إعلامنا بين التطرف وأجواء المنطقة


التطرف المعاصر مر بمراحل متنوعة عربيا، لكن حضوره في المشهد السعودي بشكله الجهادي المرتبط بجماعات عابرة للحدود، يعتبر متأخرا في سياق الحالة العربية.. ومع ذلك فقد تجاوز العقدين، بسماته المعروفة وشعاراته والظروف السياسية التي ولد بها. في الحالة الداعشية هناك سمات جديدة ومفاجئة وغرائبية تبدو عبثية، ولا منطقية في أهدافها، وتوقيتها.. بعضها متصل بتطورات التطرف والعنف وله سوابق تاريخية، وبعضها يعبر عن متغيرات نوعية فرضتها الحالة الاتصالية المشاعة بلا حدود.




التطرف المعاصر مر بمراحل متنوعة عربيا، لكن حضوره في المشهد السعودي بشكله الجهادي المرتبط بجماعات عابرة للحدود، يعتبر متأخرا في سياق الحالة العربية.. ومع ذلك فقد تجاوز العقدين، بسماته المعروفة وشعاراته والظروف السياسية التي ولد بها. في الحالة الداعشية هناك سمات جديدة ومفاجئة وغرائبية تبدو عبثية، ولا منطقية في أهدافها، وتوقيتها.. بعضها متصل بتطورات التطرف والعنف وله سوابق تاريخية، وبعضها يعبر عن متغيرات نوعية فرضتها الحالة الاتصالية المشاعة بلا حدود.

أثارت حادثة عيد الأضحى قلقا اجتماعيا للشاب الذي ادعى أنه تابع لتنظيم داعش وفيها قتل ابن عمه. الطريقة التي تم بها تصوير الجريمة، وطبيعة الشاب التي يعبر ظهوره وحديثه عن التقاء السذاجة بكل مكوناتها بعنف بشع مصحوب بأوهام جهادية. مثل هذه الأحداث مثيرة للقلق وقبلها في عيد رمضان الماضي، مع حوادث أخرى متنوعة. وما زال القلق مستمرا، فقبل أيام في حادثة سرقة بنك ادعى الجاني أنه من داعش، وحادثة الابن ذي الـ16 عاما الذي رفع السكين على والده مدعيا أنه داعشي ليخيف والده حول مشكلات عائلية.

ناقش أحد برامجنا الفضائية ذات الشعبية حدث الشاب الذي قتل ابن عمه، كموضوع بالغ الحساسية، والمربك لأي خبير في مثل هذه القضايا. استعديت لمتابعة اللقاء لأهمية الموضوع وغرابته النوعية، فمثل هذه القضايا بحاجة إلى حوارات جادة ومحترمة، تناقش الظواهر بقدر من الوعي والمسؤولية، وتتعامل مع كل حادث بخصوصيته، وتبتعد عن الكليشيهات المكررة، وتطرح أسئلة واعية، تعبر عن متغيرات اللحظة وتحدياتها، لكن للأسف ما حدث شيء آخر، لقد انشغل المختص النفسي والداعية الديني الآخر في اللقاء، بكيل التهم واجترار موضوعات مستهلكة، والتركيز على أشخاص محددين، من بين مئات الأسماء من منتجي الخطاب الديني، وتكرار عرض هذا الاسم أو ذاك بلا داع.. وتحميلهم كل شيء، وبماذا غرد، وماذا قال بالسناب... تعبر عن ملاحقات مشخصنة جدا، ولم يوجه من يدير الحوار الحديث إلى مضمونه المفترض حول حدث بالغ الحساسية، ولم يستفد من اللقاء مع والد الضحية.

من المعيب أن يتم تحويل مثل هذه البرامج إلى حالة إعلامية عكاشية تسطح بها هذه القضايا الحرجة، والتي ينتظر منها أولياء الأمور توعية جادة حول مواجهة جنوح أبنائهم للتطرف، وبدلا من ذلك يتم اجترار معارك عمرها أكثر من عقدين، وتوجيه القضايا بطريقة متكلفة.

لست هنا أريد أن أدافع عن أي شخصية، فالكثير مما أكتبه منذ التسعينات هو في نقد الخطاب الديني.. بقدر أنه يجب احترام عقل المشاهد وعدم استغبائه في مثل هذه الحوارات المشخصنة في رؤية قضايا الإرهاب وما فيها من تداخل معقد.. والتي لن تحل باختراع «ابن سبأ» انتقائي في لحظة معينة لنحمله كل مسؤولية التطرف، نمارس فيه دور البطولات الشخصية.

ترافق هذه المخاطر أجواء إقليمية تزداد خطورتها، وتعاني من توتر طائفي غير مسبوق، وموجهات حربية ساخنة في أكثر من اتجاه. هناك صعوبة لرسم استراتيجية تعامل واحدة مع هذه المتغيرات بين شهر وآخر. عدم القدرة على التنبؤ بمآلات الأمور أربك سياسات دول في ردود أفعالها وتعاملها مع هذه التحديات، والتي لا يمكن مقارنتها بما حدث في الماضي.

ولهذا أمام إعلامنا أكثر من تحد مع تطورات المنطقة.. ومنها المحافظة على المزاج الشعبي العام من الاستقطابات العبثية التي قد تكلف كثيرا، ولا يمكن التحكم بنتائجها، مهما كانت مغرية لإعلاميين للبروز الشخصي، أو البحث عن معارك وبطولات على حساب المجتمع والوطن. الإحساس بالمسؤولية لن يظهر بمثل بعض البرامج التي تحول برنامجها إلى مهاترات موجهة باستضافة مثل هذه الشخصيات بلا فائدة حقيقية في مواجهة الظواهر السلبية.

أكثر ما يخيف الأسرة السعودية اليوم هو التحولات المفاجئة لمراهقين وصغار السن، وهو تحول مختلف عن كل تحولات التي كانت تحدث في مرحلة الصحوة التقليدية، فالتحول في الماضي كان يبدو واضحا على ملامح ابنهم وسلوكه اليومي في حالة تدين شديدة، تطول أحيانا قبل أن تتطور إلى حالة تطرف. التحولات المفاجئة الحالية أكثر إرباكا للأسر! فاللحظة الداعشية اللامتوقعة تظهر فجأة بلا مقدمات واضحة، فلا حضور لعلاقات مشاهدة في حياة الابن اليومية. هذه الأحداث المربكة.. لا تحتمل اجتهادات إعلامية فردية مكلفة مشحونة بمواقف مشخصنة على حساب هموم الوطن وأبنائه.

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on October 10, 2015 06:49
No comments have been added yet.


عبد العزيز الخضر's Blog

عبد العزيز الخضر
عبد العزيز الخضر isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow عبد العزيز الخضر's blog with rss.