القصص المهملة.. في حكاية التطرف


جاء قرار اغتيال السادات في مثل هذا الشهر بالصدفة عندما اعتذر أحد النقباء عن المشاركة في العرض العسكري بسبب حالة ولادة لزوجته، فتم تكليف النقيب خالد الإسلامبولي بالعمل مكانه، في يوم 29 سبتمبر 1981 أي قبل الاغتيال بثمانية أيام، ولم يكن الإسلامبولي منتميا لإحدى الجماعتين الإسلامية أو الجهاد بشكل قاطع، كما يشير لذلك الصحفي محمد أبوزيد في بحث له عن الجماعة الإسلامية.




جاء قرار اغتيال السادات في مثل هذا الشهر بالصدفة عندما اعتذر أحد النقباء عن المشاركة في العرض العسكري بسبب حالة ولادة لزوجته، فتم تكليف النقيب خالد الإسلامبولي بالعمل مكانه، في يوم 29 سبتمبر 1981 أي قبل الاغتيال بثمانية أيام، ولم يكن الإسلامبولي منتميا لإحدى الجماعتين الإسلامية أو الجهاد بشكل قاطع، كما يشير لذلك الصحفي محمد أبوزيد في بحث له عن الجماعة الإسلامية.

كان شقيق خالد الإسلامبولي محمد اعتقل في حملة 5 سبتمبر. وفي تسجيل فيديو قديم منذ الثمانينات يشير محمد أخو خالد إلى تأثير سجنه عليه «لماذا يأخذونني إلى السجن..» وحينها كان في المرحلة الجامعية، عندما علم خالد باختياره توجه إلى محمد عبدالسلام فرج وعبود الزمر ليعرض عليهما إمكانية أن يقوم باغتيال السادات بالعرض العسكري. فبداية الحدث هنا لم تكن نتيجة خطة مبكرة بقدر ما هو ردة فعل شخصية له تبرع بها هو مع أجواء تلك اللحظة التاريخية، وما حدث له داخل أسرته فجاء الانتقام منه بعد شهر واحد.

تعدد المؤثرات في أي ظاهرة لا يناقض خصوصية التجارب الفردية المتنوعة والمؤثرات الخاصة التي دفعت بهذا السلوك أو ذاك. من عوامل ضياع الرؤية المحلية في تصور تحولات العنف وتطوراتها بين مرحلة وأخرى، هو إهمال التمييز بين المؤثرات وتأمل حقيقة التجارب الفردية التي جعلت شرائح متنوعة تلتحق بخط العنف، ولهذا فبيئة الثمانينات تختلف عن التسعينات وهي تختلف عن بداية الألفية، كما لا تتشابه مع العوامل الحالية التي ستتأثر بطريقة معالجتنا للتطرف والإرهاب.

مرور عدة أجيال من هذه النماذج لم يطور هذه الرؤية.. فأصبحت الأعداد الكثيرة في كل مرحلة وكأنها تجربة واحدة مختزلة بعدة أنماط يتم الصراع حولها بين مدافع عنها ومهاجم لها، وتحولت قراءة المؤثرات إلى حالة انتقائية لتوجيه التهم إلى تيار أو فكر أو شخصيات محددة. ولا يريد البعض هذه التفاصيل لأنه تفسد علينا اختزال مثل هذه الظواهر وتوظيفها في سجالات مرحلية.

بالرغم من توفر مئات الأسماء على مدار أكثر من عقدين، لم يتمكن الإعلام من كشف الجوانب الفردية المتنوعة لكل حالة وسبب انخراطها بهذا المسار، واللحظة التي دفعته لذلك، خاصة الشخصيات القيادية، وقد أشير إلى بعض الدراسات التي لها علاقة بمعلومات عن الموقوفين إلا أن هناك شحا حول الأسئلة المهمة، فقد تجد معلومات عامة عنها كالحالة التعليمية، والحالة الاقتصادية، لكن هناك العديد من الجوانب التفصيلية التي لم تنجح التحقيقات الصحفية ولا الدراسات في كشفها للرأي العام.

ولهذا لا تجد هناك أي تطور لدينا لوصف الظاهرة إلا مجرد التحذيرات العامة من خطاب التشدد وتكراره، دون تفاصيل حياتية حول التجارب الشخصية التي صنعت لحظة التحول بسلوك هذا الاتجاه، وحتى الذين تابوا من الفكر الجهادي سواء عن طريق المناصحة أو غيرها لم يتم الوعي بتفاصيل حياتهم. الكثير من هؤلاء لن يستطيعوا كشف تجربتهم الشخصية بعمق دون أن يتوفر الصحفي الذكي في تحقيقاته، والباحث الذي يعرف ماذا يريد، ولديه وعي ثقافي لمجمل الظاهرة الإرهابية وإشكالياتها السياسية والدينية والاجتماعية.

مع تحولات المجتمع مع الصحوة ثم تراجعها، لاحظت بأن كثيرا ممن سرد تجربته عبر وسائل متعددة منذ أكثر من عقد وحتى الآن، اختفت لديهم خصوصية التجربة الذاتية، فتحولت جميع القصص البكائية والهجائية ضد تلك المرحلة إلى نسخ متشابهة.

واقعيا هناك تجربة شخصية لكل فرد في المجتمع، مع موجة الصحوة ومتغيرات تلك المرحلة. هذه التجربة تبدو فيها خصوصية كل إنسان، وفقا لطبيعة حياته، ومستواه المعيشي، والمدينة التي عاش فيها، والحي الذي سكن فيه، والمدارس التي درس فيها، وتطوراته التعليمية، والثقافية، ونوعية أسرته من حيث الوعي والتعليم، ونوعية الزملاء والأصدقاء، وسلوكيات الشخص نفسه في مرحلة المراهقة.. عقلانيته حماقاته.. سرعة تأثره بالآخرين، استقلالية شخصيته.. مئات التفاصيل الشخصية المهملة في سرد هذه الحكايات.

الحكاية الأخرى، التي تختلف عن التجارب الشخصية.. هي حكاية المجتمع نفسه مع هذه الموجة بصورة عامة، وهي حكاية يمكن تقييمها بصورة محددة، وفقا لنوع الخطاب الذي قدم، في الوعظ والتعليم والفتوى.. ونوعية السياسة الإعلامية، ومتغيرات السياسية والاقتصاد وتحولات التقنية.. وسياق كل لحظة تاريخية، وهذه يمكن التعامل معها بمنهجية محددة، وألا يتم خلطها مع خصوصية كل تجربة.

سرد كل تجربة ذاتية يبدو مفيدا للوعي العام، وشهادة للحاضر والمستقبل، عندما تستحضر هذه الجوانب التي قد تبدو هامشية للبعض. غير المفيد أن تصبح كل التجارب سردا مكررا تختلط مع ما هو مشترك بين أفراد المجتمع، وللأسف هذا ما حدث ولا يزال يظهر في مثل هذه الكتابات حتى في عدد من الأعمال الروائية.. خلال عقد حيث فشلت في تعميق رؤيتنا في استقبال المجتمع للموجة الدينية.

      

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on October 17, 2015 07:14
No comments have been added yet.


عبد العزيز الخضر's Blog

عبد العزيز الخضر
عبد العزيز الخضر isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow عبد العزيز الخضر's blog with rss.