Mohamed Ateaa's Blog - Posts Tagged "سوف-لن-يصل-إلى-وجهته-إبد-ا"

سوف لن يصل إلى وجهته إبدًا - 1

سوف لن يصل إلى وجهته إبدًا
مفتتح
الطرق التي يشقها النهر لن تكتمل إلا بموت النهر، ولم يجرؤ أحدنا أن يحاول أن يغرق النهر فالنهر لا يغرق ولكنه يجف فيموت مثل المحبة والمشاعر الدافئة التي تزورها الرياح فتبرد وتضمر وتصبح بحجم حبة أرز في داخل القلب ما يلبث أن يطهييها فتشيخ وتلقى في النهر الذي تنحرف أمواجه عنها فتموت ولا تنمو.
الحياة ليست قاسية ولا كما يقول الناس ظالمة، الحياة حياة وكل مننا يملك قاربه، يجلس الرجال بجانب النهر يسردون قصصهم معه، ويدونون نقاط شجاعتهم عليه ويخوضون في سيرته ويصفونه بأنه سئ وخاسر وقاسي القلب، ولكنهم هما من يحكون القصص دومًا فاللص دومًا هو النهر الذي لا يأتي إبدًا رغم أنه قريب للغاية، ليحكي لنا قصته ويسردها فطالما النهر جار ولا يملك لسانًا فالبحارين هم الشجعان على الدوام.
يملك كلاً مننا قاربه في قريتنا ويظلمون النهر ويشتمونه على الدوام، حتى الصغار مننا يحكون أن النهر كاذب ويلتهم حكايا الأطفال الصغار وأمنيات الصبايا ويدمر العلاقات بين الرجال والنساء ويصيب أرضنا بالقحط وينزل ببيوتنا ما لا يفعل، يسمع النهر ولا يرد، يرى النهر ولا يرد.
تحكى لنا عجوز القرية أن النهر يسعى دومًا إلى وجهة لا نعرفها ويبدو أنه لا يعرفها، تمخر كل يوم موجاته وتهدر مياهه لتصبح أشد وأقوى كأنه يستنجد بنا أن نرأف به وبحاله، أو أنه يريد أن يقول لنا شيئًا لا ندركه، تقول لنا العجوز أن النهر ليس قاسي ولا ظالم، النهر نهر مثل أن الحياة حياة والموت موت، فالسماء لا عيب فيها أنها زرقاء ولا أن الشمس يسيئها أنها تذهب في المغيب.
تردف أننا في القرية كلنا نملك قواربنا أليس كذلك؟ نقول نعم، فكل طفل في القرية يملك منذ مولده قاربه، وكل رجل وطفلة وشابة في القرية يملكون قواربهم وحتى كل عجوز لا يعمل وتطأ قدمه النهر يملك قاربه، نحن نعمل ونجد لنزين قاربنا ونجمله، ونقوي عوارضه كي تتحمل خبطات النهر الغادرة، نحمل معه في جيوب القارب ما يعيننا على رحلات الصيد الطويلة في النهر المتقلب الغاشم، نزين قواربنا ونشحذ أسلحتنا كي نتمكن من نزوله والعودة منه سالمين.
تقول العجوز: أن النهر ليس لديه ما يخفيه، وأن كل مننا عليه أن يجهز قاربه ويذهب في رحلته وحده، هناك قانون في القرية لا يمكننا أن نكسره مهما كانت الظروف، ومهما كانت الأحوال، لا يجب إبدًا أن يذهب أكثر من شخص واحد في قارب لنزول النهر، ستحل لعنة علينا جميعًا وسيجف النهر للأبد ولن تصبح هناك حياة بدون ذلك النهر الغبي.
في شروق شمس كل يوم، نجد ونصحو ونتأهب ونجهز قواربنا، نخزن ما سنحتاج لرحلتنا في النهر، يغادر في الرحلة كل أهل القرية، لا يبق أحد، مع شمس كل يوم تصبح القرية خاوية العروش، كهيكل سمكة تونة صغيرة في صحراء شاسعة، نبدأ في تجهيز قواربنا وننزل بها في النهر، نسمع أصوات تخبط كل قارب في الماء ومن ثم يغطس قليلا ويكمل رحلته، تبدأ كل القوارب في النزول، يدعو الأطفال إلا يصيبهم أذى وتدعو النساء إن يرجعن بسلام ولا يجفل الرجال للصوت الذي يصدره ارتطام قواربهم بأمواج النهر كأنهم لا يخشونه وهو يفعلون.
النهر في الأزمنة الغابرة تقول العجوز أنه كان مسالمًا وديعًا وطيبًا قبل أن تجن جنونه ويبحث عن وجهة لا يعرفها أحد في كل يوم يحاول أن يشق طريقًا جديدًا لوجهة لا يعلمها ولا نعلمها وفي خلال محاولاته تلك تهدر أمواجه لتهزأ بالرجال الخائفين الذين كانوا بالأمس يحكون عن صولاتهم وجولاتهم في بطن ذلك النهر، كأنه يقل لهم أهلاً بكم ولنكشف الأن الحقيقة، كل الحقيقة.
تبكي النساء ويذعر الأطفال، لا يأبه لهم النهر فالحقيقة أن النهر لا يعرف أصلا أنهم يمخرون عبابه ولا يدرك أن قواربهم ترتطم بأمواجه، هو لا يدرك أنهم يصيدون منه ويطعمون أنفسهم، ولا يهتم أن فعلوا، هو لا يفعل سوى ما عليه فعله كل يوم، محاولة الوصول لوجهة جديدة ومحاولة معرفة ما الذي يبحث عنه؟

29 يوليو
2020
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on July 29, 2020 01:29 Tags: سوف-لن-يصل-إلى-وجهته-إبد-ا

سوف لن يصل إلى وجهته إبدًا - 2

لما الحماسة عندما يخيل لنا أننا وصلنا لوجهتنا؟ ولما الحزن عندما تضيع البوصلة وجهتي وتشير لوجهتك أنت؟ لما كل الأمور التي أرتبها تفسد وبذكراك تكتمل، كيف تفسد الفرحة نفسها كي تمر ببالي فتصلح من زينتها وتصبح أجمل ذكرياتي.
لما لا يتوقف النهر الجارى بيننا، الواصل بيننا، لما لا أنفك أتوقف عن الحزن عندما يحزن النهر ويحمل رسائلك بعيدًا عني، أراها ولا أقراها، أراها ولا أدنو منها، أراها وأخافها، الموسيقى ذاتها تخاف ما بيننا، توشك أن تتحدث الألحان أنه كفى، أزل السد، أزل ما يفسد ذلك العالم لك، أزله وإلا زالت روحك، لكن الانعتاق من الشيء ليس كالولوج فيه مرة ثانية، تتيبس الأطراف،ـ ويقسو القلب، يصبح في نبضاته مثل خبطات عجوز القرية الذي يجدف وحيدًا في الليل ليصطاد سمكة عجوز مثله، لا أسنان لها، لتفرحه أنه اصطادها وليفرحها أنه سيمنحها يوم أخر لتعيشه، وتتوالي القصة مثل تتوالي موجات النهر الذي يفصل بيننا.
لما تخبو الأمال؟ وتدنو مننا الأمواج الهادئة الحزينة، كل أمواج النهر الهادئة حزينة وتحمل دومًا أخبار حزينة وسيئة، لن تشاهد عباب المحيط الذي يحمل الخير والرغبة والشهوة، في موجات النهر البائسة التي تسير بأخبارك إلي، أود أن اصل بهدير المحيط العابر وأمواجه القاسية لذلك النهر القابع بيننا، فأما أن يجدده ويصبح يانعًا مثل ابتسامة شفيتك في الصباح، أو كتورد يديك بعد كتابة قصيدة لن أراها، ولن يقرأها أحد لأنها قصيدتي، كل كلمات النهر الخامل فاسدة، ولا يعول عليها وكل المحبات المرسلة لغيرك فاسدة، كل الأسماك التي نهلت من قصائدك البائسة فاسدة.
الحياة قاسية دونك، عصية علي، وتناوشني بأكاذيبها نحوي، تجبرني على أن أخرج الذئب المنهزم ليحل محل الذئب المنتصر، لن تدرك كيف تكون الحياة مع ذلك الذئب، قاسية مثل صباحاتك التي لا تحمل ودًا، وقوارب صيدك التي لا تحمل مأرب سوى الغوص في وحل طين الكلمات بيننا، القوارب لا وجهة لها هي قوارب ستغرق في منتصف النهر، لن تصل ولن تنجو، سيرشدها الذئب لنهاية مشوارها ورحلتها.
الحياة دوني لعينة وعصية كعصيان الكلمات عليك وعصيان الأفكار علي، كعصيان السمكة العجوز على العجوز ذاته، كل طاقة تفنى في الانتظار بائسة، كل طاقة تعتمد على الصبر وقود لها بائسة، أمنياتي في الوصول كأمنياتك في الرحيل، أمنياتنا في الدنو في أن تجف مياه النهر، وأن تتوقف الاعتذرات بين المحيط الهادر والبحر وأن تأكل أسماك المحيط بعض قصائدك علها تبدأ في محبتك.
أتعرفين خيبات الأمل التى ترتسم على وجوه الأطفال عندما نعود دون أسماك، طعام، هدايا، أتعرفين خيبات الأمل عندما لا تعود القوارب حاملة بمن رحلو على متنها؟ أتعرفين خيبات الأمل عندما لا نعود، أتعرفين خيبة العجوز عندما يعرف أن أحدهم صاد رفيقة عمره السمكة العجوزة، وتناول كل كلمات الشعر منها، التي قولتيها لها وسمعتها منك في أمسيات مائلة للأزرق وللأرق، خيبات الأمل التي لا يمكننا الكتابة عنها هي الخيبات التي لا تتوقف عن التكرار، الأمل الذي لا نفقده هو الألم الذي يؤلم، الأمال التي نفقدها، تذهب بلا عودة، الأمال التي نكنها أن تعود القوارب محملة بأسماك قرضت شعرك، وحفظت كلماتك، أمال قاسية لأنها لا تتحقق، ولأنها لا تنفك عن الزوال.
الوصول للوجهة يتطلب قدرًا أدنى من الجهد والأصرار، الدنو من الشاطيء يتطلب روحًا راغبة في ذلك، يتطلب قوارب عفية، يتطلب صدق وأمل وشيء ننجو لأجله، وننحو نحوه، ونتشبث بعافيتنا لأجله، العجوز الآن ترك القارب يهيم به، ناحية الشلال الذي لا يبدو سعيدًا بما يحدث، الشلال يود أن يخطف روح العجوز بمقاومته وليس برضا منه، والعجوز لا يود أن يحيا بعد قطف حياة سمكته العجوز، والسمكة العجوز كانت تود أن يتم صيدها بيد صديقها العجوز لا غيره، ليست الأمالي هي المشكلة المشكلة في أن تحقيق تلك الأمالي تأتي بيد من لا نرغب بهم، كالنهر الذي يحمل طعومًا منك يريدها البحر ويريد النهر أن يظل حزينًا كما كان.
أفلا طوبى لمن يملكون وجهة ما، وطوبى للبائسين الذي عرفوا أن الوجهة هي الرحلة ذاتها فتوقفوا عن البحث، وطوبى للعجوز الذي فقد شغفه، وغاص في أوحال الرهق، طوبي للغارقين، والتعبانون والناجون إلى حين.

27 سبتمبر
2020
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on September 27, 2020 02:52 Tags: سوف-لن-يصل-إلى-وجهته-إبد-ا