الإعلام الأجنبي بالعربي.. وأزمات المنطقة
من الصعب أن تتعامل القنوات والمؤسسات الإعلامية العربية مع أحداث منطقتها بمهنية، فقد كشفت أحداث السنوات الأخيرة ليس تأثر المهنية وميولها، وإنما انخراطها بصورة مباشرة في الحشد والدعاية لرؤى محددة، بحيث لا تختلف كثيرا عن القنوات الرسمية التقليدية باستثناء التطور في جوانب شكلية. لهذا لا تزال قنوات الإعلام الأجنبي الموجهة للمواطن العربي بلغته تفرض حضورها في الفضائيات والمواقع الإخبارية والإذاعية، وتشتد حاجة الإنسان العربي إليها مع تطور أزمات المنطقة في صراعات وحروب إقليمية، حيث تضعف مصداقية الإعلام العربي الرسمي أو التابع لها.
من الصعب أن تتعامل القنوات والمؤسسات الإعلامية العربية مع أحداث منطقتها بمهنية، فقد كشفت أحداث السنوات الأخيرة ليس تأثر المهنية وميولها، وإنما انخراطها بصورة مباشرة في الحشد والدعاية لرؤى محددة، بحيث لا تختلف كثيرا عن القنوات الرسمية التقليدية باستثناء التطور في جوانب شكلية. لهذا لا تزال قنوات الإعلام الأجنبي الموجهة للمواطن العربي بلغته تفرض حضورها في الفضائيات والمواقع الإخبارية والإذاعية، وتشتد حاجة الإنسان العربي إليها مع تطور أزمات المنطقة في صراعات وحروب إقليمية، حيث تضعف مصداقية الإعلام العربي الرسمي أو التابع لها.
عند متابعة هذه القنوات الأجنبية ومواقعها الإخبارية وأسلوب تغطيتها لكل حدث، يبدو السؤال اليوم ضروريا عن حدود مهنيتها ومدى محافظة هذه المؤسسات الأجنبية الموجهة للمواطن العربي على مصداقيتها، وعدم الميل إلى أحد أطراف الصراع بين قوى مختلفة في المنطقة، كما يحدث اليوم في الصراع العربي الإيراني. كثير من الأحداث والتفاصيل اليومية تكشف شخصية وخطاب كل قناة من هذه القنوات عبر أخبارها وتقاريرها ولقاءاتها وبرامجها السياسية، وقد لاحظت في أكثر مناسبة وجود انحياز في بعض برامج هذه القنوات والنشر في مواقعها الإخبارية، تظهر هذه الميول أحيانا عبر بعض الحوارات على قناة «بي. بي.سي» أو قناة «فرانس 24» حيث تحضر شخصية مدير اللقاء وتوجهاته، وأحيانا عبر الصياغة والاهتمام بالخبر كما عند وكالة «رويترز» في موقعها العربي عند أكثر من تحول وصراع في المنطقة، لكن هذا الانحياز يظل محكوما بأداء مؤسسي عريق، ولا يمكن مقارنته بأسلوب الانحياز في القنوات والمواقع العربية الأخرى المكشوف، حيث تتحول مع سخونة الأحداث إلى قنوات توجيه ووعظ سياسي، من خلال اختيارات ضيقة لنوعية الضيوف والحوارات وأسلوب صياغة الخبر وتقديمه.
هذا الانحياز الذي يظهر عبر هذه القنوات والمواقع الأجنبية بالعربي يبدو أن جزءا منه ليس مؤسسيا ومفروضا من أعلى، وإنما بسبب توجهات وجنسية الصحفي والإعلامي العربي الموجود بهذه المواقع، حيث تظهر ميوله الشخصية من خلال بعض الأسئلة وترتيب المواضيع مهما كانت القواعد المهنية المرتفعة التي تقيده بهذه المؤسسات الإعلامية. وعندما نقارن اليوم عمق ورصانة هؤلاء الإعلاميين العرب الجدد الموجودين بهذه المؤسسات الأجنبية مع الأجيال القديمة قبل عصر الانفتاح الفضائي سنجد فوارق كبيرة لصالح العصر السابق. في الماضي كانت خيارات انتقال الإعلامي العربي بالخارج إلى مؤسسات إعلامية عربية أخرى محدودة حيث لا يوجد إلا الإعلام الرسمي، ومن يتواجد في هذه المؤسسات الدولية العريقة فهو مكسب لسيرته الإعلامية ولن يفرط فيها حتى وإن كان المقابل المادي ليس كبيرا، ولهذا لا تتأثر مهنيته بمثل ما تتأثر به اليوم، حيث المغريات والخيارات الأخرى كثيرة، وبعضهم لديه الطموح للانتقال إلى مؤسسات إعلامية أخرى مع أي عرض، فتبدو ميوله السياسية واضحة!
هناك تفاوت كبير في بعض التفاصيل حول مستوى أداء كل قناة وموقع إخباري، وتبدو أهم القنوات والمواقع الإخبارية الأكثر حضورا اليوم في سياق متابعة الصراعات السياسية الإقليمية هي «بي بي سي» ووكالة «رويترز»، وموقع «سي. إن .إن» العربي وقناة «فرانس24» والتي كان لها حضور لافت في السنوات الأخيرة، ثم سكاي نيوز العربية، أما تجربة قناة الحرة فهي باهتة جدا منذ ولادتها قبل عشرة أعوام.
تختلف ظروف المتابع العربي اليوم مقارنة بالماضي لتقدير مدى مصداقية هذه القنوات وموقفها من كل حدث في منطقته، فقد كان محصورا في خيارات صغيرة، مقابل اليوم الذي يستطيع فيه رؤية الحقيقة عبر أكثر من طريقة، ولهذا تنكشف مباشرة ميول هذه القنوات الأجنبية وميول الإعلاميين فيها عند بعض الأحداث. القول التقليدي بأن هذه القنوات والمؤسسات الإعلامية الكبرى تخدم دولها، وبأنها ليست محايدة في رسالتها الإعلامية مهما حاولت الظهور بمظهر مهني ومصداقية عالية، مثل هذه الفكرة ليست اكتشافا خطيرا ومطلوبا، فالسؤال الأهم للمتابع لأي وسيلة إعلامية ليس الحياد المطلق والخلو من أي مكاسب خاصة، وإنما القدر الأكبر من احترام الجمهور وبناء مصداقية عبر الزمن، وهذا ما نجح فيه الإعلام الغربي خلال أكثر من قرن مقارنة بإعلامنا العربي الذي يحترق سريعا عند أقرب أزمة سياسية، فيفرط بسهولة بمعايير كثيرة.
فمع كل الانتشار والحضور للقنوات الفضائية العربية والمواقع الإخبارية، ومع أن هذه الفضائيات العربية الإخبارية قطعت شوطا كبيرا في تواجدها، وكثرة برامجها السياسية فقد فشلت أن تكون بمستوى مهنية هذه القنوات والمواقع الإخبارية العالمية، وأصبحت مجرد معبر عن توجه نظام الدول التي تنتمي إليها، ولهذا لا يزال الإعلام الأجنبي الموجه للمشاهد والقارئ العربي يفرض نفسه، ولا يزال المواطن العربي يعتمد عليه لمتابعة حقيقة ما يحدث حتى في وطنه.
عبد العزيز الخضر's Blog
- عبد العزيز الخضر's profile
- 44 followers
