حول التناقض في مواقف الإسلاميين
الانتخابات الأخيرة التركية مع تحولات التجربة الإردوغانية، ومواقف الإسلاميين المبتهجة بانتصار حزبه، تعيد إشكالية
الانتخابات الأخيرة التركية مع تحولات التجربة الإردوغانية، ومواقف الإسلاميين المبتهجة بانتصار حزبه، تعيد إشكالية تكرر بمواقع التواصل منذ سنوات، حيث يستنكر خصومهم عليهم هذه المواقف وتناقض القيم لديهم، ففي الوقت الذي يبتهجون ويقفون مع نظام علماني يجيز ممارسة الفاحشة وتعاطي الخمور، وفي الداخل يتشددون مع فروع فقهية وطريقة لبس العباية، ونشرت صورة تغريدة لشخصية تشيد بحجاب زوجة إردوغان، وفي الداخل بتغريدة له أخرى يتعوذ من الانحراف والفضيحة لدى زوجة شخصية محلية كشفت وجهها، وقبل فترة تناقلت مواقع التواصل جزءا من كلمة لمسؤول إسلامي من اتجاه مختلف بمنصب رسمي يشنع على هذه المواقف الإيجابية مع مثل النظام التركي المنحرف في نظره..إلخ.مشكلة هذه الآراء أنها تأتي في سياق مناكفات هزلية متبادلة، فأغلبية من يعرض هذا التناقضات لا يبحث عن إجابة منطقية أو شرعية، وإنما هو منخرط ذهنيا بمعاركه وحساباته التي تقربه لهذه الجهة أو تلك.
لم تظهر هذه الحساسية مع التجربة الماليزية في التسعينات مثلا لاعتبارات مختلفة، بعكس الحالة التركية لوجود إشكالات تاريخية وحزبية مع ضغط تطورات الربيع العربي، واستقطاباته في المنطقة، حيث أثر على الرؤى المعتدلة والموضوعية.
بدايات التجربة الإردوغانية ليست مطمئنة لدى الإسلامي السلفي والحركي في المنطقة لأنها جاءت بضوء أخضر ودعم أمريكي مع مرحلة المحاولات الأمريكية في تسويق إسلام ما بعد سبتمبر، ووظفت حكاية موقع «راند» بصورة مبالغ فيها لتوزيع تهم عشوائية ضد أي رؤية تنويرية حتى لو كانت من التيار الإسلامي نفسه.
هل يوجد تناقض عقلي أو فقهي عندما يؤيد الإسلامي صاحب المواقف المتشددة هنا أي حزب إسلامي أو حتى غير إسلامي يواجه من هو في نظره أشد علمنة وحربا على المحافظة والدين!؟ يمكن للقارئ العودة لبداية سورة الروم وتفسيرها..التي يستحضرها أي متدين لديه فقه شرعي، مع مواقف أخرى في السيرة النبوية.
ولهذا لا يوجد إشكال شرعي بدفع مفسدة أكبر بمفسدة أقل، ولهذا فالسخرية التي تأتي من إسلاميين على إسلاميين بحجة دينية لا معنى لها فقهيا، ومن خلال الرؤية العقلية فليست بحاجة إلى ذكاء زائد.
هل تنتهي القضية عند هذا الحد؟ بالتأكيد لا! فالنخب السلفية والحركية وقياداتهم لديهم رؤى منهجية وحذرة، فهذه المواقف هي مواقف عمومية من الخارج بما فيها التجربة الماليزية..فالمديح الذي يقال هو مديح نفعي محدد لتوظيفها بأن الرؤية الإسلامية قادرة على النجاح، لكن عند التفاصيل تنهار الفكرة الوردية..بمعايير الرؤية السلفية والحركية، فهذه التجارب الإسلامية الناجحة اقتصاديا لا يمكن أن تنجح بدون عقلانية ومرونة عالية جدا..وفقه مختلف تماما عن هذه الرؤية التي يتبنونها في حالات أخرى.
ولهذا لو قدم الإسلامي التنويري تفصيلا لهذه التجارب ليدين بها التشدد الذي يعيق النهضة الشاملة والحضارية بأماكن أخرى، سيتم مواجهته بعاصفة من الردود الشرسة والتهم.
ومع كل هذا تعتبر هذه المواقف السلفية والحركية والمتدينون بصورة عامة والذين يرحبون بهذه التجارب الإسلامية مع تحفظهم على التفاصيل تقدما جيدا مقارنة بأزمنة مضت، فمحليا قبل مرحلة الصحوة كان التشدد الفقهي من الآخر في الرؤية الفقهية التقليدية غير متسامح، وأثر على الوافدين الذين تقمص كثير منهم هذا التشدد.
وبعد مرحلة التأسيس للدولة لم يكن التواصل العلمي مع الخارج منفتحا، حيث تم ترحيل بعض الشخصيات العلمية منذ الخمسينات بسبب آراء فقهية عادية.
ولم يكن هناك سفر لأبرز المرجعيات الفقهية للخارج، وعندما أنشئت رابطة العالم الإسلامي كان الذين يتواصلون مع الآخر أسماء معدودة وليسوا مرجعيات بالفتوى، وتجربة هؤلاء لم تغط بالتصوير كما هو منتشر اليوم.
كانت مسألة الدعوة إلى الله مع وجود معاص في نظر الشيخ المحلي حينها إشكالية فقهية وحدثا فيها خلافات عديدة.
مرحلة خطاب الصحوة بصورة عامة ورث هذا التشدد الفقهي من الآخر وتبناه، وكان موقفه سلبيا مع الذين يخرجون عبر تلفزيون القناة الأولى ببرامج دينية، ويصنفون بدرجة دينية أقل لدى جمهورهم ..وقد كانت حجج الدعاة حينها بأن برامجهم يأتي قبلها منكر وبعدها منكر، هذا المنكر قد لا يدرك أبناء الجيل اليوم ما نوعه، فموسيقى السلام الملكي..إلى أفلام الكرتون وافتح يا سمسم أو مضارب البادية أو مسلسل بدوي أردني..وغيرها كلها منكرات.
أستحضر هذه الأمثلة ليس مبالغة أو سخرية، وإنما لتقريب الصورة الحقيقية للواقع الذهني لوعي دعاة تلك المرحلة.
حدثت تغيرات مستمرة مع حضور الفضائيات الكبير في نهاية التسعينات وتراجع للآراء الفقهية المتشددة وأخذ البعض من الشيخ عبدالعزيز بن باز حينها رأيا يبرر حضورهم في بعض الفضائيات.
عصر النت وتطوراته جعل الكثير من هذه الآراء حول الدعوة في مثل هذه الأماكن شيئا من الماضي، وأصبح هناك قبول لما كان يبدو أنه تناقض في ذهنية المتدين والشيخ القديم مع تغيرات معطيات الواقع.
مع تطورات التصوير ووجوده في كل لحظة أصبح سفر الداعية إلى الخارج ووجوده في بعض المناسبات الخارجية أمام نظر عامة أبناء المجتمع، وسيقارنون بين تشدده هنا وتسامحه هناك تلقائيا، بعضهم يبدو متسقا مع نفسه وخطابه، متسامحا أو متحفظا في الحالتين، ويوجد آخرون لديهم مسافة مضطربة، يبدو التسامح لديهم كبضاعة لدى تاجر شنطة يخرجه حسب الحاجة الشخصية!
عبد العزيز الخضر's Blog
- عبد العزيز الخضر's profile
- 44 followers
