ما الذي يمكن أن تغيره هجمات باريس؟


انشغل العالم لأكثر من عقد ونصف بالمسألة الإرهابية بقيادة الولايات المتحدة، واستهلك طاقات وجهود دول كبرى في قدراتها الأمنية والرقابية والإعلامية لمواجهة هذه العمليات، في المطارات وتشديد إجراءات التنقل في السفارات، ونشر أجهزة المراقبة في كل مكان، ورفع للقدرات الاستخباراتية




انشغل العالم لأكثر من عقد ونصف بالمسألة الإرهابية بقيادة الولايات المتحدة، واستهلك طاقات وجهود دول كبرى في قدراتها الأمنية والرقابية والإعلامية لمواجهة هذه العمليات، في المطارات وتشديد إجراءات التنقل في السفارات، ونشر أجهزة المراقبة في كل مكان، ورفع للقدرات الاستخباراتية.

فما الذي يمكن أن تغيره هجمات باريس، وماذا بقي من إجراءات متسامحة يمكن المساس بها؟ كان الأسبوع الماضي ساخنا بتصاريحه ومطاردات بقايا إرهابيي عملية باريس الذي انتهى قبل يومين بمقتل عبدالحميد أباعود البلجيكي الجنسية، والمشتبه الرئيس في هذه الهجمات.

تحديد هويته أثار تساؤلات بشأن أجهزة الأمن كما يرى «هيو سكوفيلد» مراسل بي بي سي في باريس، فأباعود أحد أبرز الأسماء على قوائم المطلوب القبض عليهم في فرنسا وبلجيكا، وبالرغم من هذا تمكن من السفر من سوريا إلى قلب باريس دون أن يترك أثرا!بعد هذا الانكشاف الأمني طالب وزير الداخلية الفرنسي برنار كازنوف دول أوروبا بضرورة «الاستيقاظ» لمواجهة هذه التهديدات.

ومن تعقب سير أحد المهاجمين الذي فجر نفسه عن طريق بصمات أصابعه تبين أنه مسجل على أنه مهاجر في اليونان.

يفسر «ويليام مكانت» الخبير في شؤون الجهاد والفكر الإسلامي ما نشرته جريدة الحياة عن سبب فشل أجهزة الاستخبارات في رصد الهجمات وتوقعها، باتساع دائرة المراقبة، فالاستخبارات في نظره لا تراقب الكيان فقط، بل تراقب أشخاصا معروفين بأفكارهم الراديكالية أو يميلون لهذه الأفكار، وهذا يجعلها مهمة مرهقة ودائرة واسعة من المراقبة وجمع البيانات.

استمرت الردود الانفعالية حيث صرح يوم الجمعة دونالد ترامب، الساعي للفوز بترشيح الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، بأنه لا يعارض من حيث المبدأ «إنشاء قاعدة بيانات لكل المسلمين» في الولايات المتحدة.

وأنه منفتح للتفكير فيما وصفها «إجراءات مشددة» لمراقبة ورصد الجالية المسلمة.

حتى هذه اللحظة وفي الأيام القادمة ستطرح الكثير من الأفكار الأمنية والتصريحات، وسيكون أكثر المتضررين بعد الأقليات والمهاجرين في الغرب هو المجتمع الغربي ذاته، لتأثيره على الحريات ونوعية الحياة التي صنعتها مؤسساته الديموقراطية.

مهما كانت ظروف المرحلة الساخنة التي تدفع السياسيين للتسابق بمثل هذه التصريحات وكثرة الخطابات للرأي العام، فواقعيا بعد عقد ونصف من الاحترازات، ومرور أحداث أشد من هجمات باريس، لا يوجد في الأفق الكثير مما يمكن تغييره.

لأن المشكلة في أساسها ليست في الخلل الأمني بقدر ما هي بالظروف السياسية التي صنعت مثل هذه التطورات لتمدد العنف، فجميع مكونات الإرهاب وأسبابه الفكرية والدينية لا يمكن أن تعمل بدون ظروف سياسية تسمح لها بذلك.

يشير (فرهد خوسروخافار) إلى أن «25 إلى 30 % ممن ذهبوا إلى الجهاد في سورية والعراق يتحدرون من هذه الأوساط (طبقات وسطى).

وهذه الظاهرة مردها، إلى حد ما، إلى أفول السياسة في الغرب والبحث عن يوتوبيا (مجتمع مُثل)، لكنها وثيقة الصلة بالخوف من خسارة المكانة الاجتماعية (التقهقر في السلم الاجتماعي) والمستقبل.

فيتلقف المرء أول يوتوبيا شاملة يقع عليها بصره.

هذا هو الخلل في الداخل الأوروبي ومشكلته مع الأقليات، أما في العالم العربي فهو تقصير النظام الدولي في معالجة الأزمة السورية، وعجزه عن التحرك بعدالة، مما سمح لمنطق القوة والميليشيات أن تتحرك بالمنطقة التي تركت فضاء مباحا لتدخلات خارجية، كروسيا وإيران وحزب الله ضد خيارات الشعب السوري.

حيث استفاد تنظيم داعش من تناقض وتعارض مصالح إقليمية ودولية كثيرة، أعاقت الوصول إلى حلول سياسية مبكرة في سوريا والعراق قبل ذلك.

خلال هذه المدة الزمنية يزداد وهم التنظيم ومؤيدوه بأن سر البقاء هو قوتهم وليس استعمال القوى الإقليمية لهم كورقة سياسية من أطراف عدة، لأنه لم توجد حاجة مستعجلة للقضاء عليه من مختلف الأطراف بدون تسويات أخرى يتفق عليها.

وحتى الآن لا تزال تصريحات الرئيس الأمريكي باراك أوباما تبدو باردة، ويرى أن الأمر قد يتطلب بضعة شهور حتى تقبل روسيا وإيران والنخبة الحاكمة في سوريا الوصول إلى تسوية بدون بقاء الأسد في السلطة.

ما حدث ويحدث الآن من إرهاب هو ما كانت تدعي الخوف منه الدول الكبرى، لتبرر ترددها بعدم التدخل لحل الأزمة السورية، مع فشل الضربات الجوية بتحقيق أهداف تذكر باستثناء توفيرها شعارات داعشية تشرعن وتبرر فيها نقل عملياتها إلى الخارج «ما دمتم تقصفون لن تعرفوا الأمان وستخافون من مجرد الخروج إلى الأسواق».

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on November 21, 2015 05:35
No comments have been added yet.


عبد العزيز الخضر's Blog

عبد العزيز الخضر
عبد العزيز الخضر isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow عبد العزيز الخضر's blog with rss.