رسالة إلى ضباط الجيش المصري!

 

منذفترة أريد أن أكتب مقالا عنوانه: رسالة إلى ضباط الجيش المصري.. أريده أن يكونرسالة أخيرة، {ليهلك من هلك عن بينة، ويحيى من حي عن بينة}.

 

علىأني منذ عقدت تلك النية لم أجد في نفسي الفرصة لصفاء نفسي أو ظروف مواتية، بلالأمور تتسارع من حولي، وأخشى أن يُحال بيني وبين ذلك.. ومن يدري؟.. لعل كلمة هناأو هناك تقع موقعها في صدر أحد الذين يقرؤونها، فيكون فيها الخير له، ولنا، وللأمةكلها.

 

ولكيلا يطول الانتظار، فقد عزمتُ أن أكتب هنا أهم ما أريد قوله، وإن لم يكن مرتبا ولامتقنا على النحو الذي رغبت فيه.

 

ياضباط الجيش المصري.. في كل مواقعهم.. اسمعوا مني فوالله إنها لنصيحة صادق مخلص..وعلم ذلك عند الله!

 

(1)

 

لئنكان الناس يجاملونكم أو يغازلونكم، رغبا أو رهبا، فوالله لا أجاملكم ولا أغازلكم..بل أنصحكم نصيحة مشفق عليكم، محذر لكم.. فوالله العظيم إنكم لعلى خطر عظيم وفي خطرعظيم..

 

ولاتغركم الرتب ولا المزايا ولا السلطة.. فوالله ما هو إلا نَفَسٌ واحدُ يخرج ولايعود، فيجد الإنسان نفسه في الآخرة، في القبر، أمام ملائكة الحساب، وينقطع عنهالعمل والأمل حتى يقف أمام الله.. فلا رتب ولا نياشين ولا أموال ولا سلطة.. ولاعلاقات نافذة.. يقف المرء وحده أمام مصيره النهائي الأبدي الكبير.. فإما الجنةوإما النار.

 

(2)

 

ولاأخاطبكم هنا إلا بكلام الله وكلام رسوله.. كما قال تعالى {قُلْ: إنما أنذركمبالوحي}

 

والإنذاربالوحي، بكلام الله وكلام رسوله، لا ينصرف عنه إلا الذين وصفهم الله بالصَّمَمَ..وهؤلاء لا يستفيقون إلا حين يقع العذاب والعقاب، في الدنيا أو في يوم القيامة..وهناك: يرى كل واحد منهم أن كل أعماله مهما كانت صغيرة وتافهة قد وُضِعت فيالميزان.

 

اسمعالآية: {قل إنما أنذركم بالوحي، ولا يسمع الصُمُّ الدعاء إذا ما يُنْذَرون * ولئنمسَّتهم نفحة من عذاب ربك ليقولن: يا ويلنا إنا كنا ظالمين * ونضع الموازين القسطليوم القيامة، فلا تُظلم نفسٌ شيئا، وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها، وكفىبنا حاسبين}

 

(3)

 

إنكنت تشك -أو ستَشُكّ- في كلامي هذا وفي أغراضي منه، فسأخبرك بطريقة قرآنية.. نصحبها القرآن الناس إذا تحيروا والتبست عليهم الأمور، لكي يتوصلوا بأنفسهم إلى ما إنكان الكلام الذي يسمعونه حقا أو باطلا.

 

نصحهمالقرآن بالانفراد بالنفس، أو الانفراد بأقرب المقربين الصادقين، ثم التفكر والتأملفي الكلام.. يعني: اخرج من كل البيئة المحيطة بك، من كل ما يُشَوِّش عليك الفهم،من كل العوامل التي تضغط وتؤثر في تفكيرك.. ابق وحدك تماما، وتفكر في أمرك بنفسك..أو اصطحب معك أقرب الناس إليك وأخلصهم عندك.. وتفكرا معا.

 

واحدأو اثنين.. لا تكونوا ثلاثة ولا أربعة.. ثم تأمل في الكلام!

 

قالتعالى {قل إنما أعظكم بواحدة: أن تقوموا لله مثنى وفرادى، ثم تتفكروا}

 

هذاعلاج قرآنيٌ لم يتدخل فيه أحد.. أنت ونفسك والله.. أو: أنت وصديقك المخلص واللهثالثكما.. وهو الذي يعلم غيب النفوس، ويعلم حقيقة الضمائر، ويطلع على حقيقةالتفكر، وحقيقة الاستجابة له!

 

(4)

 

إنأقرب الناس من الخطر العظيم هم جُنود الظالمين.. بل وأخبرك بالحقيقة المرة -وقدقلت لك: لن أجامل- أن أغلبهم هالكون!

 

هناكأمل وحيد وضعيف، سأخبرك به بعد قليل.. ولكن دعني أوضح لك الخطر العظيم أولا:

 

إنحياة الجندية والعسكرية، وما فيها من طبيعة السطوة والسلطة والعقوبة النافذةوالخطر المحقق، تطبع الإنسان فيها على السمع والطاعة.. في الأغلب: دون تفكير!

 

ثمإن اهتمام الحاكم -بالذات: لو كان طاغية وسفاحا- بالجيش على وجه التحديد، لأنه أهمأدوات الحكم والسيطرة، يجعله مهتما غاية الاهتمام بتشكيل عقولهم ونفوسهم بحيثيتشربون رأيه ورؤيته، وبحيث يتعاظم هو في نفوسهم فلا يفكرون في التفكير بعد رأيه،وحتى إن فكروا: لا يجرؤون على التمرد عليه.. وهذا ما يعطل في نفوس الجنود والضباطأهم خصائص الإنسان الطبيعي: التفكير الحر والاستقلال بالقرار.

 

لهذا،ولأسباب أخرى: كان العسكريون أبعد الناس عن الهداية، وأقربهم إلى اتباع الحاكم حتىلو أمرهم بقتل الأبرياء، بل حتى لو قادهم إلى النار.. وحتى لو وقعت أمامهمالمعجزات!!

 

إذاكنتَ تقرأ القرآن، فأنت تعلم كيف أن جنود فرعون

 

1.كانوا ينفذون أوامر قتل الأطفال

 

2.وهم الذين نفذوا أوامر تعذيب السحرة الذين آمنوا بموسى.. وهنا تخيل: المعجزةالواحدة وقعت أمام السحرة وأمام العسكريين: فآمن السحرة.. ولكن العسكريين تولواتعذيبهم.. هؤلاء آمنوا واتبعوا ما ظهر لهم من الحق والمعجزة. وهؤلاء اتبعوا أوامرفرعون فعذبوا الذين آمنوا

 

3.ثم المشهد الأخطر على الإطلاق: مشهد البحر الذي انشق لموسى.. معجزة كونية هائلةضخمة مروعة.. يجب أن يؤمن لها أي عاقل.. فإذا لم يؤمن فليتخوف وليتردد وليفكر فيهذا الذي تغير له الكون وانشق له البحر.. لكن جنود فرعون فعلوا ما لا يمكن تصوره..لقد أمرهم فرعون بالعبور خلف موسى فعبروا معه.. فغرقوا جميعا!

 

ولهذايذكر القرآن الكريم أن الله قد عذب فرعون وجنوده.. وأنهم معه في النار حتى الآن..

 

سأذكرلك أربعة آيات فقط، تأملها.. ثم القرآن حافل بما يجب أن تتفكر فيه جيدا..

 

{واستكبرهو وجنوده في الأرض بغير الحق، وظنوا أنهم إلينا لا يُرجعون}

 

{فأتبعهمفرعون بجنوده، فغشيهم من اليمِّ ما غشيهم، وأضل فرعون قومه وما هدى}

 

{فاتبعواأمر فرعون، وما أمر فرعون برشيد * يقدم قومه يوم القيامة، فأوردهم النار، وبئسالورد المورود * وأُتْبِعوا في هذه لعنةَ ويوم القيامة، بئس الرفد المرفود}

 

{الناريُعرضون عليها غُدُوًّا وعشيا، ويوم تقوم الساعة: أدخلوا آل فرعون أشد العذاب}

 

هذاهو الخطر العظيم الذي أنت فيه.. خطر الوجود في بيئة ومنظومة تتشكل فيها النفوسبالسطوة والرهبة، كما تتشكل بالمزايا والرغبة، وتتركز عليها اهتمامات الحاكم كيتنسجم له وتتناغم معه.. هذه المنظومة أغلب الذين يتخرجون فيها يتبعون الأوامروينصاعون لها، مهما كانت مخالفة لأوامر الله، ومهما كانت تؤدي إلى النار..

 

ثمتعمل النفوس الخائفة والراغبة على التبرير لنفسها، وإلقاء الأعذار.. والله يقول{بل الإنسان على نفسه بصيرة، ولو ألقى معاذيره}.. والمعنى: مهما اختلق الإنسانلنفسه من الأعذار والمبررات، فهو يعرف في حقيقة نفسه، والله يعرف كذلك، ما قيمةهذه الأعذار والمبررات..

 

ربمايخطر في بالك أن #السيسي ليس فرعون.. بل هو مسلم ومتدين، وشخص وطني.. هذا الخاطرلن أجيبك عليه.. تفكر فيه مع نفسك.. والله مطلع عليك ويعلم ما في نفسك

 

(5)

 

مهماكانت النتيجة التي توصلت إليها في شأن السيسي.. فأريد أن أخبرك بأن هذا الخطرالعظيم.. خطر الوجود في منظومة تجعل أوامر القائد والحاكم فوق أوامر الله.. وتتشكلفيها النفوس لكي يكون القائد والحاكم هو الإله على الحقيقة..

 

هذاالخطر العظيم ليس متعلقا بفرعون وحده.. بل يتعلق بكل الذين يخونون الله ورسولهويخونون الأمانة..

 

هذاهو الخطر الذي حذَّر منه النبي -صلى الله عليه وسلم- حين تحدث عن أمراء، ليسوافراعين ولا كفارا، بل مسلمين.. وهم لا يتركون الصلاة بل يؤخرون الصلاة عنمواقيتها.. لكنهم يقربون شرار الناس..

 

قالرسول الله: "ليأتين عليكم أمراء يُقَرِّبون شرار الناس، ويؤخرون الصلاة عنمواقيتها، فمن أدرك ذلك منكم، فلا يكونن عريفًا، ولا شرطيًّا، ولا جابيًا، ولاخازنًا". (حديث حسن)

 

إذاكان قد خطر ببالك أن السيسي ليس مثل فرعون.. فتأمَّل: كيف أن تقريب الأشرار،وتأخير الصلاة عن مواقيتها جعل النبي يحذر من البقاء في منظومة هذا الحاكم:العسكرية والأمنية والمالية!!

 

ثمتأمل..

 

(6)

 

إذاكنتَ ما تزال على الاتفاق، بأنك تفكر صادقا مع نفسك، منفردا عن المؤثرات التيحولك.. فلن تكون بحاجة إلى أن أخبرك ماذا فعل هذا السيسي في البلد..

 

انظرفي أي مكان.. أي مكان.. أي مكان..

 

الفقروالقهر والظلم منتشر في كل حارة!

المظلومونفي كل مكان.. حتى إنهم ليملؤون السجون!

الفسادونهب الأموال والتضييق على الناس، يلوح في كل وجه!

التبذيروإنفاق أنهار الأموال على بناء القصور الكثيرة والطائرات الفاخرة والعاصمةالجديدة!

نشرالانحلال الأخلاقي في الإعلام والأفلام والمسلسلات!

إقصاءالدعاة والصالحين والمصلحين.. وتقريب المنافقين والكذابين!

هدمالمساجد والمقابر التاريخية الإسلامية.. ثم تقنين الكنائس.. ثم تجديد المقابراليهودية والآثار الفرعونية!

 

وفوقهذا كله أمور ستهلك معها أجيالا كثيرة قادمة:

 

القروضالثقيلة التي تتراكم وتتزايد ولا تطيق البلد سدادها..

نهرالنيل الذي يضيع.. أو: ضاع بالفعل!!

الجزرالاستراتيجية التي كنا نملك أن نخنق منها إسرائيل.. بيعت!

حقولالغاز التي كان يمكن أن تكفي البلد، فسدت، ثم صرنا نستورد الغاز من العدو الذيقتلنا قديما، ويقتلنا الآن، ويعلن أنه ينوي أن يقتلنا ويطردنا غدا (من النيل إلىالفرات!!)

تهيئةالأوضاع لانتشار ميليشيات تابعة لإسرائيل على كل حدودنا: العرجاني في سيناء،حميدتي في السودان، حفتر في ليبيا.. إسرائيل تحاصرنا!!

 

ثم:غزة.. وما أدراك ما غزة.. ثم ما أدراك ما غزة.. كل مشهد من غزة يحكي قصة ويستحقمقالا طويلا وحده!!

 

هلتعرف بلدا في العالم ذبح الناس على حدودها ثم تركتهم يذبحون؟!!.. أو: أخذت من كللاجئ فيهم 5000 دولار لكي تسمح له بالخروج والنجاة من المحرقة؟.. واللاجئ يدفعهاويخرج بعد الإذن الإسرائيلي...

 

فكِّرفيما حولك، وأخبرني عن بلد تشددت في إغلاق حدودها وفي إنشاء جدار فولاذي يخترقالأرض، لكي تمنع المذبوحين المحروقين من النجاة!!

 

وهيفي الوقت نفسه.. تسمح لمن ذبوحهم بالدخول إليها بغير تأشيرة، وقضاء الصيف والعطلاتوالأعياد!!

 

هلمن عارٍ أشدُّ من هذا العار؟!!

 

هلرأيت دولة يوجد في خطها الأمامي تجاه عدوها مقاتلون باسلون أشداء استشهاديون، ثمتعمل هذه الدولة لإفنائهم وإنهائهم بدلا من دعمهم وتقويتهم وكسب النفوذ بهم؟!!

 

إنمحاولة سرد عناوين الجرائم التي حدثت وتحدث في البلد تستغرق وقتا طويلا، وستبدومملة للغاية.. مع أنها مجرد عناوين!!

 

(7)

 

بقيأن أخبرك عن الأمل الضعيف الذي وعدتك به..

 

هوأمل ضعيف، ولكنه موجود.. غير أنه لا يقوى عليه إلا ذو العزيمة القوية الشديدة..هذا الذي يتخذ قرارا يشتري به الآخرة ويبيع من أجلها الدنيا.. ولذلك لا يفعلهاالأكثرون.. بل يفعلها القلة!

 

لقدأخبرنا الله ورسوله عن قوم ينتقلون فجأة وفي لحظة واحدة من موقع الباطل إلى موقعالحق..

 

وكلماكان هذا الإنسان قويا وعريقا في معسكر الباطل، كان انتقاله إلى الحق أصعب وأشد..ولكنه كان انتقالا قويا.. من الحضيض إلى الذروة، في لحظة واحدة..

 

مثلسحرة فرعون.. كانوا قبل ساعة جزءا من نظام فرعون، يطلبون المال ويتآمرون علىموسى.. ثم وقعت المعجزة فآمنوا.. فتعرضوا للعذاب الفرعوني بعد ساعة.. فأصبحوا فياليوم التالي في الجنة!!.. ولا تزال قصتهم خالدة على لسان الناس بعد ثلاثة آلاف سنة،وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها!

 

مثلحبر اليهود، عبد الله بن سلام، الذي لما رأى النبي عرف أنه النبي الموعود، فأسلموترك كل ما كان فيه من رئاسة وجاه وعظمة، وكان مع النبي، وتحمل أذى اليهود وماأشاعوه عنه!

 

مثلالقائد الرومي جورج (جَرَجة) الذي جاء يقاتل المسلمين، فلما تكلم مع خالد بنالوليد، آمن، وانتقل إلى صف المسلمين، فقاتل معهم فقُتِل شهيدا!

 

مثلالحر بن يزيد، قائد القوة العسكرية التي جاءت تمنع الحسين من دخول الكوفة، فلمارأى أن والي الكوفة وجيشه يتآمرون على قتل الحسين ويرفضون أي حلول.. انتقل فقاتلمعه حتى قُتِل شهيدا!

 

والتاريخحافل بالتائبين.. غير أن أولئك المنتقلين من موقع السلطة والمكانة في الباطل كانواأعظم أجرا وأخلد ذِكْرًا.. وقد بلغ الرجل مرتبة سيد الشهداء إن هو قال كلمة حق عندسلطان جائر، فقُتِل لأجلها!

 

(8)

 

السؤالالذي يدور في الذهن دائما: وماذا أفعل؟ ماذا بيدي أن أصنع؟

 

والإجابةعن هذا السؤال أنت تعرفها أكثر من غيرك.. بل أنت الوحيد الذي يعرفها..

 

إذاكنتَ على العهد، ما زلت تفكر وحدك -أو مع الصديق المقرب منك- وتعرف أن الله يطلععليك ويراقبك ويعلم حقيقة نفسك.. فأنت أقدر الناس على إجابة هذا السؤال.

 

أستطيعأن أخبرك عن الحد الأدنى الذي يملكه كل أحد: لا تنفذ أمرا فيه اعتداء على الناس،لا تظلم أحدا، لا تطلق النار على أحد مهما كنت مضطرا لذلك (فلا عذر في القتل)..

 

هذاهو الحد الأدنى.. أما ما فوق ذلك من مراتب العمل، فأنت أعرف الناس به.

 

واللهيوفقك ويرعاك!!

 

وهذاهو الأمل الوحيد الضعيف.. وأما ما سوى ذلك، فوالله إنك لعلى خطر عظيم.. وما هي إلاساعات أو أيام.. وتنقضي هذه الحياة كلها، لترى نفسك في المصير الكبير الذي اخترتهبنفسك!

 

لادار للمرء بعد الموت يسكنها .. إلا التي كان قبل الموت يبنيها

فإنبناها بخير طاب مسكنه .. وإن بناها بظلم خاب بانيها

أموالنالذوي الميراث نجمعها .. ودُورنا لخراب الدهر نبنيها

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on August 27, 2025 07:34
No comments have been added yet.