سليم يكتشف الربيع
سليم يكتشف الربيع
قصة: علياء الداية
قصة من تأليفي للأطفال، نشرت في مجلة ألوان أوروبا
"هيا بنا نختبئ! صاح الجميع مهرولين نحو أطراف البستان، وركض بعضهم إلى ما وراء سور الأحجار. ركض سليم مثلهم وهو يشعر أنه سيستمتع كثيراً بلعبة الاختباء هنا في البساتين مع أبناء أعمامه. السماء الزرقاء ممتدة تلوح فيها غيوم داكنة بعيدة عند خط الأفق، وكان سليم قد تعب من الركض وجلس على العشب الأخضر يفكر في هذا الريف الذي يحبه كثيراً، وقد نسي تماماً أنه يبحث عن مكان يختبئ فيه، وصارت أصوات الأولاد بعيدة جداً.
اللون الأخضر يغطي كل شيء هنا في المرج الشاسع حتى شجرة الجوز، وأزهار الأقحوان تتمايل مع النسيم العليل الذي يحمل قرصة برد من بقايا الشتاء. ولكن لفت انتباه سليم لون أحمر يبرز بين الحشائش، إنها زهرة غريبة لا يذكر أنه رآها من قبل، وقف سليم ومشى نحو الزهرة، فاكتشف وجود المزيد منها هنا وهناك على مرمى البصر.
"يا لها من زهرة جميلة! ستفرح جدتي بها" قال سليم لنفسه، ثم مضى إلى الأزهار يقطف باقة منها، ويضع معها بعض الأعشاب الخضراء، كما يفعل بائع الأزهار القريب من بيتهم في المدينة. وفكّر سليم بوالديه، وبإخوته الذين بقوا جميعاً في المدينة، فهم يقضون وقت عطلة الربيع بالدراسة استعداداً لامتحاناتهم، أما هو فربح فرصة زيارة جدته وأعمامه هنا في القرية.
وفجأة رأى سليم أبناء أعمامه يركضون باتجاه القرية! فسألهم: "هل انتهت اللعبة؟"، فأجابوه: "لا، ولكن الأمطار ستهطل قريباً، انظر إلى تلك الغيمة الكبيرة". وبالفعل كانت تلك الغيمة البعيدة قد اقتربت وهبّت معها الرياح.
صار سليم في البيت، أراد أن يقدم باقة الأزهار إلى جدته، ولكنها كانت في المطبخ تعدّ حساء اليوم. فقال لنفسه: "حسناً، سأعتمد على نفسي". وهكذا ملأ المزهرية الصغيرة بالماء، ووضع فيها الأزهار الحمراء الغريبة، والأعشاب الخضراء. كانت رائحة الحساء شهية وقد انتشرت في البيت كله. وبعد ساعة حين انتهى الغداء قال سليم لجدته: "جدتي الحبيبة، انظري ماذا جلبت لك من المرج اليوم"، والتفت يشير بيده إلى المزهرية، ولكن يا للدهشة! كانت الأزهار ذابلة، والأعشاب كذلك!
شعر سليم بالمفاجأة والحزن، وقال: "ولكنني متأكد من أني وضعت ماء في المزهرية، لماذا ذبلت النباتات؟" احتضنته جدته وابتسمت وهي تقول له: "حفيدي العزيز، هذه شقائق النعمان، وهي أزهار برية، تحب الحياة في الطبيعة، وتشعر بالقوة هناك، ولذلك تكون جميلة بلونها الأحمر القاني. إنها تزين الطبيعة، وليست كغيرها من الأزهار المزروعة أو الورود ذات الأشواك التي يمكنها أن تزين البيوت وأركان المنازل".
فقال سليم: "يا للأسف، لا يمكنني أن أحتفظ بها، يجب أن أذهب كل يوم إلى المرج حتى أراها". كانت السماء تمطر مطراً خفيفاً حين توجهت الجدة إلى مكتبة قريبة من النافذة حيث تبدو الغيوم وقطرات المطر. وقالت له: "تعال إلى هنا يا سليم، سأريك شيئاً. هذا دفتر أحتفظ فيه بالأزهار المجففة، ستحتفظ أنت أيضاً بأزهارك، أحضرها وسنضعها بين دفّتي كتاب حتى تجفّ، وتتذكر هذا اليوم الذي يجمع بين الشمس والمطر وشقائق النعمان".
* نشرت القصة في مجلة "ألوان أوروبا"، أول مجلة فصلية للأطفال باللغة العربية، تصدر في السويد، وتوزع في أوروبا، العدد الأول، آذار 2018
للحصول على المجلة التي صدر العدد الثاني منها قبل أيام، والاطلاع على نماذج من صفحاتها:
https://alwan-eu.se/
قصة: علياء الداية
قصة من تأليفي للأطفال، نشرت في مجلة ألوان أوروبا
"هيا بنا نختبئ! صاح الجميع مهرولين نحو أطراف البستان، وركض بعضهم إلى ما وراء سور الأحجار. ركض سليم مثلهم وهو يشعر أنه سيستمتع كثيراً بلعبة الاختباء هنا في البساتين مع أبناء أعمامه. السماء الزرقاء ممتدة تلوح فيها غيوم داكنة بعيدة عند خط الأفق، وكان سليم قد تعب من الركض وجلس على العشب الأخضر يفكر في هذا الريف الذي يحبه كثيراً، وقد نسي تماماً أنه يبحث عن مكان يختبئ فيه، وصارت أصوات الأولاد بعيدة جداً.
اللون الأخضر يغطي كل شيء هنا في المرج الشاسع حتى شجرة الجوز، وأزهار الأقحوان تتمايل مع النسيم العليل الذي يحمل قرصة برد من بقايا الشتاء. ولكن لفت انتباه سليم لون أحمر يبرز بين الحشائش، إنها زهرة غريبة لا يذكر أنه رآها من قبل، وقف سليم ومشى نحو الزهرة، فاكتشف وجود المزيد منها هنا وهناك على مرمى البصر.
"يا لها من زهرة جميلة! ستفرح جدتي بها" قال سليم لنفسه، ثم مضى إلى الأزهار يقطف باقة منها، ويضع معها بعض الأعشاب الخضراء، كما يفعل بائع الأزهار القريب من بيتهم في المدينة. وفكّر سليم بوالديه، وبإخوته الذين بقوا جميعاً في المدينة، فهم يقضون وقت عطلة الربيع بالدراسة استعداداً لامتحاناتهم، أما هو فربح فرصة زيارة جدته وأعمامه هنا في القرية.
وفجأة رأى سليم أبناء أعمامه يركضون باتجاه القرية! فسألهم: "هل انتهت اللعبة؟"، فأجابوه: "لا، ولكن الأمطار ستهطل قريباً، انظر إلى تلك الغيمة الكبيرة". وبالفعل كانت تلك الغيمة البعيدة قد اقتربت وهبّت معها الرياح.
صار سليم في البيت، أراد أن يقدم باقة الأزهار إلى جدته، ولكنها كانت في المطبخ تعدّ حساء اليوم. فقال لنفسه: "حسناً، سأعتمد على نفسي". وهكذا ملأ المزهرية الصغيرة بالماء، ووضع فيها الأزهار الحمراء الغريبة، والأعشاب الخضراء. كانت رائحة الحساء شهية وقد انتشرت في البيت كله. وبعد ساعة حين انتهى الغداء قال سليم لجدته: "جدتي الحبيبة، انظري ماذا جلبت لك من المرج اليوم"، والتفت يشير بيده إلى المزهرية، ولكن يا للدهشة! كانت الأزهار ذابلة، والأعشاب كذلك!
شعر سليم بالمفاجأة والحزن، وقال: "ولكنني متأكد من أني وضعت ماء في المزهرية، لماذا ذبلت النباتات؟" احتضنته جدته وابتسمت وهي تقول له: "حفيدي العزيز، هذه شقائق النعمان، وهي أزهار برية، تحب الحياة في الطبيعة، وتشعر بالقوة هناك، ولذلك تكون جميلة بلونها الأحمر القاني. إنها تزين الطبيعة، وليست كغيرها من الأزهار المزروعة أو الورود ذات الأشواك التي يمكنها أن تزين البيوت وأركان المنازل".
فقال سليم: "يا للأسف، لا يمكنني أن أحتفظ بها، يجب أن أذهب كل يوم إلى المرج حتى أراها". كانت السماء تمطر مطراً خفيفاً حين توجهت الجدة إلى مكتبة قريبة من النافذة حيث تبدو الغيوم وقطرات المطر. وقالت له: "تعال إلى هنا يا سليم، سأريك شيئاً. هذا دفتر أحتفظ فيه بالأزهار المجففة، ستحتفظ أنت أيضاً بأزهارك، أحضرها وسنضعها بين دفّتي كتاب حتى تجفّ، وتتذكر هذا اليوم الذي يجمع بين الشمس والمطر وشقائق النعمان".
* نشرت القصة في مجلة "ألوان أوروبا"، أول مجلة فصلية للأطفال باللغة العربية، تصدر في السويد، وتوزع في أوروبا، العدد الأول، آذار 2018
للحصول على المجلة التي صدر العدد الثاني منها قبل أيام، والاطلاع على نماذج من صفحاتها:
https://alwan-eu.se/
Published on June 13, 2018 13:08
•
Tags:
الربيع-ألوان-أوروبا-قصة-أطفال
No comments have been added yet.
علياء الداية's Blog
- علياء الداية's profile
- 778 followers
علياء الداية isn't a Goodreads Author
(yet),
but they
do have a blog,
so here are some recent posts imported from
their feed.
