مقولات التفسير

أظنني بحاجة إلى تقديم اعتذارين بين يدي هذه المقالة، اعتذار عن الاختصار الشديد في مسائل تحتاج إلى مزيد من التفصيل، واعتذار آخر عن أسلوب الكتابة، فأصل هذه المقالة تغريدات في موقع تويتر، ثم رتبتها ووضعتها في صفحتي على الفيس بوك، وللتغريدات طريقتها في الكتابة، ولو أني أجلت نشرها إلى حين إعادة صياغتها، لصار مشروعا مؤجلا، لذلك فضلت أن أنشرها كما هي.


(1)تفسير القرآن بالقرآن.


من المفيد أن نناقش بعض المقولات المشهورة في التفسير.. خصوصا تلك التي يتم تداولها كثيرا.. من هذه المقولات مقولة ابن تيمية وغيره أن أحسن طرق التفسير: تفسير القرآن بالقرآن.. وهذه العبارة تحتاج إلى توضيح.. ما هو المقصود بتفسير القرآن بالقرآن؟


إذا كان المقصود هو الاستقراء، بمعنى أن القرآن كتاب بين يدينا، لكل سورة فيه بداية ونهاية، ولكل فكرة فيه معالجة خاصة بها، فلو أخذنا مثلا موضوع (الجهاد)، فباستقراء القرآن الكريم ودراسة موضوع الجهاد فيه، نستطيع أن نستخلص معالم ومعنى الجهاد في القرآن، وبالتالي فعند تفسير أي آية لا بد من استحضار هذا المعنى العام، وهو ما يسمى (الاستقراء) أو اكتشاف النظام الداخلي للنص، كيف يستعمل اللفظة؟ وما الذي يقصده بهذه التراكيب؟ .. الخ، الاستقراء واكتشاف النظام الداخلي للنص هو أساس من أسس التأويل.. ولا يمكن أن يفسر نص من النصوص باجتزائه من سياقه


لكن إذا كان المقصود من تفسير القرآن بالقرآن هو أننا حين نأتي إلى آية تتحدث عن الصبر مثلا، فنورد في تفسيرها كل الآيات التي تتحدث عن الصبر وبالتالي نقول إننا فسرنا القرآن بالقرآن، أظن أن هذه الطريقة تلغي خصوصية سياق كل آية، فالآية التي تورد الصبر مجملا، هي تريده كذلك لأنه أنسب إلى سياقها.. وحين يأتي المفسر ويتوسع في مفهوم الصبر الذي أجملته الآية هو في الواقع يتعدى على أسلوب الآية نفسها..  وهو يؤدي إلى أمر أخطر، وهو أننا بهذه الطريقة من الممكن أن نستغني عن الآيات المجملة بالآيات المفصلة.. وهذا موجود في بعض كتب التفسير التي تتخذ أسلوب تفسير القرآن بالقرآن.. وأظنه غير صحيح بهذا المعنى.. بل هو صحيح بالمعنى السابق الذي ذكرته


(2) تفسير القرآن بالسنة


هذه المسألة بحاجة إلى تفصيل من ناحية الفرق بين طبيعة النص القرآني وطبيعة النص النبوي.. القرآن الكريم (كتاب) وهو وصف نفسه كذلك من بداية التنزيل.. وهذا يعني أن له ترتيبا.. وله سياق.. وله أول وله آخر.. فبين يدي كتاب متكامل.. أستطيع من قراءته استخراج تصور متكامل في موضوع ما.. فقد كان القرآن ينزل على النبي عليه الصلاة والسلام.. ويقول ضعوا هذه الآية في الموضع الفلاني.. فالترتيب مقصود.. وبالتالي وصف القرآن بالكتاب له معنى مهم


السنة النبوية القولية هي ما رواه الصحابة رضي الله عنهم مما سمعوه منه.. وقد رووا ما تدعو الحاجة إلى روايته.. أي لم يرووا كل ما قاله.. وهذا مقرر عند العلماء.. فالنبي عليه الصلاة والسلام كان يجالس الناس ويتحدث معهم في شتى شؤون الحياة.. وما رواه الصحابي هو جملة أو عبارة من مجموع كلامه في موقف ما.. وبالتالي فنحن أمام (أقوال) وليس (كتاب).. هذا فرق رئيسي في طبيعة النصين.


حين نتحدث عن المنظومة الإسلامية أو النموذج الإسلامية.. وأقصد به الإجابة عن الأسئلة الكبرى.. عن الإنسان والإله والوجود.. عن مفهوم الحياة والموت.. والإنسان والدين.. والمرأة والرجل.. والاستخلاف وغير ذلك.. هذه المفاهيم لا بد أن تكون متكاملة في القرآن.. ولا بد أن تكون السنة منسجمة فيها مع القرآن.. والقرآن هو الحاكم على السنة..


يتحدث الأصوليون عن مصادر التشريع.. وهل القرآن والسنة مصدرا واحدا! أم القرآن أولا والسنة ثانيا! وأنا أتحدث هنا عن طبيعة النصين.. ومن هذا المنظور –أي طبيعة النصين- لا بد أن يكون القرآن أولا.. والسنة تابعة له..


الأفكار المركزية في القرآن لا بد أن تكون متكاملة.. وهذا يختلف عن تفسير الجزئيات.. كتفسير حكم شرعي.. فتأتي السنة بتوضحيه مثل الزكاة


أما عن تفسير القرآن بالسنة.. فبداية ليس النقاش حول حجية السنة.. فالسنة وحي ودين.. ولكن النقاش حول الكيفية.. فإذا كان المقصود من تفسير القرآن بالسنة أننا حين نأتي لتفسير آية تتعلق بالوحي مثلا.. نورد تحتها في التفسير كل الأحاديث المتعلقة بالوحي.. أظن أن هذا ليس تفسيرا.. جمع الأحاديث المتعلقة بموضوع ما في تفسير الآية لا يعد تفسيرا.. بل هو في الحقيقة خروج عن التفسير وابتعاد عن النص القرآني.. فحين تتحدث الآية مثلا عن الصدقة.. فللآية سياقها وتركيبها الخاص بها.. وبالتالي لها معناها الخاص.. وإيقاعها الخاص.. ونحن حين نورد تحتها الأحاديث المتعلقة بالصدقة وأنواعها وآدابها فنحن نبتعد عن روح النص.. التفسير هو أن تبقى في روح النص وسياقه ونظامه الداخلي


تفسير القرآن بالسنة هو الأحاديث التي تحدثت بشكل مباشر في تفسير آية ما.. مثل تفسير الظلم بالشرك في آية (ولم يلبسوا إيمانهم بظلم).. ولو جمعنا الأحاديث الصحيحة التي تفسر الآيات بشكل مباشر.. سنجدها محدودة جدا جدا.. وبالتي فكل المعركة التي أقيمت حول تفسير القرآن بالسنة في الواقع معركة ليس لها مؤدى واقعي بهذا المعنى.. والواقع أن كثيرا من الأمور النظرية لا يوجد لها واقع حين نتعامل بشكل مباشر مع القرآن


(3) تفسير الصحابة


سأبين أولا المعطيات.. الصحابة هم الجيل المعاصر للتنزيل.. فمن البديهي أن يكونوا أعلم الأجيال بلغة القرآن بسليقتهم.. والصحابة عاصروا القرآن في حالته الشفهية.. وفي الظروف أو السياقات التي نزل بها.. السياسية والثقافية والاجتماعية وغيرها.. هذه عناصر قوة لفهمهم..


من ناحية أخرى فالنص القرآني متعال على الزمان والمكان.. لا يدخل في التفاصيل.. وهو نص متسع المعنى.. ومن هنا خلوده.. أما أقوال الصحابة فهي تختلف عن ذلك.. هي مغرقة في الزمان والمكان.. الصحابي ينطلق من ثقافته وهمومه وأسئلته في فهم النص القرآني.. وهذا أمر طبيعي..


بناء على ما سبق.. فقول الصحابي إذا كان تفسيرا للمفردة بكلام العرب.. فهو ليس تفسيرا وإنما نقل مأثور.. أما إذا كان تفسيرا برأيه.. فأهميته تأتي من معاصرته للتنزيل.. ودرايته باللغة.. لكنه لا يتصف بالعصمة ولا بالخلود.. لأنه تفسير مرتبط بتلك الثقافة.


قول الصحابة ليس تفسيرا قطعيا.. لكنه لا يستهان به.. يجب الوقوف عنده والتأمل فيه إذا صح السند إليه


(4) أقوال المفسرين


وقريب من هذا الكلام يقال عن كتب التفسير.. المفسر هو ابن زمانه.. خارج من رحم ثقافته.. مهموم بأسئلته.. هناك نموذج كامن في عقله.. وهو يفسر النص القرآني بعقله الغارق في الزمان والمكان.. والنص القرآني نص خالد.. لكن النصوص البشرية لها عمر افتراضي


كيف نتعامل مع كتب التفسير؟ هل نحن ملزمون بما جاء فيها؟ هل هي حاجز بيننا وبين القرآن؟ هل الممكن أن نفهم القرآن بدونها؟ هذه الأسئلة تتكرر دائما.. ويتخيل بعضنا أن الجواب لا بد أن يكون إما أقصى اليمين أو أقصى الشمال.. إما التقيد بكتب التفسير أو نبذها..وأظن الأمر ليس كذلك.. لكل علم مسيرة.. وتراكم معرفي.. لا تستطيع أن تتجاهل تراكم أي علم من العلوم وتدعي أنك ستبدع حين تبدأ من الصفر.. خذ أي علم من العلوم.. وحاول أن تتجاهل تاريخه المعرفي.. لن تستطيع ذلك.. لكن هذا لا يعني التوقف عند ذلك التراث.


المسألة سهلة لكنها تحتاج إلى قليل من التوضيح.. لابد أن تقرأ التراث التفسيري وتتشبع به.. ثم تتجاوزه.. هذه قناعتي


مهمة التراث التفسيري أن يساهم في صناعة (العقلية التأويلية) عندك.. أن يطلعك على تجارب المفسرين في التعامل مع النص.. أن تعرف المدارس المختلفة.. وبعد صناعة (العقل التأويلي) عليك أن تتعامل مع النص بشكل مباشر.. وأن تتجاوز ما قرأته في كتب لتفسير.. والعملية ليست تراتبية.. أي ليس عليك أولا أن تقرأ في كتب التفسير نصف عمرك.. ثم تفهم النص بشكل مباشر في نصف عمرك الآخر… هي مرحلة متوازية.. عليك أن تطلع على ما كتبه السابقون والمعاصرون.. وفي الوقت نفسه عليك أن تتعامل مع القرآن بعقلك.. هذه هي الخلاصة


(5) التثاقف وأثره في التأويل


تحدثت بالأمس عن كتب التفسير.. وعن دورها في صناعة العقل التأويلي.. ومختصر ما قلت أن تتشبع بالتراث ثم تتجاوزه.. الحديث عن دور الثقافات الأخرى في تطوير العقلية التأويلية.. وبالتحديد عن دور علوم فلسفة اللغة واللسانيات في ذلك أخذ جدلا طويلا ولا يزال.


توصف علوم اللسانيات (أعني بها هنا كل العلوم المتعلقة بفلسفة اللغة والتأويل والسيمائيات) بأنها الحلقة الأخيرة في علوم الفلسفة.. وهي ناتجة من القناعة أن اللغة والفكر والثقافة تدور في علاقة جدلية.. كل منها يصنع الآخر.. لكن اللغة هي العامل الأقوى في هذه العلاقة الجدلية.. اللغة هي العامل الأقوى في إنتاج أفكارنا وثقافتنا.. ومن هنا جاء الاهتمام بفلسفة اللغة.


فلسفة اللغة تعتني بطبيعة اللغة ونظامها وتأويلها، فهي رؤية كلية للغة وهذا يختلف عن علوم النحو والبلاغة.. ولا يزال العلم في مرحلة التطور والنضوج.. وأظن أن هذا ميزة له.. حيث فرصة المساهمة والمشاركة كبيرة


لا يوجد تعريف محدد للسانيات.. فاللسانيات ليست هي البنيوية ولا أركيولوجية فوكو.. ولا غيرها.. هذه كلها اتجاهات داخل هذا العلم (اللسانيات).. وأظن أن الإفادة من علوم اللسانيات ضرورية.. ولابد من مرحلتين قبل ذلك..


الأولى: القراءة العميقة في العلم نفسه في داخل بيئته.. بمعنى أن المفكرين العرب لهم فهمهم وتوظيفهم للسانيات في تأويل القرآن.. وهذا رسخ مفهوما معينا في أذهاننا عن هذا العلم.. والأمر ليس كذلك.. فللسانيات اتجاهات كثيرة.. وبعض المفكرين العرب ينتقي ما يناسبه.. لذلك ليس صحيحا أن نحكم بالعموم على اللسانيات أنها (عدو) للنص القرآني..عداوة العلوم بشكل جذري أسوأ ما يمكن أن يقع فيه الباحث.. واستعداء الناس على (علم) معين حالة انطواء على الذات ودلالة ضعف.. هذا ما حصل في التاريخ مع علم المنطق والفلسفة مثلا.. وهناك أطروحات لبعض المفكرين الإسلاميين من هذا النوع .. وهذا مؤسف جدا.


لا بد من استيعاب علوم اللسانيات واتجاتها في بيئتها.. ثم كمرحلة ثانية لا بد من توطين هذا العلم في بيئة الثقافة الإسلامية.. وهي عملية صعبة للغاية.. نحن بحاجة إلى استيعاب التراث الإسلامي واستيعاب علوم اللسانيات.. لأن هناك منتج جديد سيخرج بين أيدينا وليست مجرد تعديلات أو أسلمة


نحن بحاجة إلى إنجاز أمرين .. الأول هو ما يمكن أن نسميه (طبيعة النص القرآني)، طبيعة نص أي خصائصه، طبيعة لغته، الأسئلة التي جاء ليجيب عليها.. والأسئلة التي لم يأت للإجابة عليها، مدى رمزيته، واتساع معانيه، ومدى علاقته بالزمان والمكان الذي نزل فيه … الخ


النص القرآني ليس له مثيل في التراث الغربي، طبيعة الإنجيل تختلف عن طبيعة القرآن، ولذلك نحن نتحدث عن إنشاء شيء جديد


الأمر الثاني وهو يأتي بعد الأول، وهو إنشاء نظرية للتأويل.. نظرية التأويل هي اجتهاد بشري.. ناتجة من رحم الثقافة الإسلامية ومستفيدة من تجارب وثقافات الأمم الأخرى، وهي نظرية تتطور بالبحث والتجربة، وفضاء الحرية العلمية، ولا يمكن أن تنتج في بيئة تعاني من محاكم التفتيش إلا بتضحيات كبيرة.


هناك عدة اعتراضات على هذا سأورد أهمها، وهو التمركز حول الحداثة الغربية، لماذا حين نطرح التثاقف نطرح الغرب بالتحديد؟ وهو اعتراض منتشر، الواقع أن الثقافات الأخرى ليست متاحة، بعكس الثقافة الغربية، وياليت لو يتاح لي شخصيا الاطلاع على تجربة البوذيين والهندوس في تعاملهم مع (الفيدا) ونصوص (بوذا)، وتحربة الصينيين في تعاملهم مع نصوص كونفوشيوس، وغيرهم، لانها عملية تثاقف وليست تقليد.. ولكن هناك أمر آخر جدير بالملاحظة.. أليس من يتوقع أننا سنصل إلى النتيجة التي وصل إليها الغرب إذا قمنا بالإصلاح الديني هو المتمركز حول الغرب! لكل أمة ثقافتها، وسياقها الاجتماعي، فإذا انتشرت (الحرية) مثلا في الشرق لن تكون نتيجة هي ذاتها التي وصل إليها الغرب.. ومن يقول ذلك فهو يعيش تمركزا حول التجربة الغربية، وهو أسير لتاريخها، ولا يتخيل تجربة تختلف عن تجربتها


(6) تفسير القرآن وفق ترتيب النزول


ظهر هذا النوع من التفسير في العصر الحديث.. ولا أستطيع الجزم بهدف كل مفسر من ذلك.. لكن من الأسباب المهمة.. هو تتبع تكوين النص القرآني.. أو بمعنى آخر هو ينطلق من أن القرآن الكريم جاء بلغة عصره.. واللغة هي الثقافة والفكر.. وبالتالي جاء مرتبطا بالزمان والمكان.. وقد تحدثت عن هذا سابقا.. ومحاولة تتبع القرآن وفق ترتيب النزول هو محاولة ملاحظة هذه العلاقة بشكل دقيق.. وهذا نابع من تصور أن القرآن مرتبط بأسباب النزول.. أي أن أكثر القرآن أو كثير منه نزل بسبب.. بمعنى نزل بسبب حادثة ما.. فإذا فسرنا القرآن وفق ترتيب النزول سنكتشف هذه العلاقة بالتحديد وبالتالي نكون كشفنا وحللنا معنى (تاريخية) النص.. عرفنا مدى ارتباطه بالزمان والمكان


سأبدي ملاحظاتي على هذا النوع من التفسير.. إذا حددنا الهدف بأنه البحث عن مدى ارتباط القرآن بالزمان والمكان.. فلاحظ أننا نتحدث عن فترة زمنية محددة.. ٢٣ سنة.. هذه الفترة محدودة.. والتحولات فيها قليلة.. بالتالي نحن بحاجة إلى دراسة تاريخية.. تحدد لنا الظروف التي صاحبت عصر النبوة.. نحن بحاجة إلى معرفة الظروف أو السياقات الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية.. ولا أدري هل توجد دراسة من هذا النوع أو لا


(أرجو ممن يعلم دراسة جادة تبين لنا تلك الظروف/ السياقات أن يدلني عليها وأكون له من الشاكرين(


من الممكن أن نقسم أيضا تلك المرحلة (٢٣سنة) إلى مكانين (مكة والمدينة) لاختلاف بعض الظروف بينهما واختلاف لغة الآيات في كل منهما وبالتالي نستطيع تحديد علاقة النص بالظروف المحيطة حوله.. دون إعادة ترتيبه وفق ترتيب النزول


هذا يقودنا إلى قضية أسباب النزول، وفي أسباب النزول كلام طويل، لكن سأكتفي هنا بالحديث عن جانب واحد وهو أن الآيات التي نزلت بسبب قليلة جدا، ويمكننا معرفة ذلك من خلال كتب أسباب النزول، وأغلب آيات القرآن نزلت بدون سبب


أريد التفريق هنا بين (أسباب النزول) و(ظروف أو سياقات النزول).. السبب هو الحادثة.. قصة ما.. والظروف هي ما يمكن استخلاصه من مجموع القصص.. قد تكون الحادث دالة على الظروف وقد لا تكون كذلك.. هذا مهم جدا.. الحديث عن علاقة القرآن بالزمان والمكان.. لابد أن ينطلق من علاقته بظروف/ سياقات النزول، وليس من علاقته بالحوادث.. وهي الأسباب.. لأن السبب لا يحكي التاريخ.. بل قد يكون خادعا


إذا وافقنا أن الحديث ليس عن الأسباب وإنما عن الظروف.. وإذا وافقنا أن هناك فرق بين الزمنين، زمن النبوة وما بعدها (فصلت في ذلك في مقال: طبيعة النص القرآني).. فأظن أن التفسير وفق ترتيب النزول لم تعد له تلك الأهمية.. بل هو في الواقع لا يحقق الغرض الذي جاء من أجله


تبقى هناك قضية منهجية.. وهي صعوبة العثور على ترتيب يقيني لنزول الآيات.. فهناك عدة قوائم لترتيب النزول والروايات في الكثير منها ضعيفة.. وهناك معايير اجتهادية للترتيب ولا تعتمد على الروايات.. فكيف يمكن إقامة منهج على أساس ظني!


أضف إلى أن ترتيب النزول لا يتعلق فقط بالسور.. وإنما حتى بالآيات.. فأحيانا تنزل السورة كاملة وأحيانا مجموعة من الآيات وهذا يعقد مسألة الترتيب أكثر.. الخلاصة أننا إذا أردنا معرفة ارتباط القرآن بزمان ومكان النزول (التاريخية) فأظن أنه علينا إنجاز التالي: دراسة ظروف/سياقات النزول، بدلا من الأسباب.. ثم دراسة العلاقة بينها وبين النص.. بحسب كل سورة على حدة.

1 like ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on August 07, 2012 09:36
No comments have been added yet.


مصطفى الحسن's Blog

مصطفى الحسن
مصطفى الحسن isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow مصطفى الحسن's blog with rss.