أمة تحج وتجاهد.. وكاتبون وكتائب.. ومداد ودماء!


تلك خمسة أمورقد اجتمعت، فتمثل فيها اجتماع الحاضر بالتاريخ، والنازلات بالذكريات، والخاصبالعام.. فتأمل!

 

(1)

أتم الله الكريم نعمته على عباده، وهذاالعدد من مجلة "أنصار النبي ﷺ" هو بداية عامها الرابع، فنسأل الله تباركوتعالى أن تكون عملا طيبا وأن يكون ما بثته من العلم علما نافعا خالصا لوجههالكريم.

وتلك المجلة، هي جندي في كتيبة"الهيئة العالمية لأنصار النبي ﷺ"، وقد جرى تأسيسها وإطلاقها قبل ثلاثسنوات من الآن، ضمن السياسة العامة للهيئة، والتي تبتغي أن تكون نصرة النبي ﷺ عملادائما لا موسميا ولا ردة فعل.

وقد ابتدأت المجلة بثلاثة أقسام، وهيالآن مع انطلاقتها الرابعة تصل إلى سبعة أقسام..

بدأنا بثلاثة أقسام، هي: قسم يكتبهعلماء الهيئة ومن سواهم من العلماء وأهل الفضل. والقسم الثاني "أئمةالهدى" تخيرناه من كتابات العلماء والدعاة الراحلين في القرنيْن الأخيريْن،أولئك الذين هم جمٌّ غفير وجليل ولكنه مهضوم الحق في عالمنا المعاصر الذي لا تحتفيفيه الدول بأهل العلم ولا بتراثهم وذكراهم. والقسم الثالث "الصادعونبالحق" تخيرناه من كتابات العلماء والدعاة الأسرى الذين كلفتهم كلمة الحقمعاناة الأسر، فأخذنا على عاتقنا أن نذكر بهم ونبث صوتهم وننشر إنتاجهم.. وما أكثرأهل الفضل الأسرى في بلادنا.

واليوم مع انطلاقة العام الرابع قدأضيفت إلى مجلتنا المباركة أقسام جديدة، وهي:

قسم "سفراء النبي ﷺ"، وفيهننشر مقالات السادة الأفاضل الذين أخذوا على عاتقهم أن يكونوا ممثلين للهيئةالعالمية لأنصار النبي ﷺ في بلدانهم، وأن تكون مهمتهم في ديارهم هي بث فكرة النصرةومعانيها وواجباتها، وللهيئة العالمية الآن شبكة من السفراء الذين يحملون هذهالمهمة، بلغوا ثمانين سفيرا في خمسين دولة، وما زال العدد يزداد، وما تزال مهمةنصرة النبي ﷺ والتعريف به تحتاج إلى المزيد.

وقسم "بصيرة"، وفي هذا القسمنقتطف بعض ثمرات من إحدى مشاريع الهيئة العالمية، وهو مشروع "بصيرة"الذي يعني بهداية غير المسلمين، من خلال تعريفهم بالإسلام ودعوتهم إليه وإدخالهمفيه، ثم إدراجهم في مستويات تعليمية لتعلم الإسلام. وهذا المشروع يقوم الآن علىثلاث لغات، ويجتذب إليه شهريا نحو مائة مسلم جديد. فطلبنا إلى بعض هؤلاء المهتدينكتابة قصص اهتدائهم، وما الذي جذبهم في الإسلام وكيف دخلوا فيه، وعزمنا أن ننشربعض هذه القصص فإنها مما يحيى النفوس، ويحفز الدعاة، وينشر بركة الدين للقارئينوالسامعين.

وقسم "المنصفون"، وفيه عزمناعلى أن ننشر مقالات لبعض من أنصفوا النبي ﷺ من غير المسلمين، سواءٌ أكانوا منالمستشرقين أم من العرب والمشارقة غير المسلمين، فإن "الفضل ما شهدت بهالأعداء"، وإن الشهادة أبلغ ما تكون حين يشهد "شاهد من أهلها"، وكثيرٌمن أبناء المسلمين لا يعرفون ما هم فيه من النعمة لكونهم نشؤوا ودرجوا في رحابالإسلام وظله، فالنعمة عنها معهودة معتادة، ولكن غير المسلمين الذين نشؤوا فيالجاهلية وخبروها يستطيعون من موقعهم هذا أن ينتبهوا في محاسن الإسلام إلى ما لاننتبه له نحن المسلمين.

ثم نختم بقسم بريد القراء، وهو القسمالمفتوح لمن شاء من قرائنا الكرام أن يشاركنا بما تجود به قريحته، وما يسيل بهقلمه!

وما زلنا في إطار التفكير والتخطيطلأقسام أخرى، مثل: قسم للأطفال والناشئين، وقسم للغات الأخرى غير العربية.. ومانزال نحتاج من عموم القارئين دعمهم وإسنادهم: بالدعاء أولا وآخرا، وبالنشروالترويج للمجلة، وبترجمتها إلى غير اللغة العربية ليتسع انتشار ما فيها من الخيرفيكون ذلك في ميزان حسنات من ترجمها، وبما سوى ذلك من أنواع الدعم والمساندة..وأجر ذلك كله عند الله!

فالآن يرى القارئ هذا العدد الجديد، فيثوب مختلف قشيب، سائلين الله عز وجل أن يبلغ عنا وأن يجعل ذلك كله خالصا لوجههالكريم.

 

(2)

قبل أيام من صدور هذه المجلة، نفذالصهاينة اقتحاما جديدا للمسجد الأقصى المبارك، ومَكَّنوا قطعانا من المستوطنين منإقامة شعائر تلمودية في ساحته، وتبع ذلك كله احتفال وهيجان، وفيه قام أولئكالصهاينة –لعنهم الله- بسبٍّ جماعي لنبينا المعظم الأكرم ﷺ.

وبعدها قام أحدهم في الكنيست ليسخرهازئا من أجهزة الأمن الإسرائيلية التي كانت طوال سنوات سابقة تمنع المستوطنين منتنفيذ مثل هذه الشعائر، وتبرر ذلك بأنه لو صلى يهودي واحد في المسجد الأقصى لانفجرالشرق الأوسط كله. يقول هذا بين الشماتة والسخرية: ها قد صلى آلاف اليهود وليسيهوديا واحدا ولم يحدث شيء!

لم يعد مشهد اليهود وهم يقيمون صلواتهمفي الأقصى، ولا مشهدهم الجماعي وهم يسبون نبينا ﷺ مشهدا جديدا، لقد صار مشهدامتكررا..

وهو مشهدٌ يخبرك بحقيقة الحال الذيوصلنا إليه، وعلى الأخص والأدق: وصلت إليه هذه الأنظمة العربية والإسلاميةوحُكَّامها. ذلك أنه يُمكن تفهم أن هذه الأنظمة عاجزة ضعيفة لا تقوى على مجابهةالصهاينة ومواجهتهم وإيلامهم. وليس هذا التفهم بعذر أبدا، فإن أغلب هؤلاء الحكاممستقرون في بلادهم وممالكهم منذ سنين: عشر سنين وعشرين سنة وربع قرن ويزيد، فلوكان فيهم مخلص صادق يعمل بجد على نهضة بلده وشأنه ليجعل منها قوة حقيقية غيرمستذلة ولا مرهونة للصهاينة، لكان الآن في حال آخر يتمكن معه من الأخذ والردوالمساومة والقول والتهديد! غير أنهم لما كانوا خالين من الوطنية والانتماء فإنبلادهم زادت بهم ذلا وخزيا وعارا!

أقول: يمكن تفهم أن هذه الأنظمة عاجزةعن تهديد الصهاينة ومنعهم من تدنيس الأقصى ومن سبّ النبي الأكرم ﷺ، فهل يمكن إذنتفهم أن تستمر العلاقات السياسية والاقتصادية بينهم وبين الصهاينة بعد هذا كله.إنه لو كان عندهم دينٌ يحركهم، أو كانت في قلوبهم محبة حقيقية للنبي ﷺ، لظهر ذلكعلى تصرفاتهم وسلوكهم.

لكن العجيب الغريب، وما هو بعجيب ولاغريب على من يعرف حقيقتهم، أن تلك الأنظمة وهؤلاء الحكام –ومنهم اثنان ينتسبانبالنسب إلى النبي ﷺ، وما هما من أهله- يزيدون في التعاون مع الصهاينة رغبا ورهبا،إيمانا واحتسابا.. فأحدهما يواصل إمداد الصهاينة بما يحتاجونه من غذاء وسلع وأجهزةعبر معابره المفتوحة للبضائع المغلقة على المُقاومين، والثاني يستقبل لهم السفنالتي تحمل الأسلحة والذخائز القاتلة للمسلمين فينزلها في موانئه للتزود بالوقودوالصيانة ولوازم استكمال الرحلة! ثم هو الآن ينفذ معهم تدريبات عسكرية مشتركةيُطوِّرون فيها قدراتهم على قتل المسلمين في غزة!

إنها حوادث كاشفة فاضحة، والحديث عن أنهؤلاء الحكام مثلهم مثل الظلمة الجائرين من حكام المسلمين قديما هو حديث خرافة،فلا نعرف في أخبار السابقين –من الجائرين الظالمين- من كان يُجهَر بسبِّ النبيأمامه ثم هو لا يزال يوالي عدو الله وعدو رسول الله، ويحرص على إمداده بما يحتاجمن مال وسلاح ومؤامرات!

وذلك الحال يضع على عاتق العلماء وعاتقالشعوب مهمة ثقيلة ثقيلة في ضرورة إزاحة هؤلاء وإقصائهم وعزلهم وخلعهم عن مناصبهم،إن لم يكن بالواجب الشرعي الذي يستشعره المسلم دينا ويُحاسب عليه في الآخرة،فلضرورة الحياة الكريمة الطبيعية في الدنيا، وهي الأمر الذي يحرص عليه حتىالعلماني الذي لا يطلب إلا الدنيا.. فإن استمرار هؤلاء الحكام، وإن انكسارالمقاومة في فلسطين، سيجعل هؤلاء الصهاينة يتمددون ليسبوا رسول الله ﷺ في الأزهرالشريف وفي الجامع الأموي وفي المسجد النبوي.. كيف لا، وهم يعلنون أن أرضهم تمتدمن النيل إلى الفرات؟!!

إن الحفاظ على الحياة الدنيا، حتى لمنلم يرد إلا الحياة الدنيا، له ولأبنائه من بعده، لتدفعه دفعا نحو مكافحة هذهالصهيونية السرطانية الخبيثة أن تتمدد إلى ما سواها من البلدان! وهي مكافحةٌ منضروراتها وحتمياتها ولوازمها: إغاثة المقاومة في فلسطين بكل سبيل، وإزاحة هذهالأنظمة بكل سبيل أيضا.

(3)

وحيث وصلنا إلى ذكر الصمود وضرورته..فإنه تظللنا في هذه الأيام ذكرى فتح القسطنطينية، التي فُتحت في 29 مايو 1453م، قبلحوالي خمسة قرون وسبعين عاما. وفي هذه الذكرى صمودان يستحقان التوقف عندهما توقفامليا..

أما الصمود الأول فهو صمود القسطنطينيةذاتها، لقد صمدت أمام المسلمين ثمانية قرون، ولم يستطع المسلمون فتحها لا في عهدالأمويين ولا العباسيين، ولو أنها فُتِحَتْ في الموجة الأولى للفتوح لكان التاريخقد انقلب وكان الإسلام قد عمّ أوروبا كلها خلال قرن أو اثنين على الأكثر!

لكن صمود هذه المدينة، التي كانت قلعةالمسيحية الأرثوذكسية العتيقة، لثمانية قرون وفَّر الفرصة لأوروبا، وللمسيحيةالغربية أن تقوى ويشتد عودها وتنبت لها قرون أخرى من القوة وعواصم أخرى فتيةتستكمل مهمة مواجهة الإسلام. فعندما انهارت القسطنطينية لم تنهَر العقبة النصرانية،بل بعد سقوطها بأربعين سنة فقط كانت قوة النصرانية في إسبانيا تستكمل طرد المسلمينمن الأندلس، وتكتشف الأمريكتين وتحوزها، وتلتف لتحتل بلاد المسلمين في غربيإفريقيا وشماليها وجنوبيها وجنوبي آسيا! وكان لذلك كله نتائج كارثية على المسلمينلا تزال حتى الآن.

وأما الصمود الثاني فهو صمود محمدالفاتح نفسه وإصراره على فتح المدينة العنيدة، كان إصرار الفاتح على فتحالقسطنطينية لا يهتز، ومع أنه لقي في حرب فتحها من العنت والشدة والإخفاقات مايجعل أي متابع يفكر في تأجيل المعركة وإعادة الكرة بعد فترة، وهو الأمر الذياقترحه عليه فعلا بعض وزرائه وقادة حربه، ولكنه أبى وبشدة.. وبسبب هذا الإصرارالملح على فتح هذه المدينة، فتح الله عليه بالفكرة العبقرية غير المسبوقة ولاالملحوقة، وهي تسيير السفن فوق الجبل للنزول بها في خليج القرن الذهبي وتجاوز عائقالسلسلة الحديدية التي تغلق مجرى المضيق، وبهذا تم له الفتح!

إن الصمود في موقف واحد قد يغير خريطةالتاريخ لسنين أو لقرون أو للأبد.. وكذلك الصمود في موقف مقابل قد يحفظ خريطةالتاريخ لسنين أو لقرون أو للأبد..

ويمكن ضرب الكثير من الأمثلة على هذا..إن التاريخ ينقلب وتتغير مساراته بالمعارك، والمعركة الضخمة هي سلسلة من المواقف،وقد يكون الرجل الواحد في الوقت المناسب والمكان المناسب فارقا في حركة التاريخ..

هذا ما تصنعه الآن غزة.. وهذا ما تفرطفيه الآن سائر الدول العربية والإسلامية! فلغزة كل ما ينبني على المعركة من الأجروالفوز والظفر، ولهؤلاء المتخاذلين كل ما سينبني عليها من الفوت والخسارة والفرصةالثمينة الضائعة!

 

(4)

وما دمنا في حديث الذكريات التي تفرضحضورها في الواقع، وفي الواقع المرّ الذي يجذب أشباهه من الماضي، فقبل نحو ألف سنةإلا خمسين عاما، وفي مثل هذا الصيف كان الشام يعيش آخر صيفٍ إسلامي قبل أن تجبههالحملات الصليبية..

ويكفي للقارئ أن يعلم من ذلك التاريخشيئا واحدا واضحا: إن الحملات الصليبية التي غيرت التاريخ ولا تزال حاضرة وحية حتىالآن، إنما هي ثمرة لنجاح حملة صليبية واحدة هي الحملة الأولى.. وأما بقية الحملاتالصليبية السبعة فكلها قد فشل وعاد مهزوما!

لكن انتصارهم الأول وهزيمتنا الأولىشجعهم وحرضهم على المحاولة المستمرة لثماني مرات أخرى عبر قرنين من الزمان.. لقدكشفت الهزيمة الأولى أمام الحملة الصليبية الأولى أننا أمة ضعيفة ممزقة يمكن أنتُهزم ويمكن أن ينتزع منها بيت المقدس!!

ولو استطاع المسلمون يومها صدّ هذهالحملة الأولى ودحرها فأقل الأحوال أن أوروبا كانت سترجع عن فكرة الحملات الصليبيةلقرن واحد على الأقل، قبل أن ينسيها هذا القرن الذكرى ودرس الهزيمة لتحاول مرةأخرى.

والقارئ لتاريخ الحملات الصليبية يعرفجيدا أن هزيمة هذه الحملة الصليبية الأولى كان ممكنا غاية الإمكان، ولولا ما كانفيه المسلمون من التفرق والتمزق لاستطاعوا إبادتها بسهولة، ولقد سنحت فرصٌ كثيرةلإبادة هؤلاء ولكن فشلت جميعها لا لفارق القوة ولا العدد، بل لشيوع التنازع والتحارببين المسلمين، وتلك تفاصيل مريرة لا يتسع لها المقام، وكلها تفاصيل مؤلمة ومحرقة!

الحرب بين قلج أرسلان والحكيمالدانشمند مَكَّنت الصليبيين من احتلال عاصمة السلاجقة المسلمين في آسيا الصغرى ثماخترقوها إلى أنقرة، ثمانية أشهر صمدها أمير أنطاكية يطلب نجدة المسلمين فلمينجدوه مع أن الصليبيين الذين يحاصرونه قد هلكوا من الجوع، وهو نفسه هذا الأمير لوصمد ثلاثة أيام أخرى فحسب لكان قد رأى جيش الموصل قد وصل، وجيش الموصل نفسه لو لميكن تلكأ لكان قد وصل قبل سقوط أنطاكية، ولو أن قائده لم يكن عنيدا متعجرفا لكانقد انتصر على الصليبيين واستعاد منهم أنطاكية بعد أيام من اقتحامها، ولو أنالعلاقة بين قائده ورجاله، أو بين قائده وبقية الأمراء في الشام كانت أحسن حالالاستطاع سحق الصليبيين، وإنقاذ الشام كله.. ومائة "لو" تخبر بها كتبالتاريخ، كانت الواحدة منها لتحفظ بلاد المسلمين من هذا الشر المستطير الذي سُفكتفيه ملايين الدماء وما لا يعد ولا يحصى من الخسائر الأخرى، ولا تزال أمتنا حتى يومالناس هذا تدفع أثمانا كانت بدايتها تلك الأيام من الحملات الصليبية.

إن في قصة هذه الحملات وفي قصتناالمعاصرة شبه كبير.. سواء في البطولة أو في الخيانة، في العدو وفي الصديق، فيالشعوب وفي الحكام، في الغرب وفي الشرق..

وهذه المعركة القائمة في غزة تخبرنا أنالطرف الذي سينتصر فيها سيفتح لنفسه صفحة قوية في التاريخ.

(5)

يجتمع هذا الماضي وهذا الحاضر بالعبادةالسنوية المتجددة والمستمرة.. الحج إلى بيت الله الحرام.. وبهذه الأيام العشرالأوائل من ذي الحجة، والتي هي أفضل الأيام عند الله، والتي ما من أيام العملالصالح فيها أحب إلى الله منه في هذه العشر!

وإن من الفقه العميق الذي يخبرك عنذكاء الصحابة هو سؤالهم هذا الذي سألوه لما سمعوا هذه المعلومة، قالوا: ولا الجهادفي سبيل الله؟!

لقد كان القوم يفقهون ويعرفون أنالجهاد هو ذروة الأعمال كلها، وهو قمتها السامقة، ولقد أخبرهم النبي أن ذروةالجهاد وصورته النهائية هي التي تعدل العمل الصالح في هذه العشر، وهي صورة الرجلالذي ضحى بنفسه وماله وكل ما عنده في سبيل الله!

وبه نعرف أن الجهاد في هذه العشر هوذروة ذرى الأعمال كلها، وأن من أتيح له الجهاد فيها فقد حاز الشرف الذي لا يُطالولا يُرام.

إن في هذه الأمة أصولا وجذورا وبذوراتعيد بها وفيها إحياء نفسها، وهذا الموسم العام الذي يعم الأمة (العشر الأوائل)،وتلك العبادة التي يجتمع إليها المسلمون في مكان واحد من كل فج عميق، هذا الموسموتلك العبادة هي الأصول والقواعد التي تجدد الأمة فيها نفسها.

فالذي يصلي في المسجد الحرام أو المسجدالنبوي لا بد أنه سيتذكر المسجد الأقصى!

وأولئك الذين اختلفوا في كل شيء ثم لميجتمعوا هنا إلا للإسلام ستنبت فيهم –شعروا أو لم يشعروا- أنهم أمة واحدة عصية علىالتقسيم والتمزق، حتى لو ارتفعت الأسوار وتكاثرت الحدود!

والذي يخلع الثياب ليبقى في ثوبين،ويرجو الله والدار الآخرة، تُنْزَع من نفسه شدة التعلق بالدنيا، ليعرف أنه فيهاعابر زائل، وأنه لن يبقى له في مثل يوم الحشر هذا إلا عمله الصالح!

والذي يرى حوله الألوان والأشكالواللغات العديد وقد صاروا إخوانه من حوله، يعبدون الله كما يعبد، ويطوفون كما يطوفويسعون كما يسعى.. الذي يرى هذا لن يستطيع أن ينسى إخوانه الذين يعانون في البلادالقريبة والبعيدة!

الحج هو طاقة الشحن الإيمانية السنويةالتي تحيي في عروق هذه الأمة كافة ما أريد لها أن تنساه وأن تهجره.. وبه يظلالإسلام عميقا متجذرا، ناضرا متجددا، مزهرا متوردا.

وقريبا تجتمع الكتائب كما اجتمعالحجيج.. وقريبا يتحرر الأقصى ويُصلى فيه كما صُلِّي في البيت الحرام.

نشر في مجلة أنصار النبي - يونيو 2026

3 likes ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on June 06, 2025 12:24
No comments have been added yet.