في توقعات بداية العام
يهتم كثير من وسائل الإعلام العربية والعالمية في نهاية كل عام بالحديث عن أهم أحداث السنة وتوقعات العام المقبل، وأصبح ذلك أحد التقاليد السنوية التي لها جاذبية عند القارئ والمشاهد. الرؤية للمستقبل تؤثر على كثير من قرارات السياسة والاقتصاد، والموقف من الصراعات. هناك عدة مستويات لهذه الرؤية، فالدراسات والخطط المستقبلية الاستراتيجية تقوم بها كل الدول عبر وزارات ومؤسسات التخطيط لديها، وهذا المجال على الرغم من أنه مستقبلي إلا أنه يمكن تصوره عقليا ورقميا، فهو مرتبط بمعطيات الحاضر، لأنه تراكمي، كعدد السكان وتقدير ميزانيات لاحتياجات المستقبل في هذا المجال أو ذاك، وهو يتم على مدى بعيد من السنوات وليس في عام أو عامين.
يهتم كثير من وسائل الإعلام العربية والعالمية في نهاية كل عام بالحديث عن أهم أحداث السنة وتوقعات العام المقبل، وأصبح ذلك أحد التقاليد السنوية التي لها جاذبية عند القارئ والمشاهد. الرؤية للمستقبل تؤثر على كثير من قرارات السياسة والاقتصاد، والموقف من الصراعات. هناك عدة مستويات لهذه الرؤية، فالدراسات والخطط المستقبلية الاستراتيجية تقوم بها كل الدول عبر وزارات ومؤسسات التخطيط لديها، وهذا المجال على الرغم من أنه مستقبلي إلا أنه يمكن تصوره عقليا ورقميا، فهو مرتبط بمعطيات الحاضر، لأنه تراكمي، كعدد السكان وتقدير ميزانيات لاحتياجات المستقبل في هذا المجال أو ذاك، وهو يتم على مدى بعيد من السنوات وليس في عام أو عامين.
وهناك التوقعات المستقبلية القريبة التي تتعلق ببعض الأحداث السياسية وتطورات الصراعات في بعض المناطق، وهذه تمثل المادة الرئيسية لنشرات الأخبار اليومية والتحليلات السياسية، وتتميز بكثرة الأخطاء في رؤية هذه التطورات، خاصة في منطقتنا العربية التي يعتمد فضاؤها السياسي على قرارات فردية، وليس مؤسسات حقيقية.
خلال هذا العام فشلت كل التحليلات السياسية في رؤيتها للمشكلات، وكان أبرزها توقع نهاية تنظيم داعش بعد عمليات التحالف الدولي ضده. وعلى مستوى عالمي فشل كثير من التوقعات الاقتصادية في رؤية حركة سوق النفط مثلا. وعند العودة لأرشيف هذه التوقعات خلال عقدين ستفاجأ بحجم الفشل في قراءة مستقبل السوق.
وهي عادة لا تنجح إلا في مدى أشهر معدودة، أما السنوات فيكاد يكون مستحيلا، وهذه الصعوبة تشبه صعوبة التنبؤ بحركة أسواق المال، وهي عالم من التعقيد الاقتصادي المرتبط بعدد لا يمكن حصره من المتغيرات في العالم، ومرتبط أيضا بقرارات وسلوكيات ملايين المستثمرين في أي مجال، ولهذا يبدو من المضحك أن بعض الاقتصاديين في مجتمعنا يستسهل حكاية التنبؤ بانخفاض أسعار العقار لدينا كل عام، وينسى الجمهور فشله السنوي المستمر، لأنه يدغدغهم بحكاية انخفاض الأسعار، وهي عادة ستباغتهم في انخفاضها كما باغتتهم في ارتفاعها في وقت مختلف.
مجمل توقعات وتحليلات المستقبل لهذا العام وخلال الفترة المقبلة تنتهي عادة بالفشل دون أن يتنبه لها أحد. للكلام عن المستقبل جاذبية، فالطبيعة البشرية ستظل مشدودة لمعرفة ماذا سيحدث في مستقبل أيامها المنظورة.
وإذا كان المستوى السابق من التنبؤات السياسية والاقتصادية يأتي في إطار التنبؤ المنهجي المبني على معطيات وأرقام والبناء عليها، فإن هناك مستوى آخر من التوقعات المبنية على الخرافة والدجل والتنجيم، وله جمهور واسع في العالم، ولهذا يستغل كثير من وسائل الإعلام هذا الجانب، فتحاور المنجمين وتقدمهم للجمهور. هذا الجانب الخرافي وتسويق الدجل لم يتمكن كل هذا التقدم العلمي والتقني في عالم اليوم من إزاحته، فقابلية الإنسان للتصديق بالخرافات كبيرة، فلا زال كثيرون من البشر مهما بلغ مستوى تعليمهم يطاردون هذه الخرافات ويبحثون عنها بدفع أموال طائلة، لمواجهة مخاوفهم وعجزهم أمام المجهول، وحتى رجال السياسة والمال في بعض الدول يلجؤون إليها في قرارات مصيرية.
أما في مجتمعنا فمع أن أحد مقومات خطابه التعليمي والإعلامي والديني هو مواجهة هذه الخرافات والدجل والشعوذة والسحر رسميا وشعبيا، وقد حقق هذا التحصين نجاحا ملموسا في الوعي العام ضدها، لكنه يفشل ولا يزال في مواجهة دجل من نوع آخر يتمدد مع انتشار تقنية التواصل، مما ساعد على كثرة ظهور مفسري الأحلام وأصحاب الرقى الشرعية.
وقد تطور هذا المجال، ووجد له نجوما وجمهورا يبحث عنهم. لقد فشل الخطاب الديني التقليدي الرسمي والشعبي في التحذير من هؤلاء الذين يؤثرون على كثير من البسطاء والعامة في مشكلاتهم الحياتية اليومية، ويخلقون لديهم هواجس وأمراضا وترقبا لما سيحدث.
تطول مناقشة تفاصيل هذا الدجل من الناحية الشرعية والعلمية، لكن أهم أسباب فشل الخطاب الديني في مواجهة هؤلاء هو عدم وجود منهجية صارمة على مستوى الرؤية، للفصل بين المبررات الشرعية ومسألة التطبيق. وستظل هذه المجالات مساحة خصبة للعبث، لأنها ليست مجالا يمكن ضبطه بشهادات ومعايير علمية، وإنما متروكة لحسن النوايا التي تحدد الشخص صاحب الكفاءة من عدمه!
ومن الناحية الاستقرائية يتناقل البسطاء كثيرا من الأخبار والمقاطع عنهم، التي تحاول أن تسوق ما هو مثير من كلامهم، ويتجاهلون الكم الكبير من الأخطاء التي يرتكبونها في تأويلاتهم للرؤى، فقضية فلسطين والقدس حررت عدة مرات بهذه الرؤى الفاشلة، وبعضهم يحدد تاريخا معينا وينسى الناس هذه التخبطات، وحتى المناسبات الرياضية حدد بعضهم من سيفوز! ويتدخل بعضهم في الصراعات السياسية، ويؤولون منامات أشخاص حول نهاية مأساة هنا أو انتصار هناك، في عملية تسيس لهذه المنامات وتبحث عن جماهيرية.. مشابهة لأساليب أهل الدجل والتنجيم.
عبد العزيز الخضر's Blog
- عبد العزيز الخضر's profile
- 44 followers
