ثلاثة فصول من ترجمتي غير المنشورة لرواية «الـصُّمُــود» لستــيــــڤن كِيــنـج 1-2

الفصل الثامن
في الثامن عشر من يونيو، بعد مرور خمس ساعات على حديثه مع قريبه بل هَبسكوم، استوقف چو بوب برنتود رجلًا تجاوز السرعة المقرَّرة على طريق تكساس السريع رقم 40 على بُعد خمسة وعشرين ميلًا تقريبًا شرق آرنت. المُسرع بسيارته هو هاري ترنت من برينتري، موظَّف تأمين. كان يسير على سرعة خمسة وستين ميلًا في منطقة لا يُسمح فيها بتخطِّي حاجز خمسين ميلًا في الساعة. حرَّر له چو بوب مخالفة سير. قَبِلها هاري مُذعنًا ثمَّ ألهى چو بوب بمحاولة بيعه بوليصة تأمين على منزله وحياته. شعر چو بوب أنه على ما يرام، فالموت آخر فكرة في باله. رغم ذلك، صار بالفعل رجلًا مريضًا. حصل على شيء إضافي بجانب البنزين من محطَّة تكساكو لصاحبها بل هَبسكوم، وأعطى هاري ترنت أكثر من مجرَّد استدعاء مروري.
أمَّا هاري، وهو رجل اجتماعي يحب عمله، فقد نقل المرض إلى أكثر من أربعين شخصًا على مدار هذا اليوم واليوم الذي يليه. يستحيل تخمين عدد الأشخاص الذين انتقلت إليهم العدوى بسبب أولئك الأربعين، كأنك تسأل عن عدد الملائكة الذين بمقدورهم الرقص فوق رأس دبوس (1) . إذا تحتَّم عليك إجراء تقدير متحفِّظ يبلغ خمسة لكل فرد، سيصير لديك مائتا شخص. وباستخدام المعادلة المتحفِّظة نفسها في تقديرها، يمكن للمرء القول إن أولئك الأشخاص المائتين سينقلون العدوى إلى ألف، والألف سينقلونه إلى خمسة آلاف، والخمسة آلاف إلى خمسة وعشرين ألفًا.
تحت صحراء كاليفورنيا، وبدعم من أموال دافعي الضرائب، يوجد شخص ما صاغ رسالة متسلسلة نجحت حقًّا في تحقيق مرادها. رسالة متسلسلة شديدة الفتك.
في التاسع عشر من يونيو، ذلك اليوم الذي عاد فيه لاري آندرود إلى مسقط رأسه في نيويورك، وذات اليوم الذي أبلغت فيه فراني جولدسميث والدها بخصوص الغريب الصغير الموشك على القدوم من لدنها، توقَّف هاري ترنت في مقهى بيبز كويك-إيت لتناول وجبة الغداء. تناول شطيرة برجر بالجبنة وقطعة من كعكة بيبز اللذيذة بالفراولة على سبيل التحلية. أصيب بدور برد خفيف، وربما أصيب بحساسية البرد، استمرَّ في العطس واضطرَّ إلى البصق. نقل العدوى على امتداد رحلة الوجبة إلى بيب غاسلة الأطباق، وسائقي شاحنات قاعدين إلى طاولة جانبية بين مقعدين، ومُوصل الخبز، والرجل القادم لتغيير الأسطوانات في صندوق تشغيل الموسيقى. ترك لتلك البنُّوتة الحُلوة نادلته دولارًا بقشيش يغصُّ بالموت.
وفي طريق خروجه، توقَّفت سيارة محطَّات. فوقها حاملة حقائب، وحُملت السيارة حتَّى السقف بالأطفال والحقائب. للسيارة لوحة تسجيل مركبات نيويوركية، والسائق –الذي أنزل زجاج سيارته ليسأل هاري عن كيفية الوصول إلى الطريق السريع الأمريكي 21 بالتوجُّه شمالًا- يتحدَّث بلهجة نيويوركية. أبلغ هاري الرجل النيويوركي بتعليمات بالغة الوضوح حول كيفية بلوغ الطريق السريع الأمريكي 21. كما أصدر في حقِّه وحقِّ أفراد أسرته بأكملهم أوامر بالإعدام دون حتَّى أن يعلم بذلك.
النيويوركي هو إدوارد إم. نوريس، ملازم شرطة، وحدة التحقيقات، القسم السابع والثمانين بمدينة التفَّاحة الكبيرة (2) . كانت تلك أول عطلة حقيقية يحظى بها في خلال خمس سنوات. استمتع هو وأسرته بوقتهم. ذهب الأطفال إلى منتجع سفنث هڤن في ديزني ورلد بمدينة أورلاندو، وعقد نوريس النية على إخبار ذلك البغيض ابن العاهرة ستيڤ كاريلا أنه في الإمكان اصطحاب زوجتك وأبنائك إلى مكان ما بالسيارة وتمضية وقت طيب، دون أن يعلم أن جميع أفراد الأسرة سيموتون بحلول الثاني من يوليو. أراد أن يقول له: يا ستيڤ، ربما تكون محقِّقًا مُجدًّا في العمل، ولكنك رجل غير قادر على حفظ النظام بين أفراد أسرتك، ولا تساوي حفرة تبوُّل مشقوقة في ركام ثلجي.
تناول آل نوريس أكلة سريعة في مطعم بيبز، ثمَّ اتبع تعليمات هاري ترنت الدقيقة إلى الطريق 21. ذُهِلَ إد وزوجته تريش من حسن ضيافة أهل الجنوب بينما الأطفال الثلاثة في المقعد الخلفي يُلوِّنون. دار في خلد إد: على ماذا تنوي زمرة الوحوش في كاريلا.
أمضوا هذه الليلة في موتل واقع في إيوستاس بولاية أوكلاهوما. نقل إد وتريش العدوى إلى موظف الموتل. ونقل الأطفال مارشا وستانلي وهكتور العدوى إلى الأطفال الذين لعبوا معهم في ملعب الموتل، أطفال متجهون إلى غرب تكساس وآلاباما وآركنساه وتينيسي. أصابت تريش السيدتين اللتين تغسلان الملابس في المغسلة الواقعة على بُعد مربَّعي مبانٍ. أصاب إد -في طريقه عبر ممرِّ الموتل للحصول على بعض الثلج- رجلًا صادفه عند المدخل. صار الجميع متورِّطين.
أيقظت تريش إد في الساعات المبكِّرة من الصباح كي تخبره أن الصغير هك مريض. يعاني سعالًا جافًّا شنيعًا بالإضافة إلى الحُمَّى. بدا لها الأمر مثل مرض الخُنَّاق. تذمَّر إد نوريس وأخبرها أن تعطي الطفل بعض الأسبرين. لو كان بمقدور الخُنَّاق اللعين للطفل فقط أن ينتظر أربعة أو خمسة أيام أخرى، لأصيب بها في منزله، تاركًا لإد ذكرى إجازة مثالية (ناهيك بترقُّب كل هذه الشماتة التي خطَّط لها). سمع الفتى المسكين عبر الباب المُوصل وهو يقاسي مثل كلب الصيد.
توقَّعت تريش أن تهدأ أعراض مرض هكتور في الصباح، فالخُنَّاق مرض يستلزم الراحة، ولكن بحلول ظهيرة اليوم العشرين، اعترفت لنفسها أن هذا لم يحدث. لم يسيطر الأسبرين على الحُمَّى، وخلت عينا هك المسكين من الحياة. اتخذ سعاله نغمة هادرة لم تُرِحها، وخرجت أنفاسه مُجَهدة ومعبَّأة بالبلغم. أيًّا كان ما يمُرُّ به، فيبدو أن مارشا تعانيه، هي الأخرى، وأحسَّت تريش بوخزة واهنة مقرفة في مؤخِّرة حلقها كانت تدفعها إلى السعال، ورغم أنه مجرَّد سعال خفيف حتَّى الآن، فهي تستطيع احتواءه بمنديل صغير.
قالت في نهاية المطاف: «علينا اصطحاب هك إلى طبيب».
توقَّف إد بالسيارة في محطَّة وقود وعاين الخريطة المُعلَّقة بمشابك الورق على شمَّاسة سيارة المحطَّات. كانوا في بلدة هامر كروسينج بولاية كنساس. قال: «لا أعرف، ربما يمكننا على الأقل أن نجد طبيبًا يحيلنا إلى اختصاصي». تنهَّد ومرَّر يدًا غضوبة في شَعَره «هامر كروسينج، كنساس! يا للمسيح! أكان لا بُدَّ أن يمرض بشدَّة حتَّى نحتاج إلى طبيب في مكان منعزل لعين مثل هذا؟».
أمَّا مارشا، التي كانت تعاين الخريطة فوق كتف والدها، فقالت: «تقول الخريطة إن چيسي چيمس (3) سرق البنك هنا يا بابا، مرَّتين».
أجابها إد متذمِّرًا: «كس أم چيسي چيمس». صاحت تريش: «إد». ردَّ بـ «آسف» وهو غير آسف على الإطلاق. واصل القيادة.
بعد ست مكالمات هاتفية، والتي تمالك فيها إد نوريس أعصابه بحرص وطواعية، عثر أخيرًا على طبيب في پوليستون سيفحص هكتور إذا استطاع الوصول بحلول الساعة الثالثة. پوليستون واقعة خارج خطِّ سيرهم، على بُعد عشرين ميلًا غرب هامر كروسينج، لكن المهم الآن هو هكتور. اشتدَّ قلق إد عليه. لم ير الولد قط بهذا القدر الرهيب من الذبول.
انتظروا في المكتب الخارجي للطبيب براندن سويني بحلول الساعة الثانية بعد الظهر. حينئذٍ عطس إد هو الآخر، امتلأت غرفة الانتظار في عيادة سويني على آخرها، لن يتسنَّى أمامهم مقابلة الطبيب حتَّى حلول الساعة الرابعة تقريبًا. لم تستطع تريش أن توقظ هك لأكثر من شبه يقظة متثاقلة، وأحسَّت هي نفسها بشيء من الحُمَّى. ستان نوريس وحده، في سنِّ التاسعة، الذي ما يزال بحال جيدة كفاية حتَّى يشعر بالتململ.
في خلال انتظارهم في مكتب سويني، نقلوا المرض الذي سيُعرَف عمَّا قريب عبر أرجاء البلاد المتفسِّخة باسم كابتن تِربس (4) لأكثر من خمسة وعشرين شخصًا، بمَن فيهم سيدة في منتصف العمر جاءت فقط كي تسدِّد فاتورتها قبل أن تمرِّر المرض إلى كل عضوات ناديها للعب البريدچ.
هذه السيدة في منتصف العمر هي مدام روبرت برادفورد، أو سارة برادفورد حسبما تعرفها عضوات نادي البريدچ، أو كوكي كما يناديها زوجها وأصدقاؤها المقرَّبون. لعبت سارة جيدًا في تلك الليلة، ربما لأن شريكتها كانت آنچيلا دوپراي، صديقتها المقرَّبة. يبدو أنهما تتمتَّعان بضرب محظوظ من التخاطر. حيث فازا بجميع الدورات الثلاث بنجاح مدوٍّ، وحققت فوزًا ساحقًا في الدورة الأخيرة. الشيء الوحيد الذي أزعج سارة هو إصابتها على ما يبدو بدور برد خفيف.
خرجت مع آنچيلا من أجل احتساء شراب لطيف في بار كوكتيلات بعد انقضاء السهرة في الساعة العاشرة. لم تتعجَّل آنچيلا العودة إلى المنزل. جاء الدور على ديڤيد كي يعقد جلسة لعبة الپوكر الأسبوعية في منزلهما، فلن تقدر على النوم مع كل هذه الضوضاء الجارية.. إلا إذا حصلت أولًا على مسكن بسيط وصفته لنفسها دون طبيب، وهو في حالتها هذه عبارة عن كأسين من كوكتيل السول چن فِز.
طلبت سارة كوكتيل وارد 8 وتناقشت السيدتان حول لعبة البريدچ التي خاضتاها. تمكَّنا في الوقت الحالي من نقل العدوى إلى الجميع في بار كوكتيلات پوليستون، بمَن فيهم شابَّين يحتسيان البيرة على مقربة. كانا في طريقهما إلى كاليفورنيا -مثلما ذهب لاري آندرود وصديقه رودي شوارتز ذات مرة- سعيًا وراء حظوظهما. وعدهما صديق لهما بوظيفة مع شركة صاعدة. توجَّها غربًا في اليوم التالي، ناشران المرض في مسيرهما.
الرسائل المتسلسلة لا تؤتي أُكلها. هذه حقيقة معروفة. تلك المليون دولار التي يعدوك بها إذا أرسلت فحسب دولارًا واحدًا منفردًا إلى الاسم الموجود على رأس القائمة، ثمَّ يُضاف اسمك في ذيلها، ومن ثمَّ تُمرِّر الرسالة إلى خمسة أصدقاء لا تصل إليهم على الإطلاق. أمَّا هذه الرسالة، رسالة كابتن تِربس المتسلسلة، فقد أبلت بلاء حسنًا. الهرم يُشيَّد بالفعل، ليس من القاعدة صعودًا إلى الأعلى، وإنما من القمَّة إلى السفح، والقمَّة المذكورة آنفًا تتمثَّل في حارس أمني عسكري وافته المنية يُدعى تشارلز كامپيون. كل الدجاجات عادت إلى القنِّ كي تبيت. إلا إنه بدلًا من وجود ساعي بريد يُحضر لكل مشارك بالة تلو البالة من الرسائل، وكل منها تحتوي على ورقة بدولار واحد، فقد أحضر كابتن تِربس معه بالة شرور تتألَّف من غرف النوم التي تحتوي كل منها على جثَّة أو جثَّتين، والخنادق، وحُفر الأموات، وأخيرًا جثث جرفتها المحيطات على كل ساحل، وإلى المحاجر، وإلى أساسات المنازل غير مكتملة البناء. وفي النهاية، بالتأكيد، تتعفَّن الجثث أينما حلت.
عادت سارة برادفورد وآنچيلا دوپراي إلى سيارتهما المركونتين معًا (نقلتا العدوى إلى أربعة أو خمسة أشخاص صادفوهما في الطريق)، ثمَّ تبادلتا القُبلات على الخدود وراحت كل منهما في طريقها. عادت سارة إلى المنزل ناقلة المرض إلى زوجها ورفاقه الخمسة من لاعبي الپوكر وإلى ابنتها المراهقة سامانثا. ومن دون علم والديها، اشتدَّ خوف سامانثا من انتقال عدوى السيلان إليها عن طريق حبيبها. إحقاقًا للحقِّ، فقد أُصيبت به فعلًا. وإقرارًا لحقيقة إضافية، فهو ليس بمرضٍ يستدعي القلق، مقارنة بما منحته إياها والدتها، فالإصابة الجدِّيَّة بالسيلان تماثل في جسامتها الإصابة ببعض الإكزيما في الحاجبين.
في اليوم التالي ستنقل سامانثا العدوى إلى الجميع في حمَّام السباحة في جمعية الشابَّات المسيحيات في پوليستون.
وهكذا.
الفصل الثالث والعشرون
ذرع راندل فلاج، الرجل المُظلم، الطريق السريع 51 جنوبًا بخطوات واسعة، مستمعًا إلى الأصوات الليلية المحتشدة على مقربة من جانبي هذا الطريق الضيِّق الذي سيوصله إن عاجلًا أم آجلًا خارج آيداهو ووصولًا إلى نيڤادا. قد يذهب إلى أي مكان من نيڤادا. من نيو أورلينز إلى نوجالس، من بورتلاند بولاية أوريجون إلى بورتلاند بولاية مين. هذه الأرض وطنه، ولم يَفُقه أحد قط في معرفته بها أو محبته لها. يعرف إلى أين تؤدِّي الطرق، ومشى فيها ليلًا. الآن، وقبل الفجر بساعة، جاء إلى مكان ما بين جراسمير وريدل، غرب توين فولز، كما تقع شمال محمية دك ڤالي (5) الممتدَّة عبر ولايتين، أليس هذا حسن؟
أسرع المسير، وطقطق حذاؤه الطويل البالي على السطح المُعَبَّد للطريق، وإن ظهرت في الأفق أضواء سيارة، يتوارى إلى الوراء ثمَّ إلى الوراء، وصولًا عند حافة الطريق الرخوة عند العشب المتطاول الذي تستوطنه الحشرات الليلية.. فتتخطَّاه السيارة، وربما يشعر السائق ببرودة طفيفة إذا قاد سيارته عبر جيب هوائي، وزوجته وأطفاله النائمين يتقلَّبون مضطربين، كأنما يراودهم كابوس في اللحظة نفسها.
تحرَّك جنوبًا، جنوب الطريق السريع 51، طقطق على الرصيف الكعبان التالفان لحذاء الكاوبوي الطويل حاد الحافتين الذي ينتعله، رجل طويل القامة، لا تُعرف له سنٌّ، يرتدي بنطال چينز باهت يصل حتَّى الخاصرة مع معطف من الدينم. جيوبه محشوَّة بخمسين نوعًا مختلفًا من المواد المطبوعة المتناقضة: مطويات لكل المواسم، فصيحة الصياغة لكل الدواعي. عندما يناولك هذا الرجل وريقة دعائية، فأنت تأخذها بغضِّ النظر عن موضوعها: أخطار المفاعلات النووية، الدور الذي يلعبه الإتحاد اليهودي العالمي في الإطاحة بالحكومات الصديقة، العلاقة بين وكالة الاستخبارات الأمريكية وحركات الكونترا في تهريب الكوكايين (6) ، نقابات المزارعين، شهود يهوه (إذا استطعت الإجابة على هذه الأسئلة العشرة بـ «نعم» فقد حظيت بالخلاص!)، مواطنون سود لأجل المساواة في النضال، قوانين الكلان (7) . معه كل هذا، أكثر. يوجد زِرٌّ على كل من جانبي معطف الدينم. على الجانب الأيمن يوجد وجه مبتسم أصفر. على الجانب الأيسر خنزير يعتمر قبعة شرطي. ثمَّة نقش أسفله بحروف حمراء متقاطرة كي تحاكي الدماء: كيف حال خنزيرك؟
واصل المسير، دون توقُّف، ودون إبطاء، بل بنشاط في قلب الليل. بدت عيناه محمومتين بإمكانات الليل. على ظهره حقيبة أولاد الكشافة، قديمة ومهترئة. ثمَّة صخب قاتم في وجهه، وربما في قلبه أيضًا، هكذا قد تظن، وربما أنت محقٌّ. هذا وجه رجل سعيد لدرجة مقيتة، وجه يشعُّ دفئًا مليحًا مريعًا، وجه يدفع أكواب المياه إلى التكسُّر في أيدي النادلات المُنهكات في موقف الشاحنات، ويتسبَّب في اصطدام الأطفال الصغار بدرَّاجاتهم ثلاثية العجلات في الأسيجة الخشبية ثمَّ يهرعون مستصرخين أمهاتهم بشظايا وتدية ناتئة من رُكبهم، وجه يضمن تحويل مشادات الحانات حول معدَّلات الضربات في مباراة بيسبول إلى معركة دموية.
اتجه جنوبًا، في مكان عبر الطريق السريع 51 بين جراسمير وريدل، واقترب الآن من نيڤادا. سيخيِّم عمَّا قريب وينام لوقت طويل من النهار، ويستيقظ مع حلول الليل. سيقرأ ريثما يُطهى عشاؤه فوق نيران تخييم طفيفة بلا دخان. لا يهمُّ ما سيقرأه: بضع كلمات من رواية إباحية ورقية مهترئة ومنزوعة الغلاف، أو ربما كتاب «كفاحي» أو كومكس للفنان ر. كرامب (8) ، أو واحدة من مقالات الرأي الرجعية التي يكتبها رافعو شعار «أمريكا أولًا» أو أبناء القوميين. عندما يُذكر الكلام المطبوع، ستجد فلاج قارئًا منفتحًا على كل شيء.
عقب تناول العشاء، سيباشر فلاج السير مجددًا، يسير جنوبًا عبر هذا الطريق السريع البديع ذي الاتجاهين الذي يشقُّ هذا القَفر المهجور، يراقب ويشمُّ ويستمع فيما تشتدُّ جدوبة الأجواء، خانقة كل شيء بما في ذلك الدغل العشبي والحشيش المتدحرج، مراقبًا حين تبدأ الجبال في البروز عن الأرض مثل الأعمدة الفقَّارية للديناصورات. بحلول الفجر غدًا أو بعد غد سيشقُّ طريقه عبر نيڤادا، سيُغير أولًا على أويهي ومن بعدها ماونتن سيتي، وفي ماونتن سيتي يوجد رجل يُدعى كريستوفر برادنتن والذي سيرى أنه يمتلك سيارة نظيفة وأوراق ثبوتية لا غبار عليها، ومن ثمَّ ستُبعث الحياة في الأقطار بكل إمكاناتها البهيَّة، كيان تسري في جلده شبكات طرق راسخة مثل الشعيرات الدموية البديعة، على أهبة الاستعداد لاصطحابه، وهو البقعة المظلمة من مادة غير معلومة، إلى أي مكان وكل مكان، القلب، الكَبد، العينين، المخ. كان عبارة عن خثرة تفتِّش عن مكان للتحقُّق، شظية عظمية تتصيَّد عضوًا جسديًّا ليِّنًا تخترقه، خلية طائشة وحيدة تبحث عن قرين لها، بحيث ينتقلان للعيش معًا، ويربِّيان ورمًا خبيثًا صغيرًا يهنأ بدفء الجو الأسري.
طرق بقدمه على الأرض في مسيره، وذراعاه تتأرجحان على جانبيه. كان معروفًا، بل ذائع الصيت، عبر الطرقات السريعة المتوارية التي يسافر منها الفقراء والمجاذيب، كما عرفه الثوَّار المحترفون الذين تعلَّموا إتقان فن الكراهية حتَّى بانت كراهيتهم على وجوههم مثل المصابين بالشفة الأرنبية، ولم يعد يرغب فيهم سوى آخرين من أمثالهم، والذين سيرحبون بهم في غرف رخيصة زُيِّنت جدرانها بالشعارات والملصقات، وفي أقبية توجد فيها أمتار مديدة من الأنابيب المقصوصة داخل ملازم مبطَّنة في أثناء حشوها بمتفجِّرات شديدة الانفجار، وفي غرف خلفية تُرسم فيها مخططات مخبولة: مثل اغتيال عضو بالمجلس الاستشاري الرئاسي، أو اختطاف ابن شخصية مرموقة في زيارة للبلاد، أو اقتحام غرفة اجتماعات شركة ستاندرد للبترول ومقاطعة الاجتماع بالقنابل اليدوية والرشاشات الآلية ثمَّ القتل باسم الشعب. كان معروفًا في تلك الأرجاء، بل يكفي الأجن بينهم مجرَّد النظر إلى وجهه القاتم المبتسم من زاوية مائلة. تقبَّلته النساء اللواتي اصطحبهن إلى الفراش -حتَّى حين يُقلِّصن الجماع إلى شيء عارض يشبه الإتيان بوجبة خفيفة من الثلاجة- بتصلُّب في الجسد وتخلٍّ عن رباطة الجأش. تعاملن معه مثلما قد يتعاملن مع كبش بعينين ذهبيتين أو كلب أسود، وحين يفرغ منهن يعتري أجسادهن البرد، البرد الشديد، حتَّى يبدو من المستحيل أن يشعرن بالدفء ثانية. حين يقتحم اجتماعًا، تنقطع الثرثرات الهستيرية، بما في ذلك من غيبة واتهامات واتهامات مضادة وطنطنة إيدولوچية. لهُنيهة يخيِّم الصمت المطبق ثمَّ يهمُّوا بالالتفات إليه فيبتعدون، كأنه جاء إليهم حاملًا كالطفل بين ذراعيه محرِّك دمار قديم ومفزع، شيء أسوأ ألف مرَّة من قنبلة بلاستيكية صنعها دارسي كيمياء مارقين في معمل تحت الأرض أو أسلحة من السوق السوداء حصلوا عليها من رقيب طماع في وحدة إمداد عسكرية. يبدو أنه أتاهم بأداة صدئت بالدماء وخُزِّنت لقرون في كوزمولاين من الصرخات والآن أصبحت جاهزة من جديد، حملها إلى اجتماعهم مثل هدية جهنَّمية، كعكة عيد ميلاد مُزيَّنة بشموع من النتروجلسرين. وحين استأنفوا الحديث، جاء عقلانيًّا ومنضبطًا –بنفس درجة عقلانية وانضباط أحاديث المجانين- وتوافقوا حول شتَّى الأمور.
تبختر في مشيته، وقدماه مرتاحتان في حذائه الطويل، اللتان انطلقتا في كل الأماكن المناسبة. قدماه وهذا الحذاء الطويل عاشقان قديمان. عرفه كريستوفر برادنتن في ماونتن سيتي باسم ريتشارد فراي. عمل برادنتن مرشدًا في إحدى خطوط مترو الأنفاق التي ينتقل عبرها الأشخاص الهاربون. رأت اثنتي عشرة منظَّمة مختلفة أن برادنتن معه أموال، بداية من جماعة وذرمن أندرجراوند (9) وصولًا إلى فرقة جيفارا. كان شاعرًا يُدرِّس فصولًا أحيانًا في الجامعة المجانية، أو سافر غربًا عبر ولايات يوتا ونيڤادا وآريزونا، مخاطبًا طلاب فصول اللغة الإنجليزية بالمدارس الثانوية، فاتنًا عقول أولاد وبنات الطبقة المتوسطة (حسبما أمِلَ) بأخبار تفيد أن الشِّعر حي، ويعاني يقينًا من الخدار، ولكن ما زالت تستحوذ عليه حيوية مقيتة بعينها. كان في أواخر خمسيناته حاليًا، لكن برادنتن فُصِلَ من كلية كاليفورنيا منذ قرابة عشرون عامًا بسبب تقاربه الشديد مع منظمة ط. م. د. (10) . قُبِضَ عليه في خلال مؤتمر خنزير شيكاجو الكبير في العام 1968 (11) ، فتبيَّنت صلاته بجماعة راديكالية تلو الأخرى، معتنقًا في البدء جنون هذه الجماعات، ثمَّ تحوَّل إلى لقمة سائغة.
سار الرجل المُظلم وابتسم. برادنتن يشكِّل مجرَّد طرف في قناة واحدة، حيث يوجد الآلاف منها، الأنابيب التي يتحرَّك عبرها المجاذيب، حاملين كتبهم وقنابلهم. الأنابيب مترابطة، واللافتات متخفِّية لكنها مقروءة بالنسبة إلى الأعضاء الجدد. في نيويورك، عُرف باسم روبرت فرنق، ولم يشكِّك أحد في ادعائه أنه رجل أسود، رغم أن بشرته فاتحة جدًّا. نجح بمعاونة رجل أسود من أبطال نام (12) -وقد امتلك الرجل الأسود كراهية أكثر من كافية لتعوِّضه عن قدمه اليسرى المفقودة- في قتل ستة شرطيين في نيويورك ونيو چيرسي. أمَّا في چورچيا، فعُرف باسم رامزي فورست، سليل لعائلة ناثان بدفورد فورست (13) من بعيد، والذي شارك وهو مرتدي ملاءته البيضاء (14) جريمتي اغتصاب، وإخصاء، وإحراق منطقة عشوائية يسكنها النيجرو. لكن هذا حدث منذ زمن بعيد، في مطلع حقبة الستينيات، في خلال الحركة الأولى للحقوق المدنية. راوده الظن أحيانًا أنه ربما وُلد مع نشوب هذا الصراع. لم يتذكَّر على وجه اليقين ما حدث له قبل ذلك، فيما عدا قدومه بالأساس من نبراسكا وحضوره فصول المدرسة الثانوية ذات مرَّة مع ولد أصهب معوج الساقين يُدعى تشارلز ستاركويذر (15) . تذكَّر بصورة أوضح مسيرات الحقوق المدنية في العامين 1960 و1961: الضرب، والجولات الليلية، والكنائس التي انفجرت وكأن معجزة بداخلها تنامت لدرجة فاقت أي مقدرة على احتوائها. تذكَّر مسيره على غير هدى إلى نيو أورلينز في العام 1962، ومقابلة شابٍّ معتوه يوزع منشورات تحث أمريكا كي تدع كوبا وشأنها. كان هذا الرجل شخصًا بعينه نعرفه بالسيد أوزوالد (16) ، وقد حصل على بعض من منشورات أوزوالد وما زال بعضها في جعبته داخل إحدى جيوبه القديمة، قديمة جدًّا ومجعَّدة. اتخذ مقعدًا في مائة لجنة مختلفة من اللجان المسؤولة. شارك في مظاهرات ضد المجموعة نفسها من الشركات في مائة حرم جامعي مختلف. كتب أكثر أسئلة مربكة وردت على مسامع أصحاب النفوذ عندما يلقون المواعظ، لكنه لم يطرح هذه الأسئلة بنفسه قط، لعل تجار النفوذ رأوا في وجهه المبتسم المحترق سببًا للإحساس بالذعر ولاذوا بالفرار من المنصَّة، وعلى المنوال نفسه، لم يتحدَّث قط في المسيرات لأن الميكروفونات كانت ستصيح بصدًى هستيري، وتحترق الدوائر الكهربية. لكنه كتب خُطب لأولئك المتحدِّثين، وفي أكثر من مناسبة، انتهى المطاف مع هذه الخطب إلى أعمال شغب، وسيارات منقلبة، وإعلانات عن إضرابات طلابية، ومظاهرات عنيفة. تعرف لفترة في مطلع السبعينيات على رجل يُدعى دونالد ديفريز، واقترح على ديفريز أن يتخذ لنفسه اسم سينكيه. ساعد في رسم الخطط التي أدَّت إلى اختطاف سيدة وريثة لثروة طائلة، وهو من اقترح أن تُدفع هذه الوريثة إلى حافة الجنون بدلًا من الاقتصار على طلب الفدية (17) . غادر منزل لوس آنچلوس الصغير الذي حُمِّرَت فيه جثث ديفريز والآخرين قبيل اقتحام الشرطة للمنزل بأقل من ثلث ساعة، وانسحب بهدوء إلى الشارع، وحذاؤه الطويل المنتفخ المُتَرَّب يطقطق على الرصيف، مع ابتسامة نارية على وجهه دفعت الأمهات كي ينتزعوا أبناءهم ويشدُّوهم ناحية المنزل، ابتسامة أشعرت النساء الحوامل بآلام المخاض قبل الأوان. وفيما بعد، عندما انجرفت قلة من أفراد فرقة تاترد رمنانتس، كل ما عرفوه أن هناك شخصًا آخر رافق المجموعة، شخصًا مهمًّا ربما، مصلحجيًّا ربما، رجلًا بلا سنٍّ معلومة، رجل يُدعى الرجل المَشَّاء، وأحيانًا البُعبُع.
تبختر في مشيته بإيقاع ثابت يتغذى على الأرض. كان منذ يومين في لارامي بولاية وايومنج، فردًا ضمن جماعة تمارس أعمالًا تخريبية للحفاظ على البيئة، والتي فجَّرت محطَّة لتوليد الطاقة. اليوم سار على الطريق السريع 51، بين جراسمير وريدل، متجهًا إلى ماونتن سيتي. غدًا سيصير في مكان آخر، وصار أسعد من ذي قبل لأن..
توقَّف عن المسير.
لأن شيئًا ما قادم. أحسَّ به، وذاق طعمه تقريبًا في نسمات الليل. استطاع تذوُّقه. طعمٌ سخاميٌّ حارٌّ آتٍ من الأرجاء كافَّة، كأن الرب يُعِدُّ وليمة في الهواء الطلق، والحضارة بأسرها ستصير الشواء. الفحم مشتعل بالفعل، أبيض ومتفتِّت من الخارج، وأحمر مثل حُمرة عيني الشيطان من الداخل. حدث كبير، حدث جلل.
اقتربت ساعة تجلِّيه. سيُولد للمرَّة الثانية وسيُدفع به خارج مِهبل وحش هائل ترابي اللون على وشك الولادة، راقدًا الآن مع الانقباضات المؤلمة، وساقاه تتحرَّكان ببطء مع تدفُّق دماء النفاس، وعيناه الحاميتان كالشمس تسطعان في الخواء.
وُلد حين تغيَّرت الأزمان، وستتغيَّر الأزمان من جديد. هذا ما كُتب على الرياح، رياح أمسية آيداهو الرقيقة هذه.
اقتربت ساعة ولادته الثانية. عرف ذلك. وإلا فلأي سبب آخر سيمارس سحره على حين غِرَّة؟
أغمض عينيه، تطلَّع وجهه الحارُّ قليلًا ناحية السماء المُظلمة التي تتحضَّر لاستقبال الفجر. ركَّز، وابتسم. بدأ الكعبان المُتَرَّبان التالفان لحذائه الطويل في الارتفاع عن الطريق. إنش واحد. إنشان، ثلاثة إنشات. اتسعت ابتسامته فصارت عريضة. ارتفع الآن بمقدار قدم، ثمَّ قدمين عن الأرض. تعلَّق بثبات فوق الطريق وتطايرت حفنة تراب من تحته.
ثمَّ شعر بأولى خطوات الفجر ملونة السماء، ثمَّ أنزل نفسه ثانية. لم يَحِن الوقت بعد.
لكنه وشيك.
استأنف المسير من جديد، مبتسمًا، مفتِّشًا الآن عن مكان يستلقي فيه نهارًا. اقترب الموعد، وكفاه الآن معرفة ذلك.
الفصل الثامن والثلاثون
مع انحسار وباء الإنفلونزا الفائقة، ظهر وباء ثانٍ واستمرَّ قرابة الأسبوعين. تفشَّى هذا الوباء أكثر في الدول المتقدِّمة تقنيًّا مثل الولايات المتحدة، وقل تفشِّيه في الدول المتخلِّفة مثل پيرو والسنغال. في الولايات المتحدة، قضى الوباء الثاني على قرابة 16% من الناجين من الإنفلونزا الفائقة. أمَّا في دول مثل پيرو والسنغال، فلم تَزِد هذه النسبة عن 3%. لم يحمل الوباء الثاني اسمًا نظرًا للتباين الشاسع في الأعراض من حالة لأخرى. ربما سيطلق عالم اجتماع مثل جِلن بيتمان على هذا الوباء الثاني «الوفاة الطبيعية» أو «موسيقى بلوز قسم الطوارئ». ربما يقول البعض بحسٍّ دارويني صارم إنها التصفيات النهائية، أكثر تصفيات عديمة الرحمة على الإطلاق.
***
كان سام تاوبر يبلغ من السنِّ خمس سنوات ونصف. ماتت أمُّه في الرابع والعشرين من شهر يونيو في المستشفى العمومي بمدينة مورفريسبورو في چورچيا. في اليوم الخامس والعشرين، مات والده، وأبريل، شقيقته الصغرى ابنة العامين. في اليوم السابع والعشرين من شهر يونيو، توفِّي شقيقه الأكبر مايك، تاركًا سام يحاول التصرُّف بمفرده.
عانى سام من صدمة منذ وفاة والدته. جال ذهابًا وإيابًا على غير هدًى في شوارع مورفريسبورو، يأكل حين يجوع، ويبكي أحيانًا. بعد مدَّة توقَّف عن البكاء، لأن البكاء لم يُفِده بشيء، لم يُعِد إليه البشر. في الليل يتقطَّع نومه إثر كوابيس شنيعة يموت فيها بابا وأبريل ومايك مرارًا وتكرارًا، وجوههم منتفخة ومسودَّة، مع أصوات خشخشة مخيفة داخل صدورهم وهُم يختنقون بمخاطهم.
في الساعة العاشرة إلا ربع صباح الثاني من يوليو، جال سام في حقل عليق برِّي أسود خلف منزل هاتاي رينولدز. مشدوهًا وبعينين غير مكترثتين، تعرَّج في المسير بين شجيرات العليق التي تفوقه طولًا ضعفين تقريبًا، وقطف العليق وأكله حتَّى تلطخَّت شفتاه وذقنه بالسواد. شقَّت الأشواك ثيابه وجرحت في بعض الأوقات جلده المكشوف، لكنه يكاد لم يلحظ ذلك. طنَّ النحل متكاسلًا من حوله. لم يلحظ قط غطاء البئر القديم المتسوِّس شبه المدفون بين العشب الطويل وتعريشات العليق الأسود. انهار الغطاء تحت وطأة ثقله فتحطَّم بصرير وانشقاق، وسقط سام عشرين قدمًا نحو القاع اليابس عبر الفتحة المسوَّرة بالصخور فانكسرت ساقاه. مات بعدها بعشرين ساعة من الخوف والبؤس بالقدر نفسه إثر الاصطدام والجوع والجفاف.
***
عاشت إرما فايتي في مدينة لودي بولاية كاليفورنيا. كانت سيدة في سنِّ السادسة والعشرين، عذراء، تعاني خوفًا مرضيًّا من الاغتصاب. استحالت حياتها كابوسًا طويلًا متصلًا منذ اليوم الثالث والعشرين من شهر يونيو، حيث انتشر السلب والنهب في أرجاء المدينة دون وجود شرطة تستوقف الناهبين. لدى إرما منزل صغير في شارع جانبي، وعاشت والدتها معها هناك حتَّى وفاتها إثر سكتة دماغية في العام 1985. عندما بدأ النهب، والأعيرة النارية، والأصوات المرعبة للرجال السكارى الجائلين ذهابًا وإيابًا عبر شوارع منطقة الأعمال الرئيسة راكبين درَّاجات نارية. أوصدت إرما على نفسها جميع الأبواب ثمَّ اختبأت في حجرة إضافية بالأسفل. منذئذٍ، داومت على التسلُّل بصفة دورية إلى الدور العلوي، بهدوء مثل فأر، كي تأتي بالطعام أو تقضي حاجتها.
لم تحب إرما البشر، لو مات جميع سكان الأرض باستثنائها، ستكون في قمَّة السعادة. لكن ليس ما جرى. بالأمس فقط، بعدما بدأ يراودها أمل حذر ألا يبقى أحد في لودي سواها. رأت رجلًا سكرانًا مثيرًا للاشمئزاز، هيپي يرتدي تي-شيرت كُتب عليه تخلَّيت عن الجنس والشراب فعشت أرعب عشرين دقيقة في حياتي، يجوب الشارع حاملًا قنينة ويسكي في يده. شعره أشقر طويل منسدل تمامًا حتَّى كتفيه من تحت قبَّعة دعائية يعتمرها. دسَّ عند خصر بنطاله الچينز الأزرق مسدَّسًا. اختلست إرما النظر عبر ستارة غرفة النوم حتَّى غاب عن أفق النظر ثمَّ سارعت بالنزول إلى الحجرة الإضافية المحصَّنة كأنها تحرَّرت من تعويذة شريرة.
ما كان جميعهم موتى. إذا بَقِيَ هيپي واحد، فهنالك هيپيون آخرون، وسيكونون جميعهم مغتصبين. سيغتصبونها. عاجلًا أم آجلًا سيعثرون عليها ويغتصبونها.
في هذا الصباح، قبل تباشير الضياء، تسلَّلت إلى العليَّة، حيث خُزِّنَت متعلِّقات والدها القليلة في صناديق من الكرتون. كان والدها بحَّارًا على متن سفينة تجارية. هجر والدة إرما في أواخر عقد الستينيات. حكت والدة إرما لابنتها إرما كل شيء. تحدَّثت معها بمنتهى الصراحة. كان والدها وحشًا يسكر ثمَّ يرغب في اغتصابها. جميعهم كذلك. حين تتزوَّجين، يمنحون الحقَّ للرجل في اغتصابك في أي وقت يريده، حتَّى في النهار. لخَّصت والدة إرما هجران زوجها لها في ثلاث كلمات، الكلمات نفسها التي تطبِّقها إرما مع وفاة كل رجل وامرأة وطفل تقريبًا على وجه الأرض: «ليست خسارة فادحة».
لم تحتوِ أغلب الصناديق على شيء سوى حليات رخيصة مشتراة من الموانئ الأجنبية: تذكار من هونج كونج، تذكار من سايجون، تذكار من كوپنهاجن. يوجد دفتر قصاصات يحتوي على صور. تُظهر أغلبها والدها على ظهر سفينة، أحيانًا يبتسم للكاميرا ويديه تُحِيطان بكتفي رفيقيه من الوحوش. في الواقع، ربما أودى ذلك المرض الذي يُطلقون عليه كابتن تِربس بحياته في المكان الذي أبحر إليه. ليست خسارة فادحة.
ولكن هنالك صندوقًا خشبيًّا بمفصِّلات ذهبية صغيرة. بداخل الصندوق سلاح، مسدَّس عيار 0.45، موضوع فوق بطانة القطيفة الحمراء، وداخل حجيرة سرية تحت القطيفة الحمراء توجد بضع رصاصات، خضراء ومطلحبة المظهر، ولكن رأت إرما أنها ستفي بالغرض. الرصاصات معدنية. لم تفسد مثل الحليب أو الجبن.
لقَّمت المسدَّس تحت ضوء المصباح الوحيد المغطَّى بشباك العنكبوت في العليَّة، ثمَّ نزلت لتناول إفطارها على طاولة مطبخها. لن تختبئ كفأر في جُحر بعد الآن. إنها مسلَّحة. فليحترس المغتصبون.
بعد ظهيرة بعد اليوم، خرجت إلى الشرفة الأمامية كي تقرأ كتابها. عنوان الكتاب «الشيطان حي ويبلي حسنًا على كوكب الأرض». كان كتابًا مروِّعًا ومسلِّيًا. نال الخطائون والعصاة جزاءهم، حسبما تنبَّأ الكتاب. ماتوا جميعهم، فيما عدا بضعة مغتصبين هيپيين، وارتأت أنها قادرة على التعامل معهم، فالسلاح بجوارها.
بحلول الساعة الثانية، عاد الرجل ذو الشعر الأشقر. اشتدَّ به السُّكر لدرجة أنه بالكاد استطاع الوقوف. رأى إرما فتهلَّل وجهه، يفكِّر دون شك في حُسن حظِّه في عثوره أخيرًا على «مُزَّة».
صاح لها: «أهلًا يا عَسُّولة، ها هنا أنا وأنتِ فقط، كم من الوقت..» ثمَّ غيَّم الرعب على وجهه حين رأى إرما تنحِّي كتابها وترفع مسدَّس 0.45.
«هاي، اسمعي، أنزِلي هذا الشيء.. أهو محشوٌّ؟ هاي..!».
ضغطت إرما على الزناد. انفجر المسدَّس، فقتلها في الحال. ليست خسارة فادحة.
***
عاش چورچ ماك دوجال في بلدة ناياك بولاية نيويورك. عَمِل مُدرِّسًا للرياضيات في المدرسة الثانوية، وتخصَّص في التدريس التشخيصي العلاجي (18) . كان هو وزوجته كاثوليكيين مواظبين على ممارسة الشعائر الدينية، وأنجبت له هارييت ماك دوجال أحد عشر طفلًا، تسعة أولاد وبنتين. لذا بين اليوم الثاني والعشرين من شهر يونيو الذي أسلم فيه ابنه چيف الروح عن عمر يناهز تسع سنوات بعدما شُخِّص لاحقًا بـ «التهاب رئوي من جراء الإنفلونزا»، واليوم التاسع والعشرين من يونيو حيث أسلمت ابنته پتريشا (رباه، كم كانت شديدة الجمال وفي مقتبل عمرها) الروح بسبب ما أطلق عليه الجميع -أولئك مَن عاشوا- فيما بعد الرقبة الأنبوبية، شهد چورچ على وفاة أحب اثني عشر شخصًا لديه في العالم فيما ظل يهنأ بالصحة والعافية. اعتاد المزاح في المدرسة بخصوص عدم قدرته على تذكُّر أسماء جميع أبنائه، بينما حُفِرَت في ذاكرته ترتيب رحيلهم عن الدنيا: چيف يوم 22، مارتي وهيلين يوم 23، هارييت زوجته وبِل وچورچ يوم 24، ريتشرد يوم 25، داني يوم 27، فرانك ابن السنوات الثلاث يوم 28، وأخيرًا پات، وكان يبدو على پات أنها تتحسَّن حتَّى زفرت أنفاسها الأخيرة.
حَسِب چورچ أنه سيفقد عقله.
بدأ يمارس العَدْوَ من عشر سنوات، بناء على نصيحة طبيبه. لم يلعب التنس أو كرة اليد، ودفع المال لطفل (أحد أطفاله بالطبع) من أجل جَزِّ العشب، واعتاد قيادة السيارة إلى متجر البقالة حينما تحتاج هارييت إلى رغيف خبز. قال له الدكتور ورنر: وزنك يزيد، ناهيك بالقيادة. هذا وضع غير جيد لقلبك. جرِّب العَدو.
لذا ابتاع لنفسه بذلة رياضية وداوم على العَدو كل ليلة، لمسافات قصيرة في البداية، ثمَّ لمسافات أطول فأطول. في البدء أحسَّ بثقة بالنفس، والجيران حتمًا ينقرون جباههم ويقلبون أعينهم، ثمَّ يأتي بضعة رجال عرفهم فقط حين يحيُّونه في خروجهم لسقاية مروجهم ويسألونه إن كان بمقدورهم الانضمام إليه، ربما يوجد أمان وسط الجمع. بحلول ذلك الوقت، انضمَّ كذلك ولدا چورچ الأكبر. تحوَّل الأمر إلى تقليد خاص بالحي، ورغم تغيُّر هوية الأفراد العدَّائين بين منضمِّين ومنسحبين، إلا أنه ظلَّ تقليدًا في الحي.
والآن مع موت الجميع، استمرَّ في العَدو، كل يوم، لساعات. في أثناء عدوه فقط، ودون تركيز على أي شيء أبعد من خبطات حذائه المخصَّص للتنس على الممشى وأرجحة ذراعيه وتنفُّسه المنتظم الأجش، أحسَّ بتبدُّد ذلك الإحساس بالجنون الوشيك. لم تطاوعه نفسه على الانتحار باعتباره كاثوليكي متديِّن يدرك أن الانتحار خطيئة مهلكة وأن الرب يرعاه حتمًا لأجل هدف ما، لذا عَدَا. بالأمس عَدَا لقرابة ست ساعات إلى أن انقطعت أنفاسه تمامًا وأوشك على التهوُّع مع شعور بالإنهاك. كان في سنِّ الحادية والخمسين، لم يَعُد شابًا، وافترض أن الإفراط في الركض غير جيد لصحَّته، ولكن من منظور آخر وأهم، فهو الشيء الوحيد الذي أبلى فيه حسنًا.
لذا استيقظ في الصباح مع مُستَهَلِّ ضيائه بعد ليلة لم يذُق فيها النوم تقريبًا (الخاطرة التي لعبت في عقله مرارًا وتكرارًا: چيف- مارتي- هيلين- هارييت- بِل- چورچ- چونيور- روبرت- ستانلي- ريتشرد- داني- فرانك- پات- وكنت-أظن- أنها-تتحسَّن) وارتدى بذلته الرياضية. خرج وهَمَّ بالعَدو جيئة ورواحًا في شوارع ناياك المهجورة، وقدماه تدهسان الزجاج المكسور في بعض اللحظات، بل إنه وثب مرَّة فوق تلفاز متهشِّم على الرصيف، متخطِّيًا الشوارع السكنية ذات الستائر المُسدلة، ومتخطِّيًا كذلك التصادم المريع الذي وقع بين ثلاث سيارات عند تقاطع الشارع الرئيس.
عَدَا في البدء، ثمَّ صار من الضروري أن يركض أسرع فأسرع حتَّى تتخلَّف الخواطر عن رَكبه. عَدَا فهرول فركض فأسرع لأقصى مدى في الختام. رجل يبلغ الحادية والخمسين بشعر أشيب ويرتدي بذلة رياضية رمادية وحذاءً أبيض للتنس، يهرع في الشوارع الخاوية ذهابًا وإيابًا وكأن جميع شياطين الجحيم في إثره. بحلول الحادية عشرة وربع الساعة، أصيب بجلطة قلبية حادَّة وخَرَّ صريعًا عند ناصية أوك وپاين، بالقرب من صنبور لمياه الحرائق. نمَّ وجهه عن تعبير يشبه كثيرًا الامتنان.
***
مدام إلين ديموند من مدينة كلوستن بولاية فلوريدا، ثملت بشدَّة من معاقرتها الكريم دي منث من صنع ديكويپر بعد ظهيرة الثاني من يوليو. أرادت أن تسكر لأنها حين تسكر، لن تضطرَّ إلى التفكير في أسرتها، والكريم دي منث هو الصنف الوحيد من الكحوليات الذي تقدر على تحمُّله. عثرت أمس على عبوَّة ملآنة بالماريوانا في غرفة ابنها ذي الأعوام الستة عشر ونجحت في الوصول للخَدَر، ولكن يبدو أن خَدَرها زاد الطين بلَّة. قبعت في غرفة معيشتها طيلة فترة بعد الظهيرة، مُخَدَّرة وتبكي على صور في دفتر القصاصات.
لذا في خلال بعد الظهيرة شربت قنينة كاملة من الكريم دي منث ثمَّ أصيبت بالغثيان وتقيَّأت في دورة المياه ثمَّ اتجهت إلى الفراش وأشعلت سيجارة ونامت وأحرقت المنزل عن بكرة أبيه، وهي لم تَعُد بحاجة إلى التفكير في الأمر، قط. اشتدت الرياح، وأحرقت أيضًا أغلب مدينة كلوستن. ليست خسارة فادحة.
***
عاش آرثر ستمسن في مدينة رينو بولاية نيڤادا. في خلال بعد ظهيرة اليوم التاسع والعشرين، وبعد السباحة في بحيرة تاهوي، داس مسمارًا صدئًا. تقرَّح الجرح من الغرغرينا. شخص الحالة بفعل الرائحة وحاول أن يبتر قدمه. في خضمِّ العملية فقد الوعي ومات من أثر الصدمة وفقدان الدماء في رواق كازينو قمار توبي هواره، المكان الذي حاول فيه إجراء العملية.
***
في مدينة سوانڤل بولاية مين، سقطت فتاة في سنِّ العاشرة تُدعى كاندس موران عن درَّاجتها وماتت إثر كسر في الجمجمة.
***
ملتون كراسلو، مُرَبِّي ماشية في مقاطعة هاردينج بولاية نيو مكسيكو، لدغته أفعى مجلجلة، ومات بعدها بنصف ساعة.
***
في بلدة مِلتاون بولاية كنتاكي، أحسَّت چودي هورتن بالامتنان للأحداث الأخيرة. كانت چودي فتاة جميلة في سنِّ السابعة عشر. قبلها بعامين، اقترفت خطأين فادحين: سمحت لنفسها بالحمل، وسمحت لوالديها بالحديث إليها بخصوص الزواج من الفتى المسؤول عن حَبَلها، وهو طالب هندسة بأربع أعين (19) يدرس بجامعة الولاية. في سنِّ الخامسة عشرة، أحسَّت بالإطراء فقط لأن طالبًا جامعيًّا طلب مواعدتها (حتَّى وإن كان مجرَّد طالبًا في السنة الأولى) ورغم إجهادها لذهنها بالتفكير، لم تستطع أن تتذكَّر سبب سماحها لوالدو -والدو هورتن، يا له من اسم مقزِّز- بـ «فرض إرادته» عليها، وما دامت ستحمل، فلماذا ينبغي أن يكون هو الأب؟ چودي سمحت أيضًا لستيڤ ڤيلبس ومارك كولنز بـ «فرض إرادتيهما» عليهما، وكلاهما لاعبان في فريق كرة القدم بمدرسة مِلتاون الثانوية (أو بالأحرى فريق مِلتاون كوچرز، اضرب-اضرب-اضرب-اضرب-لأجل-الأبيض-الأزرق-الذي-نحب) وكانت هَتَّافة للطريق. لولا ذلك الولد المقزِّز والدو هورتن، لأصبحت قائدة الهَتَّافات في عامها الدراسي الثالث، بسهولة. وعودة إلى المسألة المطروحة، كان إمَّا ستيڤ وإمَّا مارك سيصير زوجًا أليَق لها. حَظِيَ كلاهما بكتفين عريضتين، كما تمتَّع مارك بشعر أشقر شديد الجمال واصل حتَّى كتفيه. لكن والدو هو نصيبها، لا يمكن أن يصير أحدًا سوى والدو. كل ما عليها فعله هو مطالعة دفتر يومياتها وإجراء حساباتها، وبعد مولد الطفل لم تعد تحتاج إلى ذلك، فهو يشبهه تمامًا. يع.
لذا على مدار عامين طويلين ثابرت طوالهما عبر سلسلة من الوظائف المزرية في مطاعم الوجبات السريعة والموتلَّات، فيما واصل والدو دراسته بالجامعة. تنامى بداخلها كراهية عميقة لكُلِّيَّة والدو، بل فاقت كراهيتها للطفل ولوالدو ذاته. إن رغب لهذه الدرجة في تكوين أسرة، فلماذا لا يترك الدراسة ويعمل؟ لقد تركت دراستها، بينما لن يسمح والداه ووالداها بتركه دراسته. وحدها چودي مَن تستطيع إقناعه بكلام معسول (ستَحَمله على الإيفاء بوعده قبل أن تدعه يلمسها في الفراش)، لكن آباءهما الأربعة يدسُّون أنوفهم في شؤونهم في جميع الأوقات. يا چودي، ستتحسَّن ظروفكما أكثر بكثير حين يتوظَّف والدو في وظيفة جيدة. يا چودي، ستزهو الأحوال بشدَّة حين تزيدي مداومتك على الحضور في الكنيسة. يا چودي، كُلي خراءً واستمرِّي بالابتسام حتَّى يصيبكِ الإحباط، حتَّى تفقدي الأمل تمامًا.
ثمَّ أتت الإنفلونزا الفائقة وحلَّت لها جميع مشكلاتها. مات والداها، ومات ولدها الصغير پيتي (كان حدثًا حزينًا إلى حدٍّ ما، لكنها تخطَّته بعد بضعة أيام)، ثمَّ مات والدا والدو، وأخيرًا مات والدو ذات نفسه فانعتقت. لم يخطر على بالها فكرة احتمالية موتها قط، وبالطبع لم تفكِّر في ذلك.
عاشوا في بناية سكنية فسيحة تعرَّشت فوقها النباتات في وسط بلدة مِلتاون. من خصائص المكان الذي اشتراه والدو وجود غرفة تجميد فسيحة للحوم في سافلة البناية. حصلا على الشقَّة في سبتمبر من العام 1988، وتقع في الدور الثالث، ومَن الذي يتورَّط دائمًا حسبما يبدو في مهمَّة إخراج لحم الشواء والهمبرجر من غرفة التجميد؟ إليك ثلاثة تخمينات، وأول تخمينين لا يحتسبان. والدو وپيتي ماتا داخل المنزل. بحلول ذلك الوقت لا يمكنك الحصول على خدمات استشفائية إلا إذا كنت شخصًا رفيع الشأن، ومستودعات الجثث غامرة بها (إنها أماكن عتيقة مريبة على كل حال، وچودي لن تخاطر وتقترب من إحداها) لكن الكهرباء وقتئذٍ كانت ما تزال تعمل، لذا أخذتهما إلى الأسفل وأدخلتهما غرفة التجميد.
انقطعت الكهرباء عن مِلتاون منذ ثلاثة أيام مضت، ولكن ما زالت الغرفة بالأسفل باردة بقدر معقول. أدركت چودي ذلك لأنها داومت على النزول لمعاينة جثَّتيهما ثلاث أو أربع مرَّات يوميًّا. أخبرت نفسها أنها تعاينهما فحسب، وإلا فلأي سبب خلاف ذلك؟ بالتأكيد ليست شماتة منها.
نزلت في خلال بعد ظهيرة الثاني من يوليو، ونسيت وضع المصدِّ المطَّاطي تحت باب غرفة التجميد. تأرجح الباب من خلفها فانغلق وأوصد. أدركت حينئذٍ، وبعد عامين من المجيء والنزول إلى هنا، أنه لا يوجد مقبض داخلي على باب حجرة التجميد. وقتئذٍ أمست الحجرة دافئة جدًّا على التجميد، لكنها ليست شديدة البرودة حتَّى تشعر بالجوع، لذا ماتت چودي هورتن برفقة ولدها وزوجها في نهاية المطاف.
***
وصل چيم لي من مدينة هاتَّايسبرج بولاية ميسيسبي جميع مخارج التيار الكهربائي في منزله بمولد يعمل بالجازولين، فصعقته الكهرباء حين حاول تشغيله.
***
Published on January 11, 2025 12:47
No comments have been added yet.