جناسات الوقاحة ونحوها قراءة جميلة من المحرر الأدبي والمترجم فادي عوض لأسلوب ولغة رواية أم ميمي

سعدت جدا بقراءة ممتعة وذكية لرواية (أم ميمي) كتبها الأستاذ فادي عوض على صفحته في الفيس بوك، اعتزازي وسعادتي بها ليس فقط لأنها تأتي من باحث ومترجم ومحرر أدبي متميز، ولكن لأنها أيضا تأتي من قارئ عتيد وواحد من حواة اللغة والعارفين بها، ولذلك لم يكن غريبا أن يقوم بمثل هذا التفكيك المدهش لأسلوب الكتابة والاختيارات اللغوية وطريقة الحكي، شكراً من القلب لفادي عوض ولكل من اهتم بالكتابة عن الرواية بجدية أياً كان رأيه فيها، فـ "هذا ما كنا نبغْ". أترككم مع قراءة فادي عوض للرواية وشخصياتها
...
انتهيت الآن من القراءة الثانية لرواية "أم ميمي"، وهي "عمل" أدبي رائع تمكن فيه بلال فضل من إنزال "سهم الله" عليّ طوال أسبوعين كاملين. فشكرًا له. في السطور (الكثيرة) التالية قراءتي للرواية ومحاولة لمناقشة الجهد الكبير والرائع في الرواية، والجهد المخلص في تقديري - كقارئ محب يتمنى ألا يكون متمحلسًا - هو عادة أصيلة في أعمال بلال فضل التي طالما أثارت جدلًا صحيًا ومستحقًا.
أبرز ما يواجه القارئ في "أم ميمي" هو أن بلال فضل تخلص فيها من كل المحاذير "الأدبية" وقلة الأدبية، وأطلق "للوقاحة" العنان. فدعنا نبدأ الحديث عنها بالحديث عن الوقاحة وطول اللسان. عندما نستخدم تعبير "الوقاحة" في وصف اللغة فإننا على الأغلب نقصد أمرًا من اثنين ربما يصح التفريق بينهما. الأول هو الصراحة إلى الحد الأقصى في الكلام عن الأعضاء والعمليات الجنسية. والمثال على هذا رواية أحمد ناجي "استخدام الحياة" التي تحل علينا هذه الأيام الذكرى التعيسة لسجنه بسببها، حيث كانت الكتابة عن مشاهد جنسية يدور الحوار فيها والحكي عنها متضمنا تسمية الأشياء والأوضاع والحركات بأسمائها. ينطبق هذا نفسه على الفقرات التي تحذف من الطبعات المهذبة لألف ليلة وليلة أو غيرها من كتب التراث في بعض الأحيان.
أما النوع الثاني فهو استخدام صفات أو أسماء مهينة (أغلبها قادم من عالم الممارسة الجنسية) في حق شخص سواء في حضوره أو في غيابه. يحدث هذا لأن المتكلم يريد أن يفرض سلطته على السامع ولسان حاله "هكذا أنا قادر على إهانتك وأنت غير قادر على الرد"، أو لأن المتكلم – خاصة إذا كان في موقع الأضعف - سأم كل أشكال الحجاج مع السامع فلم يعد أمامه إلا إهانته، إما استفزازا وإما تشفيًا. من المؤكد أن لهذا الجانب الأخير ارتباط كبير بالتمكن الطبقي والشعور بالضعف. ولهذا ربما يشيع أن وقاحة النوع الثاني أكثر شيوعًا في الطبقات الفقيرة، وربما يكون من السهل أن يدّعي أحد مصطنعي الحكمة، أن السبب في هذا أن الفقراء لا يملكون من أدوات الإقناع العقلي المهذب بالتعليم ما يحول بينهم وبين التعبير عن أنفسهم بالمبالغة في المشاعر أو الصراخ بها. الوقاحة إذن تصلح موضوعًا للتأمل النفسي، والاجتماعي، والاقتصادي، والسياسي. رواية "أم ميمي" سَبْق كبير في هذا التأمل. والوقاحة الواردة فيها تنتمي إلى كلا النوعين ولا تأتي بالضرورة تعبيرًا عن انطحان الطبقة الناطقة بها لأن الوقاحة - بشهادة الوقائع - ليست لغة طبقة واحدة كما قد يكون شائعًا. الوقاحة في "أم ميمي" تملأ الحوار، لكن السرد لا يخلو منها بدوره، وهذا أحد مصادر جدتها وطرافتها. كم تمنيت أن يكون نصي كله في قراءة "الوقاحة" في أم ميمي، لكن في الرواية الكثير مما يستحق التأمل والنظر والتحية.
لا يعطينا بلال فضل اسم بطل وراوي "أم ميمي" الذي يشترك مع المؤلف في أكتر من صفة. بلال فضل كما يعرف الجميع سكندري درس الإعلام في القاهرة في مطلع التسعينات وكذلك بطله. بلال كاتب سينمائي معروف ولدى بطله الشاب هوس بالسينما من المنطقي تماما أن يكون قد قاده ليصبح بلال فضل... إلخ. أجمل ما في رواية "أم ميمي" أنها لا تشغل بالها بهذا الحوار من بابه. بدلا من ذلك يقتطف المؤلف سنة من حياة بطله تمثل لحظة انتقال كبرى ويصبح التركيز الكامل للرواية في هذا الحدث دون الالتزام بحكي تاريخ البطل قبل الحدث أو بعده. لكن هذه السنة من حياة البطل حافلة بمظاهر ومفارقات انتقاله من حياة إلى أخرى. فهي لحظة انتقاله من المراهقة إلى الشباب مع بدء الدراسة الجامعية في كلية الإعلام، وانتقاله إلى القاهرة قادمًا من الإسكندرية يحمل طموح العمل في السينما، وانتقاله المبكر من الاعتمادية إلى الاستقلال تحت ضغط طموحه بالتحرر من قيد الأسرة وسلطة الأب، وانتقاله – رغم رغبته في هذا – من نعومة وهناءة وتدليل الأم ومن "كنف وكنيف" الأسرة إلى خشونة وقذارة وقباحة العالم، وحكمته أيضًا... إلخ.
تتطور شخصية البطل من خلال تعامله مع كل هذه الانتقالات، لكنها جميعًا تتراجع إلى الخلفية في مقابل الحدث الأساسي الذي يعيشه البطل بصورة مؤقتة جدًا؛ أعني بهذا انتقاله من طبقته المتوسطة المنهارة إلى الحياة لعدة أشهر في كنف الطبقة المنهارة حقا وصدقا، وبالتحديد لدى أسرة "أم ميمي" التي ضربتها جميع السلوك فضربت سلوك كافة أعضائها. وبالتالي، فليس الانهيار هنا هو ذلك الانهيار الاقتصادي التسعيني المعروف، لكنه أيضًا انهيار نفسي وعضوي وأخلاقي يصنع منه بلال فضل معزوفة صوتية ضاحكة مبكية لم يكن أبدًا من السهل على كاتب غيره أن يقنعنا بها إلى هذه الدرجة.
رغم طموحه الكبير، وربما بسببه، يتمنى بطلنا فقط أن ينتهي العام الدراسي على خير، حتى تتحقق أمنيته بالاستقلال حين ينجح بتفوق فيفوز بمنحة دراسية تريحه في أعوامه الجامعية التالية. ولذا فإن عليه أن يقتصد إلى الحد الأقصى. المطمئن في الأمر أننا نعلم أن البطل لن يعيش هنا للأبد، هو فقط في مأزق ورّطته فيه الحياة وهو لا يزال على أعتابها، وإذا استمر في استخدام ذكائه وطيبته كما يفعل فسوف ينتهي الأمر على خير، فيتحرر هو من هذا العالم الكابس على نفسه ونفسنا، حتى لو ظل ذلك العالم نفسه على حاله.
كان هذا مبررًا – في الحياة وفي الدراما – ليجد نفسه يتشارك في عالم ضيق للغاية مع كائنات ضاقت بعالمها وضاق بها عالمها حتى صار صوت الاحتكاك والاصطكاك بينها وبين العالم مزيجًا من الصراخ والهياج والغضب والسب والنميمة والخذلان وكل ما تريد. لكن الجميل – وعمل الفن أن يصنع جمالا من هذا – أن من يصحبنا في الرحلة خلال هذه الأصوات راوٍ متأمل للغاية وماكر للغاية وعارف للغاية بالسياقات الاجتماعية التي يبرر بها اختيارات وتحولات الشخصيات الأخرى، فضلا عن أن من ورائه مؤلف يعرف كيف يحول كل هذا الصخب إلى ضحك صاخب أيضًا. ضحك صاخب، مهما كان باكيًا.
في سياق روائي كهذا يمكن لشخصية بحجم أم ميمي بجلالة قدرها أن تختفي بالموت. ليست هذه فقط جسارة بالغة من المؤلف الذي لم يكن ليضحّي بشخصية كهذه ما لم يكن هو حريصًا حد القناعة على إثبات مقولة "حدث بالفعل" أو بالأحرى مقولة "عملناها ونفعت". في "أم ميمي" يفقد الموت جلاله؛ أم ميمي تموت تقريبا بالمصادفة، وعويل ميمي عليها بإهانته لها ولكافة أفراد الأسرة والمعزّين خاصة أبيه شعراوي الزناوي يصل إلى حد العبث، والمفارقات التي يلمحها الراوي في سلوكه هو شخصيا وفي سلوك الحاضرين في المشهد، وفي تراوحهم بين إظهار الحزن على الميتة والترتيب لتقسيم تركتها البائسة يجعل من المشهد معزوفة ضاحكة بالغة الصخب وبالغة الإمتاع. "أم ميمي"، ومهما كان ما تحكيه قد "حدث بالفعل"، فإنها ليست رواية واقعية بقدر ما هي رواية في السخرية من الرواية الواقعية.
وهكذا بدلا من أن يعتمد المؤلف على مقولة الواقعية في الدفاع عن مصداقية الأحداث واللغة في "أم ميمي"، بدأت الرواية بالتنبيه على أن كل ما ورد فيها "لا يمت للواقع بصلة". لا أعني بذلك أن "أم ميمي" ليست رواية عن الواقع. هي طبعًا كذلك. وهي تحدد واقعها بأعلى درجات الدقة الروائية، سواء من حيث الزمان (التسعينات برثاثتها وكمكمتها) أو من حيث المكان (شارع خلف كازينو إيزيس). غير أن واقعيتها تخدم هدفها الأساسي في كونها "رواية نوع" تبدأ من عالم مستقر يحدث فيه خلل ينتهي بحل الأزمة والعودة إلى العالم المستقر مرة أخرى.
تدور الرواية في إطار زمني واضح للغاية، عام دراسي واحد. أعطى هذا فرصة للمؤلف والراوي والبطل – والقارئ أيضًا – في تتبع خيط الدراما دون الانشغال عنه بالسياق التاريخي والاجتماعي والسياسي... إلخ. يعرف هؤلاء جميعًا ما للسياق من أهمية، لكن مكارة المؤلف تقلل من حضور المجال العام لصالح المجال الخاص. ليست الأولوية لحياة البطل في الجامعة، ولا يجب أن يستغرق مشهد ام ميمي في المستشفى أو في المشرحة أو في قسم الشرطة أكثر من لحظات عابرة في مسار الرواية. غير أن حضورها السريع هذا وضعنا في مواجهة دالة، مهما كانت عابرة، في العلاقة بين عالم ميمي وأمه وبين العالم الذي يعرفه أبناء الطبقة الوسطى من الكتاب والقراء..
يبدو النفسي هنا أهم من التاريخي، ويمتد هذا ليكون تأملنا مع الراوي البطل في تنقله هو شخصيا بين الذكاء الحاد أحيانًا والسذاجة الفاضحة أحيانا أخرى، أو تأملنا معه في هياج ميمي الدائم، أو سلاطة لسان أم ميمي، وسمّاوية شعراوي الزناوي هي تأملات في طبيعة هذه "النماذج" البشرية أكثر مما هو بالضرورة في درجة فرادتها ولا في سياقها الجغرافي والتاريخي، مهما كان حضور هذين الأخيرين ذا دلالة.
تحمل الأحداث والمصادفات بطل الرواية إلى القيام بدور المخبر الذي يعمل على إنقاذ نفسه من مؤامرة حيكت بناء على سوء تفاهم لتوريطه وتوريط أهله في أزمة كبرى. هنا يليق التساؤل: هل "أم ميمي" رواية واقعية؟ إجابتي أنها ليست كذلك واقعية تستهدف النقد الاجتماعي. نحن في "رواية نوع؟"، أو بدقة أكثر، محاكاة ساخرة لرواية تحريات، بحكم دور البطل في تقصي أطراف المؤامرة. وهذا، أعني الجانب الكوميدي والساخر، يجعلنا شبه متيقنين – مرة أخرى ـ أن البطل سيخرج منها على خير، وإلا لما أضحكنا المؤلف كل هذا الضحك إذا كان في نيته أن ينهي نهاية محبطة.
هنا لا يكتفي الراوي بالتواطؤ مع زملائه ضد شعراوي الزناوي، وإنما أيضًا يتواطأ مع قرائه على السخرية من النوع الفني الذي ينتجه. يمكن الاستطراد هنا بإضافة أن هذه الشخصيات – من حيث القليل الذي نعرفه عنها – تشبه الشخصيات السينمائية أكثر من شبهها بالشخصيات الروائية. قد يكون السبب في هذا التشابه الأخير أن المؤلف كاتب سينمائي، وربما يكون – بالإضافة إلى هذا – راجعًا إلى طبيعة النوع الروائي الذي يكتبه، لكنه قد يكون أيضًا بسبب نوع الراوي نفسه. فهو راوٍ بطل يحكي فقط ما يراه من مظاهر وسلوك ومشاعر، ولا يستطيع إلا أن يتنبأ بما يجري من وراء ظهره. هذا الاختيار الأسلوبي أيضًا يعطي فرصة أكبر لما هو نفسي على ما هو تاريخي وواقعي. المشترك الآخر مع السينما هنا هو القدرة على التنقل من مشهد إلى آخر بين الشخصيات ربما بمنطق الكاميرا وبالتحديد الكاميرا المحمولة. لفحص ذلك يمكن العودة إلى مشهد الجنازة الذي يثبّت فيه المؤلف الزمان والمكان ويتنقل بين الشخصيات مع حركة البطل بينهم وحواراته مع كل منهم ومتابعته اللماحة لأفعالهم "الخبيثة".
لا شك عندي أن اللاعب الأساسي في هذه الرواية هو البوليفونية اللغوية المدهشة التي يصنعها بلال فضل في هذه الرواية. استخدام التعبير الموسيقي "بوليفوني" في نقد الرواية يعود إلى الناقد الروسي ميخائيل باختين. ورغم أن المقصد الأساسي لباختين من استخدام الكلمة كان يعتني أساسًا بالفرق بين صوت الراوي وأصوات الشخصيات، فإن نقادًا ولغويين عدة توسّعوا في استخدام المصطلح لظواهر أدبية ولغوية أبعد كثيرًا من ذلك. ومن ثم، لا أرى غضاضة من استخدامه في قراءة تعدد المستويات اللغوية في الرواية بين الفصاحة والتعميم، أو بين المحافظة اللغوية والوقاحة. كلتا درجات هذا التعدد تتعدّد في رواية بلال فضل. فالفرق بين لغة أم البطل وأم ميمي لا شك يقدم نوعا من الكونشرتو تختفي منه أم البطل سريعًا مفسحة المجال لقاموس "أم ميمي" الذي لم أقرأ مثيلا له في وقاحته في رواية عربية حديثة من قبل. وحين تغيب أم أميمي تفسح المجال لميمي وأبيه وزوج أخته وغيرهم من صناع هذه المعزوفة الساخرة الشاخرة التي للأسف لن تجد طريقها إلى تكسير الدنيا في عالم البيست سيلر ولا منصات الجوائز وهو بالتأكيد ما يعلمه بلال فضل ولا يراهن عليه.
المستوى الآخر للبوليفونية يرتبط أكثر بأسلوب بلال عموما أكثر من كونه يخص "أم ميمي". الحقيقة أنني منذ بدأت متابعة بلال فضل من أيام "الدستور" الأولى في نهايات التسعينات نفسها، فقد ارتبط اسم بلال في ذهني بثلاث سمات أساسية هي الجرأة في النقد، واللذة في اللغة، والتنقل بحرية وأريحية بين التراث والتاريخ من ناحية، والواقع الأدبي والسياسي المعاصر من ناحية أخرى. غير أن واسطة العقد في قلب هذه السمات الثلاثة هي طريقة بلال في الجمع، داخل الجملة الواحدة أو حتى التركيب الواحد، بين أشد الألفاظ تراثية (بمعنى انفصالها عن الاستخدام اليومي المعاصر وفقدها في كثير من الأحيان لمعناها أصلا - "أسنان البخت" مثلا) وأكتر الألفاظ واقعية، بل وأقربها إلى "الوقاحة". لهذا الأداء اللغوي بلاغة خاصة هي ما يجعل من نصوص بلال منجمًا لفرص الضحك والإضحاك وفي نفس الوقت وبنفس الدرجة هي منجم عامر بفرص البكاء والإبكاء. وهذا في عيني هو الحد الفاصل بين الكوميديا (وهي فن بديع) وبين السخرية (وهي فن أبدع بكثير).
بصورة استثنائية حقًا، يتقن بلال فضل الجمع بين الجملة التي تعيد صياغة التركيب الجاهز القديم في تركيبات شديدة المعاصرة قادمة من عامية "أم ميمي"، أو تلك التي يستخدم فيها عامية "أم ميمي" في أكثر صور الإعراب كلاسيكية. نحويا، يمكن تسمية هذا بتعميم الفصيح وتفصيح العامي. بالطبع لا تنفصل هذه المفارقة اللغوية عن المفارقة الاجتماعية بين شخصية البطل وطبقته ولغته وبين شخصية كميمي وطبقته ولغته. غير أننا لو حاولنا تقصي تاريخ استخدام هذا المزيج من أجل الإضحاك والإبكاء معًا، لوجدناه في فن المقامات.
لم يكن فن المقامة بالطبع هو الشكل الكوميدي الوحيد في نثر ما قبل الحداثة العربية. لكن الأكيد أن أحد أهم مصادر الإضحاك في المقامات هو طريقة مزجها بين الفصيح واليومي، أو بدقة عملها الدائب على استخدام المفردة العامية في سياق نحوي يقوم أصلًا على إظهار علامات الإعراب وتوظيفها نحويًا. في المقامات الحديثة ربما لا يظهر هذا بوضوح في مقامات المويلحي الذي التزم بفصاحة بها كثير من المحافظة، لكنه كان المظهر الأبرز في مقامات الشاعر والمضحك الكبير بيرم التونسي. في تقديري، الذي لا تتسع المساحة لتفصيله أكثر من ذلك، أن في لغة بلال فضل وإحدى طرقه في الإضحاك أثر من لغة المقامة لا يقف فقط عند تعبيرات تجدها في السرد مثل "ترييحًا للدماغ"، "كان هجّاصًا عتيدًا"، "أن تفعل فيّ مغرزًا" أو التعبير البرادعاوي الجميل "وكأن مرمطةً لم تكن"... في الرواية الكثير والكثير من هذه النوع من التعبير، وفيه ما قصدته من تفصيح للعامية. لكن هذا الأثر يمتد إلى تعبيرات من نوع آخر يشيع فيها – للغرابة – الجناس مثل "خطله وهطله"، "الملائكية والمنائكية" "الكنف والكنيف" وغيرها الكثير. وهكذا إذا كان استخدام الأسلوب المقامي يعبر عن درجة أولى من السخرية، فإن دس هذا الأسلوب في لغة اليوم هو مستوى تالٍ من السخرية يعيدنا مجددًا إلى بوليفونية باختين.
7 likes ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on February 27, 2023 10:00
No comments have been added yet.