أحاديث المطر المتقطع .. والتنمية
الصور ومقاطع الفيديو التي نشاهدها لثوان أو دقائق معدودة في أجهزتنا الذكية، عبر مواقع التواصل والقروبات، تتضمن مشاهد مؤلمة لغرق شوارع وأحياء في بعض المدن السعودية، وكان آخرها ما شهدته مدينة بريدة، حيث أصبحت بعض الشوارع والأحياء منكوبة فعلا، بعد مدينة جدة. أما العاصمة الرياض فبالرغم من أنها لم تتعرض حتى الآن لاختبار مطري قوي منذ سنوات إلا أنها نسبيا نجحت في مواضع كثيرة خلال الأسبوع الماضي في إدارة الحالة، والقدرة على تشتيت التجمعات المائية بطرق سريعة ومتنوعة.. لكن الفشل البارز ظهر في مخرج 33، وكان تصريح وكيل وزارة النقل للطرق غير مقنع حول هذا الخلل، بأنه حدث «بسبب تدفق مياه السيول المنقول من الأحياء المجاورة إلى الطريق..» فلماذا لم توضع حواجز تمنع هذا التدفق ويوجه لمسارات أخرى.
الصور ومقاطع الفيديو التي نشاهدها لثوان أو دقائق معدودة في أجهزتنا الذكية، عبر مواقع التواصل والقروبات، تتضمن مشاهد مؤلمة لغرق شوارع وأحياء في بعض المدن السعودية، وكان آخرها ما شهدته مدينة بريدة، حيث أصبحت بعض الشوارع والأحياء منكوبة فعلا، بعد مدينة جدة. أما العاصمة الرياض فبالرغم من أنها لم تتعرض حتى الآن لاختبار مطري قوي منذ سنوات إلا أنها نسبيا نجحت في مواضع كثيرة خلال الأسبوع الماضي في إدارة الحالة، والقدرة على تشتيت التجمعات المائية بطرق سريعة ومتنوعة.. لكن الفشل البارز ظهر في مخرج 33، وكان تصريح وكيل وزارة النقل للطرق غير مقنع حول هذا الخلل، بأنه حدث «بسبب تدفق مياه السيول المنقول من الأحياء المجاورة إلى الطريق..» فلماذا لم توضع حواجز تمنع هذا التدفق ويوجه لمسارات أخرى.
علينا أن نتذكر أن مثل هذه المقاطع المحزنة.. لا تنتهي بمجرد إغلاقنا لها، أو إضافة تعليق عابر عليها في موقع التواصل.. نشتم فيه الفساد أو هذه الجهة وتلك، وإنما خلفها أعداد يصعب حصرها من المتضررين من المواطنين في طول البلاد وعرضها، فهناك خسائر خاصة بالممتلكات كبيرة، يدفع ثمنها مواطن عابر لا علاقة له بهذه الأخطاء التنموية، وكل واحد منا معرض لهذه الحالة يوما ما لأنك بمجرد السير بأي مدينة أو شارع قد تقع بالمصيدة. فتكلفة مثل السيارات اليوم على المواطن ليست سهلة مقارنة بدخله الشهري.. وكم غرقت من المحلات التجارية والمنازل بسبب هذه الأخطاء المتكررة في معالجة مسألة تصريف السيول، غير التدمير الذي تحدثه في البنية التحتية لمدننا وتكاليف الصيانة المستمرة على الدولة.
ليس الهدف هنا إضافة مقالة بكائية أو كلام إنشائي نوزع فيه التهم العشوائية، لمجرد الشحن النفسي. فما نحتاجه هو رؤية واقعية للأزمة وتطوراتها التاريخية، فأزمة التصريف لمياه الأمطار أو الصرف الصحي في المدن هي جزء من أزمة تنموية قديمة وما زالت تتكرر حتى الآن لدى الجهات المسؤولة، فالخلل الذي نشاهده الآن في التخطيط الحضري للمدن له أكثر من أربعة عقود، ومرت عليه أجيال عديدة من الموظفين والمسؤولين الذي فارقوا المنصب وبعضهم فارق الدنيا اليوم، ولهذا أحيانا يكون النقد غير موضوعي عندما نوجهه لمسؤول جديد لم يكن له دور في بدايتها، ويراد منه معالجة أخطاء تاريخية في العبث بالأرض والمخططات السكنية، وتفريط بمشاريع الصرف قديما بحجة الميزانية. الإشارة هنا إلى الجانب التاريخي ليس هدفه تبرير للحاضر، وإنما ليساعد على تصور المشكلة التي تكرر الآن وستكرر مستقبلا.
فحتى الآن في كل مرة يظهر حي جديد ومخطط جديد.. باسم أنه مطور وهو في الواقع مجرد شوارع مسفلتة، مع بعض أعمدة الإنارة.. ولا مانع من تزيينه ببعض أشجار النخيل في مدخل الحي السكني لتسويقه على المواطن! في هذه اللحظة الأولية للمواطن هو شراء أرض سكنية، لكن مسألة المطر ومخاطره المستقبلية .. قضية قابلة للتأجيل عند الجميع لأنها مجرد احتمال نادر، وبمجرد إثارتها بمجلس الشراء وقرار البناء يقال لك «يا ابن الحلال.. مهنا إلا العافية».. هذا الذي يغري بارتكاب الخطأ وتكراره، ولا شك أن ندرة الأمطار السنوية حيث لا تتجاوز الأمطار المعتبرة أياما معدودة مرة أو مرتين في العام، هذا هو الذي ما زال يغري الجميع بالتأجيل.
يقارن الكثيرون حالتنا التي جعلتنا نرتكب هذه الأخطاء بدول أخرى تكون الأمطار فيها أغلب أيام العام، وبكميات كبيرة .. ومع ذلك لا تغرق شوارعها، حتى لدى دول فقيرة جدا، مقارنة بمثل هذه الكميات المتواضعة لدينا، وهي مقارنة ليست موضوعية.. فنحن لو كانت لدينا كمية هذه الأمطار السنوية لأخذت بالاعتبار مبكرا، ولما استطاع المسؤول تأجيلها عمليا، وكشفت الفساد سريعا. فندرة الأمطار وتقطعها المتباعد حتى لو تزايد أحيانا وهي ما زالت نادرة فعلا هي أحد الأسباب التي جعلتنا نرتكب هذا الخطأ حكوميا أو فرديا بشراء منازل في مواقع معرضة لتجمع مياه الأمطار، وهو السبب الأول الذي يغري بتأجيلها خلال رصد الميزانية، ولهذا فميزانيات الثمانينات والتسعينات بسبب تراجعها تجاهلت أهمية هذا الجانب ووجدننا الكثير من الأحياء الراقية في العاصمة مثلا تأخر عنها الصرف الصحي عقودا طويلة.
والآن بمجرد تراجع الميزانية مستقبلا سيتراجع حتما هذا الموضوع لصالح أولويات أخرى، ويبدو أن أزمة تصريف السيول والصرف الصحي ستستمر طويلا، ما لم نبدأ بمعالجة أخطاء الماضي بطرق عملية بأسرع وأقل تكلفة حتى وإن كانت غير مثالية، وأن لا نكرر الخطأ في أحياء جديدة.
لقد كانت أزمة الأمطار المتقطعة.. لسنوات طويلة في إطار المقبول والذي يمكن تحمله بين فترة وأخرى، خاصة عندما كانت المدن صغيرة، وهناك مجال لتشتيت الماء بطرق متعددة، بسبب توفر مساحات من أراضي الفضاء المجاورة، لكن بدأنا نشهد أزمة حقيقية في السنوات الأخيرة، وبدأت تصاحبها مشكلات أخرى مع تكاليف الصيانة وتدمير البنية التحتية للمدن، فقد أصبح المطر بعبعا مخيفا للجهات المسؤولة والمواطن.. يضطر معه المسؤول لاتخاذ قرارات تعليق الدراسة في كل موسم وما يسببه من إرباك وتعطيل لحركة الحياة.
عبد العزيز الخضر's Blog
- عبد العزيز الخضر's profile
- 44 followers
