ما يريد، أو ما يريده الله حسب فهمه. فقط يبدو لي الأمر عند الشيعة، وليصحح لي من يعرف أكثر، أمرا أكثر شخصانية من أن يكون رسميا وعلنيا، وهو بالتالي أقرب إلى ما هو معروف عند المسيحين من الاعتراف والاسترشاد برجل الدين. في كلتا الحالتين يفكر المفتي بدلا عن الفرد. في الدولة الإسلامية ما أفهمه عن مكتب الإفتاء أنه مؤسسة للدولة. بمعنى أنه، ولأخفف من التعبير قدر ما أستطيع، يحاول أن يجد الحلول الوسطى بين ما تريده الدولة من سياسة وإدارة وبين ما يفهمه علماء الدين من الدين. لذا فإن المفتي ليس فقيها للأمة بقدر ما هو فقيه للدولة. وهنا تتأزم الأمور، فمثلا تقول الدولة هذه دار أوبرا!، فيقول المفتي الذهاب إلى دار الأوبرا حرام!. وهذا تناقض بيِّن؛ فهذا معناه أن يكون في الدولة ما يواجه الدولة، وهذا ربما يصح لو كان مكتب الإفتاء حزب من أحزاب المعارضة. وبما أننا في عمان نتحدث هذه الأيام عن التقدم والتطوير في كل شيء، فإليكم مقترحي لتطوير مكتب الإفتاء. فبعد وفاة المفتي العام للسطلنة، أدام الله في عمره، لا ينبغي أن يكون هناك مفتٍ واحد بل يجب أن يكون هناك مجلس إفتاء، وعلى المجلس أن يضمّ علماء دين من مذاهب أخرى أيضا غير المذهب الإباضي، وعلى الفتوى أن تكون بإجماع الأغلبية حين اكتمال النصاب.الاقتراح الثاني، والذي أميل إليه، أن يُلغى مكتب الإفتاء، فالناس تختار من يفتي لها ومن تثق في فتواه، (من الناس من يرى مثلا أن مفتينا متساهل نوعا ما في مسائل الموسيقى العسكرية والصور ولذا يحبذ فتوى شيخ آخر). بهذا نحرر المجتمع من وجوب اتباع مفتٍ واحد، ونحرِّر المفتي أيضا من ضرورة اتباع مذهب الدولة أو التوافق أو الصدام معها.   
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on February 20, 2012 00:19
No comments have been added yet.


حسين العبري's Blog

حسين العبري
حسين العبري isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow حسين العبري's blog with rss.