الجمل فرحان ـ قصة للأطفال
الجمل فرحان ـ قصة للأطفال
بقلم: علياء الداية
استمعَ الجملُ فرحان إلى عامل الحديقةِ يتحدَّثُ معَ ابنِه قائلاً: قريباً ستُفلِسُ إدارةُ حديقةِ الحيوانِ، وسيُضطرّون إلى الاستغناء عن الجمل فرحان. قالَ الابن: كم هذا مؤسفٌ، لقد اعتدنا هذا الجمل ذا السّنامَين، تُرى ماذا سيحلُّ به؟ ثمَّ مَضَيا دون أن يسمعَ الجملُ فرحان بقيَّة حديثهما.
شعرَ فرحان بالحزن، هل سيستغنون عنه حقّاً؟ فتحَ عاملُ الحديقةِ بابَ السُّورِ كالعادة عندما يحينُ موعدُ الوجبة، وقال: لحظات ويصبحُ الطَّعامُ أمامَك. نظرَ فرحانُ حوله، وخطا خطواتٍ في المكان الفسيح، وهو ينتظر، ففي مثل هذا الوقتِ عصراً تُغلِقُ حديقةُ الحيوان أبوابَها، وتخفُّ ضجَّةُ السّيَّاراتِ، فالحديقةُ تقع على أطراف المدينة قريباً من السَّاحات التُّرابيَّة والبراري.
«تأخَّرَ عاملُ الحديقة»، قال فرحانُ لنفسه، «سأبحثُ عنه!». مشى خطوتين نحوَ بابِ السُّور، ولكنْ لا أحدَ هُناك. واصلَ خطواتِه المُتمهِّلة، هذه هيَ المرَّة الأولى الّتي يخطو فيها خارجَ السُّور، ولا يلحقُ به أحدٌ. وما هي إلاّ مسافة قصيرة حتَّى وجدَ نفسَه قد تجاوزَ الحديقةَ، وحولَهُ أرضٌ تُرابيَّةٌ واسعة، ومن بعيد ثمَّةَ طريقٌ طويلٌ تمرُّ فيه السّيَّارات.
اجتازَ فرحان الطَّريقَ بسهولة مع أنَّ سيَّارةً مسرعةً أطلقتْ نفيراً عالياً، ومدَّ السَّائقُ رأسَه مُتعجِّباً من وجودِ جملٍ في مكانٍ مُخصَّصٍ للسّيَّارات! والآنَ، كلُّ ما يحيط بفرحانَ هو الرِّمال. كان جائعاً، فانحنى يتناولُ بعضَ الأعشابِ الّتي تطلُّ من بين الأحجارِ القليلةِ في المكان. وحين رفعَ رأسَه كان أمامه جملٌ آخرُ ذو سنامَين، فبادره فرحان قائلاً:
- مَن أنتَ؟ أنتَ تُشبِهُني كثيراً!
- نعم، فأنا جملٌ مِثلك، اسمي سرحان.
- وأنا اسمي فرحان.
- ولكنَّك تبدو حزيناً.
وحكى له فرحانُ سببَ حزنه، وأنَّه سيُفارقُ حديقةَ الحيوانِ الّتي نشأ فيها، ولم يعرفْ غيرَها في حياته. أمَّا سرحان فبَيَّنَ له أنَّ سببَ إطلاق اسم «سرحان» عليه، هو كثرةُ شرودِه، وأنَّه سرح عن المحميَّة الطَّبيعيَّة مرَّاتٍ عدّة، فسأله فرحان:
- ما المَحميَّة؟
- المحميَّةُ منطقةٌ طبيعيَّةٌ تعيشُ فيها الحيواناتُ البرّيَّة، حيث يُمنع البشرُ من صيدها، لحمايتها من الانقراض. إنَّها واسعةٌ جدّاً، وفيها نباتاتٌ، وحيواناتٌ كثيرةٌ تتجوَّل هُنا وهناك، ويُشرِفُ عليها فريقٌ من العُلماء والمُوظّفين.
قال فرحان: إنَّها مختلفةٌ عن حديقة الحيوانِ الَّتي تحوي أقفاصاً ومساحاتٍ محدودةً، ليس في إمكاني الرَّكضُ إلى أماكنَ بعيدة فيها. ولكنْ ما الانقراض؟
- الانقراضُ هو اختفاءُ نوعٍ من الحيوانات نهائيّاً، ألم تشاهد ذلك في شاشة التّلفاز؟
- لا، كنتُ ألمحُ فقط شاشاتِ الهواتفِ المحمولة الَّتي يُصوِّرُني بها مُرتادُو الحديقة.
- غريب! تعرفُ الهاتفَ المحمول وتجهلُ التّلفاز؟! أمّا أنا فأقتربُ من نافذة غرفة حارس المحميَّة، وأُشاهدُ منها شاشة التّلفاز والمحطَّات الفضائيَّة، وأطّلعُ على الكثير من البرامج المفيدة. لا بدَّ من أنَّهم يبحثون عنّي الآن، وسيجدونني كالمعتاد. ما رأيُك في أن تأتيَ معي؟
- إلى المحميَّة الطَّبيعيَّة؟
- أجل، سرحان وفرحان، سنكون سَعِيدَينِ هُناك! لا تقلق، سيُجْرُونَ لك فحوصاً طبّيَّة، وسيفرحُ الجميع بانضمامك إلى المكان.
- وسأُشاهدُ التّلفازَ والبرامجَ المفيدة؟
- بالتَّأكيد، ها قد جاؤوا.
ومن بعيد، كانت شاحنةُ المحميَّة في طريقها إلى الجَمَلَين، وهما ينتظران الأيَّامَ المُقبِلَة.
* نشرت القصة في مجلة أسامة ـ دمشق، العدد 765، شباط/فبراير 2017
بقلم: علياء الداية
استمعَ الجملُ فرحان إلى عامل الحديقةِ يتحدَّثُ معَ ابنِه قائلاً: قريباً ستُفلِسُ إدارةُ حديقةِ الحيوانِ، وسيُضطرّون إلى الاستغناء عن الجمل فرحان. قالَ الابن: كم هذا مؤسفٌ، لقد اعتدنا هذا الجمل ذا السّنامَين، تُرى ماذا سيحلُّ به؟ ثمَّ مَضَيا دون أن يسمعَ الجملُ فرحان بقيَّة حديثهما.
شعرَ فرحان بالحزن، هل سيستغنون عنه حقّاً؟ فتحَ عاملُ الحديقةِ بابَ السُّورِ كالعادة عندما يحينُ موعدُ الوجبة، وقال: لحظات ويصبحُ الطَّعامُ أمامَك. نظرَ فرحانُ حوله، وخطا خطواتٍ في المكان الفسيح، وهو ينتظر، ففي مثل هذا الوقتِ عصراً تُغلِقُ حديقةُ الحيوان أبوابَها، وتخفُّ ضجَّةُ السّيَّاراتِ، فالحديقةُ تقع على أطراف المدينة قريباً من السَّاحات التُّرابيَّة والبراري.
«تأخَّرَ عاملُ الحديقة»، قال فرحانُ لنفسه، «سأبحثُ عنه!». مشى خطوتين نحوَ بابِ السُّور، ولكنْ لا أحدَ هُناك. واصلَ خطواتِه المُتمهِّلة، هذه هيَ المرَّة الأولى الّتي يخطو فيها خارجَ السُّور، ولا يلحقُ به أحدٌ. وما هي إلاّ مسافة قصيرة حتَّى وجدَ نفسَه قد تجاوزَ الحديقةَ، وحولَهُ أرضٌ تُرابيَّةٌ واسعة، ومن بعيد ثمَّةَ طريقٌ طويلٌ تمرُّ فيه السّيَّارات.
اجتازَ فرحان الطَّريقَ بسهولة مع أنَّ سيَّارةً مسرعةً أطلقتْ نفيراً عالياً، ومدَّ السَّائقُ رأسَه مُتعجِّباً من وجودِ جملٍ في مكانٍ مُخصَّصٍ للسّيَّارات! والآنَ، كلُّ ما يحيط بفرحانَ هو الرِّمال. كان جائعاً، فانحنى يتناولُ بعضَ الأعشابِ الّتي تطلُّ من بين الأحجارِ القليلةِ في المكان. وحين رفعَ رأسَه كان أمامه جملٌ آخرُ ذو سنامَين، فبادره فرحان قائلاً:
- مَن أنتَ؟ أنتَ تُشبِهُني كثيراً!
- نعم، فأنا جملٌ مِثلك، اسمي سرحان.
- وأنا اسمي فرحان.
- ولكنَّك تبدو حزيناً.
وحكى له فرحانُ سببَ حزنه، وأنَّه سيُفارقُ حديقةَ الحيوانِ الّتي نشأ فيها، ولم يعرفْ غيرَها في حياته. أمَّا سرحان فبَيَّنَ له أنَّ سببَ إطلاق اسم «سرحان» عليه، هو كثرةُ شرودِه، وأنَّه سرح عن المحميَّة الطَّبيعيَّة مرَّاتٍ عدّة، فسأله فرحان:
- ما المَحميَّة؟
- المحميَّةُ منطقةٌ طبيعيَّةٌ تعيشُ فيها الحيواناتُ البرّيَّة، حيث يُمنع البشرُ من صيدها، لحمايتها من الانقراض. إنَّها واسعةٌ جدّاً، وفيها نباتاتٌ، وحيواناتٌ كثيرةٌ تتجوَّل هُنا وهناك، ويُشرِفُ عليها فريقٌ من العُلماء والمُوظّفين.
قال فرحان: إنَّها مختلفةٌ عن حديقة الحيوانِ الَّتي تحوي أقفاصاً ومساحاتٍ محدودةً، ليس في إمكاني الرَّكضُ إلى أماكنَ بعيدة فيها. ولكنْ ما الانقراض؟
- الانقراضُ هو اختفاءُ نوعٍ من الحيوانات نهائيّاً، ألم تشاهد ذلك في شاشة التّلفاز؟
- لا، كنتُ ألمحُ فقط شاشاتِ الهواتفِ المحمولة الَّتي يُصوِّرُني بها مُرتادُو الحديقة.
- غريب! تعرفُ الهاتفَ المحمول وتجهلُ التّلفاز؟! أمّا أنا فأقتربُ من نافذة غرفة حارس المحميَّة، وأُشاهدُ منها شاشة التّلفاز والمحطَّات الفضائيَّة، وأطّلعُ على الكثير من البرامج المفيدة. لا بدَّ من أنَّهم يبحثون عنّي الآن، وسيجدونني كالمعتاد. ما رأيُك في أن تأتيَ معي؟
- إلى المحميَّة الطَّبيعيَّة؟
- أجل، سرحان وفرحان، سنكون سَعِيدَينِ هُناك! لا تقلق، سيُجْرُونَ لك فحوصاً طبّيَّة، وسيفرحُ الجميع بانضمامك إلى المكان.
- وسأُشاهدُ التّلفازَ والبرامجَ المفيدة؟
- بالتَّأكيد، ها قد جاؤوا.
ومن بعيد، كانت شاحنةُ المحميَّة في طريقها إلى الجَمَلَين، وهما ينتظران الأيَّامَ المُقبِلَة.
* نشرت القصة في مجلة أسامة ـ دمشق، العدد 765، شباط/فبراير 2017
Published on March 10, 2017 11:24
No comments have been added yet.
علياء الداية's Blog
- علياء الداية's profile
- 778 followers
علياء الداية isn't a Goodreads Author
(yet),
but they
do have a blog,
so here are some recent posts imported from
their feed.
