الجزء الأول من قصة : المجنون .. من المجموعة القصصية الغرباء



التاريخ : شهر ديسمبر / 1957

شهر لن أنساه ,شهر غريب بتفاصيله الموحشة .. لا تتعجب يا صديقى .. فأنا بالطبع أحب الشتاء .. أحبه جدا ولكن شهر ديسمبر عام 1957 أبدا لن أنساه , لأنه يحمل شىء آخر .. شىء آخر تماما يختلف عن أى شتاء مضى وجاء فى حياتى بعد هذا الشتاء

فى هذا الشهر بلغت الخامسة والعشرين من عمرى وكان الأمر مـتأزما للغاية , قد تسأل كثيرا لم كان الأمر إلى هذا الحد ؟! , فلقد تعرضت إلى القتل من قبل مجرم كنت أبحث
عنه منذ مدة .. مجرم لا يعرف الشفقة ولسوء حظى أنها كانت القضية الأولى فى حياتى .
رجل يقتل أولاده الاربعة وزوجته وأخيه وزوجة أخيه ببرود تام ثم يحرق المنزل ويرحل , لقد وصفته بالرجل وآسف على هذا التعبير بل الأجدر بأن أصفه بالوحش , ومن قال أن الوحوش سيئة لهذا الحد ؟! .. دعنا لا نظلمها .

جلست فى إحدى الغرف بعدما استطاعت الشرطة إلقاء القبض عليه بمساعدتى بالطبع , فقد استطعت أن أعلم ما يخفيه عقله , أنسج الخيوط التى يستخدمها ثم أقطعها فى اللحظة المناسبة , بنيت له عش عنكبوت وأوقعته فيه ليتضح أنه لم يكن عشا بل كان فخا , وقفت حاجزا له أمام أحلامه بالهرب خارج البلاد , وأى بلاد ستتحمل مجنون كهذا ؟! ولكننى لم أكن أعلم أنه هو الآخر يقرأ أفكارى ولكن الفارق كان دائما فى التوقيت , السرعة التى لم احصل عليها بعد بالشكل الكافى لتتعامل مع مثل هؤلاء وقد سبقنى بسرعة البرق حينما علم من أكون وحاول قتلى ولكنها ارادة الله التى حالت دون ذلك

لا أخفى عليك أن ذلك الامر أصابنى فى مقتل , أصابنى بالهلع , بت أغلق جميع منافذ شقتى , عمدت إلى شراء سلاح نارى , قاطعت كل زملائى , بت وحيدا فى منزلى , لا أذهب للعمل , عيادتى البسيطة تنتظرنى ولكننى أبدا لا أذهب ... نعم لن أذهب .

ببساطة تامة " أنا اعيش مرض نفسى " – رهاب الخروج الى العالم الخارجى ( فوبيا ) من نوع خاص جدا .. أدركت ذلك ولكن لم أستطع فك رموز مرضى , الآن فقط أشعر بمدى ما يعانيه المريض النفسى , " تبا لكل شىء " ... هكذا كنت أحدث نفسى دائما بغصة وألم فى أسفل معدتى ولكنه ألم نفسى ... تبا لكل شىء

كنت اعلم تماما أنه يجب إنهاء مخاوفى ولكن أبدا لن يحدث ذلك إلا بمواجهتها , أنت تدرك ذلك تماما .. ولكن كيف والفزع بقتلنى ؟! , ماذ سيقولون عنك الأن يا كمال ؟! .. ماذا سيقول أساتذتك الكبار حينما يدركون بأن الطبيب النابغة يجلس كفأر فى جحر لعين يرتجف هلعا من القط الذى يقف منتظرا بأسنانه الشرسة خارج ذلك الجحر .. ينتظر بلا ملل .. ينتظر أن يضع كلمة النهاية .. سيقولون أن الطبيب النفسى يعانى مرضا نفسيا ... أليس الأمر مدعاة للسخرية ؟! ... ولكن من قال أن الأطباء النفسيين ليسوا مرضى ؟! .. فهم أخيرا بشر ولهم مخاوفهم ...

عمرو الجندى ..

...
8 likes ·   •  1 comment  •  flag
Share on Twitter
Published on September 15, 2012 16:11
Comments Showing 1-1 of 1 (1 new)    post a comment »
dateUp arrow    newest »

message 1: by [deleted user] (new)

جميله قوي ياعمرو..عجبني أحساس الشخص اللي في القصه لما قال (( الآن فقط أشعر بمدى ما يعانيه المريض النفسي
لأني أستشعرت من الجمله دي أنه وصل لمرحله من الخوف غير طبيعيه ..كتير منا مكن يحس ببعض الماعر المتلخبطه اللي سعات بتتغلب عليه وتخليه شخص شبه مريض..بالرغم من أنه مش مريض..بس هو أحساس..سعات بنندفن جواه
بالتوفيق ومستنيه الباقي


back to top