خطوات قريبة من الحزن وبعيدة عنك!
(1)
ما الأكثر وجعاً الحزن؟ أم الندم؟ ما الأكثر إيلامًا لروح أصلا معذبة؟ هل هو العتاب؟ هل الصمت ما يجبر الروح أم ما يكسرها؟ هل الكلمات تعكس ما في داخلنا من حزن دفين! ما الذي يثير للأخرين شفقتهم علينا هل هي تجاربنا التي نحكيها أم تجاربنا التي نحبسها في جدران أرواحنا فلا نحكيها لأحد وتظل حبيسة حتى الموت.
ما الذي يجعل الحزن قريباً بكل تلك الخسة، لماذا ينفرد بنا في الوحدة لا مع الجمع؟ لماذا يظل يرفرف فوق رؤسنا في خفة من أمام من يروننا وفي صخب في داخل أنفسنا، لما لا يكف الحزن عن الوميض في الأعين ويظل متعلقًا في أيدينا لا يود أن نفلته ولا يود أن يفلتنا.
(2)
الخيار الصعب دومًا هو أن تختار بين أن تكون حزينًا وأن تكون وحيدًا عندما تفقد كل اصدقاءك وتحوم حول منك أسراب طيور الوحدة التي لا تكف عن التحليق في عينك، التي تحب رؤيتها وتدمن تلك الرؤية التي تحتل كل مساحات الصور في ذاكرتك وفي عينك وفي ملامحك، الخيار الأكثر صعوبة هو أن تفلت كل شيء لتنجو وتتعافي، لتهزم نفسك بنفسك كي يبدو أنك منتصر وأنت خاسر والله خاسر وضعيف ولكن لعن الله الكلمات التي تودي بالاصدقاء في الجهات البعيدة وتأتي لك بأحفان من الحزن اللطيف الذي لا يتوقف عن أن يكون لطيفا لتعاشره وتدمن عشرته تلك وتحبها.
هل كل الأحزان متشابهة؟ هل كل الرؤوس السوداء التي تراها تبدو من بعيد هي حزن مغفل لم ينضج بعد ينتظر مرورك ليصبح حزنا أكثر بزوغا واكثر حدة واكثر في كل شيء يسيء إليك!
(3)
تذكر رسائلك الماضية التي أرسلتها لنفسك ، تذكر وعودك الواهية وكلماتك المائعة التي لا تسمن ولا تغني من شيء، تذكر كتاباتك التي كتبتها ومررتها، تذكر أحزانك التي لم تمر لأنك لم تكن هنا وتذكر كيف بدأت سنواتك الماضية حزيناً أو غاضبًا، تذكر أن مطلع ثلاث سنوات خلت كانت حزينة وتؤمي لك إلا تحزن، تذكر أنه مع نهاية ثلاث سنوات مضت كانت حزينة وكنت أنت ترفض أن تصدق أن ذلك يتكرر وبشكل مستمر فلما؟
لما الحزن في مطلع الاشياء والاوقات لما ميقات الحزن والغضب ينظبطان وفق ما تريد ووفق ما تشاء، لما تحوم حول رأسي أسئلة الحيرة والشك في كوني شخص سيء لا يريده أحد ولا يود أن يبق بحواره أحد، هل رحلتي تلك وصمتني بذلك، هل الهم من يفعل ذلك ويثيرة أتربة الحيرة في روحي، هل كل خطوة قريبة عني وبعيدة عني تقدمني للحزن لقمة سائغة؟
هل علي أن أحزن وأنا أتعافي؟ هل علي أن أتعافي أصلا، هل ينمو مكان الندبة شيء؟ هل ينمو مكان الندبة وردة سوداء؟ هل ينبت في القلب شيء أصلا وهو يحمل ندبة لا تلتئم؟ هل كل الخطوات البعيدة عني تقربني لشيء وهل كل السفر الذي لا أعرفه وينتظرني سيعيد لي شيء مما شعرت به وأنا على أطراف الوجع والهم، هل كل ذلك الحزن يتبعه خزى؟ هل كل الخزى الذي أشعر به ويستعر في أطرافي وفي رأسي ويؤلمني أكثر من الحزن ذاته سيدوم؟ إلا لعنة الله على القريبين من الحزن والبعيدين عنه والمنصتين له.
(4)
كيف كانت حياتك قبل أن تحزن؟ قبل أن تستمر رحلتك؟ قبل أن توجع نفسك أصلا؟ هل كانت سعيدة؟ هل منذ أن غادرت باب البشارة ولعنتها؟ ومنذ أن أنهيت باب التيه وغادرته، حملت قدرا من سعادة قط؟ هل لازمك الحزن كل ذلك العمر ولن ينضب؟ هل لم يتوقف الملح الذي يحضر في الأحلام فيفسدها؟ هل لم يتوقف طعم المرارة في فمك في رحلتك وفي سيرك، هل لازالت الأسرار نفسها، هل فسدت الوعود والكلمات فباتت تؤلم كل ما تذكرها؟
لما علي أن أكمل طريقي حزينا ما الذي ينتظرني في رحلتي وما الذي سيحدث أن تجاهلت الأثر، ما الذي يحدث أن وأدت الأثر ذاته ودفنته في صحراء أبرد من قلوب الأصدقاء الذين لم يعودوا موجودين، الذين اختفوا في أوقات ثم عادوا ليرتابوا في وجودنا وفي حقيقتنا، الذين أضرموا النار في خيمتنا وثقبوا سفينة النجاة الوحيدة لأنهم غضبي ولم نقدرهم جيداً، لأنهم ارتحلوا ومن ثم تذكروا أن هناك من نسوهم فقرروا أن يعودوا لهم ولكن بكثير من العتاب والتراب الذي يحمله السفر، بكثير من الحيرة والأسئلة التي لا يجدون إجابات لها فيسألوننا نحن وما المسئول أعلم من السائل فلعن الله الأثنان معاً.
(5)
كل خطوة قريبة من الحزن هي خطوة بعيدة عني وكل خطوة بعيدة عني هي خطوة أبعد عنك، وكل خطوة قريبة من الحزن هي قريبة من الانعتاق وقريبة من الانفلات والتعافي، هل سنشفي منكم؟ لا أعرف؟ هل سنمرض مجدداً وتتلف أرواحنا؟ لا أعرف؟ هل سيشفي الحزء الحزين في الروح والندبة التي في القلب؟ لا أعرف ولكن على المسيرة وليس على الوصول، علي السعي وليس على التتمة، على المضي في الأمر وليس تمام الأمر، علي أن أظل حياً لأعبر هذا الباب اللعين الموغل في داخلي، وعلي أن أسير والحزن يتساقط مني في الأروقة التي لا تتوقف عن دفعي خارجها علي أن أصلب حزني في خارج هذا الباب لالتفت لما قد يحدث فعل ما قد يحدث يغير من الأمر شيء وأنسى حزنكما وندبتكما التي لم تتوقف عن إيلام قلبي منذ بدأت رحلتي وحتى عندما تنتهي.
-------------------------
باب ما جاء في الحزن
عطية
التدوينة العاشرة في السنة العشرين بعد الالف الثانية
ما الأكثر وجعاً الحزن؟ أم الندم؟ ما الأكثر إيلامًا لروح أصلا معذبة؟ هل هو العتاب؟ هل الصمت ما يجبر الروح أم ما يكسرها؟ هل الكلمات تعكس ما في داخلنا من حزن دفين! ما الذي يثير للأخرين شفقتهم علينا هل هي تجاربنا التي نحكيها أم تجاربنا التي نحبسها في جدران أرواحنا فلا نحكيها لأحد وتظل حبيسة حتى الموت.
ما الذي يجعل الحزن قريباً بكل تلك الخسة، لماذا ينفرد بنا في الوحدة لا مع الجمع؟ لماذا يظل يرفرف فوق رؤسنا في خفة من أمام من يروننا وفي صخب في داخل أنفسنا، لما لا يكف الحزن عن الوميض في الأعين ويظل متعلقًا في أيدينا لا يود أن نفلته ولا يود أن يفلتنا.
(2)
الخيار الصعب دومًا هو أن تختار بين أن تكون حزينًا وأن تكون وحيدًا عندما تفقد كل اصدقاءك وتحوم حول منك أسراب طيور الوحدة التي لا تكف عن التحليق في عينك، التي تحب رؤيتها وتدمن تلك الرؤية التي تحتل كل مساحات الصور في ذاكرتك وفي عينك وفي ملامحك، الخيار الأكثر صعوبة هو أن تفلت كل شيء لتنجو وتتعافي، لتهزم نفسك بنفسك كي يبدو أنك منتصر وأنت خاسر والله خاسر وضعيف ولكن لعن الله الكلمات التي تودي بالاصدقاء في الجهات البعيدة وتأتي لك بأحفان من الحزن اللطيف الذي لا يتوقف عن أن يكون لطيفا لتعاشره وتدمن عشرته تلك وتحبها.
هل كل الأحزان متشابهة؟ هل كل الرؤوس السوداء التي تراها تبدو من بعيد هي حزن مغفل لم ينضج بعد ينتظر مرورك ليصبح حزنا أكثر بزوغا واكثر حدة واكثر في كل شيء يسيء إليك!
(3)
تذكر رسائلك الماضية التي أرسلتها لنفسك ، تذكر وعودك الواهية وكلماتك المائعة التي لا تسمن ولا تغني من شيء، تذكر كتاباتك التي كتبتها ومررتها، تذكر أحزانك التي لم تمر لأنك لم تكن هنا وتذكر كيف بدأت سنواتك الماضية حزيناً أو غاضبًا، تذكر أن مطلع ثلاث سنوات خلت كانت حزينة وتؤمي لك إلا تحزن، تذكر أنه مع نهاية ثلاث سنوات مضت كانت حزينة وكنت أنت ترفض أن تصدق أن ذلك يتكرر وبشكل مستمر فلما؟
لما الحزن في مطلع الاشياء والاوقات لما ميقات الحزن والغضب ينظبطان وفق ما تريد ووفق ما تشاء، لما تحوم حول رأسي أسئلة الحيرة والشك في كوني شخص سيء لا يريده أحد ولا يود أن يبق بحواره أحد، هل رحلتي تلك وصمتني بذلك، هل الهم من يفعل ذلك ويثيرة أتربة الحيرة في روحي، هل كل خطوة قريبة عني وبعيدة عني تقدمني للحزن لقمة سائغة؟
هل علي أن أحزن وأنا أتعافي؟ هل علي أن أتعافي أصلا، هل ينمو مكان الندبة شيء؟ هل ينمو مكان الندبة وردة سوداء؟ هل ينبت في القلب شيء أصلا وهو يحمل ندبة لا تلتئم؟ هل كل الخطوات البعيدة عني تقربني لشيء وهل كل السفر الذي لا أعرفه وينتظرني سيعيد لي شيء مما شعرت به وأنا على أطراف الوجع والهم، هل كل ذلك الحزن يتبعه خزى؟ هل كل الخزى الذي أشعر به ويستعر في أطرافي وفي رأسي ويؤلمني أكثر من الحزن ذاته سيدوم؟ إلا لعنة الله على القريبين من الحزن والبعيدين عنه والمنصتين له.
(4)
كيف كانت حياتك قبل أن تحزن؟ قبل أن تستمر رحلتك؟ قبل أن توجع نفسك أصلا؟ هل كانت سعيدة؟ هل منذ أن غادرت باب البشارة ولعنتها؟ ومنذ أن أنهيت باب التيه وغادرته، حملت قدرا من سعادة قط؟ هل لازمك الحزن كل ذلك العمر ولن ينضب؟ هل لم يتوقف الملح الذي يحضر في الأحلام فيفسدها؟ هل لم يتوقف طعم المرارة في فمك في رحلتك وفي سيرك، هل لازالت الأسرار نفسها، هل فسدت الوعود والكلمات فباتت تؤلم كل ما تذكرها؟
لما علي أن أكمل طريقي حزينا ما الذي ينتظرني في رحلتي وما الذي سيحدث أن تجاهلت الأثر، ما الذي يحدث أن وأدت الأثر ذاته ودفنته في صحراء أبرد من قلوب الأصدقاء الذين لم يعودوا موجودين، الذين اختفوا في أوقات ثم عادوا ليرتابوا في وجودنا وفي حقيقتنا، الذين أضرموا النار في خيمتنا وثقبوا سفينة النجاة الوحيدة لأنهم غضبي ولم نقدرهم جيداً، لأنهم ارتحلوا ومن ثم تذكروا أن هناك من نسوهم فقرروا أن يعودوا لهم ولكن بكثير من العتاب والتراب الذي يحمله السفر، بكثير من الحيرة والأسئلة التي لا يجدون إجابات لها فيسألوننا نحن وما المسئول أعلم من السائل فلعن الله الأثنان معاً.
(5)
كل خطوة قريبة من الحزن هي خطوة بعيدة عني وكل خطوة بعيدة عني هي خطوة أبعد عنك، وكل خطوة قريبة من الحزن هي قريبة من الانعتاق وقريبة من الانفلات والتعافي، هل سنشفي منكم؟ لا أعرف؟ هل سنمرض مجدداً وتتلف أرواحنا؟ لا أعرف؟ هل سيشفي الحزء الحزين في الروح والندبة التي في القلب؟ لا أعرف ولكن على المسيرة وليس على الوصول، علي السعي وليس على التتمة، على المضي في الأمر وليس تمام الأمر، علي أن أظل حياً لأعبر هذا الباب اللعين الموغل في داخلي، وعلي أن أسير والحزن يتساقط مني في الأروقة التي لا تتوقف عن دفعي خارجها علي أن أصلب حزني في خارج هذا الباب لالتفت لما قد يحدث فعل ما قد يحدث يغير من الأمر شيء وأنسى حزنكما وندبتكما التي لم تتوقف عن إيلام قلبي منذ بدأت رحلتي وحتى عندما تنتهي.
-------------------------
باب ما جاء في الحزن
عطية
التدوينة العاشرة في السنة العشرين بعد الالف الثانية
Published on January 05, 2020 03:00
•
Tags:
و_سأظل_أقتفي_أثرك_و_لا_أصل
No comments have been added yet.