أخطاء في الدعوات واللقاءات الرسمية
أول ما يلفت نظرك في أي ملتقى في مناسبات معينة: ندوات خاصة أو عامة، أو مؤتمرات ولقاءات رسمية مع مسؤولين، هو نوعية الحضور وعلاقتهم الحقيقية بنوعية اللقاء، وهي تقدم رؤية أولية عن وعي المنظمين والجهة المشرفة التي خلف اختيار الضيوف، وقدرتها على استحضار التنوع الذي يخدم الهدف من المناسبة.
أول ما يلفت نظرك في أي ملتقى في مناسبات معينة: ندوات خاصة أو عامة، أو مؤتمرات ولقاءات رسمية مع مسؤولين، هو نوعية الحضور وعلاقتهم الحقيقية بنوعية اللقاء، وهي تقدم رؤية أولية عن وعي المنظمين والجهة المشرفة التي خلف اختيار الضيوف، وقدرتها على استحضار التنوع الذي يخدم الهدف من المناسبة.
بين فترة وأخرى تثار هذه المشكلة والشكوى منها، عبر أحاديث جانبية حول ظواهر مرضية تصاحب هذه المناسبات في كثير من الأنشطة الرسمية في الوطن، ومع ظهور مواقع التواصل بدأت الشكوى تبرز بصورة أكبر، وبعيدا عن بعض الشكاوى المشخصنة جدا، والتي تدور حول ذاتها، فإن هناك ما يستحق مناقشته حول هذه القضية، مع تضخم الخلل وتزايد حالات التمصلح الفردي على حساب أهمية هذه المناسبات.
الحديث هنا ليس تنظيرا عن مثاليات مبالغ فيها، ونزع لدوافع النفس البشرية، فالواقع مليء بالكائنات الطفيلية والتي تعشق الترزز في كل مناسبة، ويبذلون جهودا شخصية من أجل هذا الحضور، فهذه الفئة لا يمكن التخلص منها، لكن هذا يفرض على القائمين بمثل هذه المناسبات التنبه لها حتى لا يطغى هذا الخلل. هذه المناسبات يفترض أنها ليست مجرد لقاءات روتينية بلا رؤية وأهداف تحقق التواصل بين عدة جهات، وشخصيات مؤثرة في مجالها، وإذا لم تنجح في تحقيق الهدف الرئيس منها، وخدمة السياسة الوطنية في عدة مجالات فعلى الأقل يجب ألا تكون مناسبات ذات مردود عكسي.. تكشف هزالة هذه اللجان المنظمة وطغيان العلاقات الجانبية الفردية، على حساب مصالح عليا تحققها مؤسسات وجهات حكومية، فتخلق انطباعات سيئة، وشعور أن النفعية الضيقة أصبحت هي المحرك الأول لكل هذه النشاطات الرسمية.
من المهم ألا تشخصن مثل هذه المسألة في حالة نقدها، فالقضية في أساسها خلل إداري وضيق أفق، وعند إحسان النية هي غفلة وقلة اهتمام بهذا الجانب خاصة عندما يكون المدعوون من خارج الوطن، ودورها في تكوين القوى الناعمة التي تتفهم دور الوطن في إشكاليات وأزمات عديدة. قد يتوهم البعض أن الحديث حول هذه القضية من أجل خدمة الأشخاص بدعوتهم وتقديرهم وأنه يجب ألا تهمل أسماء عديدة ذات قيمة، والواقع غير ذلك فحتى هذه الجهات بحاجة لحضور بعض الأسماء لأنها تضيف لهذه المناسبات مصداقية وإثراء لها. يجب ألا يكون المشرفون على مثل هذه المناسبات الحكومية مقاييس ضيقة للوطنية وفق انطباعات شخصية خاصة.
رداءة وضعف اختيار الأسماء يبدو واضحا في السنوات الأخيرة، مقارنة بالماضي، فمثلا مهرجان الجنادرية أحد المناسبات الوطنية التي حققت نجاحات كبيرة خلال ربع قرن، وكان أهم ما يميز قوتها في الأنشطة الثقافية في مرحلتها الأولى مع نهاية الثمانينات إلى بداية التسعينات نوعية المدعوين من الوزن الثقيل، وتنوع اتجاهاتهم الفكرية في الداخل والخارج، مما حقق للمملكة حضورا مهما في مرحلة ذات حساسية وأزمات سياسية، لكن هذا التميز بدا يضعف في سنواته الأخيرة، وضعف التواصل مع أجيال مختلفة وجديدة في العالم العربي التي تعبر عن تغير المرحلة. بعض هذه المناسبات الوطنية قد تكون فيها نفقات عالية خاصة للمدعوين من خارج المدن التي فيها المناسبة، ومع ذلك تبدو اللامبالاة حول هذه الجوانب التي تحقق الهدف من هذه الملتقيات.
فمشكلة التكرار للشخصيات نفسها من أبرز الملامح في مهرجانات داخلية حيث نسبة عالية من المدعوين يتكرر حضورهم كل عام، كما في مهرجان سوق عكاظ وغيره، وفيما يبدو أن السبب صعوبة التخلص من الجانب البشري فيما يتعلق بدور العلاقات العامة في كثير من الجهات الحكومية، فالفساد هنا غير متصور وغير مرئي لأنه يمارس بطريقة تلقائية، حيث يستحضر قوائم سابقة كل عام باستثناء زيادات بعضها لفزعة لصديق أو نتيجة اتصال هنا وهناك بمن يعرف ليرشح له أسماء بدون وعي وتخطيط مسبق، وإنما لمجرد إنجاز العمل والدعوات على عجل. ويقع في هذا الخلل أيضا كثير من المؤسسات والمناشط الدينية التي تعاني من عزلة ذاتية كبيرة، فهي محدودة التنوع في دعواتها للنخب ومغلقة على ذاتها دون أن تشعر بالخطأ، فمن تدعوه لا بد أن يكون وفق مزاجها واتجاهها الفكري الخاص.
وقد يبرز هذا الخلل حتى على مستوى الأنشطة الخاصة والفردية حيث تقام لقاءات ثقافية أسبوعية أو شهرية في منزل أحد الأعيان في بعض المدن. عندما تتجنب هذه اللقاءات الميول الأيديولوجية والمنافع الشخصية الضيقة سيكون تأثيرها أقوى، ونجاحها أكبر، وقد تتفوق على بعض الأنشطة الرسمية، كما كانت أحدية راشد المبارك.. أبرز النماذج الشهيرة، بدورها التنويري على مدار أكثر من ربع قرن.. لأنها تجربة انفتحت على مختلف الطبقات والاتجاهات الفكرية وتناولت جميع القضايا وهموم الوطن.
عبد العزيز الخضر's Blog
- عبد العزيز الخضر's profile
- 44 followers
