بين سنة الحياة وفسحة الأمل
سألت طلابي في الكلية.. حين تدعو الله أن يوفقك في الاختبار.. كيف تتوقع أن تكون الاستجابة؟ فكروا قليلا، رفعوا أيديهم، كانت إجاباتهم تدور حول التالي: (أن تكون الأسئلة سهلة وميسرة، أن تكون الأسئلة في الفصول التي ركزت على دراستها، أن يغيب الدكتور عن الاختبار ويتم تأجيله، أن يقلل الدكتور من كمية المادة المقررة، أن تنشط الذاكرة أثناء الاختبار وأستطيع استحضار المعلومات… الخ)، قلت لهم: لماذا لم يتصور أحد منكم أن يفتح له كتاب أمام عينيه فيه جميع الإجابات! أو أن تسمع صوتا يخبرك بأن الإجابة هي كذا وكذا! أو تتغير الإجابات على الورقة فتتحول الحروف والأرقام إلى إجابات صحيحة! أو أن يرصد الدكتور لك درجة ما، فتتبدل الدرجة على الورقة… إلخ، قالوا : إن الله على كل شيء قدير، لكننا لا نتوقع الاستجابة أن تكون بهذه الطريقة، بل نستبعد تماما.. مستحيل .. هكذا أكدوا.
قلت لهم : لاحظوا أنكم أكدتم على أن الاستجابة، أي تدخل الغيب في عالم الشهادة يكون موافقا لقوانين عالم الشهادة ولا يخرقها، هكذا قلتم بإجابات مباشرة وسريعة وبسيطة، لكنها في فلسفتها عميقة ومنضبطة، وفي كل الأمثلة التي ذكرتموها كان التدخل عن طريق الإنسان نفسه، أنتم تستبعدون، بل ترون أنه من المستحيل أن تكون الاستجابة عن طريق خرق القوانين بشكل مباشر وواضح، فمع إيمانكم بأن الله قادر على كل شيء، لكنكم تعتقدون أن الاستجابة لن تكون عن طريق معجزة تخالف القوانين التي قامت عليها الحياة، فالمعجزات خاصة بالأنبياء، وهي حالة استثنائية، وقد ختمت بخاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام،
هل يعود ذلك إلى فهمهم للنصوص الدينية، وإلى وعي عال بمفهوم الدين، وبالعلاقة بين عالمي الغيب والشهادة!! هل يعود ذلك إلى وعي ديني تنشره المؤسسات الدينية في بلادنا – مثلا – هل ساهم الدعاة والعلماء في إيجاد وعي عقلاني بمفهوم العلاقة بين عالمي الغيب والشهادة! وماذا عن المثقفين والكتاب، هل سيغضبون إن نسبت الفضل لغيرهم في إحداث هذا الوعي! حتى وإن كنت لا أعتقد ذلك، لكني أخطئ حين أحاول النظر إلى الموضوع بهذه الطريقة. إنه وعي أهل المدن، فالمدنية تنفي العقلية الأسطورية في فهم الدين، بوعي أو دون وعي. إنهم يستطيعون الجمع بشكل سهل وبسيط بين القدرة الإلهية، وبين النظام الكوني، ومن جمال الكون وعدله أن يكون القانون مضطردا.هذا يقودنا إلى جدلية تستحق التفكير .. هل فهم الدين بشكل أفضل يساهم في فهم أرقى للحياة؟ أم أن فهم الحياة بشكل أفضل يساهم في فهم أرقى للدين؟!
ربما في أماكن أخرى، في القرى، في الأطراف، في المناطق التي يقل ويضعف فيها التعليم، وتنغلق المجتمعات على نفسها، وتخشى من العالم الخارجي، ربما هناك سيؤكد الشباب – فضلا عن كبار السنّ – على أن التدخل قد يكون بكتاب يظهر فجأة، أو بصوت ملائكي مسموع، وربما أكدوا كلامهم بقصص تروى، حيث الأساطير دائما يتم تأكيدها بالقصص، وربما لن أستطيع إقناعهم، فكلنا نتفق على القدرة الإلهية، لكننا نختلف في كيفية تحققها في عالم الشهادة، هل ستخرق القوانين؟ أم أنها ستعمل ضمن مجالها؟ والحوار لا يكون مجديا حين تختلف مستويات الوعي، بل يصبح نوعا من الجدل غير المفيد.
بعد حواري هذا مع الطلاب بأيام .. كنت أستعد للسفر.. في الطائرة كانت عاصفة رعدية ابتدأت أثناء إقلاعنا، تضيء السماء في منتصف الليل، في مشهد يجمع بين الجمال وخطف القلوب .. لم يفارقني حواري السابق.. لكني وقتها كنت أنا المسؤول .. حين ندعو الله أن يحفظنا ويسلمنا، كيف تتوقع أيها الأستاذ أن تكون الاستجابة!! تمنيت وقتها ألا يكون التدخل الغيبي عن طريق الإنسان وحسب، بل أن تتضامن السماء معنا فتهدئ من روعها، وأن تبتعد الرعود، وتحملنا الرياح إلى حيث نريد بكل رفق وحب، تمنيت لو أن روح الكون تتضامن معنا .. ولا عزاء لقوانين الكون الصارمة.. هكذا كنت أفكر.
حين يمرض قريب لنا ويقف على حافة الحياة باتجاه الموت، ونشعر برائحة ذلك حوله، وكأنه يهيئنا لفراقه، نتمنى أن تحدث المعجزات، وأن تتغير القوانين، وأن تتلاشى تلك الدقة الصارمة، وأن تمنحنا سنة الحياة استثناء ولو لمرة واحدة، هكذا الإنسان، لذلك وجد الأمل .. وما أضيق العيش لولا فسحة الأمل.
مصطفى الحسن's Blog
- مصطفى الحسن's profile
- 182 followers
