
“أما الطريق الآخر، فهو الطريق العكسي، أعني طريق الإذعان لمطالب أمريكا، وتقديم الخدمات والتسهيلات لها، وتحقيق مصالحها في المنطقة إلى الحد الذي يأمل أصحاب هذا الطريق أن يؤدي إلى تخفيف انحيازها لإسرائيل، ما دام هناك أصدقاءُ جدد يؤدُّون وظيفة إسرائيل التقليدية، وهي حماية المصالح الأمريكية، هذا الطريق إذن لا يكمن في تهديد مصالح أمريكا، بل في التنافس مع إسرائيل على حماية هذه المصالح، ونظرًا إلى أن الطريق السابق طويلٌ وشاق، ويفترض شروطًا يحتاج تحققها إلى ثورةٍ كاملة، لو حدثت لما عدنا نحتاج إلى هذا التحييد، فإن نوع التحييد الذي يمكن تنفيذه عمليًّا، في ظروف العالم العربي الراهنة، هو النوع الثاني؛ أعني التحييد الاستسلامي، ولهذا التحييد دائمًا ثمنٌ فادح، فما الذي يدفع أمريكا إلى الامتناع عن مساندة إسرائيل أو التخفيف من انحيازها لها؟ إن إسرائيل حليفٌ قوي، يحقق لها مصالحَ ضخمة: ردع قُوَى التحرر في العالم العربي، ضمان تدفق النفط للغرب، صدُّ «الخطر الشيوعي»، وعلى ذلك فالمطلوب منا أن نقوم نحن بأداء هذه الخدمات كلها لأمريكا، حتى تدرك أن مصالحها لا تتحقق على يد إسرائيل وحدها، لا سيما وأن لدينا مزايا خاصة، هي اتساع الرقعة جغرافيًّا، واستراتيجية الموقع، والموارد البشرية والمادية الكبيرة.
هذه هي النظرية التي تبنَّتها المدرسة الساداتية، عمليًّا، وكانت أولى خطواتها هي طرد الخبراء السوفييت إرضاءً لأمريكا، وتلتها خطواتٌ أخرى: منح القواعد أو التسهيلات العسكرية، المشاركة في بعض الحروب الصغيرة لصالح الغرب (زائير والصومال وتشاد وأفغانستان وغيرها)، تغيير اتجاه الاقتصاد بحيث يصبح رهينة للبنوك الأمريكية والدولية، وتأكيد دور القطاع الخاص مع الإقلال من أهمية القطاع العام … الخ.
وهكذا يؤدي الجري وراء سراب «التحييد»، إلى أن يصبح العرب أشبه «بالزوجة الثانية» للزوج الغني والقوي: أمريكا، وككل زوجةٍ ثانية، يتعيَّن على العرب أن يتفنَّنوا في إرضاء أمريكا وإغرائها بالتنازلات حتى تنصرف عن الزوجة الأولى (إسرائيل)، ومع كل ذلك فإن إسرائيل القوية، التي يتسم نظامها بالثبات، ولا يتصف بتقلبات الأنظمة العربية ومزاجيتها، والتي تشارك أمريكا «ديمقراطيتها» واعتمادها على مؤسساتٍ ثابتة، لا على أهواءٍ شخصية؛ إسرائيل هذه هي التي تكسب «الزوج» في النهاية، بعد أن تكون الزوجة الثانية قد أعطت أعزَّ ما تملك!
هذه هي النتيجة التي توصل إليها سياسة «التحييد» عمليًّا، وقد اختبرت هذه السياسة، كما قلت، في حرب أكتوبر، فكانت النتيجة مزيدًا من التدخُّل الأمريكي لصالح إسرائيل، مما جعل السادات نفسه يقول: أوقفت القتال؛ لأنني لا أستطيع أن أحارب أمريكا! ولكن المأساة هي أن نفس اللحظة التي بلغ فيها تدخل أمريكا لصالح إسرائيل ذروته، كانت هي اللحظة التي بلغ فيها هيام أصحاب سياسة «التحييد» بأمريكا أعلى قممه. ومنذ أن بذلت أمريكا أكبر جهد تملكه من أجل تزويد إسرائيل بأضخم كمية من الأسلحة لكي تقتل بها أبناءنا وتحتل أراضينا، أصبحت هي الصديق، ثم الحليف والوليف!”
―
كم عمر الغضب: هيكل وأزمة العقل العربي
Share this quote:
Friends Who Liked This Quote
To see what your friends thought of this quote, please sign up!
0 likes
All Members Who Liked This Quote
None yet!
This Quote Is From
Browse By Tag
- love (100665)
- life (78878)
- inspirational (75349)
- humor (44112)
- philosophy (30694)
- inspirational-quotes (28594)
- god (26782)
- truth (24563)
- wisdom (24365)
- romance (24197)
- poetry (23071)
- life-lessons (22230)
- quotes (20506)
- death (20449)
- happiness (18879)
- hope (18393)
- faith (18265)
- inspiration (17186)
- spirituality (15577)
- relationships (15362)
- religion (15306)
- motivational (15224)
- life-quotes (15144)
- love-quotes (15018)
- writing (14881)
- success (14127)
- motivation (13061)
- travel (12901)
- time (12783)
- science (12002)