ثقافة المسكن: مسؤولية المجتمع أم الجهات الرسمية؟!


كثيرا ما ينشغل الرأي العام بأي تصريحات عن الإسكان وهمومه الشعبية، وتأخذ عدة أيام، وكان آخرها هاشتاق باسم: «ثقافة المواطنين سبب أزمة الإسكان»




كثيرا ما ينشغل الرأي العام بأي تصريحات عن الإسكان وهمومه الشعبية، وتأخذ عدة أيام، وكان آخرها هاشتاق باسم: «ثقافة المواطنين سبب أزمة الإسكان».

وهو اختزال مشوه لحديث الوزير وللفكرة المطروحة، وبعيدا عن طريقة النقل الصحفي وماذا قيل، فالواقع أن مثل هذه الهاشتاقات تعبر عن احتقان مسبق، من خلال خبرة جمعية سابقة لتصريحات مسؤولين في أكثر من قضية مشهورة لدى الرأي العام.

رؤية وزير الإسكان كقادم من مجال التطوير العقاري ليست جديدة هنا، فمن حوارات قديمة ومشاركات تبدو الرؤية لديه متسقة هنا، والواقع أن هذه الفكرة ليست جديدة، فقد بدأ طرحها في الصحف منذ عقدين في التسعينات مع استمرار تراجع النفط حينها، عبر الملاحق الصحفية المختصة بالعقار، وفي كل ندوة ولقاء عقاري يكرر مثل هذا القول بطرق متعددة.

من الناحية المبدئية يجب أن يكون هناك تغيير جذري حول الكثير من المفاهيم حول واقع الإسكان ورؤيته المستقبلية.

المشكلة تبدو في مغالطة تاريخية واجتماعية لا ينتبه لها كثير من المنظرين والكتاب عن العقار والمسؤولين لتحميل المجتمع ثقافة لم يصنعها هو بالأصل، وإنما مصدرها الجهات الحكومية المسؤولة، وهي جهة الممانعة، وليس هدف التوضيح في هذا المقال مماحكة نظرية في توجيه اللوم على من!؟ وإنما توضيح طبيعة الخطأ الإداري والبيروقراطي من أصوله، والذي لا يزال يكرر بعدة طرق، وأن الجهات الحكومية في الأصل هي التي أسست لهذا النموذج، وهي التي كانت وما زالت عندها الممانعة من تغيير ثقافة المسكن وليس المجتمع!في المرحلة الأولى من التغيير الذي حدث بعد طفرة النفط الأولى والانتقال من البيوت الشعبية والطينية، كان في واجهة التغيير العام هو الصندوق العقاري وشروطه المعروفة مع نماذج الأمانات، وقد كان حي الملز بشهرته أحد ملامح هذا التحول المبكر، وما بين السبعينات إلى نهاية الثمانينات خلال عقدين فقط كاد أن يختفي البيت الشعبي والطيني من أغلب المدن السعودية، وهو إنجاز ضخم ما زلنا نشعر بالحنين لنموذج مثل هذه النجاحات بعد كثرة التراجعات والتعثر..في أكثر من مجال، مع تزايد المشكلات الإدارية والتعقيدات البيروقراطية، وضعف ثقافة الإدارة الحكومية بوجه عام.

مع بداية التسعينات وظهور مشكلات اقتصادية بدأت تبرز مشكلة جيل آخر لتأمين السكن، وعدم القدرة عليه، فظهرت مشكلة النموذج المعماري نفسه في العديد من الأخطاء سواء بتصميم الأحياء وتوزيعها والمرافق وملاحظات كثيرة يصعب حصرها وأحتاج العودة لها في مقالات أخرى.

بدأت إعادة النظر في مساحة الفلل حيث اجتاحت المدن ظاهرة فلل الدبلكس لاستغلال بعض المساحات المهدرة، وتقبل ما هو أصغر من المواطنين أنفسهم ومن تجار العقار الذين بدأ البعض منهم بتوفير فلل صغيرة بمساحة تصل إلى 200 مترمربع، وجذبت فئات عديدة، مع كثرة العوائق النظامية وتعطيلها لمثل هذه الأفكار في البدايات، وعندما تنبه المواطن العادي لضرورة استغلال المساحات المهدرة في السطوح والارتدادات في الفلل خاصة للمساحات الصغيرة، أول من يعوق ذلك هي الجهات المسؤولة بتعقيدات لا نهاية لها واستمرت مقاومتها للطلب، فالسطح تأخر استغلاله ولا يستفاد من مساحته رغما عن صاحب الفيلا، ويضطر المواطن للتحايل بعد انتهاء البناء بأن يبدأ بالهدم والبناء لملاحق والاستفادة من الارتدادات الخلفية وغيرها.

لم يعد السكن بالأدوار المفصولة والشقق عيبا اجتماعيا، لكن من الذي عطل بناء العمائر متعددة الأدوار في أحياء وشوارع مدننا ..هل هو المجتمع أم الجهات المسؤولة!؟ لدرجة أن البعض كان يرى هذا المنع بحس مؤامراتي من أجل التوسع الأفقي للمدن وخدمة هوامير الأراضي، تأخر القرار كثيرا بالسماح ببناء أربعة أدوار، وما زال هناك الكثير من العوائق والملاحظات على هذه المسألة.

عندما أنجزت وزارة الإسكان والأشغال العامة بصورتها القديمة في الثمانينات مشاريع إسكان متعددة في أكثر من مدينة نموذج الفيلا من دور واحد أو الشقق في العمائر متعددة الأدوار، تركت لسنوات معطلة وتأخر توزيعها للمواطنين بصورة مثيرة لتساؤل المواطن حينها، ولم تفتح إلا بعد الغزو العراقي للكويت ففتحت للحاجة لها..ثم توزيعها ليس مجانيا وإنما كبديل للقرض العقاري وتنافس عليها الكثير من المواطنين.

نحن الآن في مرحلة جديدة ووعي مختلف، ويطول المقام هنا لسرد الملاحظات الهندسية والإدارية حول ثقافة المسكن السعودي، وللأسف كل محاولات التطوير للاستفادة من المساحات المهدرة هو عائق نظامي، ومما يؤسف له أكثر أن الجهات المسؤولة لم تتدخل إيجابيا عندما عبث البعض بنماذج الفلل لمصلحة الانغلاق على الذات وحجة الخوف الأمني فتحولت إلى ما يشبه صناديق مغلقة..لا هي نموذج عمارة أو فيلا! ولو قارنت الفلل في المرحلة الأولى من التنمية لوجدتها أكثر انفتاحا وأفضل مساحات للحي حيث الأسوار قصيرة جدا ولا توجد الشبابيك الحديدية التي حولت البيوت وكأنها سجون وشوهت الأحياء مع أسوار مرتفعة..أفقد المعنى الحقيقي والمظهر الجمالي لمفهوم الفيلا وتشكيل الحي بصورة عامة..كنا نحتاج تدخل الجهات المسؤولة هنا، حيث اضطر الجميع فيما بعد بتقليد بعضهم البعض، ولا يعرف الكثير من المواطنين الآن سبب كآبة المشي في مثل هذه الأحياء..وأين مصدر التشوهات المعمارية!؟

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on October 31, 2015 07:07
No comments have been added yet.


عبد العزيز الخضر's Blog

عبد العزيز الخضر
عبد العزيز الخضر isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow عبد العزيز الخضر's blog with rss.