أصوات بنية العمل الحكومي.. والتحول الوطني مبحوحة
هناك خطأ سائد حول قصة عن عبدالعزيز الخويطر أشار إليها غازي القصيبي عندما أصبح الخويطر وزيرا للمعارف في الصباح ووزيرا موقتا للمالية بعد الظهر. في أحد الأيام وقّع الخويطر بصفته وزيرا للمعارف خطابا يطلب من وزارة المالية اعتمادات مالية لتسيير مشاريع تحتاجها وزارته عندما ذهب بعد الظهر لوزارة المالية وجاءه خطاب وزارة المعارف بصفته وزير المالية الآن الذي وقع عليه في الصباح، وعندما قرأ الخطاب رفض طلب الوزارة «يعني رفض طلب نفسه».
هناك خطأ سائد حول قصة عن عبدالعزيز الخويطر أشار إليها غازي القصيبي عندما أصبح الخويطر وزيرا للمعارف في الصباح ووزيرا موقتا للمالية بعد الظهر. في أحد الأيام وقّع الخويطر بصفته وزيرا للمعارف خطابا يطلب من وزارة المالية اعتمادات مالية لتسيير مشاريع تحتاجها وزارته عندما ذهب بعد الظهر لوزارة المالية وجاءه خطاب وزارة المعارف بصفته وزير المالية الآن الذي وقع عليه في الصباح، وعندما قرأ الخطاب رفض طلب الوزارة «يعني رفض طلب نفسه».
الخطأ الذي يفسد طرافة القصة يتم إخفاؤه عند التداول في كثير من المقالات والنت. عمليا هذا الإجراء بهذه الطريقة سيقوم به الخويطر أو غيره، ولهذا استدرك القصيبي، وأكمل هذا المخفي من التداول «.. إلا أن الكائنات البيروقراطية تعرف أن تصرف عبدالعزيز... هو التصرف الإداري السليم. على الوزير بالنيابة أن يتبنى موقف الوزارة التي يشغلها موقتا حتى عندما يختلف عن موقف وزارته الأصلية، وكل وزير بالنيابة مرت عليه تجارب عديدة متشابهة: يكتب طلبا ثم يكتب ردا بالرفض».
يعتمد حدود التفاؤل والطموح عند الحديث عن أي إصلاح إداري لمجال من المجالات على قدرتنا على تصور كيف يعمل الواقع، وما هي حدود التصحيح وفقا للمعطيات، وهل يمكن تمييز المختلف في هذه المرحلة عن السابق، بحيث تتشكل تجربة محلية جديدة يمكن مقارنتها والقياس عليها. من المهم رؤية أي تغيير يحدث من خلال عدة مستويات فهناك تغيير يحدث على مستويات عليا وهناك تغيير يحدث في هيكلة المؤسسات ذاتها، وهناك تغيير يحدث على مستوى الصلاحيات والعلاقة بين الجهات المسؤولة إلخ.
الحديث عن الواقع من الأفضل ألا يستحضر الصورة المثالية المفترض وجودها، لحل جميع المشكلات، وإنما حدود المتاح واقعيا الآن.
ما يبدو جديدا هذا العام 2015 على مستوى رؤية أداء الحكومة هو إنشاء مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية هو مجلس تابع لمجلس الوزراء السعودي، ويبدو كمجلس وزراء مصغر. مع نهاية العام نظمت أمانة مجلس الاقتصاد والتنمية ورشة «برنامج التحول الوطني» ليعرض 14 وزيرا ومسؤولا حكوميا الخطط الخمسية لوزاراتهم، وركز النقاش كما نشر على ثلاث نقاط تبدو رئيسية: هي المجتمع، والأجهزة الحكومية والقطاع الخاص. وإذا كان مجالا القطاع الخاص والمجتمع.. يتأثران بالقرارات والتوجه الرسمي فإن أداء الأجهزة الحكومية محكوم بإطار إداري وبيروقراطي محدد، يصعب أن تؤثر فيه القرارات والمتابعة المباشرة بسهولة.
كثير من النقد الذي يوجه لأداء الأجهزة الحكومية في الصحافة والمجتمع وأحاديثه ناتجة عن أخطاء في تصور كيف تعمل الإدارة الحكومية، والمسار الإداري لكل قضية متراكمة. ولهذا يبدو نقد الفساد عشوائيا. هناك فارق شديد بين من يفهم الخطأ أو الفساد في الإدارة الحكومية الناتج عن عيوب في النظام البيروقراطي أو عن عيوب في الأشخاص.
لهذا يخلط الكثيرون بين نوعية الأخطاء في أي جهاز حكومي، فيلجأ مباشرة لهجاء الموظف الكبير أو الصغير، لأنه لا يفهم الواقع الإداري كيف يتحرك، وعدم تصور كيف يسير العمل الحكومي بما فيهم كثير من المنظرين إعلاميا عن الفساد وأخطاء الدوائر الحكومية. عملت في إدارة مشاريع حكومية لسنوات طويلة، وعايشت تفاصيل المشاريع الحكومية كيف تبدأ كفكرة وكيف تأخذ مسارها الطويل وكيف يظهر المشروع وكيف يتعثر أو يموت نهائيا، وما هي العوامل التي تؤثر على موقف وزارة المالية منها.. في أزمنة الرخاء والشدة. من عمل في مثل هذه الإدارات سيعرف دور وزارة التخطيط، التي تبني أيضا تصوراتها على معلومات ليست بذات الدقة تحت تأثير رؤية كل جهة حكومية وهمومها ومشكلاتها ومتطلباتها عندما نقوم بتعبئة الورق والنماذج القادمة منها، قبل أن تصيغ رؤيتها العامة للخطط الخمسية في كلام مصفوف للإعلام. ولهذا قد تبتسم وأنت تقرأ بعض التصريحات.
أكبر تحد يواجه الموظف الحكومي المسؤول إذا لبس قبعة وزارة معينة هو كيف يقنع وزارة المالية بأهمية المشروع الذي سيعرضه عليها وضرورته، فمثل هذه القضايا تأخذ وقتا طويلا ومفاوضات لسنوات وأخذ ورد لاعتبارات إدارية معقدة. دور المالية هو الممانعة والمناقشة لأي مشروع وعدم الموافقة بسهولة، لأنها جهة محكومة بأولويات مختلفة عن نظرة هذه الجهة الحكومية أو تلك.
ولهذا لو لبست قبعة تمثيل وزارة المالية ستمارس نفس العمل المفترض منها، ولهذا السبب تلجأ الجهات الحكومية عند رفع طلباتها وميزانيتها إلى رفعها بأرقام أكبر لأنها تعرف أن المالية لن توافق عليها كاملة، وأيضا تسارع هذه الجهات على صرف المخصص السنوي المتبقي حتى لا يعود للمالية بطرق متنوعة ولو دققت فيها ستجد أنها غير نظامية من الناحية الشكلية، ويمكن أن تعتبر شبهة فساد عند من يرى العمل من خارجه.
ولو دققت في سيرة أي مشروع متعثر أو مشروع.. لم ير النور أصلا ستجد العديد من الخطابات المتبادلة والملفات المهجورة، تؤرخ لعمر الفكرة المطوية بين الخطابات التي قد تظهر أو تموت منذ البداية. إذا التصحيح في أداء الجهات الحكومية يعتمد على عدة مستويات ولن يصحح من داخل الجهات نفسها التي تناقش في مجلس الشورى وفق تقارير هي تعدها، كما يحدث كل عام. الخلط بين مستويات التصحيح ونوعية القرارات العليا المؤثرة، هو الذي يفقد كثيرا من المحاولات فعاليتها، ونعود للأخطاء التاريخية نفسها، ما لم يتم التنبه لهذه التفاصيل التي لن تراها عيون الصحافة والإعلام التقليدية.
عبد العزيز الخضر's Blog
- عبد العزيز الخضر's profile
- 44 followers
