حوار مع جريدة الميثاق الإسلامي
نشرت جريدة الميثاق الإسلامي في عددها (996) تحقيقا صحفيا مع الكاتب المشهور محمد جلال كشك.
في بيروت على موعد سابق التقيت بالكاتب الإسلامي المجاهد الأستاذ: محمد جلال كشك. وعلى امتداد ما يقارب الثلاث الساعات كنت أناقشه وأستمع إليه وهو يتحدث بانطلاق وسلاسة حديث الإنسان المدرك لقضيته, العامل لها, المتفاني في عمله. الأستاذ جلال كشك مثال حي لشاب يعيش آلام وطنه الصغير مصر, ووطنه الكبير العلم الإسلامي, فقد جعله تفاعله الدائم مع الأحداث السياسية التي مر بها الوطن العربي يبحث عن المنقذ, عن الفكر الذي يبني الأمة, ويواجه بها تحديات العصر.. ولعل أولى تحديات عصرنا التي تصفع العالم العربي والإسلامي بعنف هي إسرائيل. وفي بحثه عن الفكر القائد اعتنق الشيوعية عام 1946م, وعمره آنذاك 17سنة. وكان من مؤسسي الحزب الشيوعي المصري (تعاليم الراية). والحديث عن الحزب الشيوعي المصري يقودنا بالضرورة إلى توضيح هام, وهو أنه لم يكن في مصر حزب شيوعي واحد, أو حزبان باعتبار التقسيم الدولي بقيادة الحركة الشيوعية بين موسكو وبكين, كلا, كان في مصر ما يقارب العشرين حزبا شيوعيا: منهم (تنظيم الراية) الذي شارك في تأسيسه الأستاذ جلال, ومنها (الحركة الديمقراطية للتحرير الوطني), ومنها (الحركة الديمقراطية الشعبية- د. ش-), ومنها (أسكرا), ومنها (المنظمة الشيوعية المصرية) .. الخ. وبعد خمس سنوات من الانتظام في الحركة الشيوعية المصرية اعتزل الأستاذ جلال الحزب الشيوعي عام 1950م على أثر خلاف حول الكفاح المسلح في القتال والموقف من حكومة الوفد. يقول الأستاذ جلال: "هنالك فترة مرّ بها كل ماركسي في أطوار تخليه الرسمي عن العمل في الحزب, يقول فيها: إن الماركسية فلسفة عظيمة …إلا أن الماركسين العرب انحرفوا عنها, وهذا في الواقع بسبب فساد الماركسية نفسها". وعاش الأستاذ بين عدم الانتماء حتى عام 1958م حيث تبيّن له بصورة واضحة (خيانة الشيوعين للفكر العربي حينما عارضوا الوحدة العربية). وفي عام 1962م كتب سلسلة مقالات بعنوان ( خلافنا مع الشيوعين ) .. فردت البرافدا لأول مرة تهاجم صحفيا مصريا باسمه وقالت: "إنّ استمرار جلال كشك في الصحافة المصرية يسيء للاتحاد السوفيتي", فأخرج من حقل الصحافة عام 1964م إلى عام 1967م, حيث قضى ثلاث سنوات حرم فيها حق العمل – أي عمل -, ثم أعيد للعمل في مؤسسة (أخبار اليوم). والأستاذ جلال كشك كاتب إسلامي غزير الإنتاج, فله الآن 13 مؤلفا إسلاميا, وخمس كتب كتبها في المرحلة الشيوعية "ولا أحب ذكرها الآن" كما يقول, والجدير بالذكر أن أحد كتبه الشيوعية (الجبهة الشعبية) كان يدرس في مناهج الأحزاب الشيوعية المصرية للأعضاء المنتظمين. والأستاذ جلال متزوج وله ثلاث أولاد : أحمد وخالد وعمر, ويقيم وأسرته الآن بيروت في هجرة لا يدري هل تطول أم تقصر.
ماذا بقي للماركسية
: قلت للأستاذ جلال كشك: نعرف أنك كنت شيوعيا ثم انتقلت للفكر الإسلامي .. فما هي أسباب ذلك؟ وكيف حدث اعتناقك للشيوعية؟ .. وكيف عدلت عن ذلك؟
في الحقيقة كثيرا ما أسأل هذا السؤال, وإن كنت أعتقد أن السؤال الجدير بالبحث الآن هو: لماذا يبقى الإنسان ماركسيا بعد أن فقدت الماركسية كل مبرراتها؟ فقد اعتنقت الماركسية في الأربعينيات للبحث عن حل لمشاكل مجتمعنا, وكان من المفروض أن تقود الأحزاب الشيوعية الثورة العربية في المغرب العربي ضد الاستعمار الفرنسي, وفي الشرق ضد الاستعمار البريطاني, ثم ضد الصهيونية التي تركزت فيها كل متناقضات الإمبريالية العالمية, ولكن الذي حدث أنّ حربنا ضد إسرائيل, والحرب الوطنية ضد الاستعمار الفرنسي في المغرب, لم تقم فقط خارج نطاق الأحزاب الشيوعية بل وضد هذه الأحزاب. الأحزاب الشيوعية في المغرب العربي رفضت الثورة ضد فرنسا, والأدلة على ذلك واضحة في تاريخ الحزب الشيوعي الفرنسي, وفي مذكرات بن بركة عن الحزب الشيوعي المغربي. وفي الشرق العربي قاتلت وشنق بعض قادتها دفاعاً عن حق إسرائيل في البقاء. فقد أصدر مثلا الشيوعيون العراقيون عام 1953م بيانا نشرته جريدة (القاعدة) الناطقة باسم الشيوعيين العراقيين كتبت الجريدة: "إن الشعب العراقي يرفض بإباء أن يحارب الشعب الإسرائيلي الشقيق", وأضافت "..لا مصلحة في الحرب للكادحين العرب واليهود بل للبرجوازية العربية العفنة", نلاحظ أنها لم تساو حتى في الرجعيات بل نصت على البرجوازية العربية. والحزب الشيوعي المصري وصف حرب فلسطين بأنها "دبرها الاستعمار وإرادتها الرجعية" كما جاء في تقرير الرفيق (خالد)!. ويواصل الأستاذ جلال يقول: "وفي اعتقادي أن هناك سببا ذاتيا لخيانة الشيوعية العربية وهو خضوعهم في المغرب العربي لتوجيهات الحزب الشيوعي الفرنسي الذي كان يصوّت في الجمعية الوطنية الفرنسية على ميزانية الحرب ضد الجزائر, ويوجه الأحزاب الشيوعية في المغرب العربي ضد الثورة البرجوازية بزعم أن الحركة التقدمية عليها أن تنتظر الثورة البروليتارية في فرنسا. وفي المشرق العربي كان زعماء الأحزاب الشيوعية كلهم يهود, مثلا (الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني) كان يتزعمها هنري كورييل وهو يهودي, و (الديمقراطية الشعبية) كان يرأسها يوسف درويش وريمون دويك وهما يهوديان, و(أسكرا) يرأسها إيللى شيورتز وهو يهودي, و(المنظمة الشيوعية المصرية – م.ش.م -) ترأسها أوديت وزوجها سلمون وهما يهوديان, المحرر وسكرتير الحزب الشيوعي العراقي عام 1947م السيد شلمون دلال يهودي, وسكرتير الحزب الشيوعي السوري اللبناني قبل انتخاب خالد بكداش جكوب تيير يهودي, وبعد انتخاب خالد بكداش أرسلوا فرج الله الحلولتل أبييب لتنظيم العمل واستخدموا نخمان ليفنسكي مستشار للحزب. كان من البلاهة – إذن – أن نتوقع من هؤلاء اليهود أن يقودوا حربا ضد إسرائيل, بل وكان وجودهم وكفاحهم جزء من المخطط الصهيوني لإقامة إسرائيل, هذا هو السبب الذاتي لإفلاس الماركسية في الوطن العربي. لكن هناك سبب موضوعي وهو: إفلاس الماركسية كنظرية عالمية. ونلاحظ أنه منذ انتصار ثورة الصين لم تقم ثورة واحدة بقيادة حزب شيوعي, بل إن الثورات الناجحة كلها كانت ضد الحزب الشيوعي. وأرجوا من الشباب المتحمسين الذين يصرخون باسم جيفارا أن يقرأوا مذكراته ليعرفوا إن كان يقاتل ضد الحزب الشيوعي البوليفي ..
الماركسية خدمة لمصالح روسيا :
إن الماركسية قد تحولت إلى سياسة تخدم المصالح القومية للاتحاد السوفياتي, ومن ثم أصبح على الثوريين أن يفتشوا على الحل خارجها.. فكانت الخطوة الثانية وهي الاعتزاز بالقومية.. قوميتنا التي تتعرض لخطر الإبادة الصهيونية. فكان الالتفات إلى التراث والتاريخ والتعرف على الينابيع الثورية في الإسلام.. وفي اعتقادي أن نسبة كبيرة ممن يعتنقون الماركسية إنما يرجع ذلك إلى جهلهم بالإسلام. أين موقف الشيوعيين الثوري من الاستعمار الصهيوني لبلادنا؟ أين كتائبهم المسلحة؟ ما موقفهم من المشروع السوفياتي الذي يطالب بحدود آمنة وقوات دولية تضمن هذه الحدود.. أي الاعتراف ببقاء إسرائيل, وتصفية الحركة الفدائية؟ كنا نتوقع أن يكون الشيوعيون عند خط النار ضد إسرائيل ولوبوصفها قاعدة للأمبريالية الإمريكية.. ولكن العكس هوما نراه. الحزب الشيوعي الأردني يرفض رسميا الكفاح المسلح ضد إسرائيل. الحزب الشيوعي العراقي يشن الحرب في مؤخرة الجيش العراقي.. إن الشيوعية قد انحازت وبصفة نهائية في العالم العربي إلى المعسكر المعادي للثورة العربية. لو أن الشيوعيين عارضوا المشروع السوفياتي الآن لاستطعنا أن نحصل على تدعيم أكبر من (صديقنا) الاتحاد السوفياتي .. إني أسألك: ما هي الثورية إن لم تكن الحرب ضد إسرائيل الآن؟ وهل الذي يرفض الحرب ضد إسرائيل ويؤيد الرقص التوقيعي في الجامعة تقدمي؟ أم الشيخ الذي يستشهد في سيناء والجولان والضفة الغربية حتى لوكان يبقي امرأته في الحجاب ؟ إن التقدمية هي موقف من حركة التاريخ .. وفي اعتقادي أن الصراع ضد الغزو الصهيوني يجب أن يكون الآن الخط الفاصل الذي تنقسم فيه كل القوى في الوطن العربي .
هم ودينهم
: يا أستاذ جلال ما هي صلة الإسلام بالصراع ضد الصهيونية؟
ما من قضية زيّفت باتفاق مثل قضية الوجود الإسرائيلي في قلب بلادنا, تقوم دولة تحمل اسم نبي من التوراة ليس لها دستور؛ لأن الأحزاب الدينية تصر على أن التوراة هي الدستور, محرم فيها العمل يوم السبت ولم نر في ذلك أيّ إخلال باقتصادها وارتباطاتها بالبنوك العالمية التي تتعطل يوم الأحد, بل يحرصون على أن تكون الجلسة الأسبوعية للكنيست يوم الأحد, ومحرم فيها على الجيش طبخ الطعام يوم السبت ..تقول يائيل دايان في (مذكرات جندي): "أكلنا طعاما مطهوا يوم السبت 3 يونيو بتصريح خاص من (الحاخام الأكبر). جيش إسرائيل الذي يوشك أن يمتلك القنبلة الذرية يمتنع عن طبخ الطعام يوم السبت. وبنقوريون وشازار يسيران ميلا ونصف على الأقدام في جنازة شرشيل؛ لأنها صادفت يوم السبت, ومحرم في التوراة ركوب وسائل النقل يوم السبت!, وعمر بنقوريون 78سنة, وعمر شازار 76سنة في وقت الجنازة, ولم تجد الصحافة العالمية ولا الرأي العام الإنجليزي في ذلك مدعاة للسخرية, ولكنها تجد في ذلك مدعاة للإعجاب. نصف المصلين في مسجد الخليل من العسكريين اليهود نفخوا في البوق إيذانا بانتهاء الصوم. وجميع طائرات شركة (العال) الإسرائيلية وسفن شركة (زيم) لا تقدم لحم الخنزير. في إسرائيل أحزاب دينية معترف بها ولها وزنها. الزواج المدني غير معترف به لحد أنهم رفضوا إعطاء الجنسية لحفيد بنقوريون؛ لأنه من أم غير يهودية. اللغة العبرية لغة رسمية: درسوا بها الصواريخ, وإفساد الرادار! وضرب الطائرات على المدرجات! وألّفوا بها أدباً نالوا به جائزة نوبل العالمية. في نفس الوقت ولأجل أن تقوم إسرائيل صدروا إلينا عملاء يجعلون لب كفاحهم فصل الدين عن الدولة.. ويصابون بالفالج عندما يسمعون بأن الدستور سينص على أن دين الدولة الإسلام. ويسودون الصحائف في أضرار رمضان على الإنتاج – ونحن أمة مستهلكة والحمد لله-, والذين ألغو شعار الهجوم (الله أكبر) من الجيش ولم يعيدوه إلا بعد النكسة بخمسة عشر شهرا, بينما أول دبابة إسرائيلية دخلت سيناء مكتوب عليها آية من التوراة .. ونصاب بالذين تشغلهم صعوبة اللغة العربية, ويبحثون عن حروف أخرى لها أو عزلها عن مجال العلم بزعم أنها لغة متخلفة .. والعبرية التي انقرضت منذ ألفي سنة أصبحت لغة العلم؛ لأنه لا توجد لغة متخلفة ولغة متقدمة ..إنما توجد أمم متخلفة وأمم متقدمة.. وتوجد أمم عاجزة تفقد الثقة في كل مقوماتها. من هنا فإن الوضع الصحيح بقضية فلسطين هي أنها قضية فلسطينية عربية إسلامية, ولن يقهر التعصب الباطل للتوراة إلا الإيمان الحق بالقرآن, ولن يقهر التآمر العالمي اليهودي إلا حركة بعث إسلامي تحرر فلسطين, وتبدأ في نفس الوقت من خلال وحدة الدم, ومن خلال وضع المبدأ الإسلامي العظيم وهو الجهاد, موضع التطبيق, تتشكل عوامل وحدة الأمة الإسلامية واستكمال مقومات الحضارة الإسلامية.
التعايش السِّلمي معناه سيطرة إسرائيل:
يا أستاذ جلال .. العالم العربي خلال عام ونصف بعد هزيمة حزيران يتحدث عن الحل السلمي والحل السياسي لقضية فلسطين, فما رأيك في هذا الحل السياسي والسلمي؟
أعتقد أننا يجب أن نتكلم بصراحة, فما من أمة تواجه لحظة مصيرية مثل التي تواجهنا الآن, إنّ الاعتراف بإسرائيل, وقبول التعايش السلمي معها يعني بكل وضوح قبول السيطرة الإسرائيلية على المصير العربي. والذين يطالبون بالحل لا يريدون إلا الاستمرار في التسلط على الشعوب العربية في ظل الحماية الإسرائيلية. وكلما طالت حكاية الحل السلمي كلما زاد التفوق الإسرائيلي.
الزمن ليس معنا
ألا يمكن أن يكون الحل السلمي مناورة لكسب الوقت لاستكمال التسلح, كما يقول دعاته؟
هذا ما يروجه أنصار الحل السلمي, وهو استمرار للتفكير التضليلي الذي يزعم أن الحرب تكسب خلال سباق التسلح مع أنه ليس فيهم من يدّعي أن العرب سيحصلون على سلاح لا يمكن لإسرائيل أن تحصل عليه, وواضح من سباق التسلّح أن إسرائيل تتفوُّق دائما مع ظهور احتمال الوصول لتسوية دولية تفرض حضراً على تصدير الأسلحة للشرق الأوسط. ومن ذلك يتضح أننا نخسر عسكريا كلما مر الوقت؛ لأن قوات إسرائيل تصبح أكثر دراية بالأرض المحتلة, وتستكمل معدات أحدث من إمريكا, وفي كل يوم يتضح أنه لا سبيل إلى النصر إلا بأن ندخل عنصرا لا تستطيع إسرائيل استيراده وهو الشعب والأرض, فنقاتل بكل الشعب وعلى كل الأرض. ولكن سياسة الحل السلمي تهدف إلى منع الشعب من خوض المعركة؛ لأنه بصراحة توجد نظم تخشى شعوبها أكثر مما تخشى جيش إسرائيل . إذن هل تعتقد أن العمل الفدائي هو الطريق السليم لتحطيم استسلامية الحل السياسي, وإدخال كل الشعب وكل الأرض في المعركة؟ وهل في إمكان الفدائيين أن يزيلوا إسرائيل من الوجود؟ مؤكد أن العدوان الإسرائيلي الآن قد أصبح من الوضوح بحيث لا يمكن حصره داخل نطاق الحدود الفلسطينية فمصر محتلة ..وسوريا محتلة ..وعندما نتحدث عن العمل الفدائي فإننا نتصوره (فلسطينيا وسوريا ومصريا), ولكن لأنه ليس للفلسطينيين حكومة ولا يتمتعون بنظام ثوري فقد كانوا السابقين إلى حمل السلاح لتحرير أوطانهم. والخطر الحقيقي الذي تخشاه القوى الاستعمارية من نشاط الفدائيين يكمن في حتمية امتداده ليفجر الثورة المسلحة في الوطن العربي ضد الاعتداء الإسرائيلي, وضد الذين يحمون هذا الاعتداء بمنعهم الشعب بمقاتلته. وإن تصوري للمستقبل هو أنّ الحركة الفدائية الفلسطينية ستفجِّرُ الثورة العربية التي بدورها ستحرك البركان الإسلامي القادر على أن يدكّ إسرائيل, ويحرق كل عناصر الضعف والانهيار والهزيمة. لذلك أرى أن واجب كل مسلم الآن, وكل ثوري وكل عربي, وكل فلسطيني, وكل شريف, مهما كان جنسه أو دينه أن يجنّد كل إمكانياته لدعم (منظمة فتح) التنظيم الشرعي والثوري للثورة الفلسطينية. وأن نسحق مؤامرات التعدد والانشقاق والعمليات الصبيانية التي تحركها أسماء ذات تاريخ مريب في بذر الشقاق والانقسام في العراق وسوريا والجنوب العربي.
رأيك في الإخوان:
لنتحول إلى مجال آخر ونسألك عن رأيك في الحركة الإسلامية في مصر؟
أولاً يجب أن أقول: إنني لم أكن يوماً ما منتميا إلى حركة الإخوان المسلمين ولا أزال غير منتميا, ولا شك أن لي بعض التحفظات على ما مر من أحداث..غير أن هنالك أمور تستدعي التأمل: مصرع حسن البنا, وضرب الإخوان عام 1948م أي في المرحلة الأولى من إنشاء إسرائيل .. ثم ضرب الإخوان عام 1954م إلى حد اعتقال 18 ألف إنسان في يوم واحد كما قال الرئيس جمال عبد الناصر أمام المؤتمر القومي قبل عامين من غزو إسرائيل لمصر عام 1956م .. ثم اعتقال الإخوان وإعدام سيد قطب عام 1965م أي قبل عامين من الغزو الإسرائيلي التالي لمصر.. هذه كلها حقائق تستدعي التأمل. ولا شك أنّ شباب الإخوان كانوا القوة الوحيدة المدربة على القتال بين المدنيين المصريين كما شهد بذالك الرئيس أمام المؤتمر القومي. ولا شك أنهم (متعصبون!!) إسلاميا, أي أنهم سيستخدمون خبرتهم العسكرية بدافع من (تعصبهم الديني) لمقاتلة التعصب الإسرائيلي كما حدث في فلسطين عام 1948م. هذه الظواهر يجب أن نعيد فيها النظر, وأن نفكر كيف تدبر هذه المؤامرات قبيل كل غزوة إسرائيلية. وكل يوم يتأكد أنه بغير حركة إسلامية لا يمكن مواجهة التحديات التي تواجه أمتنا, وفي نفس الوقت نجد أن كتابات الغرب اليمينية واليسارية تصب حقدها على الحركات الإسلامية. كل هذا يدفعنا إلى أن نقدر الجهود المخلصة التي كانت تدفع الشباب إلى البحث عن حل إسلامي. وإذا لم يكن قد استطاع الوصول إلى الحل الذي يخلص أمتنا فيجب أن ندرك خطورة وصعوبة المهمة التي تصدى لها, فالحلول ليست جاهزة يمكن استيرادها كما هو الحال في الماركسية. والقوى العالمية المتفوقة بغير حد تتربص بكل محاولة إسلامية .. وشرطة العدو الصليبي سرعان ما تنقض على كل تجمع, ويجب أن نذكر أنه إلى يونيو عام 1967م لم يشنق في العالم العربي غير المسلمين .. بينما إيللي كوهين قبض عليه في مصر عام 1954م وأفرج عنه لعدم ثبوت الأدلة في القضية المعروفة بفضيحة (لاقون), في نفس الوقت الذي كانت فيه المخابرات (صلاح نصر) تعتقل 18 ألف شخص في اليوم الواحد كإجراء وقائي. كل هذا يؤكد صعوبة المهمة التي وهب البعض نفسه لها, ولكن أعتقد أنها لم تذهب هباء .. فلولا جهادهم ومعاركهم لما اهتدى الكثيرون إلى الفكر الإسلامي.
نداء للرفاق القدامى:
وفي ختام حديثنا يا أستاذ جلال, هل تحب أن تقول شيئا إلى أهل السودان؟
أحب أن أوجه كلمة لزملائي في الحزب الشيوعي السوداني الذين عشنا معهم سنوات الجامعة, والذين أعتقد أنهم أفضل الشيوعيين في المنطقة نظرا لثقافتهم العربية وللمناخ الإسلامي الذي يعيشون فيه في السودان .. أرجو من كل منهم أن يسأل نفسه: هل يناضل من أجل تلك الأهداف التي آمن بها في الأربعينيات؟؟ هل انحصرت التقدمية والكفاح في منع إقرار الإسلام كدين للدولة؟؟ إنني أتمنى أن نلتقي مرة أخرى في ميدان القتال ضد إسرائيل .. فهناك في المعركة ستمتحن كل المبادئ وكل الشعرات. فالذي يؤمن أن المستقبل له في هذا الوطن هو الذي سيقاتل من أجل حرية هذا الوطن. وبالنسبة للجنوب .. إنني أسألهم: هل إفريقيا مسلمة متضامنة مع العرب أو إفريقيا غير مسلمة؟ ومع بيافرا, ومع الصهيونية ضد العرب؟؟. حرب الطبقات من أشهر شعارات الشيوعيين: "حرب الطبقات", وبهذه المناسبة قسم أحد الكتاب الروس الشعب الروسي بعد ثورة 1917م فقال: "يتكون شعب الإتحاد السوفياتي من ثلاث طبقات : أ- طبقة موجودة في معسكرات الاعتقال في سبيريا. ب- وطبقة سبق لها أن نفيت إلى هناك. ج- وطبقة ستنفى قريبا
مدونة محمد جلال كشك من شبكة تدوين
تدوين و تدوين نت من انتاج مشروعات عربية
من تدوين نت أيضاً اقرأ عن
آيفون / كيف تعمل الأشياء / الصلاة / اللغة العربية / أمتون - رسوم كتب الأطفال / الغزالي / اقرأ - كتب و كتاب و قراءة و مكتبات / القانون
محمد جلال كشك's Blog
- محمد جلال كشك's profile
- 949 followers
