رزنامة الأحلام الفائتة
يوم آخر. رسالة أخري. وكلمات أخري تكتب لأشخاص لن يتلقوها. أشباح ماض أتي ثم رحل مسرعا دون أن نستفيق من جلالة حضوره. رحل بلا عودة مخلفا من ورائه بعضا من بهجة الرؤيا، وخيال لحن، وكثير من ألم الرحيل ولوعة الفقد.إذن هي الفوائت. فرص راحلة تورث آلاما، وآمالا في لقاء لا يجيء، وذكريات. أطنان من الذكريات. بسمات وعبرات وكلمات في أوائل النهار تأتي بنسيم البحر الذي لطالما كان حاضرا في المشهد، وأخري في أواخر الليل حينما تصمت الأكوان لتصير كونا، وتصمت الموجودات لتصير عدما، وتصمت الأحاسيس لتتوحد في أعصاب طبلة أذن تتلقي تلك الكلمات بخشوع ناسك.أجلس إلي مكتبي لأؤرخ عمرا قد ضاع مني. قرابة الأربعة والعشرين عاما. لقد هرمت. فعلا أشعر بالهرم. أشعر بآلام الجسد وجراح الروح المثقلة بالهموم وحمل المعرفة قبل السن. أحقا ليست مئتين وأربعين عاما؟ خسارة فادحة وللا شيء.أفتح رزنامة ما. خط آخر لأكتب عليه. سنة أخري تمضي ولا تعود كسطر الرزنامة وقد امتلأ برسمات الحروف ونقوش الذكريات. ماذا جدَّ في أحلامي الضائعة؟ الموتي لا يعودون إلي الحياة يا صاح، لم اللوعة وآلام الذكري؟! لم تعبث خلف ما راح وتأت عليك بالألم من رحم روحك التي تموت رويدا مع كل مرة تطعنها أنت لا أحد آخر؟ أمل مفقود بلا رجعة، لا يستحق كل ما تفعله بنفسك. لكني لا أنصت لذلك الصوت الصائح بي.أأخطأت في اختيار الطريق؟ أكان حريّ بي أن أنتقي ما كان عليّ فعله بحياتي في واقع موحل؟ قلت ما الجدوي؟ وحل بوحل ولا فارق. قلت ما الفارق، لكن الفارق بيّن. أكان عليّ انتهاز فرصا أكثر؟ أكان عليّ أن أواجه وأعترف وأصرخ وأركل؟ أكان عليّ أن أعترض وألعن الأراضي والسماوات والجماد والعباد؟ لكنني أصرخ وأركل وألعن الأراضي والسماوات والجماد والعباد، فلم لا أشعر بشيء؟ لم كل هذه الفراغ والتيه؟إذن هي رزنامة الأحلامة الفائتة. تحفظ بين دفتيها كل ما لم أستطيع أن أنجزه. كل فرصة لم أغتنمها. كل حلم لم ولن يتحقق. كل حب لم يورق ويشتد عوده. وكل شوكة كره ومقت تنامت علي الروح علي مر وتتابع السنين. أكتبها وأرسمها وأنقشها بحبر وخلاصة ذكريات نابعة من دمع كل دقيقة مرت خلال تلك السنة، وقداس الموتي يصدح في الخلفية.لكن الموتي لا يعودون إلي الحياة. ومن ماتت روحه، يظل هائما علي وجهه في أي برّ بين أناس لا يعرفون الشفقة، وإنما يقدرون المادة. يحتاج لكتف يسنده، ويد تربت عليه فلا يجد. يحتاج ليد تعينه علي الطريق، أو يد تعينه ليقطع آخر حبل يربطه بين هذه الحياة والحياة الأخري، فلا يجد. يحتاج ويحتاج ويحتاج، لكنه يعلم أن احتياجه لن يقبل. وأنه يستيقظ صباح كل يوم، يغتسل ويستر البدن بالملبس والروح بالتصنّع والتظاهر، ثم يخرج ليواجه من لن يقدموا له يد العون. كل يوم. ألف يوم. مدي الدهر.
Published on November 10, 2014 12:41
No comments have been added yet.