معاناة امرأة

الشقة اللي احنا قاعدين فيها في القاهرة حالياً اشتريناها من حوالي سنتين تلاتة بس، اشتريناها من ناس مسافرين برة مصر باعوها بالعفش اللي فيها
الأوضة اللي أنا أخدتها كانت بعفشها وفيها دولاب كبير، من ساعة ما قعدت فيها وأنا بستخدم نصه بس ومحتجتش نصه التاني
الفترة اللي فاتت كنت قاعدة زهقانة مش لاقية حاجة أعملها فقلت أدعبس في النص التاني ده شوية أشوف فيه إيه؟
في أحد الأدراج الداخلية الصغيرة جوة الدولاب لاقيت الصور والمذكرات دي، معرفش هل هي خاصة بصاحبة البيت القديمة ولا أمها مثلاً أو حد قريبها نظراً لان التاريخ قديم وسن كاتبة المذكرات كان كبير إلى حد ما وقتها؛ فأعتقد من الصعب انها تكون لسة عايشة لحد دلوقتي
المذكرات تاريخها في السبعينيات وسن صاحبتها كانت في أوائل الخمسينيات وقتها
وعلى الرغم إنها من المفترض ست مش متعلمة أو مكملتش تعليمها بمعنى أصح يعني إلا إن خطها وأسلوبها في الكتابة جميل جداً، ويمكن لو كانت في زمن تاني وظروف تانية كانت بقت كاتبة مثلاً
مذكراتها قطعت قلبي الحقيقة وبكيت معاها كتير، هي معاناة كل واحدة تقريباً من زمنها وقبله وحتى لحد النهاردة على الرغم من اختلاف الظروف والأحوال ظاهرياً إلا إن الألم والمعاناة مازالت واحدة باقية كما هي
قصتها باختصار انها واحدة معشتش يوم في حياتها باختيارها، كان نفسها تكمل تعليمها بس مسمحولهاش بده، أمها ماتت وهي صغيرة فعاشت عشر سنين تخدم أبوها واخواتها، وبدل ما يشكروها ويعوضوها عن ده، أول واحد خبط ع بابهم جوزوهاله من غير حتى ما يسألوها، وبعد جوازها محدش منهم بيهتم بيها ولا بيشوف إيه احتياجاتها وكإنها كانت عبء عليهم ما صدقوا خلصوا منه
من كلامها عن جوزوها واضح إنها بتحترمه وبتقدره لكن في نفس الوقت مش بتحبه، حتى مبتقدرش تتكلم عنه باسمه عادي لازم تحط قبله أستاذ فلان، وعلى الرغم من شكوتها على الورق طول الوقت من تعبها الجسدي والنفسي وآلامها إلا إنها مبتقدرش تشاركه هو أي حاجة من التفاصيل دي، ولا تطلب منه إنها تروح تكشف عند دكتور عظام من كتر تعبها اللي مبينيمهاش الليل، حتى أفكارها عن مستقبل ولادها مش قادرة تشاركها معاه، وحتى احتياجها لهدوم تخرج بيها مش قادرة تطلبها منه لإنها شايفة إن مش من حقها تكون عبء عليه وتطلب على الرغم من إن ده أقل حقوقها الطبيعية يعني المفروض!
ولادها برضه نفس الحال كبروا وكل واحد فيهم شاف حياته بعيد عنها وشايفين إنها مبتفهمش في حاجة فمفيش داعي تتدخل في حياتهم وتعرف تفاصيلهم، لا بيقولوا لها حاجة عن حياتهم المهنية ولا حياتهم العاطفية والزوجية، بس أول ما بيبقى في مصيبة في حياتهم بيجوا يولولولها ويرموا في عبها المصايب ويمشوا، وهي تفضل طول الوقت تهري وتنكت من خوفها عليهم ومش عارفة تعملهم ايه؟
كان نفسها تلف العالم وتشوف كل حاجة فيه لكنها مقدرتش تحقق أي حاجة من ده وبقى أقصى أمنياتها إنها تنزل بس تتمشى ع الكورنيش اللي قدام بيتها من غير ما حد يحاسبها ويفتح لها تحقيق، ومن غير ما جسمها يخونها ويتعب منها في أول خطوتين
والحقيقة أنا مش قادرة أفهم ليه الإنسان -أي إنسان- يكون مكتوب عليه يعيش حياته كلها مسجون جوة نفسه مش قادر يلاقي روح واحدة في العالم الكبير ده تشاركه في روحه ويطمن لها ويرتاح في حضنها؟ ليه يتكتب علينا نعيش العمر كله في وحدة وخوف وألم؟ ليه نتحرم من أي لحظة سعادة وتحقيق أمنيات؟
الست دي في أول صفحة من مذكراتها كانت المفروض الذكرى الخمسين لميلادها، السن ده مش كبير أوي يعني إلا إن هي كان إحساسها طول الوقت إنها خلاص بتموت وبتودع، وإنها هتموت من غير ما تشوف أي سعادة في الدنيا، وحتى ده مبقتش مهتمة بيه وبقى نفسها بس لو تطمن إن ولادها هيكون حظهم أحسن منها وهيقدروا يعملوا اللي هي معملتوش
منكرش إن هي نفسها في أماكن كتير كان تفكيرها تقليدي أوي، ويمكن ده كان عائق كبير بالنسبة لها إنها تقدر تحقق أي حاجة لإن أي نجاح مهما صغر في الحياة محتاج تحدي، بس أنا برضه من واقع خبرتي الضئيلة في الحياة وعلى الرغم من جرأتي وتمردي ع ظروف وأحوال كتير حواليا في الدنيا عشان أخد حقي منها بالعافية، فعارفة برضه إننا مهما حاولنا أحياناً بيكون نصيبنا من الحياة بس هو الفشل والوجع، وإن الأمر في النهاية مش متروك لينا لوحدنا
أتمنى الست دي يكون ربنا عوضها بعد كدة وداقت طعم السعادة اللي عاشت العمر كله محرومة منه، وأتمنى إن مصيري ميكونش زي مصيرها وأعيش العمر ده كله من غير سعادة ومن غير ما أحقق أي حاجة عايزاها، ومن غير ما ألاقي حد يكون لي روح بتكمل روحي 💔

#صفحات_من_حياتي
#سارة_الليثي
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on July 07, 2024 08:02 Tags: سارة-الليثي, صفحات-من-حياتي, معاناة-امرأة
No comments have been added yet.


عيش الحياة

سارة الليثي
هنا كل ما يخطه قلمي ويجود به ذهني وأرجو أن يحوز على إعجابكم
Follow سارة الليثي's blog with rss.