الكثير من الغبار الذي يسكنه الحزن

(1)
لو أنه حزنًا أقل!
لو أنه همًا ينتهي فلا يبدأ أو وجعًا يبرأ بدواء أو بسخاء في عاطفة أو خواء يتبع جلسة تشيع ود وتشبع نفوسنا مودة لو أنه حزنًا أقل ما كنت شاركت غريب سرك الذي ينقض ظهري ويظهر في عبراتي التي تخنق صوتي فلا ألفظك ولا يلفظني الصوت ولا كنت فتشت سر شري الكامن وسحري اللامع الذي يطفئ اللون في عيني ويخفي الابتسامة التي تظهر في جانب فمي!
لو أنه وجعًا أقل ما كانت روحي التي التوت وانا احكى عنك وما كنت تلفظت قصتك ضمن قصص لعالم لا أعرفه كأنها ليست سرديتي وليست سرديتك كأنها سردية لشخص لا يعرفني وأعرفه لشخص لا أملك أن أقص أمره ولكنه يملك.
لو أنه وهمًا أقل وجذبًا أشد وجنونًا أكثر وحنانا أقل ما كانت زوايا تصويري تحنو لك وما كانت ألف ابتسامة ابتسمها كل يوم، لك نصفها، وتملكين النصف الأخر، وما ملكت أن اقتلع ابتسامتك من وجهي دون أن اخلع قناع السعادة من وجهي ليظهر وجهي الحزين الذي شاركته مع الغريب في سخرية قدر لم يملك سوى أن يقدمني وقصتك في مسرح لم يكن فيه سوى ثلاثتنا انا اسرد قصتك وأحزن لها وانت تعصر قلبي بيدك تبتسم والغريب يسمع ولا يدري ما الذي عليه فعله ولما!
لو أنه موتًا أقل لكانت حيواتي السابقة ذات فائدة ولو كانت الدروس السابقة مائعة فالدروس القادمة ماكرة حتى لو كان مكرك أقل! لو أنها سخرية أقل ما كان الغريب شاركني ما يميزني وما كنت شاركتني أنت الغربة عنك ولكن القدر يسخر عندما نريده إلا يفعل ذلك ولا يفعل ذلك عندما ننتظر منه ذات الفعل!
الكثير من الذكريات التي نستدعيها بالكلمات والكثير من الكلمات التي تستعيد لنا حيوات فائتة وحيوات كنا نحلم أن نكونها ونعيشها وأبت هي أن تفعل ذلك. سكن التراب الحزن وسكن الحزن الأمل وسكن الأمل في صحراء مقفلة لا حد لها ولا وصول فهل من طريق إلى أن أحتاط منك فلا أحزن ثانية؟ ولا أمر ثانية في طريقي للألم دون أن أراك أو أصحبك معي في طريقي الذي لا أعرفه ولكنك تعرفه!
(2)
لو أنه قيدًا أقل!
لا أدري من يملأ الجزء الفارغ بداخلي بنظراتك في كل ليلة كي يتسنى لي أن أعبرها، ولا اتخيل كم الكلمات التي تتساقط من نظرتك الحالمة في صورتك التي تبعدني عنك خمس آلاف ابتسامة وذراع واحد يضم كتفي إلى سقف كفايتك فتنهار الكلمات لتشكل حلم يتبخر في صباح الخير منك افتقدتك!
الحيرة التي تسكن أعين العصافير التي هوى قائدها وضل والتي تغمر أسراب الأسماك التي تبحث عن وطنها الضائع فتختار يداك لتدلهما على الطريق الحيرة التي تسكن الماء الذي ينسكب على وجهي صباحًا لأنني لا أحمل نفسي على أن أتركه معك وأذهب وترحمني أنت ألا أصبح بلا وجه وقد أصبحت بلا وطن.
لو لم تكن أنت! ولو لم أكن انا ممن كتب عليهم الحيرة في إن يغمضوا أعينهم فتتعدد الأماكن التي يمكن الذهاب إليها ولكن في كل مرة يختاروك فقط أنت! لو لم تكن أنت من الذين سقطوا مننا في الرحلة قبل أن نصل لخط النهاية، الذين سلكوا طرقًا أخرى واعتقدنا أننا عند الختام سنلتقي – ثم لم نجدهم هناك ولم نجد الطاقة لنسأل أين ذهبوا؟ ولا كيف ذهبوا؟
ولماذا اعتقدنا أن كل الطرق تؤدي إلى هناك؟ ما دمت أنت لست هناك! هل نحن الواصلون حقًا؟ وهذا خط النهاية؟ أم أنهم وصلوا أيضًا إلى نهايتهم؟ التي ليست لنا؟ وما هي النهاية أصلًا؟ ولماذا يستاؤون عندما نعاملهم بالمثل ونخبرهم أن تلك النهاية ليست لنا ولكنها لهم؟
(3)
لو أنها غربة أقل!
لو أنها حبكة أقل من أن تصبح غريب في قصة أغرب في بلدة غريب تسمعها أذان شخص يستكشف ما وراء قصتك ويحاول أن يفطن إلى أن هناك نسق ما يكمن وراء كل شيء وأن القدر لا ينسج الصدف إلا ليروي حكمة أو يصنع حكمة قد لا تظهر لك وقد يمكر فتبدو أن تظهر لك، ولكن السخرية الحقيقة أن أصبح أنا الراوي الغريب وتصبح أنت البطل وتسير الأقدار فقط لأروي ماذا تفعل أنت وتتحكم العقًد وتصبح أنت النقطة للنور ونهاية السرد وبدايته! لو أن حضورك أقل وطئة ولو أن سيرتك أقل عذوبة ولا تدمي ولو حروفك لحين أكتبها لا تنهل من دمي ولا تستعصي علي كي أخفف عنها فتخفف عني الحمل والشدةً لو أنها غربة أقل وتيهًا وشجنًا أقل لكانت الروايات انتهت قبل أن تبدأ وكانت الملامح تنُسى بعد سويعات قليلة من اللقاء ولكن ملامح الحزن تبقى أطول من ملامح الفرح ونصال الذكريات المؤلمة تدلنا على الطريق.

باب ما جاء في الحزن

من ثلاثية الهم
الدوحة
01/10/2019
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on October 02, 2019 07:38 Tags: و_سأظل_أقتفي_أثرك_و_لا_أصل
No comments have been added yet.