طوفان الأقصى - إطلالة على كتاب مهم

 صدر قبل أيام كتابٌ مهم، كتبه مجاهدغزيٌّ باسم: أحمد أبو صهيب، والكتاب بعنوان: "طوفان الأقصى سياقاتومآلات"، نُشِر على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو كتيب صغير على أهميته لميبلغ ثمانين صفحة. ولأهمية هذا الكتاب، فقد جعلت هذا المقال تلخيصا لأهم ما فيه،وإن كان التلخيص لا يغني عن الأصل.

أراد الكاتب المجاهد، الذي يكتب من قلبالمعركة، أن يجاهد باللسان كما يجاهد بالسنان، لا سيما بعد اندلاع السؤال الكبير:هل كان طوفان الأقصى قرارا خاطئا؟

(1)

يشير المؤلف إلى أن هذا السؤال ليسنابعا في الأصل من قراءة موضوعية، بل هو مضَمَّخٌ بطعم الوحشية الدموية التي ألهبتأهل غزة بنيرانها، فكثير من الخائضين فيه هم من المستهدفين بخطة الصهاينة: كيِّالوعي!

ومن ثَمَّ فأول ما ينبغي عمله فيالإجابة عن هذا السؤال هو تذكر أصل القضية وجوهر الصراع، والنظر إلى قرار طوفانالأقصى ضمن مسار الكفاح الكبير، ليحسن فهمه، وتقييمه، ووضع اليد على ما فيه منالصواب أو الخطأ.

من ها هنا يبدأ الفصل الأول: سياقاتالطوفان

ليس أهل فلسطين بدعا من الشعوب التيوقعت تحت الاحتلال؛ وجميع تلك الشعوب التي جاهدت الاحتلال دفعت الثمن العظيم لقاءهذا التحرر، وهذا الثمن العظيم تدفعه الشعوب الضعيفة وهي تواجه الاحتلال بأكثر مماتدفعه قوات المحتل نفسه، والمنتصر هو أصبرهما، حين يوقن المحتل أنه لا يستطيع تحملهذه التكلفة فيرحل، بعد أن يكون قد أثخن في الناس كثيرا كثيرا كثيرا.

وما من شعب تحرر إلا وكان ضحاياه أكثرمن ضحايا المحتل نفسه! وكثيرا ما كان التحرر قضية أجيال لا ينتهي في جيل واحد، بلإن الجيل الذي هُزِم يورث الجيل القادم مهمة التحرر، فإن استطاع الجيل فبها ونعمتوورث جيل الأحفاد بلدا محررا، وإلا واصل جيل الأحفاد مهمتهم من جديد.

وواجب الكفاح هذا ليس قرارا تختاره فئةمن الشعب المحتل، بل هو واجب على الجميع أن يؤديه، والناكص عنه جبان أو خائن، ليسحكيما أو محايدا!!

(2)

فإذا نظرنا إلى الحال، كيف وصل قبلالطوفان، فسنرى بوضوح أن الصهاينة كانوا يتخوفون من ثلاث جهات: إيران، لبنان، غزة.وقد كانت مناوراتهم العسكرية في الفترة الأخيرة تحاكي حربا متزامنة على ثلاثةجبهات.

وإلى أن تأتي لحظته المناسبة –سياسياوعسكريا- لخوض هذه الحرب الكبيرة، فإنه تعامل مع غزة على طريقة المُسَكِّنات التيتعالج الصداع والأعراض، وأهم ما في هذه الطريقة: المضاعفة المستمرة لاحتياطاتهالأمنية برا وبحرا وجوا:

فالسياج البري العازل تتراكم طبقاتهالأمنية ومجسّاته الأرضية حتى استطاع إفشال عمليتيْن كبيرتيْن عبر أنفاق هجوميةلاتخاذ أسرى، فقُتل جميع المنفذين وبذلك أخفقت وسيلة الأنفاق الهجومية. وضاعفتعقيداته الأمنية بحريا، وضاعف من قوة منظومة القبة الحديدية جوًّا بحيث لم يعدأمام المقاومة إلا رمي 100 صاروخ دفعة واحدة لكي يفلت منها بضعة صواريخ، وهواستنزاف هائل لقدرات المقاومة.

وهذا فضلا عن تشديد الحصار –الذي يشاركفيه بهِمَّة: النظام المصري- وعن ضربات يسددها العدو بين الفينة والأخرى ليمنعتراكم القوة لدى المقاومة ويختبر ما عندها.

ووراء كل هذا: الحرب الأمنية المجنونةالتي استطاع فيها العدو كشف أمور كثيرة مهمة –بفعل تفوقه التقني وقدراته التجسسيةالهائلة- من خطط المقاومة ومقدراتها، وكان أي نجاح صغير في هذا الجانب الأمني ينسفعمل السنين الطويلة والأموال الطائلة والجهود الشاقة.

وأما المقاومة في غزة، فقد حاولتمرارا، بالأساليب السياسية والعسكرية أن تتخلص من الحصار، وأن تتخلص كذلك منمحاولات عزلها عن القضايا الجوهرية: القدس والأسرى والأرض، وأبدت من المرونةالسياسية، وكذا من العبقرية العسكرية، ما اصطدم في النهاية بواقعٍ عربي يريدإنهاءها، حتى قررت بعد 2014م ألا تخوض معركة كبرى مع الاحتلال إلا إن كان سيؤديإلى تحقيق هدف ملموس في قضية كبيرة مثل القدس والأسرى، كي لا تكون مجرد استنزاف!

(3)

انبثقت فكرة الطوفان، بالمصادفة ضمنمسيرات العودة، التي كشفت عددا من الثغرات في السياج البري، وكان لا بد من العملالسريع والسري على استغلال هذه الأمور، فإن تنبه العدو لثغرة عنده أو تسرب معلومةله قد يعني ضياع الفرصة.

كان تقدير المقاومة هو القيام بهجومواسع على مواقع العدو المحاذية للقطاع، وأن هذا الهجوم سيفشل على أغلب المواقع،غير أن الصدمة التي سيحققها، وبعض الأسرى الذين سيمكن أخذهم سيؤدي إلى ردة فعلقاسية لكنها محتملة في النهاية، وسيمكن بهؤلاء تحقيق إنجاز في قضية مثل: القدسوالأسرى.

وقد أخفق تقدير المقاومة؛ فلقد نجحهجومها نجاها باهرا لم يكن متوقعا، كما أن ردة الفعل الصهيونية الهائلة لم تكن فيالحسبان!

لقد كان الطوفان واحدًا من أعظمالعمليات العسكرية المدهشة عبر التاريخ؛ كما كانت حرب الصهاينة على غزة واحدة منأكثر الحروب توحشا ولا أخلاقية كذلك!

(4)

ثارت الكثير من الأسئلة، ولكن أهمهاثلاثة:

1.   هل كان الأفضل تأجيل الهجوم حتى نكونأكثر قوة؟

2.   هل كان ينبغي أن يكون صغيرا محدودالئلا يترتب عليه هذا العنف الهائل من العدو؟

3.   وهل قدم الهجوم ذريعة لوحشية الاحتلال؟

لو فكرنا في تأجيل الهجوم، فماذا كانسيكون؟

إن الأرض في النهاية لن تتحرر بالمعاركوالمناوشات الصغيرة، فإن لم نهاجم اليوم فسنهاجم بعد مدة، وفي هذه المدة سنكونأكثر ضعفا وسيكون العدو أكثر قوة لأن الزمن وتراكم القوة يعمل في صالحه، فنحن شعبمحاصر يزداد التضييق علينا، وهو عدو مفتوحةٌ له الأبواب والخزائن بالأموال والسلاحوالتقنيات.

ما من يومٍ إلا والميزان يميل لصالحالعدو أكثر فأكثر، ولم يكن بعيدا ذلك اليوم الذي تتطور فيه أسلحة العدو ومنظومةقبته الحديدية لتصير كل أسلحتنا وصواريخنا غير فعالة ولا قيمة لها، ولا نأمن في كليوم أن ينكشف لنا سرٌّ أو خطة أو يتمتع العدو بمزية تقنية جديدة تكشف له الأنفاقومخازن الصواريخ وأماكن قادة المقاومة، فيسدد لنا الضربة القاضية أو نعجز أن نفعلشيئا مطلقا أمام خطوة جديدة منه: سياسية أو عسكرية، وخطة الطوفان نفسها كان يمكنأن تفشل تماما لو أضيف تحسين أمني جديد بقصد أو بغير قصد على السياج العازل.

كذلك فإن الانتظار قد يعني موت القضية،فلقد كانت أن القضية تتعرض لضربات موجعة بموجة التطبيع الخليجية والتي تبعتهاحملات كبرى لتقزيم القضية والتملص منها وجعلها قضية الفلسطينيين وحدهم، كذلك هذا التهديدالمستمر للأقصى واقتحاماته المتكررة، وهذا حال المقاومة في الضفة والداخل يزدادضعفا.

فماذا لو فكرنا في تصغير الهجوم؟

إن الذي تحقق أصلا كان مفاجئا للمقاومةكما هو مفاجئ للاحتلال، فلم يكن المتوقع نجاحٌ بهذا القدر ولا أسر كل هؤلاء، ولكنلو رجع بنا الزمن فقررنا تصغير الهجوم، فماذا كان سيكون؟ معركة صغيرة جديدةكالمعارك السابقة التي تستنزف غزة وتحتاج من بعدها سنوات لتعويض ما فقدت، وعودةإلى نفس الحال. هذا مع أن رد فعل العدو ليس مضمونا كذلك، فإن هذا العدو الخالي منكل أخلاق، والذي تتقبل كل الدول جرائمه بطيب نفس، والذي يتمتع بدعم إقليمي أيضا..إن هذا العدو غير مقَيَّدٍ بشيء في ردّ فعله!

لو كان الهجوم أصغر من ذلك فنحنالخاسرون، لأن الأسرى الذين بأيدينا سيكونون أقل بكثير مما حصل فعلا، أي أن تصغيرالهجوم لن يؤدي إلا تصغير الأوراق التي معنا، دون أن نضمن صِغَر ردّ الفعل. لو كناسنندم على شيء فهو أن الهجوم لم يكن أكبر من ذلك، وأننا أسرنا فقط ما بين 250 –300، فيا ليته كان بأيدينا 2500 – 3000 أسير، ولكن ما من أحدٍ كان يتوقع أن يكونالعدو بهذه الهشاشة!!

إن التجربة مع الصهاينة تؤكد أن هذاالعدو لا يتورع عن توحشه، لأنه لا قيد عليه من أحد! لا سيما وأن استخباراتالمقاومة كانت ترصد خطط العدو لهجوم شامل مفاجئ تضرب فيه القيادات الأولىوالمفصلية، وكذلك فإن خطط الاجتياح البري لغزة كانت موجودة ومعدة وتنتظر التحسيناتالنهائية عند لحظة اتخاذ القرار، ومثلها خطط اجتياح جنوب لبنان والجولان، كل هذاكان موجودا ينتظر اللحظة المناسبة، فلم يكن العدو يتجنب المواجهة مع هذه الجبهات،بل كان يؤجلها إلى لحظة مناسبة.

لقد فاجأه الطوفان وانتزع منه زمامالمبادرة، ومعها كثير من الأسرى. لكن التوحش الذي نراه الآن كان سيحدث في كلالأحوال ولو لم يكن ثمة طوفان، لسبب بسيط: أن العدو يرى في هذا التوحش ضرورةعسكرية لصدم المقاومة وإفقادها السيطرة، لذلك فهو ينفذه كجزء من الخطة العسكرية،وبغير ضرورة عملياتية، فإن من أهداف العدو ومقصوداته: تهجير الناس وتوسيع دولته،وهذا لا يكون بغير توحش صادم وهائل! وهذه العقيدة لدى العدو حاضرة قبل الطوفانوبعده، سواء وقع الطوفان أم لم يقع.

(5)

لو أن ثمة خللا لدى المقاومة، فهوالخلل في تقدير ردّ الفعل الصهيوني، وهو الأمر الذي بُنيت عليه خطط الدفاع، وخطةالإدارة الداخلية.. ولكن من ذا يستطيع أن يلوم المقاومة إن كان هجومها قد نجحبأعلى بكثير من المتوقع؟! كما أن في محاولة علاج هذا الخلل بأثر رجعي نسيانٌ لأموروتفاصيل كثيرة كانت مراعاتها جزءا من خطة السرية التي رافقت الطوفان. إنه ما منأحد، سوى أهل المقاومة أنفسهم، يستطيعون تقدير البدائل الأفضل في حالة كهذه.

وإذن، فقد يسأل سائل: من المسؤول عماوقع؟

والجواب بوضوح: إنه لا يُسأل الذي قامبواجبه لماذا قمت بالواجب؟ بل يُسأل الذي لم يقم بواجبه لماذا لم يفعل؟.. لئن كانتغزة قد فعلت أقصى ما بوسعها بل حققت معجزة، فالسؤال ينبغي أن يُقال بعد ذلك لسائرالذين لم يقوموا بواجبهم: في فلسطين المحتلة، وفي المحيط العربي، وفي العالمالإسلامي، وفي الخارج العالمي كذلك!.. فلو أن هؤلاء جميعا قد قاموا بواجباتهم كماقد قامت به غزة، ما استطاع العدو أن ينفذ هذه المذبحة المروعة!

إن البعض يتعامل مع قضية فلسطين بمبدأ:نتمنى تحرير فلسطين، وليس بمبدأ: نريد تحرير فلسطين. فإن الإرادة تبعث عملامحموما، بل وتبعث في صاحبها روحا ووعيا يفهم بها ومعها أن الثمن اللازم لتحريرفلسطين لن يكون أقل من الثمن الذي دفعته الشعوب المحتلة، وما أعظمه! بل سيكون أكبرمن هذا الثمن لخصوصية هذه القضية وقداستها! وما دُفِع حتى هذه اللحظة ليس إلا جزءامن الثمن، ولا ندري هل ما بقي منه لا يزال هو الجزء الأكبر؟!

(6)

هل انتصرنا؟

إن الثورات وحركات التحرر لا تنتصربالضربة القاضية، بل بالضربات المتراكمة المستمرة الصبورة الدؤوبة، النصر سيكون مننصيب الأصبر الأقدر على النهوض بعد كل ضربة! من نصيب الأعلى حظا من الأمل والأكثراستمساكا بحقه!

لهذا فإن حسبة القوة المحتلة غير حسبةالواقع تحت الاحتلال، يكفي الواقع تحت الاحتلال أنه لم ينكسر ولم ينهزم، أما قوةالاحتلال فإن لم تنتصر فقد انهزمت، وإن لم تحقق أهدافها فقد خسرت! وقد تنتهي سائرالجولات على شعب لم ينتصر، لكن النهاية تكون رحيل الاحتلال الذي هو نفسه قد انتصرفي سائر الجولات الصغيرة. ولم نذهب بعيدا؟ فهذه الثورة السورية، سائر جولاتها أنهاالخاسرة، لكنها انتصرت في النهاية بعد ضربات كثيرة مؤلمة، وحين يأتي النصر تتحولالتضحيات إلى مفاخر!

ربما يقال: نحن في هذه الجولة لمتنتصر، ولكن في الأحوال جميعها نحن من سيقرر إن كنا سننهزم أم لا.. فالهزيمة قراريملكه كل أحد!

(7)

لقد أخفق العدو في استراتيجيته: تصفيرالأخطار.. لقد انتهت هذه الحرب، ولا تزال الجبهات الثلاثة: إيران ولبنان وغزةقائمة وقادرة على التهديد حتى بعد تعرضها لضربات مؤثرة، وحتى غزة التي هي أضعف هذهالجبهات والتي انصبت عليها النيران الكبرى لهذه الحرب، لم تزل المقاومة هي التيتديرها وتحكمها، وقد فشلت سائر المحاولات الإسرائيلية في تهجير أهلها –لا سيما أهلالشمال الذين أنجزوا بصمودهم أسطورة خاصة بهم- وفي حكمهم مباشرة أو عبر أجساممدنية، ولا يزال بعيدا أن تستطيع قوة ما حكم قطاع غزة دون رضا المقاومة أوبالتفاهم معها.. كذلك لا يزال بعيدا أن تقول إسرائيل بأنها قد أمنت نفسها منالتهديد الغزي.

كذلك فشلت إسرائيل في سحب القوىالدولية لتفتح جبهة إيران، وهي الجبهة التي لا تستطيع أن تفتحها بنفسها منفردة، وانتهىالحال ولا يزال التهديد الإيراني قائما.

كذلك جبهة حزب الله في لبنان، لقد فوجئالعدو بعد كل استعداداته بما لم يكن يتوقعه من استعدادات، ومع أنه نفذ ضربات جريئةجدا ليجرّ الحزب إلى حالة الحرب، بقي الحزب متمسكا بحالة جبهة الإسناد، وبقي حتىالنهاية متمسكا بضرب المواقع العسكرية فقط دون التصعيد باستهداف المدنيين! ففيالخلاصة نجح العدو في إضعاف الحزب لكن لم يقترب إطلاقا من إزالة خطره عليه.

ثم جاء النجاح المفاجئ للثورة السورية،وفي كل الأحوال فإن مآلها سيكون أنها جبهة جديدة خطرة على المشروع الصهيونية!

انتهتالمساحة المخصصة للمقال، ولم يزل ثلث الكتاب الأخير باقيا.. فلعل ما سبق يكونمحفزا لقراءة الكتاب نفسه.. والله المستعان.
نشر في مجلة أنصار النبي  - مارس 2025م
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 04, 2025 10:29
No comments have been added yet.