غزة .. ما بعد الربيع
ملاحظة التغيرات في الحرب الإسرائيلية على غزة ما بين ٢٠٠٨ إلى اليوم، تستحق الكثير من الكلام، والكثير من التعليقات، والكثير من التحليلات.. حرب إسرائيل على غزة ٢٠٠٨ كانت قبل الربيع العربي، قبل زوال نظام مبارك وابن علي والقذافي وزعزعة عرش الأسد ..
في ٢٠٠٨ توجهت ليفني إلى القاهرة التي يفصلها عن غزة المحاصرة معبر بري، لتعلن من هناك الحرب على غزة، في وقاحة مبالغ فيها، وإهانة منظمة للشعوب العربية التي ربما تظن أن أنظمتها في حالة حرب مع إسرائيل. أما في الربيع العربي – ومازلنا نصر على تسميته ربيعا – شممنا فيه رائحة الحرية القادمة من بعيد، فيتجه أمير قطر إلى غزة في زيارة رسمية، ويقول على قناة الجزيرة : لولا نظام مصر اليوم لما تمكن من زيارة غزة، وبعد الهجوم الإسرائيلي يتجه رئيس الوزارء المصري إلى غزة في زيارة لها الكثير من الدلالات.. أولها التضامن السياسي، وربما ليس آخرها إحراج دول الممانعة وإحداث قسمة جديدة في دول المنطقة.
في ٢٠٠٨ نذكر تماما كيف برز خطابان لدول المنطقة دول الممانعة ودول السلام، وكان من سوء الحظ أن إيران وسوريا تتصدران قائمة الممانعة، وهو ما كان يجعل المقاومة الفلسطينية في موقع التهمة دائما. أما بعد الربيع العربي وفي العدوان الإسرائيلي اليوم، فدخول مصر السياسة الإقليمية، وزوال نظام مبارك الذي كان يقود دول السلام، يجعل (الممانعين) في حرج، وربما يفسح المجال لدول مثل تركيا أن تتحرك بحرية أكبر.
الرئيس المصري يستقبل قبل يومين رئيس المكتب السياسي لحماس، ومعبر رفح بات مفتوحا، في حين أن رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل بح صوته في ٢٠٠٨ وهو يقول: إن غزة ليست بحاجة إلى المال بقدر حاجتها إلى فك الحصار، وفتح معبر رفح على وجه التحديد، في حين كان نظام مبارك يعتقد أن السياسة و(الحكمة) و(الحنكة) إذا استبعدنا سوء النية تقتضي عدم فتح المعبر. إسرائيل تتحدث عن وقف القتال، وتتحرك الحكومة الأمريكية باتجاه مصر لأجل الضغط على حماس للتوصل إلى هدنة، وإسرائيل تتحدث في الوقت نفسه عن احتمال الهجوم البري، لكنها تعلم أن الدول الأوروبية لن تبقى متفهمة للموقف الإسرائيلي في حال الهجوم البري، فصور الدمار والضحايا والأطفال التي ستتناقلها وسائل الإعلام العالمية ستحرج تلك الدول الداعمة لإسرائيل أمام شعوبها، وبرغم أن سياسة إسرائيل الخارجية مازالت متفوقة على السياسة الخارجية العربية، لكنها ليست كالسابق، فعدد المتظاهرين ضد العدوان الإسرائيلي وصل إلى عشرات الآلاف في اليونان، والمظاهرات امتدت من العواصم الأوروبية لتصل إلى بكين وطوكيو.
من ناحية أخرى فالمقاومة في غزة أو ربما من الأولى أن نطلق عليها اليوم (الجيش) في غزة، لم يعد كالسابق، هناك مفاجآت تخشى منها إسرائيل في حال المغامرة بالهجوم البري، كارتفاع عدد القتلى بين جنودها، وربما وقوع بعضهم أسرى، وهو آخر ما ترغب به إسرائيل، لذلك تتحدث إسرائيل بشكل مستمر عن رغبتها في إيجاد سبيل لإيقاف هذه الحرب، وإلى العيش بسلام، لكنه العيش وفق الطريقة الإسرائيلية.. عيش المحتل المتفوق المحاصر .. حصار غزة وتقطيع الضفة بالحواجز .. عيش الطرف المتفوق في مقابل الطرف الآخر الضعيف .. هذا ما تحاول إسرائيل ترسيخه بشكل دائم، وتعده عيشا بسلام.
في حرب ٢٠٠٨ قرأنا مقالات تنزف قيحا تعلن عن وجود بؤرة عفن متصهينة، تتحدث عن منطق يتفهم موقف إسرائيل، ويحمل غزة وغزة فقط نتيجة الحرب عليها، وسمعنا عن قائمة أعلن عنها موقع الخارجية الإسرائيلية لكتاب عرب هم في اعتبار إسرائيل ضمن (الأصدقاء).
اليوم لا تزال هذه البؤرة تعلن عن نفسها، ونحن نتحدث عن كتاب عرب في السعودية والخليج وباقي الدول العربية، ويظهرون في القنوات الفضائية، وبعضهم يكتب مقالات باللغة الإنجليزية ما لا يجرؤ أن يكتبه باللغة العربية.
ربما هم بحاجة إلى العودة إلى جداتهم الطاهرات ليحكوا لهم حكاية ما قبل النوم، حكاية دولة نشأت من لا شيء، وشعب تم تجميعه من شتى الأقطار، ليعيش حياة علمانية بعقيدة دينية، في أرض تم تهجير شعبه الأصيل.. حكاية الشهداء والأطفال والنساء .. حكاية المفاتيح التي لاتزال شاهدة على التاريخ، بل ربما هم بحاجة إلى حكاية الأمة الواحدة، لكن الجدات مضين بحكاياتهن، وبقيت حكاية النفط .. وسايسبيكو.. والعم سام.
حسنا، سنبدأ معهم من البداية، والدرس الأول هو (إسرائيل دولة عدو). أما غزة فهي بعد الربيع العربي ستبدأ من الدرس الأول والأخير .. درس (الحرية).
مصطفى الحسن's Blog
- مصطفى الحسن's profile
- 182 followers
